ما أجمل أن أبدأ هذا الموضوع بقول أمير الشعراء أحمد شوقي: فتية الوادي عرفنا صوتكم مرحبا بالطائر الشادي الغرد. هو صوت الحق لم يبغ ولم يحمل الحقد و لم يخف الحسد. و خلا من شهوة ما خالطت صالحا من عمل إلا فسد . حرك البلبل عطفي ربوة كان فيها البوم بالأيك انفرد . فالشاعر ينوه بما قام به الشباب الإسلامي في سبيل استقلال بلاده، سواء في المغرب أو في المشرق، و بما ضحى به هؤلاء الشباب من أموال و أرواح و بما باعوه من دم زكي طمعا في جنان الخلد و استرداد للمجد و الكرامة الضائعين تحت وطأة القهر و الكبت و الظلم و الاستبداد و الفساد ، في العالم عامة و في عالمنا العربي الاسلامي خاصة، حيث تأميم الرأي و مصادرة الفكر النير، خصوصا إذا تعلق الأمر ب"الأصل الإسلامي" الذي تراه جماهير الأمة الاسلامية هو الحل الحقيقي لمشاكلها و أزماتها ما لم تصنع له العقبات و المعيقات. و لهذا، فما أن سمع صوت "البلبل الشادي الغرد" حتى طربت له الأسماع و مالت إليه النفوس ليستمع الشباب من جديد إلى صوت الحق المكتنز بالخير و العدل و السعادة التي وُعدت بها الشعوب كذبا ونفاقا، إلى أن بدأ هذا الصوت المفعم بالصدق المضمخ بالاخلاص، يستمع إليه في دنيا الكفار كما في دنيا المسلمين. فهل إلى الخروج من سبيل؟ ! لقد ظل صاحبنا "الاسلامي" هذا البلبل الغرد – وقد أقصي عن الميدان و ضرب عليه الحصار- يراقب الأدوار البهلوانية التي ما زالت بعض "القوى التقليدية "و بعض "القوى الثورية" تؤديها بأسلوب ممجوج و مستهجن فهي ، أي أصوات هذه القوى كصوت البوم المشؤوم في معرض السياسة و الاصلاح الذي احتكرته لنفسها – بغير حق- تتطارح في مسائل سياسية و قضايا وطنية و اجتماعية كقضية المرأة و قضية الاقتصاد و البطالة و غيرها، و تحملها من التكلف و الادعاء ما لصاحبنا طول عهد به، حيث رأى أن صيحات و شعارات الطفيليين الطارئين على هذه الأمة. و هي تغط في قدرية صامتة – لا تحمل أية أهداف واضحة و لا ترسم أية استراتيجية محددة المعالم، و لا جدية في العمل أو التحرك لتحقيق تنمية اجتماعية و اقتصادية تكفل للجماهير حياة مستقرة و كريمة، (و السبب أن الشعارات التي يسمح لها أن ترفع في سوق السياسة المحتكر، لا تستجيب لطموحات شباب الأمة الذي يبحث في قليل من الحالات عن حلول لمشاكله و التائه أو الغافل في كثير من الحالات، مما يعطي الفرصة للانتهازيين الوصوليين إلى مراكز القرار بأن يفعلوا ما يحلو لهم. ثم إن أغلب هؤلاء الشباب لا يعرف من أين تنهال عليهم تلك الشعارات، لأنهم فقدوا المناعة الروحية الأصيلة و حرموا الحصانة الفكرية القوية و الوعي السياسي السليم االذي يؤهلهم لإدراك أبعاد المؤامرة الدائرة عليهم إنها حالة "القابلية للتدجين والدجل"، و كذلك يفعل" اللادينيون" !!فما سلم من شبابنا من هذه الشعارات الزائفة، بل الطعنات المسمومة أحد إلا من رحم الله عز و جل. أما صاحبنا "الإسلامي" فلقد صار موضوعا للتهكم و التندر و الاتهام، و هدفا لكل نحس نجس، لا يحسن عمل الدنيا و لا يعرف شيئا عن الآخرة ! لكن صاحبنا عرف كيف يواجه الأصوات الزاعقة مسترشدا بقوله تعالى:" و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما." أراد صاحبنا أن يبسط رأيه للناس في دنيا السياسة، لكنه متهم بإقحام السياسة في الدين أو الدين في السياسة مع سبق إصرار على رفض أي رأي يدلي به، فتساءل عن سبب رفض صوته الذي وُسم بالرجعية، فتعاوره الدجالون المصلحيون بالمكاء و التصدية حتى شكلت معاني صوت صاحبنا