الدكتور أحمد إيهاب جمال الدين، سفير مصر في المغرب، بات معروفا لدى الأوساط الرسمية والإعلامية بمواقفه الرزينة والحكيمة في احتواء ومعالجة كل المشكلات التي تسببت فيها بعض الأزمات الاعلامية غير المسؤولة في البلدين، بالإضافة إلى سعيه الدائم لتعزيز العلاقات بين مصر والمغرب في مختلف المجالات، محققا بذلك رصيدا كبيرا من التقدير والثناء الليان لا يخفيهما أحد. وفي هذا الحوار، ل"الوطن" المصرية الذي يعيد أحداث.أنفو نشره، عبر "جمال الدين" عما وجده في الشعب المغربي من كرم ضيافة، وحب لمصر، وارتباط بها ومساندة لها، واصفا العلاقات المصرية المغربية بأنها راسخة وجذورها متينة وتتأسس على الأخوة العربية والمصالح المشتركة ووحدة الهدف والمصير. * بداية، كيف تنظر إلى مستقبل العلاقات المصرية المغربية؟ وهل تأثرت بالتطورات التي شهدتها مصر والمنطقة في السنوات الأخيرة؟ – العلاقات المصرية المغربية راسخة وجذورها متينة وتتأسس على الأخوة العربية والمصالح المشتركة ووحدة الهدف والمصير، ولا يوجد أي تعارض بين المصلحة الوطنية المصرية والمغربية، ولا توجد مواضع احتكاك أو خلاف بينهما بالنسبة لأي ملف، بل إن كلا البلدين تجمعهما الرغبة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، والتوصل إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية وحل المشكلات التي نشهدها في العالم العربي، وحل النزاعات في إفريقيا وتحقيق التنمية لشعوبها، ومكافحة الإرهاب والتطرف، ونشر الوسطية والاعتدال، وبناء فضاء متوسطي يكون أكثر كفاءة وعدلا يراعي مصالح الأطراف على جانبي المتوسط، والدولتان متفقتان على تحقيق نقلة نوعية في العلاقات الثنائية، والإعلان عن جيل جديد من الاتفاقيات العملية القابلة للتطبيق على أرض الواقع والتي تحقق قيمة مضافة لكلا الجانبين، ونحن نشهد حاليا جهودا حثيثة لتحيين الترسانة الكبيرة من الاتفاقيات الثنائية القائمة في كل المجالات وإعطائها المضمون الذي يعكس المرحلة الزمنية التي نعيشها وآفاق المستقبل المشرق إن شاء الله. * ونحن نتحدث عن التحولات في المنطقة، هل اصطدمت ببعض الصعوبات في أداء مهامك في هذه المرحلة الدقيقة؟ وكيف تعاملت مع ائتلاف حكومي مغربي يقوده حزب ذو مرجعية إسلامية؟ – العالم العربي يمر بظرفية سياسية دقيقة، تأثرت فيها الدول العربية بطرق مختلفة بما شهدته من تحولات خلال الأعوام الأربعة أو الخمس الماضية، ولكل دولة خصوصيتها وخلفيتها التاريخية وواقعها الاجتماعي والسياسي وكذا رؤيتها الذاتية من واقع تجاربها والتوازنات الداخلية والخارجية، والشعوب العربية كلها دون استثناء طالبت بصورة أو بأخرى بتحقيق الدولة الحديثة التي تستجيب لمعايير العصر والتي تحقق لمواطنيها الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ويختلف الواقع من دولة إلى أخرى، فالمغرب له تجربة تختلف عن دول المشرق في الكثير من تفاصيلها، وهو رسم لنفسه طريقا على أساس ما حققه من إنجازات خلال السنوات العشر الماضية والتي التزمت كل الأطراف باحترام المصالح العليا للدولة وهويتها ومؤسساتها واتفقت على قواعد اللعبة السياسية، وتمكن المغرب بفضل رؤية وحكمة الملك محمد السادس من العبور بسلام من تحديات الربيع العربي من خلال إجراء تعديل في الدستور