نور الدين مفتاح يكتب: آش غادي نكملوا؟    أساتذة العلوم يحتجون في كلية تطوان    فاجعة "الماحيا المسمومة" تصل العالمية    المجلس الجهوي لهيئة المهندسين المعماريين لمنطقة طنجة يتضامن مع مديرة الوكالة الحضرية    كلية الدراسات العسكرية تراعي التطور    معرض يقدم شهادة على العصر من خلال أرشيف الراحل عبد الواحد الراضي    دراجي يتهم "أطرافا معادية خارجية" بإشعال النار في كرة القدم الجزائرية    "الكاف" ينفي الحسم في موعد تنظيم كأس إفريقيا بالمغرب    الملف المعقد يهدد بنسف التقارب الإسباني المغربي    وزير الفلاحة: الأسعار بإسبانيا منخفضة "حيث مكيعيدوش" ومعظم الأضاحي من رومانيا    ألمانيا تمنح المغرب قرضا ب100 مليون أورو لإعادة إعمار مناطق زلزال الحوز    سلطات المضيق-الفنيدق تغلق وتنذر محلات "سناك" وتكشف خطتها لتدبير موسم الصيف    ولي العهد يترأس حفل تخرج فوجين بالكلية العسكرية بالقنيطرة    العقبة التي تعرقل انتقال نجم المنتخب المغربي إلى الأهلي المصري    بهدف المس بالمغرب .. ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يدعم البوليساريو من الجزائر    دراسة: ارتفاع حرارة الأرض الناجمة عن النشاط البشري إلى "مستوى غير مسبوق"    "طاكسي بيض 2".. الخياري ينبش عالم المخدرات في عمل كوميدي مليئ ب "الأكشن"    المغرب وفلسطين يوقعان مذكرتي تفاهم تتعلقان بالتعاون الصناعي والتجاري والتقني (فيديو)    هزة ارضية تضرب اليابسة بإقليم الحسيمة    المنتخب المغربي يتوجه إلى أكادير استعدادًا لمباراة زامبيا    رصيف الصحافة: شبهة "اغتصاب تلميذة" تلقي بأستاذ وراء القضبان    ارتفاع عدد ضحايا "الكحول المغشوشة"    مونديال أقل من 20 سنة.. القرعة تضع لبؤات الأطلس في المجوعة الثالثة    "التسمين" وراء نفوق عشرات الخرفان المعدة لعيد الأضحى بإقليم برشيد    "اللغات المتخصصة: قضايا البناء ومداخل التحليل".. إصدار جديد للدكتور زكرياء أرسلان    طبيب مغربي يبتكر "لعبة الفتح" لتخليص الأطفال من إدمان الشاشات    الحسيمة .. انطلاق الامتحان الجهوي للسنة الأولى بكالوريا بمختلف راكز الإجراء بالإقليم    الأمثال العامية بتطوان... (617)    حماس تحسم موقفها من المقترح الأمريكي الذي يدعمه المغرب    علاج جيني في الصين يوفّر أملا للأطفال الصمّ    بورصة البيضاء تنهي التداولات على وقع الأحمر    انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    حكومة الاحتلال واعتبار (الأونروا) منظمة إرهابية    ترقب في القدس لمسيرة الأعلام الإسرائيلية وبن غفير يهدد بدخول باحات المسجد الأقصى    المخرج عزيز السالمي يترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الرباط كوميدي    الاتحاد السعودي يوافق على رحيل لاعبه المغربي حمد الله    تسلل الغش إلى أوزان البوطاغاز!    زيادة سعر غاز البوتان: من يدفع الثمن؟    عن إجرام النظام العسكري في حق الشعب الجزائري    مناهضو التطبيع يواصلون الاحتجاج ضد المجازر في غزة ويستنكرون التضييق وقمع المسيرات    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    إطلاق نار يستهدف سفارة أمريكا في بيروت    ماركا تُرشح دياز للفوز بالكرة الذهبية الإفريقية    أنتونيو كونتي مدربا جديدا لنابولي الإيطالي    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    تقصي الحقائق: ماذا يحدث على حدود رفح بين مصر وغزة؟    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الأربعاء    ارتفاع أسعار الذهب بدعم من ضعف الدولار    علماء أمريكيون يقتربون من تطوير لقاح مركب ضد جميع فيروسات الإنفلونزا    مجلس النواب الأميركي يصوّت على معاقبة مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية"    مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير يفتح باب المشاركة في دورته الجديدة    لطيفة رأفت: القفطان المغربي رحلة طويلة عبر الزمن    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    فرق محترفة تقدم توصيات مسرحية    كيف ذاب جليد التطبيع بين إسرائيل والمغرب؟    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حدثونا عن سورية ما بعد الاسد
نشر في أخبارنا يوم 05 - 08 - 2012

اتحدى ان يقدم لي زعيم عربي واحد من الذين يبحثون مع الامريكان والاوروبيين ليل نهار في مستقبل سورية ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الاسد، صورة واضحة عن هذا المستقبل، والشكل الذي ستكون عليه البلاد، حتى لا نفاجأ او يفاجأ هو نفسه لاحقا، او حتى نحاسبه على برنامجه وتصوراته وجهوده هذه.
فمثلما كان الزعماء العرب، اعضاء تجمع دمشق الذي تأسس كبديل للجامعة العربية، قبيل الغزو الامريكي للعراق، مضَلّلين في حماسهم للمشروع الامريكي لضرب العراق وتدميره، لا نستغرب ان ينتهوا الى النهاية نفسها فيما هو قادم من ايام.
قبل مئة عام تقريبا جاء مندوب بريطانيا العظمى السيد مكماهون الى شريف مكة الحسين بن علي عارضا عليه الثورة، وهو ابن السلالة الهاشمية، ضد الامبراطورية العثمانية غير العربية، واعدا اياه بامبراطورية عربية خالصة العرق والنسب، تعتمد الحداثة والتطور، وبعيدا عن ارث الدولة العثمانية الفاسدة والمتخلفة.
الثورة انطلقت من الحجاز، ومن اطهر بقعة فيها (مكة)، وجرى تشكيل 'الجيش العربي' لمشاركة البريطانيين والفرنسيين حربهم لاسقاط الامبراطورية العثمانية السنّية المسلمة، وتحرير العرب من استعمارها.
انتهت الحرب بسقوط الدولة العثمانية فعلا وتفتيت اراضيها، وخلق دول جديدة، وكان لافتا ان معظم الكيانات الجديدة تحررت، بما في ذلك تركيا الحديثة، باستثناء الدول العربية التي جرى وضعها تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي، بما في ذلك فلسطين التي اعطيت لاحقا لليهود، وبقية القصة معروفة.
نحن نعيش هذه الايام تكرارا، وان بأشكال اخرى، للسيناريو نفسه، فالدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، تطالب العرب السنّة بالثورة، على الظلم والطغيان، وتحشدهم لحرب لاحقة مع ايران الشيعية، وتركز دعمها لهذه الثورات في الدول التي تصدت للمشروع الغربي، وخاصة ليبيا وسورية والعراق واليمن وان بدرجة اقل.
الثورات العربية ضد الظلم والفساد والتوريث مشروعة، بل نقول انها تأخرت اكثر من اللازم، ولكن ما نخشاه، بل ما نراه بأعيننا، عمليات توظيف غير بريئة لهذه الثورات، لخدمة مصالح غربية استعمارية محضة.
الانظمة ستسقط لا محالة، ونظام سورية لن يكون استثناء، فهناك مئات الانظمة حكمت سورية على مدى ثمانية آلاف عام، ولكن ما يهم هو سورية بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، والصورة التي ستكون عليه، وحجم المجازر التي سيواجهها شعبها، فإذا كان العدد قد توقف الآن عند عشرين الفا، فعند اي رقم سيتوقف العداد بعد شهرين او عامين او عشرين عاما؟
' ' '
الاسلحة تتدفق على سورية، النظام والمعارضة في الوقت نفسه، اسلحة حديثة ومتطورة لم نرها في الحروب العربية ضد اسرائيل. اوباما بالامس وقع قرارا يسمح لأجهزة المخابرات الامريكية بدعم المعارضة السورية وقواتها على الارض، وترددت انباء عن وصول كتيبة امريكية لتدريب الجيش الاردني حول كيفية الدفاع عن نفسه في مواجهة اي 'هجوم' سوري، وتحدث تقرير المعهد الملكي للدراسات الامنية البريطاني عن وجود قوات خاصة امريكية وبريطانية على الارض السورية، لدعم المعارضة وقواتها والقيام بأعمال تجسسية وجمع معلومات. واكد ان سفنا حربية بريطانية في طريقها الى السواحل السورية استعدادا لإجلاء الرعايا البريطانيين والاجانب (التقرير موجود لدينا وعلى الانترنت).
