كان بالإمكان اعتبار واقعة اعتقال قياديين بحركة «التوحيد» والإصلاح، قرب المنصورية بتهمة الخيانة الزوجية والفساد، حالة عادية، تدخل في إطار النقاش الدائر حول الحريات الفردية. غير أن الواقعة موضوعيا لا يمكن أن تكون كذلك لعدة اعتبارات. لابد في البداية من التأكيد على أن قضية الدفاع عن الحريات الفردية أمر مبدئي، وتتطلب نظرة قانونية منسجمة مع حقوق الإنسان. وحينما نتحدث عن حقوق الإنسان فإننا نعني بالضرورة الترسانة القانونية والقيمية التي تؤطر المسألة، وليس الفهم المغرض الذي يرى فيها النزوع نحو الفوضى واللاقانون. كما أن نقاش الحريات الفردية يلقى صداه من خلال المواثيق الدولية المؤطرة لحقوق الإنسان والتي تقوم على صون كرامة المرء وتمتعه بحريته في التفكير والتعبير والإعتقاد. هذا في ما يتعلق بالجانب المبدئي، أما ما يتعلق بواقعة ضبط نائبي رئيس حركة «التوحيد والإصلاح» في وضع «أخلاقي مخل» حسب تعبيرهما هما، وحسب تعبير المنظمة التي ينتميان إليها، وهما قياديان كبيران بها، يطرح العديد من الأسئلة. فالمتتبع لما يروجه المعنيان من أفكار في الناس، يتناقض مع فعلهما، بل يطرح بحدة وضعية نفاق اجتماعي له من الخطورة الشيء الكثير، حتى لا نقول شيئا آخر... لست أدري كيف يمكن لنائبي رئيس حركة «التوحيد والإصلاح»، المقالين، الخوض مرة أخرى في مجال التربية وهم يعطون النموذج السيء للفقيه الذي «دخل ببلغته إلى المسجد»؟ كما لست أدري كيف سيكون للحركة أن تواصل فرض وصايتها على المغاربة وإعطاء الدروس في كل شيء وخلط الأوراق بين السياسي والدعوي ومواصلة أستاذيتها التي تتدخل بها في شؤون الناس من باب ما تسميه وعظا وإرشادا ومساهمة في الإصلاح؟ إن الأمر لا يتعلق بحركة دعوية فقط تشتغل في المجال المدني، فالكل يعرف أن حركة «التوحيد والإصلاح» هي الأصل في جرء مهم من حركة الإسلام السياسي في المغرب، فيما حزب «العدالة والتنمية» ليس سوى الجناح السياسي للحركة. إنها هي التي تفرض توجهها على جوانب أستسية من التوجه العام منذ رئاسة الحزب المذكور للحكومة. إن لمساتها تظهر بشكل جلى في التنظيم والتشريع وكل شئ تقوم به الحكومة، وذلك على الرغم من كون أدبياتها تشير إلى الفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي. الأمثلة كثيرة على ذلك يكفي تلمسها بإلقاء نظرة على بعض القوانين المنجزة أو بعض التقنينات الإدارية مثالها الصيغة الأولى لدفاتر التحملات بالإذاعة والتلفزة... لا مفر إذن من الإقرار بأن واقعة عمر بنحماد وفاطمة النجار ليست حالة فردية يمكن للحركة أن تتبرأ منها بجرة قلم أو برسالة إلى الإخوان. إنها عمق الموضوع، موضوع حركة تتمادى في محاولة فرض توجه إخواني سياسي تستغل فيه الدين لأغراض دنيوية. وتروج لخطاب لم تستطع هي نفسها التقيد به... طبعا من حق الحركة، كما من حق كل الناس أن يكون لهم قناعات واعتقادات وأفكار يؤمنون بها، بشرط أن تكون هذه الأفكار مستحضرة لقيم الديموقراطية ودولة المؤسسات. غير أن العيب كل العيب هو في محاولة الهيمنة على المجتمع واستغلال المقدس في تلك الهيمنة ومحاولة استغفال الناس بكلام لا يتماشى والأفعال... إنها إذن فضيحة حركة وفضيحة توجه سياسي، وليست فضيحة شخصين يمارسان حريتهما الفردية... فهل يفطن أصحاب التحكم الحقيقي إلى عيوبهم قبل أن تتصرف في فضائح تلهي البلد عما هو أساسي؟ جميل أن يتبرأ أصحاب الحركة والحزب من فعل يناقض توجهاتهم، لكن الأجمل هو أن تكون هذه المناسبة فرصة للفصل الحقيقي بين الدعوي والسياسي، والقبول بالفصل بين الديني والسياسي، والتخلي عن عرقلة التوجه نحو دولة المؤسسات... أما الذين يعتبرون المتابعة الإعلامية لفضيحة عمر وفاطمة، هو تضخيم لحادثة من أجل تصفية حسابات سياسية، فعليهم أن ينتبهوا إلى أن الخلط ماجاء من الأصل، وأن الحركة هي التي شرعت له. إنه ما كان ليقع، لولا عدم قبول الإسلام السياسي، نزع عباءة الماضي المرقعة برفض دخول صرح الدولة المدنية،والإبتعاد عن وهم الدولة الدينية، كخطاب أخلاقوي شعبوي سرعان ما يتكسر على الشواطئ في سيارة ميرسيديس...