أصبحت ترتيبات انتخابات ثاني ولاية بعد اعتماد الدستور الجديد شبه جاهزة...لقد صادق مجلس الوزراء الأسبوع الماضي على قانون الإنتخابات. وبقي من المسطرة الشيء القليل. هذا الشيء غالبا ما يكون متفق عليه مسبقا وتبقى الشكليات فقط... النقاش العمومي حول الولاية المشرفة على الإنتهاء غير متاح بالشكل المطلوب وعبر القنوات المعروفة في البلدان الديموقراطية... يبقى فقط صراع الديكة بين الأحزاب السياسية، المشغولة أصلا بالمقاعد والتحالفات الحسابية. ويبقى، فقط، أيضا الكلام الملقى في شبكات التواصل الإجتماعية بما يحفه من غياب التنظيم ومن استسهال وحديث الطرشان. غير أن الواقع يغلي لأن شيئا ما ليس على ما يرام في حياتنا السياسية وفي دواليب تسيير الشأن العام.. هل تسير البلاد بالشكل المطلوب، سياسيا على الأقل؟ هذا هو السؤال ... من المفروض أن تكون المرحلة مفصلية، يقرأ فيها المواطنون فترة زمنية لمرحلة ما بعد الدستور، وما بعد حراك اجتماعي، لم يأت من عدوى قلاقل ما سمي إعلاميا بالربيع العربي، وإنما هو محصلة سنوات من المطالب بالديموقراطية ودولة المؤسسات. هو مسار توجه خيار العدالة الإنتقالية لطي صفحة ماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. هذا المسار لخصته هيئة الإنصاف والمصالحة في توصيات تضمنت، إلى جانب جبر الضرر الفردي والجماعي، خطة في السياسة والحكامة الأمنية والعدالة. هل سارت الأمور وفق المطلوب؟ هذا هو السؤال. لقد كان المغرب أمام ربيع حقيقي منذ تقديم هيئة الإنصاف والمصالحة تقريرها. لكن الإنتظارية مرة أخرى ساقت الأمور إلى أن اختلطت الأوراق بمستجدات إقليمية ودولية عقدت الأمور. لندع ذاك التاريخ جانبا ونبقى في ما أتى من بعد. لابد اليوم من مساءلة المرحلة القريبة، وهي مرحلة ما بعد الدستور، والوقوف عند مفاصل المسارات. لكن لابد من الإقرار بأن الحراك الذي شهدته البلاد في سنة 2011 أفرز تناقضات كثيرة على رأسها بلوغ الإسلاميين مقام رئاسة الحكومة. لقد كان من المحللين والمتتبعين من اعتبر وصول الإسلاميين إلى الحكومة بعد فوزهم في الإنتخابات التشريعية فرصة جيدة لاستقرار المغرب ومناسبة قد تخرج بالبلد إلى حقبة جديدة من التسيير خصوصا وأن الإسلاميين اعتادوا على رفع الشعارات الأخلاقوية وهو ما اعتبره البعض مناسبة لمواجهة الفساد. هذا الرأي كان متفائلا جدا، يواجهه رأي آخر يرى في بلوغ هؤلاء مرتبة التسيير سوف لن يكون سلاما على البلاد وعلى المجتمع ... بل هي انتكاسة حقيقية ستعطل مرة أخرى سير العجلة نحو الأمام. قد أميل إلى الرأي الثاني من خلال ما تحقق من وعود إخوان بنكيران ومنجزاتهم الحكومية. إن أول ما يعاب على حكومة الإسلاميين هو عدم اعتماد التأويل الديموقراطي للدستور. يظهر ذلك من خلال القوانين ومشاريع القوانين التي تقدمت بها لحد الآن والتي غلب عليها الطابع المحافظ. أما الخطير في العملية فهو العمل، المعلن والمخفي، على محاولة أسلمة الإدارة، بمعنى غرس التوجه الإيديولوجي للإسلام السياسي في دواليب الإدارة بغرض التحكم. أما خطاب الإسلاميين الأخلاقوي فقد انهار أمام متطلبات التسيير وتدبير الملفات الكبرى، حيث تبين أن الحكومة تتعامل بعمليات حسابية «خشيباتية» دون أن تفلح في إيجاد حلول للتحديات. حلول تقوم على مراعاة حاجيات المواطنين ومصلحتهم. الخطاب الأخلاقوي ظل رهينا بجوانب لا تهم الشأن العام بشكل كبير، في حين لم يستطع محاربة أوجه الفساد التي تعم الحياة العامة. غير أن ما يعطي الإنطباع بأن شيئا ما في العملية ليس على ما يرام، هو تلميح عبد الإله بنكيران إلى أنه إذا لم يحتل حزبه المرتبة الأولى في الإنتخابات القادمة فهذا يعني تزويرا في النتائج. هذا الأمر لم يسبق لأحد أن سمع به من كون سياسي يطلق تهديدات من هذا الحجم خطورة. فلمن هو موجه هذا التهديد؟ إن البلد حقيقة في منعطف خطير جدا. هناك فاعل سياسي ضعيف انتهازي، وحزب يقود الحكومة يريد أن يبقى في مكانه ولو بالتهديد وهو الذي لا يعمل سوى على انتكاس مسار البلد على المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية .... إن هذا الوضع يضع جسامة المسؤولية على الفاعل السياسي والمجتمع على حد سواء. الفاعل السياسي يجب أن يعي بأن ليس هناك سوى خيارين لا ثالث لهما. فإما الدخول الحقيقي في الدولة الديموقراطية الحديثة والحداثية، دولة المؤسسات وفصل السلط ودولة الحق والقانون، أو مواصلة الإنحدار والإجهاز على المكتسبات الديموقراطية، بالديموقراطية، والإتجاه نحو الإستبداد. أما المجتمع فعليه أن يدافع عن خياراته المتمثلة في تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية...