قرض ألماني لإعادة إعمار مناطق الزلزال    الكاف ينفي ما تم ترويجه بخصوص تأجيل "كان 2025" المقرر تنظيمه بالمغرب    الأمثال العامية بتطوان... (617)    "اللبؤات" أمام إسبانيا وأمريكا والباراغواي    ارتفاع حصيلة ضحايا الكحول الفاسدة.. وحالات التسمم تواصل التوافد على المشفى    انطلاق عملية العبور "مرحبا 2024" بميناء طنجة المتوسط    حماس تحسم موقفها من المقترح الأمريكي الذي يدعمه المغرب    علاج جيني في الصين يوفّر أملا للأطفال الصمّ    هل يحد قانون العقوبات البديلة من اكتظاظ السجون؟    الدار البيضاء سطات- عيد الأضحى.. العرض وفير والأضاحي في صحة جيدة    ولي العهد يترأس حفل تخرج للدفاع والأركان بالقنيطرة    بورصة البيضاء تنهي التداولات على وقع الأحمر    ولاية أمن تطوان تتفاعل بجدية مع مقطع فيديو يوثق لتبادل الضرب والجرح    انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    ماذا قال مدرب منتخب زامبيا عن مواجهة المغرب؟    دراسة…إرتفاع حرارة الأرض الناجمة عن النشاط البشري إلى "مستوى غير مسبوق"    ترقب في القدس لمسيرة الأعلام الإسرائيلية وبن غفير يهدد بدخول باحات المسجد الأقصى    مطالب بإنصاف حراس الأمن المدرسي    يونس البحاري كاتبا إقليميا بتازة    التكنولوجيا تُعزّز مصداقية امتحانات الباك    دفاع "مومو" يطالب بالكشف عن الخبرة التقنية على هاتف موكله    الاضراب يشل المؤسسات الصحية بإقليم الحسيمة للأسبوع الثاني    المخرج عزيز السالمي يترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الرباط كوميدي    الاتحاد السعودي يوافق على رحيل لاعبه المغربي حمد الله    نصف نهائي كأس العرش يومي 21 و23 يونيو بأكادير    "اتفاق الرباط" يوصي بالاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي    دراسة…حرارة المياه الجوفية ستجعلها غير قابلة للاستهلاك بحلول نهاية القرن    تعزية في وفاة زوجة محمد الحمامي رئيس مقاطعة بني مكادة بطنجة    صديقي يكشف عدد الأغنام المستوردة الموجهة لأداء شعيرة عيد الأضحى    مناهضو التطبيع يواصلون الاحتجاج ضد المجازر في غزة ويستنكرون التضييق وقمع المسيرات    ماركا تُرشح دياز للفوز بالكرة الذهبية الإفريقية    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    أنتونيو كونتي مدربا جديدا لنابولي الإيطالي    إطلاق نار يستهدف سفارة أمريكا في بيروت    إقليم برشيد…أونسا تكشف سبب نفوق رؤوس الأغنام    توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    الأكاديمية فاتحة الطايب تُشرّح واقع الأدب المقارن بجامعة محمد الخامس    "سفر في الوجوه، رواق" للكاتب عزيز الشدادي    تقصي الحقائق: ماذا يحدث على حدود رفح بين مصر وغزة؟    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الأربعاء    ارتفاع أسعار الذهب بدعم من ضعف الدولار    مراكش.. شاب يقتل والده بطريقة بشعة ويلوذ بالفرار    علماء أمريكيون يقتربون من تطوير لقاح مركب ضد جميع فيروسات الإنفلونزا    23 قتيلا و2726 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    سلوفينيا تعترف بدولة فلسطين    مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير يفتح باب المشاركة في دورته الجديدة    لطيفة رأفت: القفطان المغربي رحلة طويلة عبر الزمن    مجلس النواب الأميركي يصوّت على معاقبة مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية"    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    فرق محترفة تقدم توصيات مسرحية    الرجاء يتلقى ضربة موجعة قبل موقعة مولودية وجدة    حكم يدين إدريس لشكر بسب صحافيين    كيف ذاب جليد التطبيع بين إسرائيل والمغرب؟    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (615)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بندورو: الفصل 19 من الدستور لا يمكن أن يحمي استقرا ر النظام وتوازنه
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 05 - 2010

يقول الاستاذ الجامعي عمر بندورو إن هناك حاجة مستعجلة لإصلاح دستوري بالمغرب، لأن كل المؤسسات تخرق الدستور الحالي وتتجاوزه، وأنه لا يمكن أن نعتبر دستورا ما ديمقراطيا إلا إذا تم إقراره بتغليب الإرادة الشعبية، موضحا أن إقرار دستور بهذه المواصفات يعني أننا سننتقل إلى نظام سياسي جديد من أبرز مقوماته اعتماد الملكية البرلمانية.