على الجماهير المدجنة التي أصبح الكثير منها لا يملك عقله إلا في أذنيه ! تحت طائلة "اكذب، اكذب حتى يصدقك الناس". لكن الزمان كشاف !! إذ أماط اللثام عن حقيقة صوت "السياسي" المزعوم، فعلمت الجماهير – من تلقاء نفسها بعد طول غفلة – علم اليقين و بعدما رأت رأي العين أنها مخدوعة و أيقنت أن لا ملجأ من الله إلا إليه . و هكذا وجدت نفسها تتعاطف مع هذا الصوت الندي الغرد الموعود بغد مورق أخضر، صوت العدل الالهي الذي يدعو الناس المؤمنين به إلى التعاون على الخير و إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و يؤكد على قضاء مصالح العباد و محاربة الفساد و المفسدين، و إصلاح ما انحرف من عقائد الناس و أخلاقهم و أفكارهم و عاداتهم. و جعل مساهمة كل فرد في بناء اقتصاد قوي يضمن الحياة الكريمة النظيفة لكل الناس، أمثل أسلوب للتحرر من سيطرة و هيمنة الآخرين ، بدلا من الزج بهم في تبعية ذليلة و ذيلية حقيرة. و ليقطع صاحبنا الشك على اليقين، حاج قومه المفروض صوتهم ، بدولة الاسلام التي عاش المسلمون في قرونهم الأولى الخيرة، تحت سمائها أعزاء كرماء، مؤدين لواجباتهم مستمتعين بحقوقهم ،لا يضرهم كيد الأعداء إلا أن يتقوا منهم تقاة، متحققين بأكبر نصيب مما جاء به الإسلام، فكانوا خير سلف لخير خلف، في معاشهم و في معادهم. وقف صاحبنا وسط هذا الخضم المتلاطم، يستعيد ما حفظته الذاكرة و وعته القلب والعقل وهو يقول لنفسه:إن الأرض تدور و تدور." بل و آية لهم الليل نسلخ منه النهارفإذا هم مظلمون، و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر و لا الليل سابق النهار و كل في فلك يسبحون".لم يندهش صاحبنا لتهافت غلاة العلمانيين، حين خاطبوا الجماهير، و ما زالوا، بمفاهيم غريبة عنهم وعن مرجعيتهم الدينية الإسلامية، حين عرف بأن أكثر هؤلاء صنعوا على أعين أعداء الأمة الإسلامية التي تتعرض لمؤامرة جديدة تستهدف ضربها في كل قطر من أقطارها و إلغاء الاسلام في وجدانها بعد إلغائه في حياتها و نظمها و قوانينها ! وهناك من يسعى لأن تكون للإسلام عدة نسخ، و هي على كل حال لعبة مكشوفة معروفة، و الأدهى و الأطم أن يرفض بعض هؤلاء استقلال بلادهم إلا إذا بصم بطابع أسيادهم. و نهاية الموضوع أن "الاسلامي" في سوق الطروحات الكاسدة في هذا الوطن و في غيره من أوطان االاسلام، تأكد لديه أن الاسلام يدور كما تدور الأرض أيضا، و لن تتوقف عجلته عن المسير، رغم كل التحالفات و المؤامرات الداخلية و الخارجية و رغم كل المكائد و حركات التخريب و العبث و الضياع. إنها حركة التاريخ و صيرورته التي رشحت الاسلام لأن يكون نظام الحياة كما أراد رب العالمين رب السماوات و الأرض و من فيهن. فها هو ذا فجر صوت العدل و الحق و الحرية و العزة و الكرامة يبزغ في الأفق مع انتفاضات الربيع العربي الديموقراطي، يزلزل صروح العناد و يخترق حجب الضباب الكثيف، ها هو ذا صوت فجر المستضعفين في كل الأرض يرتفع يواجه التردي و السقوط و الانحدار مستفزا في ذات كل حر كريم – في المغرب و في المشرق – كل مصادر القوة و العزم الأكيد و يحيي في ذاكرته تاريخ هذه الأمة و رسالتها الخالدة التي اجتازت كل اختبار و تجاوزت كل مؤامرة. "قل موتوا بغيظكم" يا أعداء الانسانية يا أعداء الطهارة يا أعداء "الديموقراطية" التي تزعمون نفاقا و زورا. لم يبق لصاحبنا إلا أن يرفع يديه ضارعا إلى الله أن يرفع الغشاوة عن أعين الذين لا يرون، فلقد أسفر الصبح لذي عينين !!؟؟ بقلم :ذ.إبراهيم أوحميدا