في مثل هذه الأيام من السنة الماضية كان المغاربة مع ضجة كبيرة أعقبت المقاطع المُسَرَّبة من الفيلم المغربي " الزين اللي فيك" ، و كذلك السهرة نصف العارية للمغنية " جنيفر لوبيز" على قناة 2m ، تضاربت الآراء و مواقف المغاربة بين رافض لما حدث تحت لافتة حماية الأخلاق العامة و المساس بالدين الإسلامي و بين مدافع عن حق كل شخص من المجتمع المغربي بالتمتع بحياته و حريته بالطريقة التي يراها هو مناسبة له. لست هنا في محاولة لتقييم الحدثين ، لكنني أخذتهما على سبيل المثال لأطرح إشكالية مجتمعية تقول عنَّا نحن المغاربة أ أو تتهمنا بأننا شعب منفصم الشخصية أو ما يُصْطلح عليه نفسيا " سكيزوفرينيك". فهل فعلا نحن شعب منافق مريض نفسيا يُظْهِرُ عكس ما يُضْمِر؟ معرض حديثي هنا ينطلق مع بداية شهر رمضان الأبرك الذي أتمنى أن يدخله الله على الجميع بكل خير و الغفران من كل الذنوب. إذا استمعنا إلى الدُّفُوعَات الشَّكْلية للمحللين النفسانيين الذين يتكاثرون في هذا الشهر الفضيل و أشباه المثقفين الذين يحلو لهم الظهور بمنظر المخالف الفاهم في كل شيءو جمعية " وكالين رمضان «،فإن التهمة ثابتة على الشعب المغربي و دلائلها عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر المواقف التالية: + كثرة التناقضات فيهذا الشهر بين عدد المواطنين المواظبين على الصلاة والذين يُعَمِّرون المساجد و عددهم في الأيام العادية من السنة ، حيث عدد المصلين يتضاعف بصفة ملحوظة . + مؤاخذتهم على بعض أو حتى علىعدد كبير من الأشخاص الذين عندما ينتهون من الصلاة يتوجهون إلى المقاهي، أو متابعة مسلسلات و أفلام على التلفاز. + إسقاطهم المقصود لمصطلح "الترمضينة" على كل شخص صائم لم يتحكم في أعصابه في أيام رمضان كدليل على تصنع هؤلاء الإيمان و أنهم ربما "صايمين بالجميل". بالإضافةإلى كثرة الجرائم التي تحدث في هذا الشهر, رغم أن الإحصائيات الرسمية لا تؤكد هذا الطرح لأن نسبة الجريمة تكون نفسها في جميع شهور السنة. + تعصب المواطنين غير المبرر، " من وجهة نظرهم"، للمواقف التي يتبناها عامة الناس و غالبيتهم ضد المجاهرين بالإفطار العلني في رمضان. على الرغم من أن الأمر يُعتبر حرية شخصية. إلخ إلخ.......................... ولكن قبل الخوض في مدى صحة دُفُوعاتهم من عدمها ، لا بد من التذكير بأنهم يتناسون في تبريراتهم على أن شهر رمضان ليس ككل الشهور الأخرى ، ففيه تتغير العادات الغذائية للمواطن كما يتغير نمط الحياة التي تعود عليها لمدة 11 شهرا ، و بالتالي لا يمكن أن نحكم على نفس الشخص في ظل اختلاف الظروف التي تحكم تصرفاته و انفعالاته. عليهم الاعتراف أن لطقوس شهر رمضان خصوصياتها المُمَيَّزة التي تجعل غالبية الأفراد يقومون ببعض الأمور التي لم و لن يقوموا بها في بقية الايام الأخرى، ليس في الأمر انفصاما في شخصيتهم و إنما الأمر بسيط جدا : إنه تعبير بسيط منهم على نقاء روحهم و صفاء سريرتهم. فعدد كبير من هؤلاء المغاربة لا يكون راضيا عن حياته بالطريقة التي يعيشها، و سواء اتفقنا معه أم لا،إ لا أن الحقيقة التي يؤمن بها : أنه عبد مُذْنِب، ليس وحده، فكلنا خطاؤون، لذا فهم يعتبرون شهر رمضان شهرا للتطهر و تجديد العهد مع الله. خصوصا و أن أجر هذا الشهر لا يجازي به إلا خالق الأكوان كما جاء في الحديث القدسي المعروف. فهل هذا الرجوع إلى أصل الفطرة السليمة يعتبر سكيزوفرينيا او انفصاما في الشخصية؟ بساطة الأمر تجعله صعبا للشرح و لكن الأكيد أن هؤلاء المغاربة البسطاء على الأقل في صيامهم و عباداتهم في هذا الشهر الفضيل يعبرون عن افتخارهم بدينهم و ارتباطهم الدائم بكل ما هو روحي، وحتى إذا حدثت زلات و ما أكثرها، فليس ذلك معناه أنهم مرضى نفسيين ، بل لأنهم بشر عاديون بصفة عامة و ليسوا ملائكة. و نحن لن نكون أكثر علما من الله خالق كل شيء. الإيمان درجات ،يضعف و يتقوى بحسب الظروف , قد يزيغ البعض عن الصراط المستقيم لكنهم يتداركون زيغهم في هذا الشهر . قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون ". والحديث معناه ظاهر أن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يستغفروه وأن يغفر لهم ليظهر بذلك فضله سبحانه وتعالى وآثار صفته الغفار والغفور، وهذا كما في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [سورة الزمر: الآيتين 53، 54]، الحديث يدل على مسألتين عظيمتين: أولا المسألة الأولى: أن الله سبحانه وتعالى عفو يحب العفو، غفور يحب المغفرة. ثانيا والمسألة الثانية: فيه بشارة للتائبين بقبول توبتهم ومغفرة ذنوبهم وألا يقنطوا من رحمة الله ويبقوا على معاصيهم ويصروا عليها، بل عليهم أن يتوبوا ويستغفروا الله سبحانه وتعالى، لأن الله فتح لهم باب الاستغفار وباب التوبة. أمر آخر لابد من التطرق إليه , إذا كان هؤلاء المغاربة البسطاء مرضى نفسانيين و مصابين بانفصام الشخصية؟ فماذا يمكننا أن نقول عن منتقديهم؟ بماذا سنصفهم؟ كيف نُفَسِّر قول بعض الأشخاص أنهم مسلمون بالطريقة المعتدلة المغربية, "نصلي شويا و نزكي و ندير هذاك الشوية اللي قدرني عليه الله.... "أو ما أصبح يُطْلِقُ عليه البعض تحت مسمى الاعتدال " إسلام لايت"؟ ألا يعتبر رأيهم في الإسلام أمرا يخصهم هم لا غيرهم و لا أحد ملزم بتصديقهم و لا اتباعهم؟ أليسوا هنا يفتون بما لا يعرفون؟ كيف يصلون و يقومون بالعبادات التي أمرهم الله بها على حسب هواهم و لا يتجنبون نواهيه تاركين النفس الأمارة بالسوء تستعمرهم دون مقاومة تحت ذريعة " لاتنس نصيبك من الدنيا" و يتناسون " النصف الآخر" و ابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة " في قوله تعالى:(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص/77 " أو مارأيهم في قوله تعالى: "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. البقرة الآية 85. إذا كان من أحد مصاب بانفصام في الشخصية ، فبالتأكيد ليس المغاربة البسطاء، لأنهم لم يقولوا أبدا أنهم ملائكة. بل المرضى النفسيون هم أولئك الذين يحللون تصرفات المغاربة من بُرْجٍ عاجٍ و يعتقدون أنهم مالكوا الحقيقة ، أو أنهم ليسوا بشرا لا يُخطئون كبقية الناس. ربما لأنهم يرون أنفسهم ملائكة . . .