بعد مرور أكثر من عقد على تولي الملك محمد السادس الحكم، وبعيدا عن الاستعمالات الظرفية للإصلاح الدستوري، هل نحن بحاجة إلى دستور جديد؟
بالفعل نحن بحاجة إلى إصلاح دستوري بشكل مستعجل، لأن هناك تجاوزات من الناحية القانونية من طرف مختلف المؤسسات الدستورية. كل الدساتير التي عرفها المغرب كثيرا ما لا يتم احترامها من طرف البرلمان أو الحكومة. لذلك نحن مطالبون بدستور يضمن إقامة دولة القانون، بمعنى أن نقر دستورا حقيقيا يفرض احترام القانون من طرف السلطات.
{ إذا كان المغرب في حاجة إلى إصلاح دستوري، فما هي مواصفات الدستور القادر على ضمان احترام السلط؟
ما هو متعارف عليه عالميا أن الدستور لا يستحق هذا الاسم، إلا إذا كانت تتوفر فيه عدد من الشروط، أولها أن يقوم الدستور على السيادة الشعبية، فالشعب هو الذي يحدد مصيره السياسي عن طريق انتخابات حرة ونزيهة. والسيادة الشعبية تعني أيضا أن يقوم الشعب بانتخاب الأغلبية البرلمانية التي تنبثق عنها حكومة مسؤولة. وهذه الأخيرة، في إطار الدستور الذي يحترم سيادة الشعب، يجب أن تكون لها سلطات دستورية لإعداد برنامج حكومي مع إمكانية تطبيقه. الشرط الثاني هو فصل السلط، بمعنى أن تكون السلط مستقلة عن بعضها ومتوازنة في ما بينها. ومن جملة ما يعنيه هذا الأمر أن تكون للسلطة التشريعية صلاحيات مراقبة الحكومة ووضع حد لتجاوزاتها وهيمنتها، وأن تكون للحكومة صلاحيات مستقلة حتى تستطيع تنفيذ برامجها، وقضاء مستقل ونزيه مع تواجد قضاء دستوري بإمكانه مراقبة قرارات الهيئات السياسية. الشرط الثالث هو الإعلان عن الحقوق والحريات التي تحتل مكانة ضعيفة في الدستور الحالي. فرغم إقرار المغرب حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا منذ دستور 1992، إلا أن هذا المبدأ لم يترجم على أرض الواقع. فالحكومة والبرلمان لم يقوما بتعديل القوانين التي تتنافى مع المعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، والقضاء لم يتدخل من أجل إقرار هذا المبدأ الدستوري ورفض تطبيق القوانين التي تتنافى مع المعاهدات الدولية.
{ هناك من يعتبر أن المشكلة ليست في الدستور الحالي بقدر ما تكمن في تطبيق نصوصه، في نظرك ما هي الصعوبات التي يعرفها هذا الدستور والتي تتطلب تعديله؟
الصعوبات الدستورية الموجودة في الدستور الحالي هي هيمنة المؤسسة الملكية على باقي المؤسسات الدستورية، وممارسة الملك لأغلبية الصلاحيات سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية. التأويل الذي يعطى لاختصاصات الملك بناء على الفصل 19 والتأويلات الحالية تقول إن الملك ليس مقيدا دستوريا، بل بناء على الفصل 19 يمكن أن يمارس السلطات المخولة للمؤسسات الأخرى، وهذا أمر يمس بمبدأ دولة القانون الذي يعني خضوع جميع المؤسسات والسلطات للقانون. لذلك يجب العمل جاهدا على أن يكون الدستور وثيقة تمأسس للسلطات، فالدستور ليس وثيقة لخدمة الحاكمين بل يسمح للمحكومين بمراقبة ممارسة المؤسسات لسلطاتها، وهو ما تم الإعلان عنه في تصريح دول أمريكا الشمالية بعد استقلالها من الاستعمار الانجليزي وفي الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان. الدستور هو الذي يؤسس السلطات، وهو الذي يسهر على وضع المؤسسات التي تضمن احترامه، فوجود قضاء، سواء عادي أو إداري أو دستوري، نزيه ومستقل تجاه كل السلطات هو الذي بإمكانه أن يراقب قرارات مختلف السلطات.
{ الدستور بالمواصفات التي تطرحها من شأنها أن يغير من طبيعة النظام السياسي؟
تطبيق هذه المواصفات ستؤدي حتما إلى إقرار نظام ملكية برلمانية، وهو نظام تمارس فيه السلطات بواسطة هيئات منتخبة من الشعب ويستند إلى آليتي المسؤولية والمراقبة. في الدستور الحالي من غير المنطقي محاسبة الحكومة على برنامج لا تعده وليس لها الآليات الكفيلة بتنفيذه. في الملكية البرلمانية يتم تخويل الحكومة كل سلطاتها التنفيذية، حتى يكون بإمكانها إعداد برنامج ومطالبة الشعب بمحاسبتها على التزاماتها.
{ لكن ما الذي يمنع الحكومة من تنفيذ اختصاصاتها وما الذي يمنع مثلا الوزير الأول من اقتراح الوزراء على الملك؟
في المغرب الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان، الملك هو الذي يعين الوزير وباقتراح من هذا الأخير يعين باقي الوزراء. هناك تأويلان للفصل 24 من الدستور، الأول يمكن للوزير الأول أن يقترح الوزراء على الملك من الناحية الدستورية، لكن الملك ليس مجبرا على قبول اقتراح وزيره الأول، بمعنى أن الحكومة لا يمكن أن تشكل إلا إذا كان هناك توافق بين إرادة الملك واقتراح الوزير الأول، لكن نظرا لأن الملك يعين الوزير الأول فإنه سيعين من يخضع لإرادته. من ناحية أخرى نفترض أن الملك قبل اقتراح الوزير الأول، من سيضع البرنامج الحكومي؟ الحكومة لا تعني أي شيء إذا لم يكن لها برنامج، لكن الدستور غامض في هذا المجال. تأويل الدستور يفيد بأن الملك هو من يقرر الخطوط العامة والتوجيهات العريضة للبرنامج الحكومي. هناك مسألة أخرى في غاية الأهمية، فليس فقط الوزير الأول من يعرض عن تفعيل بعض المقتضيات الدستورية المرتبطة باختصاصاته، لكن الملك في وقائع متعددة يطالب الوزير الأول بالتخلي عن جزء من سلطاته واختصاصاته، حدث ذلك حينما طلب من عبد الرحمن اليوسفي سنة 2001، أثناء تأسيس المجالس الجهوية للاستثمار، تفويض جزء من سلطاته التنظيمية لرؤساء المجالس الجهوية وهو طلب مخالف للدستور، فهذا الأخير لا يسمح للوزير الأول بتفويض سلطه التنظيمية إلا إلى الوزراء، وللأسف امتثل عبد الرحمن اليوسفي لرغبة الملك. إذن نظرا لخضوع مؤسسة الوزير الأول للإرادة الملكية في التعيين والإقالة، فمن الصعوبة الحديث عن الاستقلالية.
{ عند الحديث عن الإصلاح الدستوري يكثر الحديث عن الفصل 19، ألا ترى أن وجود هذا الفصل في أي دستور مهم للتوازنات السياسية واستقرار النظام؟
الخبرات التاريخية أثبتت أن الاستقرار يتم عن طريق الديمقراطية واحترام الإرادة الشعبية وتقويتها، والتاريخ أثبت أن استقرار الملكيات في العالم بني على أساس التلاؤم بين السيادة الشعبية والسيادة الملكية، والتاريخ أثبت كذلك أن التلاؤم بين السيادتين لا يمكن أن يتم إلا بهيمنة السيادة الشعبية على السيادة الملكية، لذلك لا أعتقد أن الفصل 19 يمكن أن يحمي استقرار النظام وتوازنه. التجربة الانجليزية تخبرنا بأن انجلترا ثارت على نظامها الملكي وتبنت النظام الجمهوري خلال سنوات عديدة، وتم الرجوع إلى النظام الملكي لكن بشروط تضمن السيادة الشعبية وألا تتدخل الملكية في حلبة الصراعات السياسية. أما بالنسبة إلى ذريعة انعدام الاستقرار سواء تجاه الإسلاميين أو غيرهم فالأمر بسيط، إذ يجب أن يتضمن أي إصلاح دستوري قادم إقرار عدد من المؤسسات التي تضمن الشرعية الديمقراطية وتسهر على فرض احترام الدستور، باعتباره القانون الأسمى في البلاد. فإذا كانت لدينا ملكية برلمانية وفصل للدين عن السياسة ومؤسسة تسهر على احترام الدستور، فمن الصعب أن تكون هناك تجاوزات من أي نوع.
