من المفارقات العجيبة أن الكاتب الاسباني المقيم في المغرب خوان غويتيسيلو رفض الجائزة الدولية للأدب التي يمنحها معمر القذافي وفي سياق معاكس قام الناقد بشير القمري والقاص إدريس الخوري بالمشاركة في ندوة نظمت في طرابلس لتقديم قراءات فيما سمي مجموعة قصصية للقذافي مقابل مبالغ مالية. وهاكم رسالة الكاتب الاسباني : "تم إخباري في الشهر الماضي هاتفيا ثم عبر بريد إلكتروني لمعهد ثاربانتاس بمدينة طنجة، حول حصولي على الجائزة الدولية للأدب، التي تبلغ قيمتها المالية مائة وخمسين ألف 150.000 أورو. وكان الباحث المصري صلاح فضل، المتخصص في الدراسات الإسبانية هو محاوري في هذا الشأن. وصلاح فضل من الشخصيات التي تحضى باحترام كبير بين مثقفي بلده، كما أن قناعاته الديمقراطية لا تشوبها شائبة. وقد أثلجت صدري الأجوبة التي تلقيتها حول تركيبة لجنة التحكيم التي منحتني الجائزة وخصوصا رئاستها من لدن إبراهيم الكوني، الروائي الليبي الكبير القاطن في سويسرا. إنني معجب جدا بصاحب "مسحوق الذهب"، وهي قصة مؤثرة وفريدة من نوعها تحكي شغف وغرام بدوي بنموذج جمل مبرقش وغريب. شغف أدى به إلى بيع زوجته لصاحب الجمل ثم الهروب مع هذا الأخير عبر القفار إلى أن آلت المسألة في الأخير إلى نهاية مأساوية تترك القارئ معلقا، وكأن الأمر يتعلق بقصة روميو وجولييت. وفي نظري يمكن أن تعتبر هذه الرواية من أحسن الروايات العربية المعاصرة. إن هذا الكتاب قد ترجم إلى الإسبانية وكتبت مقدمة له، ونشر منذ بضع سنوات في دار النشر غالاكسيا غوتنبرغ ، ضمن دائرة القراء. إن باقي أعضاء لجنة التحكيم، وكلهم أساتذة مرموقون يدرسون في عدة جامعات أوروبية وأمريكية وأوسترالية، يعكسون بدورهم وبكل وضوح وفاء وسلامة أخلاق اللجنة المذكورة. إن الدواعي الأولية التي منحت لي الجائزة على أساسها، في أول طبعة لها، تستحق بدورها نفس الاعتبار كما أنني تقبلتها بكامل الشكر. إن للأمر علاقة بالإبداع الأدبي والفني وبميولي الواضح نحو الثقافة العربية وبدفاعي عن القضايا العادلة. لقد أبلغت الدكتور صلاح فضل ما يلي : « إن استقامة وكفاءة جميع أعضاء اللجنة التي منحتني الجائزة لدليل قاطع على الاستقلالية التي كانت وراء اختيارهم. ففي الوقع، أُعد من بين الروائيين الأوربيين النادرين المهتمين بالثقافة العربية الإسلامية –وهو اهتمام أشمل به كذلك المجال التركي والإيراني- كما دافعت قدر استطاعتي عن القضية الفلسطينية تمشيا مع قرارات الأممالمتحدة، ونفس الشيء فعلت فيما يخص النضال من أجل الديمقراطية والحرية لدى لشعوب العربية المحرومة منهما بشكل تعسفي. إن كل هذا قد جر علي عداءات وتهجمات من قبل « مناصري النزعة الغربية" الذين لا حدود ولا شروط لهم في هذا، والرافضين العنصر العربي الهام (واليهودي) في اللغة والثقافة الإسبانيتين رغم كل الدلائل والوضوح التام للأمور. إن معرفتي المتواضعة للعربية المغربية الدارجة –والتي لا تقل ولا تفوق المعرفة التي كانت لدى رئيس كهنة هيتا– جعلتني أكتسب نظرة ثمينة مكنتني من فهم هويتنا الفريدة والمعقدة والمتقلبة، شأنها شأن جميع الهويات الثقافية الإنسانية المتفتحة والغنية". ولكن مع ذلك... وهناك دائما استثناء. إن القدر المالي المخصص للجائزة، أي 150.000 أورو، أتى من الجماهيرية العربية الليبية الشعبية، التي تم إنشاؤها سنة 1969 على إثر انقلاب عسكري قام به القذافي. فبعد مناقشة داخلية وجيزة، بين قبول أو رفض الجائزة، وكذا لأسباب سياسية وأخلاقية، قررت الاختيار الثاني. وقد أبلغت الدكتور صلاح فضل الذي قلت له : « أرجوك أن تتفهم الدوافع التي أملت علي اتخاذ هذا القرار. إنني لست شخصا ينساق مع القضايا