عام 2011، وتولى ائتلاف حكومي يضم أحزابا مختلفة السلطة، وليس لي أن أقيم تجربة أو أداء الحكومة المغربية فهذا شأن داخلي مغربي بحت، إلا أنني فيما يتعلق بجوانب عملي كسفير لمصر في المغرب، أشهد أن الدولة المغربية لها مواقف مشرفة وداعمة لمصر ولخيارات شعبها ومتضامنة معها في مواجهة الإرهاب، وأنا لا أجد من الحكومة المغربية بمختلف مكوناتها إلا كل تعاون ورغبة في ترجمة توجيهات القيادة السياسية المغربية إلى واقع ملموس، قد تختلف الرؤية عند الحديث عن تيارات دينية أو سياسية في الشارع المغربي، إلا أن هذا يجب أن يوضع في حجمه الطبيعي في إطار ممارسة حرية الرأي، وإن كانت إحدى أولويات السفارة هي إتاحة المعلومات للشعب المغربي بمختلف أطيافه، ليكون أكثر فهما لحقيقة ما يجري في مصر، وبالخطر الذي تمثله جماعة الإخوان وممارساتها وتهديداتها للدولة المصرية وهويتها ومؤسساتها، بما يصحح المعلومات المغلوطة والمغرضة التي تصدر إليه من أطراف لها مصلحة في زرع الفتنة. * حدثت بعض التجاوزات الإعلامية خلال الفترة السابقة استطعتم كسفارة احتواء تداعياتها، لكن هل تركت هذه التجاوزات بعض الشروخ في العلاقات بين البلدين؟ – إطلاقا، وأستطيع أن أقول إن العلاقات "المصرية- المغربية" هي علاقات راسخة، يرعاها زعيما البلدين الرئيس عبدالفتاح السيسي والملك محمد السادس، وتسهر الحكومتان على تنفيذ توجيهاتهما لتحقيق نقلة نوعية في هذه العلاقات، لما يستجيب لطموحات الشعبين، وللمصلحة الوطنية لكلا الدولتين، ولذلك أستطيع أن أقول إنه تم تضخيم سوء فهم بسيط تسببت فيه بعض وسائل الإعلام من الجانبين، وبعض الأطراف المغرضة التي يهمها زرع الفتنة بين البلدين الشقيقين، إلا أنه بفضل حكمة زعيمي البلدين والرصيد الكبير الذي يجمع الشعبين والمصالح المشتركة للدولتين، فقد تم تجاوز هذا الأمر العارض، والأمور تسير على خير ما يرام، وتم احتواء التجاوزات الإعلامية التي تمت من البعض على الجانبين، ويتم العمل على زيادة التبادل والزيارات بين الإعلاميين والصحفيين لكلا البلدين بما يسهم في توضيح الصورة لهم عن حقائق الأمور في البلدين، ولعلي أضيف أن الجموع الغفيرة من الشعبين المصري والمغربي قد قالت كلمتها رافضة أي تجاوزات إعلامية أيا كان مصدرها، وهي تلفظ من تلقاء نفسها كل من يسعى لزرع الفتنة أو الإساءة إلى ما يجمعهما من أواصر محبة ومصاهرة ومودة، كذلك فإن الدولتين غير مسؤولتين عن أي تجاوزات فردية قد تصدر من هنا أو هناك، فهناك حرية صحافة والشعوب قادرة على أن تميز بفطنتها بين الغث والثمين. * ماذا عن ملفات التعاون الاقتصادي المطروحة اليوم بين مصر والمغرب؟ – الدولتان مهتمتان بتحقيق نقلة نوعية في التعاون الاقتصادي والتجاري وبأن يكون فيها للقطاع الخاص دور الصدارة بما يبنى على ما يتمتع به الاقتصاد المصري والمغربي من مزايا تتعلق بالموقع الفريد وبمستوى تطور القطاع الخاص وإسهامه في الاقتصاد الوطني في البلدين، تأسيسا على ذلك، هناك مساعٍ لإعادة تشكيل مجلس الأعمال المشترك، ولتنظيم ملتقى للأعمال يركز على عدد مختار من القطاعات الواعدة التي يوافق عليها الجانبان، بالإضافة إلى العمل على أن يكون المغرب مركزا لانطلاق الشركات المصرية إلى دول غرب إفريقيا وتكون مصر في المقابل مركزا للشركات المغربية الراغبة في الانطلاق إلى دول شرق القارة ودول الخليج العربي، بالإضافة إلى ذلك، هناك رغبة مشتركة لإعطاء دفعة للتدفق السياحي بين البلدين بما في ذلك جهود لإطلاق رحلات الشارتر إلى كل من الغردقة وشرم الشيخ، وتقوم السفارة حاليا بترتيب عقد ملتقى لشركات السياحة في البلدين للانتهاء من وضع تصور في هذا الخصوص يتم الإعلان عن إطلاقه خلال الزيارة المرتقبة لوزير السياحة المغربي للقاهرة. * كيف تلخص تجربتك في المملكة المغربية؟ وماذا يمكن القول عن مهمة سفير مصر لدى المغرب؟ – سنتان مرّتا بسرعة البرق، وشهدت خلالهما انخراطا متزايدا في الحياة المغربية بكل ثرائها وتنوعها، ممثلا لمصر التي يربطها بالمغرب وشعبها الكريم أواصر غير تقليدية، تمتد من ماضٍ قديم نعتز به جميعا إلى يومنا هذا، والحقيقة أن مهمة سفير مصر لدى المغرب تتميز بكونها مهمة سلسة تبنى على هذه الجذور الخالدة والكنوز المشتركة، وأشير هنا إلى أنني لم أحس قط أنني غريب، بل وجدت شعبا أصيلا له مخزون حضاري مستمد مما لديه من امتزاج فريد بين ما هو عربي، وصحراوي، وأمازيغي وأندلسي، وجدت شعبا مضيافا يستقبل زائريه بابتسامة من القلب، مرددا دائما كلمة "مرحبا" باللهجة المغربية المميزة، وجدت شعبا محبا لمصر، مرتبطا بها، متابعا لكل ما يجري بها من أحداث، حلوها ومرها، مساندا لمصر وشعبها، حيث تجد لدى المواطن المغربي العادي صدى فوري لأخبار مصر. * وما هي أكثر المواقف التي أثرت فيك خلال هاتين السنتين؟ – عندما حلّت في السنة الماضية بالمغرب فرقة الموسيقي العربية لدار الأوبرا المصرية وذهبت معها إلى مدينة بني ملال وأنا متذمر لطول المسافة، إذا بي أجد هناك ترحيبا بصورة لن أنساها وتفوق كل ما يمكن أن يتخيله أي إنسان، استقبلتنا النساء بالزغاريد وكان الجميع يهتف ويتغنى بحب مصر، ناهيك عن شغف أهل البلد وحفظهم لكل الأغاني بما فيها تلك التي ارتبطت بأحداث سياسية مصرية معينة ظننت أنها لن تكون معروفة لديهم، إلا أنني فوجئت بجزء من الجمهور تدمع عيونه تأثرا من فرط خوفهم على مصر التي أحبوها والتي يتابعون أخبارها أولا بأول ويعرفون أنها تمر بلحظة فارقة في تاريخها لكي تقف من جديد على قدميها وتدحر الإرهاب الأسود وتعبر إلى بر الأمان. * تحدثت عن المحبة الفطرية بين المصري والمغربي والصدى الفوري في المغرب لكل ما يحصل في مصر.. ماذا خلف لديك ذلك من انطباعات تكونت من واقع اختلاطك بالشعب المغربي؟ – هناك فعلا عشق فطري بين الشعبين، وهناك تقدير خاص لكل ما هو مصري في المغرب ولكل ما هو مغربي في مصر، ولقد تشرفت شخصيا بزيارة مدن ومناطق مختلفة، وجدت في كل منها ذات درجة المحبة والترحاب بصورة جعلتني أتأمل هذه العلاقة الفريدة من نوعها التي ينبغي أن نحرص دائما عليها وننميها ونبرزها للأجيال الجديدة، لما تمثله من مصدر إعزاز وإثراء متبادل لشعبين شقيقين، وفوجئت بملامح تكاد تتطابق مع الملامح المصرية بحيث تخال نفسك وأنت في المغرب أنك تمشي في شوارع مصر، وواثق أنه ذات الإحساس الذي يحسه الإخوة المغاربة عندما يزورون مصر، كذلك أسعدني أنني عندما أقدم نفسي للإخوة المغاربة أجد محدثي يصر على تسميتي بسفير "أم الدنيا"، وأجد دائما ذات الحرص النابع من القلب على الاطمئنان على أحوال مصر والدعاء