{ لكن هذا الأمر يبقى خاضعا لموازين القوى، فيمكن لأي قوة اكتسحت الانتخابات أن تعدل الدستور وتضع النظام الذي يتلاءم مع رغباتها؟
في هذه الحالة ينبغي أن يكون تغيير الدستور خاضعا للموافقة الشعبية بنسبة أعلى من الأغلبية المطلقة، عن طريق الاستفتاء العام المباشر. يجب أن يكون هناك تعاقد على القيم المرجعية للنظام السياسي، فلا تكون طبيعة هذا النظام وفصل الدين عن الدولة والنظام الديمقراطي موضع أي تعديل، لأنها تشكل القيم المرجعية للدولة.
{ هناك ضعف واضح للمؤسسة البرلمانية في مجال التشريع والمراقبة، ما الفائدة من وجود نصوص تمنح البرلمان سلطات على الحكومة لكنها لا تطبق؟
ضعف مؤسسة البرلمان ناتج عن ضعف السلطات التي تمارسها بناء على الدستور المغربي، الدستور هو المسؤول في عدد من نصوصه عن ضعف البرلمان. اتجاه المغرب إلى الأخذ بالعقلنة البرلمانية منذ الاستقلال جعل هذه المؤسسة التمثيلية خاضعة لسلطة الحكومة، ففي ظل هذه العقلنة تظل المسطرة التشريعية بيد الحكومة، ويبقى البرلمان المغربي لا يملك السلطات التي تملكها البرلمانات العصرية. هل يعقل أن البرلمان لا ينظر في إعلان الحرب أو المصادقة على المعاهدات الدولية باستثناء تلك التي لها تأثير على مالية الدولة. الصلاحيات التشريعية للبرلمان هي صلاحيات ضعيفة، بناء على الدستور الذي ينص على أن المشرع العادي هو الحكومة والمشرع الاستثنائي هو البرلمان. أما في ما يخص مراقبة عمل الحكومة فإن ملتمس الرقابة لا يمكن عرضه إلا بموافقة ربع أعضاء مجلس النواب. أما في فرنسا فإن عشرة في المائة فقط ممن تتكون منهم الجمعية الوطنية يقدمون ملتمس الرقابة. وللتذكير، فإن هذه الآلية الرقابية في الأنظمة الديمقراطية لا يكون الغرض منها إسقاط الحكومة، لأنها مقترحة من المعارضة التي هي أقلية داخل المجلس المنتخب، بل الهدف هو جعل الحكومة تعلل سياساتها أمام الرأي العام. من عناصر ضعف البرلمان أيضا وجود مجلس المستشارين، الذي لا ينتخب بالاقتراع العام المباشر ويمارس نفس السلطات التي يمارسها مجلس النواب، خاصة في ما يخص المراقبة السياسية للحكومة.
إن الصلاحيات المخولة لمجلس المستشارين لإسقاط الحكومة لا نجدها في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، إذ كيف يمكن لمجلس غير منتخب بشكل مباشر إسقاط حكومة من المفترض أنها منبثقة عن الانتخابات؟ الديمقراطيات لا تسمح بوجود مجلس يمثل المصالح الاقتصادية والاجتماعية يقوم بمحاسبة الحكومة سياسيا.
{ تنامت خلال هذه الولاية التشريعية ظاهرة الترحال السياسي، ما هي دوافعها وما هي الآلية القانونية الكفيلة بتحجيم هذه الظاهرة إلى أقصى حد ممكن؟
الترحال السياسي لا يمكن تنظيمه عن طريق قواعد قانونية فقط. مشكل الترحال السياسي هو مشكل حزبي، وهذا يتطلب من الأحزاب، قبل تقديم مرشحيها في الانتخابات، أن تتأكد من شروط التزامهم الإيديولوجي. هناك العديد من الأحزاب التي تقوم بمناسبة الانتخابات بترشيح مجموعة من الأعيان، وهؤلاء الأشخاص غالبا ما يكون هدفهم من الانتخابات تحقيق مصالح شخصية، لذا فبمجرد ظهور حزب قادر على تحقيق طموحهم ينتقلون إليه. المشكل إذن سياسي وليس قانونيا. قانون الأحزاب يتضمن بعض القيود على الترحال السياسي، لكن تم التحايل عليه.
