ولي العهد مولاي الحسن يحتفل بذكرى ميلاده ال 21    لماذا يعاكس العدالة والتنمية الطبقة المتوسطة؟    الجيش الإسرائيلي يعلن سيطرته على معبر رفح    عميد شرطة بتزنيت يتعرض لطعنة سكين    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    عبد الجليل يترأس مراسم المعرض الدولي للنقل واللوجيستيك لأفريقيا والمتوسط "لوجيسمد"    نشرة إنذارية: موجة حر تصل إلى 44 درجة بعدد من أقاليم المغرب    كأس الكونفدرالية: "كاف" يحدد موعد نهائي نهضة بركان والزمالك المصري    لفتيت يعزل بودريقة والمحكمة الدستورية تصادق على القرار    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية في السلك الابتدائي بجهة طنجة    انتشار تعاطي السجائر الإلكترونية بين الأطفال يجر مزور للمساءلة    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الحسن الأول بالعيون    ما مصير الأساتذة الموقوفين بعد إحالة ملفاتهم على وزارة بنموسى؟    ارتفاع عدد ضحايا حوادث السير من مستعملي الدراجات النارية بنسبة 31 في المائة    وزارة الصحة في غزة: 34789 فلسطينيا قتلوا في الهجوم الإسرائيلي على القطاع منذ 7 أكتوبر    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    مؤتمر عربي بالقاهرة يبحث آلية لجمع ورصد مؤشرات النزاهة في في القطاع العام في الدول العربية    انطلاق الدورات التكوينية في مجال تدريس اللغة الأمازيغية بجهة طنجة تطوان الحسيمة    بايرن يخطف نجم الميلان ويربك حسابات ريال مدريد    ارتفاع أسعار النفط بعد الضربات الإسرائيلية على رفح    المبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ يزور الولايات المتحدة    الطيران الأميركي يعلن التحقيق مع "بوينغ"    جيش إسرائيل يعلن السيطرة على معبر رفح    بطولة ألمانيا: الفرنسي كومان يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    بطولة انجلترا: وست هام يعلن رحيل مدربه مويس نهاية الموسم    تقرير الخارجية الامريكية: المثليين المغاربة كيعانيو.. كاين عنف واعتداءات واعتقالات وتهديدات بالقتل    قاضية صبليونية انتاقدات التعاون بين المغرب وبلادها في مجال تهريب المخدرات    المنتخب الوطني "للفوتسال"يحتل المرتبة السادسة عالميا    أمازون: سنستثمر 9 مليارات دولار فسنغافورة    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    صعود أسعار الذهب من جديد    بأكثر من 15 مليون دولار.. نجل الصفريوي يشتري منزلاً في ميامي وهذه صوره    منير المحمدي يكشف.. هذا هو قدوتي وهذا ما كنت لأفعله لو لم أكن لاعب كرة قدم!    حدث في أمستردام.. تميز النساء المغربيات يُبرز في لقاء جمع نساء من مختلف الثقافات    "فريق نجم طرفاية: قصة نجاح وتألق في عالم كرة القدم"    إبراز فرص الاستثمار بالمغرب خلال مائدة مستديرة بالولايات المتحدة        كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    زيلينسكي يستعجل استلام أسلحة غربية    هتك عرض تلميذات من طرف مدير ثانوية فمولاي يعقوب.. المشتبه فيه للجدارمية: الكاميرا اللي عندي فالمكتب كتخدم غير فوقت الامتحانات وصافي والبورطابل ديالي ضاع مني    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    وفاة المقدّم التلفزيوني الفرنسي الشهير برنار بيفو    بلقصيري: أجواء افتتاح مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الأولى    وثائقي فريد من وزارة الثقافة والتواصل يبرز 6 ألوان فنية شعبية على ضفاف وادي درعة    اللي كيمشي لطريفة وعزيز عليه الطون والسربيسة والسينما: ها مهرجان وها الافلام المغربية المعروضة فيه    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البناء العشوائي يحاصر بوابة المغرب الجوية بالدارالبيضاء !