لها أن تتجاوز أي مصاعب وأن تعود إليها البهجة وسماتها التي أحبوها وتعلقوا بها، كبار السن يصفون لي كيف كانت عائلاتهم في المناطق النائية تجتمع في أوقات معينة للاستماع إلى الإذاعة المصرية باعتبارها احتفالا أسريا للاستمتاع بحفلات أم كلثوم، وعندما قمت بأول زيارة لصالون عميد الأدب العربي في المغرب الدكتور عباس الجيراري، مستشار الملك محمد السادس، وجدت نخبة من المفكرين والأدباء والشعراء والمؤرخين، وإذا بي أجدهم متابعين لكل ما ينشر في مصر، لكل الرموز الثقافية من طه حسين ونجيب محفوظ والعقاد والحكيم، متابعين للإصدارات المصرية الحديثة، ومتعلقين بجريدة أخبار الأدب التي أنشأها الأستاذ جمال الغيطاني رحمه الله، أذكر أنه في نهاية جلسة التعارف في صالون الجيراري ثلاثة من أعضائه كتبوا صفحات من الشعر يعربون لي من خلالها عن رسالة حب لمصر واعتزازهم بها وتمنياتهم لها بكل خير. * في تقديرك.. ما هي عوامل التشابه التي تجمع بين المغرب ومصر؟ – عندما نعود إلى كتب التاريخ نجدها اجتهدت في رصد وتحليل أوجه التشابه هذه، فمنها ما يتعلق بموقع البلدان الذي به الكثير من التماثل، إذ يتحكم المغرب في الباب الغربي للبحر الأبيض المتوسط، وتتحكم مصر في بابه الشرقي، أضف إلى ذلك أن كلا البلدين يحظيان بوضعية خاصة في العالم العربي والإسلامي، وهو ما شكَّل قناة من قنوات الاتصال الوطيد بين البلدين، وسمحت هذه الوضعية التاريخية التي كانا يتمتعان بها بأن يتبادلا من خلالها علاقات خاصة سواء كانت سياسية او اقتصادية، ويحضرني في هذا المقام ما استمعت له من جانب الدكتور أحمد التوفيق وزير الأوقاف المغربي، والأديب والكاتب الصوفي المرموق، خلال ندوة أقامتها السفارة المصرية بالمكتبة الوطنية في الرباط، أن مصر كان لها دور في نقل الإسلام إلى المغرب، كما أن ما أسماه المخابرات المصرية قامت في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة بتسهيل والتستر على المولى إدريس الأول كي يمر إلى المغرب وهو ما ترك آثارا لا حدود لها في العلاقات بين البلدين، فوصول الأدارسة فرارا من الاضطهاد العباسي إلى المغرب واستقبالهم من المغاربة ومعرفة من ساعدهم في هذا الوصول ترك أثرا طيبا في نفوس المغاربة، كذلك كان دعم مصر لاستقلال المغرب في العصر الحديث، واستقبال مصر لزعيم المقاومة في الريف الزعيم عبدالكريم الخطابي، الذي قاوم الاحتلال الإسباني ثم الفرنسي، بشكل سجله له التاريخ، والزعيم علال الفاسي الذي أصدر من مصر "نداء القاهرة"، ثم مشاركة ملك المغرب الراحل محمد الخامس في وضع حجر أساس السد العالي مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كل ذلك شكل عامل إثراء وسمات مشتركة بين بلدين شقيقين. * عندما نتحدث عن العلاقات بين مصر والمغرب فالذي يحضرنا في المقام الأول هو العلاقات الثقافية التي طالما شهدت زخما وكانت أداة تقارب بين البلدين.. كيف تصف اليوم هذا التواصل الثقافي بين مصر والمغرب؟ – فعلا، ولعلي لا أكون مبالغا إذا قلت إن العلاقات الثقافية هي أهم روافد العلاقات المصرية المغربية، وهو ما يعطيها رونقا خاصا، فهناك ندية ثقافية بين الشعبين، فإذا كانت شمس العلم والمعرفة والإشعاع الحضاري تشرق من مصر فهي تغرب في ربوع المغرب، الثقافة المصرية جزء أصيل من التكوين الروحي المغربي والإرث المغربي الروحي ماثل في مصر من التصوف إلى العمارة إلى الموسيقى، كذلك هناك علاقة وطيدة بين أقطاب الصوفية في البلدين وهناك تواصل دائم عبر القرون وتأثير متبادل في الاتجاهين، وارتباط كبير بين الطرق الصوفية في كل من مصر والمغرب، ولا يمكن الحديث عن العلاقات الثقافية بين مصر والمغرب دون الحديث عن ارتباط الشعب المغربي بالفن المصري، فالشعب المغربي شعب ذواق محب للفنون والثقافة، له إرث ثقافي وفني متميز وثري، وهو شغوف بالفن المصري، ولا يخفى على أحد التقدير الكبير الذي كان يكنه المغفور له الملك الحسن الثاني للسيدة أم كلثوم ولفنها، وكانت لكوكب الشرق زيارة تاريخية للمغرب وهي احتفالات المملكة بعيدها الوطني، حيث حرص الملك الحسن طيلة الزيارة أن يتابع بنفسه مقام أم كلثوم بالمغرب، وسعدت بالاستماع من السيد أحمد السنوسي، متعه الله بالصحة، وزير الاتصال آنذاك والمكلف من الملك الراحل بمرافقة السيدة أم كلثوم، لذكرياته عن تلك الزيارة، وهناك وجه آخر من وجوه العلاقات الخاصة بين المغرب ومصر هو ما ترجمته علاقة الملك الحسن الثاني بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، والتي كانت بدايتها عندما بعث العاهل الراحل برقية لحليم كان مستهلها (حسب ما جاء في مذكرات حليم): "إلى العندليب.. إلى صوت العرب.. يسعدنا أن نلتف حول صوتك المليء بالشجن.. والعامر بالألحان في حفل غنائي تقيمه المملكة المغربية"، لتبدأ بعدها علاقة وطيدة وصفها عبد الحليم بالحب الالهي، حيث تكرر حضور العندليب للمغرب حتى بات وجوده ضروريا في كل حفلات الأعياد الوطنية، مثل أعياد العرش وأعياد الشباب، لذلك عايش عبدالحليم أفراح المغرب لسنوات عدة، وأنشد أغنيتين خالدتين هما "الماء والخضرة والوجه الحسن" و"المغربية"، وإلى اليوم لا يكاد يمر حدث ثقافي في المغرب إلا وتجد مصر ممثلة وحاضرة فيه بقوة، ونسعى أن يكون التمثيل المغربي حاضرا بنفس الصورة في مصر. * المغرب يستقبل بصورة دائمة العديد من الفنانين والأدباء والكتاب المصريين.. في تقديرك هل هذا كاف أم يجب الاشتغال عليه وتقويته من الجانبين حتى يصبح متبادلا وليس من جانب واحد فقط؟ – تابعت في ديسمبر الماضي الترحاب والتكريم الكبير الذي لقيه فنان مصر القدير عادل إمام في مراكش، ولمست بنفسي مظاهر الحب التي لقيها نجمنا المحبوب، وما تمثله السينما المصرية من قوة ناعمة ربطت قلوب الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وجعلت اللهجة المصرية منتشرة في كل بلادنا العربية، والمغرب على وجه الخصوص، حيث ينظم كل سنة ما يزيد عن مائة مهرجان في مختلف أقاليمه، تحظى بمشاركة النجوم المصريين الذين يشعرون دوما بقدر المحبة التي يكنها لهم الشعب المغربي، وأسعدني الحظ أن ألمس ذلك بنفسي مع الفنان الكبير عادل إمام، وسيدة المسرح العربي السيدة سميحة أيوب، والفنانة القديرة يسرا، والنجوم الكبار كريم عبدالعزيز وخالد الصاوي ووفاء عامر وعزت العلايلي وغيرهم كثيرين، وأملي أن يكون هذا التفاعل وهذه الزيارات في الاتجاهين وأن تستقبل مصر الفنانين المغاربة وتحتفي بهم بصورة أكبر وأن يتعرف الشعب المصري على إبداعاتهم، وهنا أعترف أن هناك نقصا أيضا في معرفة المصريين بالمغرب وبدوره في