دون قيود أو شروط. ففي إطار احترامي الخاص للشعوب العربية ولثقافتها الرائعة، قمت دائما وكلما استطعت، بانتقاد الأنظمة الخاضعة لرجال الدين والجمهوريات السلالية التي تحكمها وتبقيهم في الفقر والجهل. إن مشهد الفراغ والعجز الذي بينته أثناء الاجتياح الهمجي الإسرائيلي لغزة قد أثار استنكاري كما أثار استنكار كل إنسان شريف. إن صعوبة التوصل إلى كيان المواطن هو السبب الرئيسي في الإحباط الذي يستولي عليها وفي احتمائها في صيغة متطرفة للعقيدة الدينية. وختاما : فإن الانسجام مع نفسي قد انتصر بشكل كبير على كل اعتبارات الامتنان والصداقة نحو أشخاص يتسمون باستقامة بالغة كتلك التي تطبعك وتطبع بقية أعضاء لجنة التحكيم". لقد حررت هذه الرسالة دون توفق فشعرت بنفسي وقد تحررت إلى درجة قصوى من ثقل مضني. إنني ما جريت قط وراء الجوائز، وإن قبولي لها يكون دائما من باب التأدب مع من منحوها إلي. ولكن في الحالة الراهنة فإن الأمر مستحيل تماما، ويمكن أن أضيف في النهاية إن كل من إبراهيم الكوني والدكتور صلاح فضل قد تفهما مبرراتي كما أكدا لي اعتبارهما وصداقتهما الثمينتين". السيد المحترم الأديب الكبير/ خوان غويتسيلو بعد التحية : كثيرون هم الكتاب في هذا العالم، الذين يتظاهرون في كتاباتهم بالتقدمية والوقوف في صف الإنسان المظلوم والمقهور.. وقليلون من امثالك هم الكتاب الذين تثبت الأيام صدق ما يقولون .. فلم يعد بمقدور اي كاتب في هذا الزمن أن يظل وفيا لمبادئه، وأمينا لأفكاره ومعتقداته... ما لم يملك الإرادة القوية، والأهم من هذا، أن يملك الرادع الاخلاقي الكافي، وصوت الضمير الحي الذي يمنعه من السقوط امام اغراء المادة..؟ !!. فالكاتب الليبي مثلا الذي اختارك لجائزة مشبوهة، وملوثة بدماء الابرياء، وتحمل إسما كريها لأحد طواغيت هذا العصر... ألا وهو الكاتب (إبراهيم الكوني)1، الذي ظل يدعي بأنه كاتب إنساني تقدمي، لسنوات طويلة... ثم باع ضميره، وأصم أذنيه، عن سماع صرخات المظلومين والمقهورين من ابناء شعبه، وهم يموتون مصلوبين تحت اعواد (الفلقة)2، في اقبية التعذيب الوحشية، أو رميا بالرصاص، في سجون القذافي الرهيبة...؟ !. ثم حمل أوراقه مبشرا بأفكار متخلفة لعسكري فاشي إرهابي، مقابل أن يعيش مرفها في سويسرا، على حساب معاناة شعبه وعذاباته والآمه..؟ !! الأستاذ الموقر خوان غويتسيلو : بإسم الحركة الوطنية الليبية، وهي أحد فصائل المعارضة الوطنية الليبية التي تمثل جزءا من شعبنا الليبي الذي يناضل منذ أربعين عاما ولا يزال، من أجل الخلاص من الدكتاتورية... بإسم اعضاء وأنصار الحركة، أحييكم وأشد على يدكم، لرفضكم قبول ما يسمى ب (جائزة القذافي الدولية)، التي لا تمنح شرفا لأحد، ولكنها تمنحه دولارا لشراء ذمته وكرامته، من اجل الدعاية او (البروباغاندا) الرخيصة لهم، والمتاجرة بها في اسواق النخاسة الدولية...؟ !!. لقد أثبتم أيها الأديب المحترم بهذا الموقف المشرف الرائع، والنادر ايضا، جدارتكم كأديب عالمي، لا يستطيع احد شراء ضميره.. كما أثبتم أنكم على دراية تامة، بحكم التاريخ على الموقف الصحيح... فكان خليقا بعد ذلك، بأي مواطن إسباني من الشعب الإسباني العظيم، أن يعتز ويفتخر بكم. ونود أن تكون على ثقة تامة أيها الأستاذ المحترم بأننا وشعبنا الليبي، نقدر موقفكم هذا كل التقدير، ونثمنه تثمينا عاليا... وسنعتبركم منذ الآن قدوة عالمية، لكل كاتب وأديب، أو صاحب كلمة حر وشريف، لا يرضى بأن يبيع ضميره أو كرامته مقابل المال..؟ !. ودمتم صوتا حرا قويا ضد الطغاة... وعونا وسندا لكل مظلوم ومقهور. والسلام عثمان العالم الأمين العام المؤقت للحركة الوطنية الليبيةالمانيا/ 16 أغسطس 2009