منذ تفجر فضيحة «دوار التقلية»، آخر محطة لدخول الدار البيضاء من مطار محمد الخامس عبر طريق مديونة، بدت صورة قبيحة تتشكل بوضوح، وظهر إصرار عنيف على تلطيخ المجال المرتبط بهذه الوجهة، بعدها توالت فضائح مناطق بوسكورة والنواصر وسيدي معروف والهراويين ومديونة ولم تتمكن المحاكمات والاعتقالات من ردع مافيا العشوائيات التي مست الأخضر واليابس، فتشكل أمر واقع تحتاج إزالته إلى قرار كبير، لكن الصورة المؤلمة، هي تلك التي ترسخت لملايين القادمين إلى المغرب عبر بوابته الجوية، فسواء ركبوا السيارة أو القطار أو حتى الحمار للوصول إلى المدينة، فالصورة القاتمة للمجال مبثوثة في كل اتجاه، وإزالتها سيحتاج إلى مجهود جبار، بدأ في بعض المناطق، لكن سيحتاج إلى قرار كبير يهزم مافيا متجذرة لا تهمها صورة البلد.
«من المطار إلى الدوار» مقولة استهزاء من المجال الذي يحيط ببوابة المغرب الجوية بالدار البيضاء، حيث يوجد مطار محمد الخامس، ففي كل اتجاه يصطدم القادمون إلى المغرب بانتشار مذهل للبناء العشوائي، فمباشرة بعد الخروج من المطار، سواء عبر السيارات أو القطار، تستقبلهم بنايات عشوائية في اتجاه جماعة النواصر أو بوسكورة أو المناطق الممتدة لجماعة سيدي معروف ودار بوعزة، وفي كل اتجاه هناك إصرار قوي على تمديد قبح المجال.
منطقة النواصر فاتحة قبح المجال
جماعة النواصر التي يقع مطار محمدالخامس في ترابها، كانت مسرحا لمجموعة من الوقفات الاحتجاجية ضد تشويه المجال، وكان تقرير المجلس الأعلى للحسابات قد وقف على جملة من الخروقات، انتهت بفتح تحقيق أفضى إلى إحالة رئيس الجماعة على القضاء. وفي بداية أكتوبر2011 تم إيداع مجموعة متهمين رهن الاعتقال، متابعين بتهم تلقي الأموال والارتشاء والمساهمة في البناء العشوائي بإقليم النواصر، بعد توجيه الاستدعاء للمثول أمام أنظار وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية القطب الجنحي لكل من رئيس إحدى الجماعات القروية ورجال سلطة بعمالة إقليم النواصر .
وجاءت متابعة المتهمين في ملف البناء العشوائي وتلقي أموال ورشاوى إلى جانب (22) من الشهود، بناء على شكايات توصلت بها الضابطة القضائية للقيادة الجهوية للدرك الملكي بالدارالبيضاء أكد أصحابها على تقديم رشاوي مالية للاستفادة من شهادات السكنى وشهادات إدخال العدادات الكهربائية بعد اقتناء 18 شخصا لأراض فلاحية بطرق غير قانونية وملتوية قصد استكمال البناء العشوائي فوقها مقابل تسلم رجال سلطة بعمالة إقليم النواصر مبالغ مالية وإتاوات تتراوح ما بين عشرين ألف درهم وخمسة وعشرين ألف درهم لشهادة السكنى .
وسبق أن أمر وكيل الملك للمحكمة الابتدائية منتصف شهر شتنبر الماضي عناصر الضابطة القضائية القيادة الجهوية للدرك الملكي بإعادة الاستماع وتعميق البحث مع رئيس الجماعة القروية أولاد صالح وخليفة قائد وشيخ قروي بالملحقة الإدارية لأولاد صالح وثلاثة منعشين عقاريين في البناء العشوائي بإقليم النواصر بينهم سيدة، بدعوى غياب بعض الشهود وتضارب تصريحات البعض أمام أنظار وكيل الملك باستفادتهم من شهادات السكنى وشهادات إدخال عداد كهربائي .