الحفاظ على الثقافة الإسلامية، ودوره في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، وإسهام مؤسساته الدينية في نشر الإسلام المعتدل وتحقيق امتزاج خلاق بين الحفاظ على الهوية والارتباط الفعال بالعالم وبالعصر، والمطلوب هو تبادل أكبر للمواد الإعلامية التي تعرف الشعبين بواقعهما الحالي وخصوصياتهما وتقاليدهما، وأنا شخصيا أحلم أن يأتي اليوم الذي نعيد فيه قوافل الحج من المغرب إلى مصر ونحتفل سويا بما يجمعنا جميعا من صلات تاريخية بأبعادها الروحية والثقافية والدينية، وعلينا نحن كمصريين أن نتعرف على المغرب أكثر ونعرف بصورة أفضل أهلنا هناك، نحتفي بما لديهم من حضارة وإسهام ثقافي متميز على الساحتين العربية والإسلامية، وتقاليد هذا البلد العريق وما ينفرد به من خصوصية، وأن ننفتح على إنتاجهم الثقافي بكل مكوناته، ولذلك فإنني أتطلع للزيارة المقبلة لوزير الثقافة المغربي للقاهرة والجاري الترتيب لها، والتي من المقرر أن تشهد الاتفاق على تكثيف التعاون في المرحلة المقبلة بين دار الأوبرا المصرية ومسرح محمد الخامس وكذا بين هيئة الكتاب والجهة المغربية المناظرة، كذلك فإنني سعيد أن المغرب سينظم أسبوعا للسينما المغربية في مصر وكذا أسبوعا ثقافيا، بما من شأنه تعريف الجمهور المصري بصورة أكبر بالفنون والثقافة المغربية. * ونحن نتحدت عن تعريف المصري بالمغرب بمختلف صوره وتعزيز الوجود المصري في المغرب، كيف ترى دور الإعلام في البلدين في القيام بهذه المهمة والارتقاء بالعلاقات بين البلدين؟ – يجب على الإعلام سواء المصري أو المغربي أن يكون دائما عند مستوى المسؤولية، يحافظ على أواصر المحبة والإخوة المتجذرة بين الشعبين ويبرز دائما المشترك بينهما وينأى عن كل ما يمكن أن يمس من قريب أو بعيد هذا الرصيد الكبير الذي يجمع بين الشعبين ويتفادى الترويج لأي صورة نمطية مغلوطة، بل يجب أن يلعب دوره في تحقيق الإثراء المتبادل، وفي جمع الشمل ويزيد هذه المحبة ويفتح آفاق التعاون في كل المجالات. * بعيدا عن الثقافة والإعلام، وبالنظر إلى الخطر المحدق بالمنطقة العربية في ظل تمدد الإرهاب.. هل هناك تنسيق وتعاون ثنائي مشترك لمواجهة كل التحديات التي تهدد أمن المنطقة؟ – نحن نعيش مرحلة شديدة الاضطراب والخطورة في المنطقة العربية حاليا، ويكفي أن ننظر إلى ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا، فكلها أمور تضرب الأمن القومي العربي في الصميم، وتفرض على الدول العربية أن تجتمع كلمتها وأن تكون عند مستوى التحدي، فالخطر القائم خطر وجودي، وهو لن يستثني أحدا، ولا يمكن لأحد أن يعتبر أنه بمعزل عن التأثر بتداعياته، ولهذا كان من دواعي الارتياح انعقاد القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ وما صدر عنها من قرارات مهمة لمواجهة هذه المخاطر، بما في ذلك الخطوات التي تبعت هذه القمة لإنشاء قوة عربية، ومصر بصفتها الرئيس الحالي للقمة العربية تبذل جهودا كبيرة لجمع كلمة الدول العربية في مواجهة هذه التحديات، فالأمن القومي العربي لا يتجزأ، والدول العربية يجمعها وحدة الهدف والمصير، ومن الطبيعي أن تتعاون مصر مع المغرب باعتبارها الرئيس المقبل للقمة العربية، للحفاظ على قوة الدفع التي تحققت في مؤتمر شرم الشيخ والبناء عليها.