{ يذهب البعض إلى أن مرد البلقنة التي يعرفها الحقل السياسي هي العملية الانتخابية بكل مراحلها، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟
الحقل السياسي في جميع الدول يكون مؤطرا بالتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع، وهذان العنصران أساسيان في التأثير على الانتخابات السياسية وتشكل الأغلبية. في المغرب ليس هناك مشكل كبير في تحديد نمط الاقتراع، مادام الأمر يتم بقانون يناقش في البرلمان ويكون باقتراح من وزير الداخلية. لكن الخطير هو أن التقطيع الانتخابي تهيمن عليه وزارة الداخلية ولا يخضع لموافقة البرلمان، وهذا التقطيع هو الذي سيحدد الخريطة الانتخابية المقبلة. بناء على ذلك يتوجب، كما حدث في عدد من الديمقراطيات، أن يكون التقطيع الانتخابي من اختصاص البرلمان ويخضع لمعايير موضوعية جغرافية وليس لمعايير تخدم وزارة الداخلية والأحزاب الموالية لها. أما في ما يخص نمط الاقتراع، فلا يمكن عقلنة الحياة السياسية بالاقتراع النسبي، لأن هذا الاقتراع لا يؤدي إلى تقاطبات قوية وإمكانية تحالفات منسجمة. لقد أثبتت التجربة في عدد من الديمقراطيات، كفرنسا وبعض الدول الأجلوسكسونية، أن الاقتراع بالأغلبية يساهم في تكوين قطبين أو ثلاثة أو في تأسيس حزبين قويين يتداولان على السلطة، لذا فإن هذا النمط يساهم في التقليل من عدد الأحزاب وتوضيح الخريطة السياسة وفي استقرار الحكومات. وبالرغم من ذلك، فالمشكل في المغرب ليس هو نمط الاقتراع بل هو تأسيس مجموعة من الأحزاب السياسية بناء على رغبات الدولة، وإذا كانت هناك في المغرب إرادة حقيقية لعقلنة الحقل السياسي يجب أولا وقبل كل شيء تعزيز التعددية السياسية بمختلف أوجهها، بما في ذلك حرية تأسيس الأحزاب السياسية والحريات العامة الأخرى، كحرية الأعلام وخاصة الإعلام السمعي البصري الذي يلعب دورا كبيرا في تأطير المواطنين والتأثير على سلوكهم السياسي. فعقلنة الحقل السياسي تكون ناتجة أساسا عن رغبة من الناخبين تحدد بناء عن تعدد الانتخابات التي تسمح إما بتقوية الأحزاب المتواجدة وإما بتهميش البعض منها واندثارها تدريجيا. إذن، فتعميق الديمقراطية التمثيلية هو الذي يسمح بعقلنة الحياة السياسية، وهذا ما حدث في الديمقراطيات الحالية.
{ اختار المغرب نظام الجهوية الموسعة لتدبير مجاله، ما هي العناصر التي تجعل هذا التدبير ديمقراطيا؟
الجهوية قامت أساسا لحل مشكل الصحراء وإقرار نظام خاص بالأقاليم الجنوبية، وبناء على الخطاب الملكي فهناك إرادة سياسية لإقرار الجهوية الموسعة. هذه الأخيرة يجب أن تكون ديمقراطية تتكون من مؤسسات تنتخب بالاقتراع العام المباشر. لكن المشكل هنا هو كيف يمكن التفكير في إقرار الجهوية الديمقراطية قبل أن تكون هناك ديمقراطية وطنية؟ ليس هناك نماذج عالمية قدمت الديمقراطية الجهوية على الديمقراطية الوطنية.
{ لكن خطاب الملك ل3يناير 2010 يتحدث عن جهوية بخصوصيات مغربية؟
الديمقراطية ليست لها خصوصيات، فإما أن تكون جهوية ديمقراطية تنتخب ويحاسب مسؤولوها وإما ألا تكون جهوية ديمقراطية، وتكون مؤطرة ومراقبة من طرف السلطة المركزية. التجارب الرائدة في الجهوية، مثل إسبانيا أو إيطاليا، عندما قررت أن يكون لها نظام جهوي ديمقراطي قررت في نفس الوقت أن تكون هناك ديمقراطية وطنية مبنية على دستور ديمقراطي ولذلك نجحت التجربتان. بالطبع، كانت هناك نزاعات انفصالية في كلا البلدين التي ساهمت في إقرار الجهوية. الجهوية الديمقراطية يمكن أن تكون مدخلا لدمقرطة النظام السياسي، لكن الخوف أن يتم الالتفاف على الجهوية الديمقراطية بجهوية جميع مؤسساتها ونخبها مؤطرة ومراقبة من طرف السلطة المركزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.