هذه النتيجة وإن اختلفت الأطراف في تحديد حجم المسؤولية التي يتحملها كل طرف، ماثلة للعيان، فالمجال الذي يحيط ببوابة المغرب شوه المناظر التي حبتها الطبيعة للمنطقة، ويصعب أن تخطئ العين بقعا للمباني العشوائية خلال عبورها، فمباشرة بعد الخروج من المطار يتساكن البناء العشوائي مع المسافة الممتدة منه إلى تخوم مركز المدينة.
أول انطباع يلتصق بذاكرة العابر للمغرب، هو أن البلد لا يختلف في تخلف مجاله عن بلدان نامية تحتضن الأبنية العشوائية بشكل مدمن، وتشكل الانطاباعات التي يحملها مجموعة من العابرين للبلد، عن تطور مدنه، قياسا مع بلدان مجاورة، وتبدو صورة الأكواخ التي تحيط بمطارات بلدان المغرب معممة.
قد يحتج مجموعة من المسؤولين بوجود مشاكل عقارية في تصفية هذه المباني التي كان أصحابها يمتلكون أراض فلاحية مجاورة للمطار الذي شيد في البداية في مجال قروي، لكن ما توجد عليه الصورة اليوم مخالف تماما لهذه المعطيات، فالعديد من المباني العشوائية لا علاقة لأصحاب الأراضي من الفلاحين بها، بل تشكلت أحزمة من المباني العشوائية، بعد نزوح مجموعة السكان من البوادي القريبة والبعيدة، واستفادتهم من تواطؤات متعددة سمحت باقتنائهم لبقع عشوائية تحولت بعد تمددها إلى دواوير.
ولم يأت تنظيم المجال إلا في مراحل متأخرة من خلال تشييد مجموعة من المناطق السكنية المنظمة، والتي وجد أصحابها أنفسهم في مواجهة محيط ممتد من المباني العشوائية، حيث استفادت المنطقة من تجربة إعادة تنظيم المجال من خلال إعادة إسكان مجموعة من قاطني الدواوير، وهي العملية التي لم تسلم من الانتقادات التي عبر عنها السكان في شكاياتهم، والمستشارون في اعتراضاتهم.
توزيع البقع الأرضية بجماعة أولاد صالح أثار العديد من الاحتجاجات، ووصفها مستشارون ومواطنون بالفضيحة، حيث لم تراع فيها حاجيات السكان ، بل تم توزيع البقع على أشخاص غرباء عن المنطقة، وبعد مدة قصيرة تم بيعها عن طريق التنازل في إطار تعاملات وصفها المحتجون بالمصلحية.
إعادة إسكان دوار «امزيريرة»، الذي اعتبره السكان انطلاقة لعملية إعادة هيكلة المجال لم تكن مطمئنة، فالمشروع الذي سبق وأن دشنه الملك على أساس أن تشمل الاستفادة كل السكان، يقول عنه المنتقدون إنه «تم تقليص مساحة كل بقعة من 84 إلى 74مترا مربعا» وتم الترخيص لشركة للإسمنت باستغلال 50 هكتارا من المقالع دون مراعاة الأضرار التي تسببت فيها هذه المقالع، والتي مست صحة وسلامة السكان، زيادة على الغموض الذي شاب الصفقات الخاصة بالطرقات المنجزة في الجماعة، بحيث لم تمر سنة واحدة بعد انتهاء هذه الأشغال حتى ظهرت عيوبها، حيث انتشرت الحفر في كل مكان، حينها كان رئيس الجماعة يخضع للبحث والتحقيق حول ملف التزوير في أراضي الجموع».
هذا الانتقاد سيتعمم بعد توالي الخروقات، وفي كل مرة يظهر سجال بين السكان الذين يتهمون، وبين المسؤولين الذين يبررون، لكن الثابت فيه، هو أن المباني العشوائية تتصاعد، وتشويه المجال لا يتوقف، وتحولت الجماعة التي تحتضن بوابة المغرب الجوية، إلى عاصمة للاحتجاجات والانتقادات من استمرار البناء العشوائي والخروقات، فتحولت بذلك إلى عاصمة تشويه المجال عند أول عتبة للنزول إلى المغرب من الطائرة.
بلدية بوسكورة تضمن تدفق القبح نحو العاصمة
العبور من منطقة النواصر في اتجاه منطقة بوسكورة لا يغير من مصير المجال شيئا، بل تنضاف إليه عيوب القرب من المركز الحضري للدار البيضاء، وإلى جانب الأبنية العشوائية وتمدد الدور العشوائية تستقبلك مجموعة من المصانع التي فرضها مخزون العقار الذي يعرف المضاربون متى يستثمرونه، «المصانع» التي تستقبل يوميا آلاف من العاملين يعيشون في ظروف لا علاقة لها بالشروط الصحية، ليس داخل المعامل فقط، بل انتظم خارجها مجال من الارتجال، يتعايش العمال مع أتربته صيفا، ومع أوحاله شتاء.
العبور إلى هذه المعامل مجازفة حقيقية، سواء تعلق الأمر بالمسالك المؤدية إليها، والتي يغلب عليها الضيق الكبير، فلا يمكن لسيارة إسعاف أن تعبر بسهولة في حال وجدت ضرورة للاستعجال، ومعنى ذلك غياب التخطيط والبنيات التحتية الملائمة للمناطق الصناعية، وهو ما يعقد من وضعية المجال، ويتسبب في ظهور سلوكات تعمقه، حيث يضطر العديد من العمال إلى البحث عن سكن قريب من هذه المناطق الصناعية غير المنظمة، حيث تبدأ دورة تفريغ المساكن العشوائية.
ومن نماذج هذه الصورة دوار لحفايا بمنطقة أولاد حدو الذي تحول في زمن قياسي إلى حي صناعي يضم أزيد من 500 مصنع، كلها بنيت بترخيص لبناء إسطبلات «كوري»، لتتحول في ظرف وجيز إلى مصانع تعلن عن نفسها، وبالرغم من قيام لجنة من عمالة النواصر بزيارات إلى دوار لحفايا، ووقوفها على الخروقات العمرانية وانتشار الأبنية فوق أراض فلاحية، حيث استدعت السلطات رئيس الجماعة وحمّلته مسؤولية ما يقع بتلك المنطقة، فلم يتوقف العبث المسترسل.
الأراضي التي شيدت عليها تلك الأبنية يصفها المنتقدون باللاقانونية، هي في ملكية عائلة رئيس الجماعة، حيث تم استفساره عن أسباب امتناعه عن التأشير لفائدة المستثمرين الحاملين للرخص الاستثنائية من أجل بناء مشاريعهم بشكل قانوني، وتبين من خلال مراسلة للمركز الجهوي للاستثمار، أن كل المصالح والجهات والجماعات والمقاطعات تعطي موافقتها على مثل هذه التراخيص باستثناء جماعة بوسكورة، اللجنة التي كانت مشكلة من ممثلي مختلف المصالح التابعة للولاية ، بالإضافة الى رجال الدرك، أعدت تقريراً في الموضوع ووضعته لدى السلطات، التي راسلت بدورها وزارة الداخلية ، وقد تضمن التقرير كل تلك الخروقات، التي ظل الرئيس يردد بأن المعطيات الواردة في التقرير غير دقيقة. وأن ما يملكه في المنطقة هو ملك خاص يخضع للقانون ولم يسبق له أن امتنع عن التأشير عن ملفات قانونية.
«دوار الحفايا أولادالعياشي»، تحولت جل أراضيه الفلاحية الى هكتارات ومصانع وفيلات ومساكن عشوائية، وفي زمن قياسي تم بناء أزيد من 500 هكتار منها ما تم بيعه بسرعة، ومنها ما تم كراؤه، وكشف مجموعة من المتابعين لما يقع بالمنطقة التقنيات التي كانت تعتمد في هذا التفريخ، حيث يلجأ صاحب الأرض إلى طلب الحصول على رخصة بناء إسطبل باعتبار الأرض فلاحية ، ويتم استغلال تلك الرخصة في بناء الهكتارات، وهي عملية ظلت مستمرة حتى تجاوز عدد المصانع هناك العشرين مصنعاً، بالإضافة الى الهكتارات من البقع.
هذه التقنيات التي يعتمدها أباطرة البناء العشوائي سبق تجريبها في مجموعة من التجمعات العشوائية المعروفة بالمنطقة، ومنها دوار «التقلية» القريب من مركز عين الشق، وبها تحولت منطقة بوسكورة وأولاد حدو إلى عاصمة العشوائيات تنشط داخلها مصانع كبرى تدر الملايير على أصحابها.
ولم تكن بلدية بوسكورة أفضل حالا من الجماعات في الترامي على الأراضي المخصصة للمنشآت الاجتماعية، إذ أكد مستشارون بأنه تم الترخيص بإحداث منطقة خاصة بالفيلات على أرض كانت مخصصة سابقا لبناء مؤسسة تعليمية بدوار أولاد بن عمر، مع إغلاق وطمس المسالك والممرات التي تربط هذا الدوار والطريق الرئيسية 109، بحيث أصبح هذا الدوار في عزلة تامة عن محيطه، ولولا تدخل السلطات لفك العزلة عن هذا الدوارلتحولت الاحتجاجات إلى كارثة.
بلدية بوسكورة التي تشكل جزء من المجال الذي يعبره القادمون إلى المغرب تحولت إلى عاصمة للأبنية العشوائية. وبالرغم من بعض المجهودات المبذولة بإقليم النواصر، فإن لوبي الفساد مستمر في فرض أمر واقع يصعب تداركه.
هبة الطبيعة بغابة بوسكورة تدنسها سلوكات التدمير
تقدم غابة بوسكورة للمجال الممتد في اتجاه بوابة المغرب الخارجية، قيمة طبيعية وإيكولوجية مهمة، بل يعتبرها البعض «رئة الدار البيضاء، في مواجهة كل آفات التلويث التي عاشتها المنطقة، منذ زمن «زبالة مريكان» إلى زمن المصانع العشوائية، لكن ما تتعرض له هذه الرئة من تدمير يطرح إشكالا على الراغبين في إنقاذ المنطقة من كارثة.
الخطاب المغري للمنطقة، والذي تشكل فيه هبة الطبيعة حجر الزاوية يقول بأن إقليم النواصر يشكل مركز استقطاب أساسي في جهة الدار البيضاء الكبرى نظرا للمؤهلات والإمكانيات التي يتوفر عليها، حيث يتميز تراب هذا الإقليم بوجود أراض فلاحية لا يستهان بها، وموارد طبيعية هائلة (غابات، شواطئ) والتي هي في بداية المراحل الأولى للاستغلال.، ووجود نسيج صناعي ديناميكي ومتنوع وكذا مناطق صناعية مجهزة وبأثمنة تنافسية.
وتعرف الصناعة في الإقليم نموا مطردا بفضل البنيات التحتية الموجودة والمتمثلة في وجود سبع مناطق صناعية منها ما هو جاهز ومنها ماهو في مراحل الإنجاز والتي توفر إمكانية استغلال غير مكلفة وبأثمنة تنافسية.
غابة بوسكورة التي تشكل قبلة سكان الدار البيضاء بحثا عن الهدوء والسكون، والتي تحتضن مركبات رياضية وترفيهية، تعززت بوجود عدة نوادي رياضية : نادي الخطوط الملكية المغربية، نادي البنك الشعبي، ووجود مواقع أثرية طبيعية والتي قد تثير اهتمام المنعشين في مجال السياحة الثقافية (بقايا بشرية في منطقة أولاد أحميدة بالجماعة القروية دار بوعزة التي ترجع إلى 400000 سنة).
القطاع الفلاحي بالمنطقة يلعب دوره في النسيج الاقتصادي بصفة تدريجية نظرا للطابع الصناعي للمنطقة الذي ما فتئ يفرض نفسه، حيث يتميز النشاط الفلاحي القائم بالجمع بين الإنتاج النباتي والحيواني في شكل ضيعات صغيرة لا تتجاوز مساحتها 10هكتارات.
كما أن المشروع الذي تبنته مجموعة « بالماري ديفلوبمون» في قلب غابة بوسكورة إلى جانب الطريق السيار المؤدي إلى مراكش على الطريقين الثانويين سيدي مسعود وطريق تادارت، يعتبر ملهما لما يجب أن تعيشه المنطقة من ازدهار عمراني.
اختيار غابة بوسكورة لإقامة هذا المشروع السكني السياحي الضخم قال عنه المدير العام لبالماري ديفلوبمون بأن « المنطقة التي اخترنا أن نقيم فيها المشروع في قلب غابة بوسكورة قرب الدار البيضاء معروفة بتوازنها البيئي والمناخي»، يمتد المنتجع على مساحة 130 هكتارا تعيش حوالي ثلاثمائة يوم مشمس في السنة» وأضاف « قصدنا إقامة هذا المنتجع قرب العاصمة الاقتصادية للمغرب وأيضا في الطريق إلى أكبر مطار في المملكة، مطار محمد الخامس، فالدار البيضاء هي وجهة لرجال ونساء الأعمال أكثر منها وجهة سياحية بحتة، لذاكان لا بد من إنجاز مشروع فاخر يتناسب ومتطلبات هذا النوع من زوار المدينة الاقتصادية».
منتجع « كاليفورنيا غولف ريسورت» يتشكل من عدد من الفيلات التي تتفاوت مساحتها وأسعارها، وتضم أغلبها مسابح خاصة، كما يتكون من عدد من الشقق الفاخرة، بحيث تتموقع وسط فضاء أخضر من ملاعب الغولف التي تمتد على مساحة 70 هكتارا. كما يضم المشروع أيضا فندقا من خمسة نجوم ومركزا للأعمال وسوقا ممتازا ومقاهي ومطاعم، كما أن أرضية الغولف، الذي تبلغ مساحته سبعين هكتارا، مكونة من عشب مستورد خصيصا من إنجلترا، بحيث يتناسب ودرجة الحرارة الموجودة في الدار البيضاء والتي تختلف عن درجة الحرارة في مراكش، وهو عشب يضمن اللعب في الغولف في ظروف أحسن ، ناهيك عن اعتماد المشروع في جزء من حاجياته الطاقية على الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية، خاصة لتدفئة مياه الحمامات والمسابح.
إزاء هذه المغريات المطمئنة، يتساكن واقع لن يسمح لمثل هذه المزايا بالظهور، فهذا «الماكيت» الملهم، يصطدم بواقع مر، وهو أن الغابة التي تختزن كل هذه المؤهلات تتعرض للتجريف اليومي، حيث تنشط عصابات اجتثاث الأشجار التي حولت قلب الغابة إلى وكر للجريمة الطبيعية، حيث تتم سرقة الأخشاب بشكل يومي، وهي مادة مطلوبة في مجموعة من الاستعمالات، سواء في صناعة الخشب أو في الأفرنة التي تعتمد على الحطب.
الجرائم الثانية إنسانية، تحول هدوء الغابة إلى مصيدة لمجموعة الوافدين عليها، فقد حدثت مجموعة من الاعتداءات بالغابة، ولم يعد إغراء التنزه بها والاستفادة من جوها لممارسة أنواع من الرياضات مطمئنا، كما سمح غياب العناية بها، والتي تمتد فيه المسؤولية إلى مجلس المدينة، إلى تحولها إلى منطقة مخيفة.
وبالرغم من المجهودات التي قامت بها مجموعة من جمعيات المجتمع المدني لإنقاذ الغابة، ومنها ما قامت به (منظمة كشاف العرب) ، بفضاء غابة بوسكورة إلا أن واقع تدمير سمعة الغابة كبير، فالجمعية نظمت حملة تحسيسية للمحافظة على هذه الغابة وموروثها البيئي الذي يشكل متنفسا بالنسبة لساكنة الدارالبيضاء.
وشمل برنامج هذه الحملة التي تنظم بمشاركة 20 كشافا مغربيا من بينهم متطوعة من «هونغ كونغ»، فقرات تخص تنشيط الأطفال وحثهم على المحافظة على الغابة، وعملية تتعلق بجمع النفايات بمساهمة زوار الغابة، علاوة على عقد لقاءات مع سكان المنطقة ومرتادي الغابة لتحسيسهم بالدور البيئي والصحي والاقتصادي الذي تضطلع به الغابة.
تم تشكيل أربع مجموعات من الكشافة أوكلت لها مهمة فتح نقاش مع مرتادي هذه الغابة التي تعود الأشجار المغروسة بها إلى بدايات خمسينيات القرن الماضي، وإقناعهم بأهمية مساهمتهم في تنظيف الغابة من النفايات، وجعلها فضاء جميلا للترفيه وممارسة الرياضة وللحصول على جرعات نظيفة من الهواء.
واعتبر مسوؤلو هذه الجمعية إن التواصل المباشر مع السكان خلال هذه الحملة، سيساهم في خلق نقاش بعين المكان للخروج بنتائج ملموسة تتمثل في إقناع الناس بالحرص على المحافظة على هذا الفضاء الجميل، وأضاف أن هذه الحملة تهدف، أيضا ، إلى رد الاعتبار لهذه الغابة على يد الزوار بمختلف أعمارهم، وإلى إشاعة روح المواطنة الجادة من خلال تشجيع بعض السلوكيات المواطنة والفاعلة المرتبطة بالحفاظ على الغابة.
غابة بوسكورة شابتها تشوهات من ناحية جماليتها ورونقها بعد تنامي سلوكات غير مسؤولة، لكن مسؤولية إعادة الاعتبار لهذه الرئة، توجد بيد المسؤولين، وتندرج في مهمة محاربة هذا الأخطبوط من القبح الذي يعم المنطقة.
أطراف سيدي معروف تعمق قبح المجال
بالرغم من تحول منطقة سيدي معروف إلى عاصمة لاستقبال المرحلين من أشهر المناطق السكنية العشوائية، انطلاقا من أحياء شهيرة، في إطار برنامج إعادة إسكان هذه الفئة، وبالرغم من كون الجماعة تحولت إلى وجهة «للأوفشورينغ»، وأخيرا بالرغم من واجهة الجماعة العصرية واحتضانها لمركبات ضخمة، إلا أن عادة تلطيخ المجال مازالت مستمرة، خصوصا في اتجاه الوعاء العقاري الخام.
ولأن جماعة سيدي معروف تعانق عددا من الجماعات القروية التي يتمدد ترابها في اتجاه بوابة المغرب الجوية، فلم ينعكس كل ذلك على ترتيب المجال لانتشاله من هذا القبح، وتتجسد هذه الصورة في الدواوير التي تتساكن جنبا إلى جنب مع فيلات فاخرة، لكن المشهد المؤلم هو إصرار هذه المباني العشوائية على أن تطل برؤوسها على العابرين للطريق السيار، وخصوصا في اتجاه مطار محمد الخامس.
حادثة وفاة مواطن بعد إصابته بحروق بهذه المنطقة، والتي تضاربت الروايات في شأنها، أهمها أن الضحية هدد بإضرام النار في نفسه بعد هجوم القوات العمومية لهدم منزله العشوائي، مما اضطرها للتراجع، فلم يتملك الضحية ( خالد ب 26 سنة ) توازنه ويسقط بالقرب من مطبخ المنزل حيث اندلعت النيران في المنزل ومست جسده. ورغم تدخل ساكنة المنطقة ، إلا أنه أصيب بحروق من الدرجة الثالثة، حيث يتهم السكان المسؤولين بالتأخر في وصول سيارة الإسعاف، فيما تعتبر السلطة أنه تم نقله على وجه السرعة للعناية المركزية بمستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء .
دواوير البناء العشوائي منها المزابيين بن عبو أو لمزابيين سيدي مسعود أو دوار بن يطو، تحيط بها فيلات راقية، هذا التساكن الغريب في المجال اعتبره السكان نتيجة لتواطؤ مكشوف يسردون تفاصيله، حيث يتم غض الطرف عن البعض والسماح للبعض الآخر بعد مرحلة تفاهم تتم ليلا من طرف سماسرة في البناء العشوائي، وهي العملية التي استمرت لسنوات، وخلقت وضعا معقدا.
الدوار الذي عرف هذه الحادثة عرف تغيير الأعوان فيه رقما قياسيا، يقول أحد السكان، كما تناوب ممثلو السلطة على تدبيره بتواتر ، وكانت المنطقة تعد نقطة سوداء في البناء العشوائي، وسبق لعمالة الإقليم أن اتخذت قرارات جريئة ضد استمرار البناء العشوائي، لكن عمليات التنفيذ كانت تصطدم بأمر واقع فرضته سنوات طويلة من العبث بالمجال، وبسلوكات في التنفيذ كانت محط شكايات متكررة للسكان ، وهو الوضع الذي يحتاج، حسب سكان المنطقة، ضرورة مراعاة أوضاع السكان، ومنح بدائل عوض الاكتفاء بهدم الدور بطرق تثير غضب السكان.
مآل الحلول تهزمه التواطؤات
هي نفس الحكاية سواء في الدواوير التي تنبت داخل المجالات المغلقة، أو تلك التي تطل برأسها على ممرات حيوية، فالتواطؤ هو العنوان الأبرز، فالسكان يعلنون صراحة بأنهم يعطون رشاوى لأعوان السلطة، الذين يخضعون لسلطة القائد، والسلطة تتهم السكان بالتعاون على إثم البناء العشوائي، وفي المحصلة مجال ملطخ، يسيء إلى البلد والمدينة، وفي كل مرة يتحسر العابرون لهذه الطريق، من الضرر الذي تتسببه لصورة المغرب لدى القادمين أو الذاهبين نحو بوابة المغرب الجوية، فلا تعلق بالذاكرة سوى بقع القبح، لأن الانطباع عملية سريعة تحتفظ بالصورة المعدة للارتسام الأول.
المعطيات المؤكدة بحكم القانون تؤكد تورط السلطات المحلية بأعوانها وموظفيها، بل أثبتت أحكام ملف الهراويين تورط عناصر من مختلف السلط المنتخبة والمسيرة، والناس يعرفون أن عمليات البيع والشراء مسترسلة، وحين تضرب الدولة بقوة على أيدي العابثين بالمجال ينحني الأباطرة للعاصفة، ليعودوا بعدها بتقنيات جديدة.
هذه الصورة تطرح هيبة الدولة في المحك، فلا أحد يتصور توقف هذا النزيف من دون استراتيجية واضحة، تقوم على عقلانية الحلول، وعلى صرامة تطبيق القانون، وبالنسبة للعديد من السكان والفاعلين الجمعويين، لا شيء مستحيل للحفاظ على صورة البلاد، فالمطلوب شفافية كبيرة في تطبيق القانون على الجميع، وغير ذلك هو لعبة ولدت اليأس والجسارة على القانون. فمتى سينتبه المسؤولون عن صورة المدينة، إلى أنهم يرتكبون أخطاء قاتلة !
عبد الكبير خشيشن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.