الروس والصينيون يدعمون ايضا النظام، وتتجه اربع سفن حربية روسية الى قاعدة طرطوس في الوقت الراهن، والقوات التركية تجري مناورات وتعزّز وجودها على الحدود السورية.
هذا يعني ان حربا اقليمية وربما دولية على الارض السورية باتت وشيكة، ولكن أدواتها عربية وضحاياها عرب. فالاردن انهى حالة الحياد تجاه الاوضاع في سورية وقرر ان ينضم الى المجهود العسكري الخليجي الغربي لاسقاط النظام، ووقعت اشتباكات فعلية بين قواته واخرى سورية، ربما تكون بداية غزو عسكري، وعلينا ان نتذكر ان القوات الامريكية التي اقتحمت بغداد كانت قادمة عبر الاراضي الاردنية.
اعيش في الغرب منذ 35 عاما، تعلمت وعلّمت وحاضرت في معظم جامعاته، وكتبت مقالات حول الشرق الاوسط في صحفه، وشاركت محاورا في معظم ان لم يكن جميع محطاته التلفزيونية، علاوة على مئات المؤتمرات والندوات السياسية، وخرجت من كل هذا بقناعة راسخة بأنه لا توجد سياسات عشوائية، وان السياسات والحروب الاستراتيجية توضع على اساس الفعل والتخطيط المحكم،وليس على اساس ردود الفعل، وان هناك حقيقة راسخة لدى معظم الخبراء الغربيين بأن العرب من السهل خديعتهم واستغلال مواطن ضعفهم، وبث الفرقة بينهم، على اسس طائفية وعرقية، ويكفي الاشارة الى ان اهم كلية في جامعة لندن مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية، تأسست من اجل دراسة القبائل والعرقيات العربية، واعداد الحكام الانكليز للمستعمرات العربية.
القرار بغزو العراق واحتلاله جرى اتخاذه عام الفين رسميا، واعطيت التعليمات بوضع خطط الاعداد والتنفيذ عام 2001، اي بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، ولكن المحافظين الجدد ومعظمهم من اليهود الموالين لاسرائيل، مهّدوا لهذا القرار قبل ذلك بخمس سنوات، وطالبوا بتغيير النظام العراقي باعتباره يشكل خطرا على اسرائيل.
الشعوب التي ثارت ضد الديكتاتورية والطغيان كانت ثوراتها عفوية ومشروعة في معظمها، ولكن الغرب حاول ويحاول ركوب هذه الثورات وتوظيفها لمصلحته في الاستيلاء على الثروات النفطية، واضعاف العرب عموما وخطرهم على اسرائيل.
ومقولة توني بلير منظر الاستعمار الجديد ورئيس وزراء بريطانيا السابق حول 'التغيير المتحَكم به' بالربيع العربي ما زالت ماثلة للأذهان.
' ' '
في عام 1979، وبعد نجاح الثورة الايرانية بالاطاحة بنظام شاه ايران، قدم المؤرخ البريطاني الصهيوني برنارد لويس مجموعة توصيات للدول الغربية ينصحها فيها بكيفية الرد على خسارة ايران، الحليف القوي. ملخص هذه التوصيات هو العمل على 'بلقنة' اجزاء من منطقة الشرق الاوسط من خلال تشجيع الأقليات العرقية والمذهبية على الثورة للمطالبة بكيانات مستقلة خاصة بها، وخلق هلال من الأزمات. وبهذه الطريقة فأن الدول القوية المتماسكة المعادية للغرب، مثل العراق وسورية، تتعرض للتفكيك من الداخل، وتتحول الى دول صغيرة ضعيفة (Ministate) متصارعة فيما بينها.
في عام 1934 وضعت سلطات الانتداب الفرنسي خطة مماثلة لتقسيم سورية الى خمس دول، على اسس طائفية مذهبية وعرقية، اثنتان سنيّتان في حلب ودمشق، وواحدة درزية في جبل العرب (الدروز سابقا) ورابعة علوية في الساحل (طرطوس واللاذقية) وخامسة تركمانية في لواء الاسكندرون. هذه الخطة فشلت لأن الشعب السوري رفضها وقاومها للمحافظة على الوحدة الجغرافية والديموغرافية لوطنه.
بعد ثمانين عاما يعود هذا المخطط ليطل برأسه من جديد، حيث تواجه سورية التفتيت عمليا، فكل شيء في سورية هذه الايام مفتت او مقسم، السلطة مقسمة ومتآكلة، الوحدة الترابية مفتتة، المعارضة مفتتة ومقسمة، لا شيء موحد على الاطلاق، ويبدو ان نصائح برنارد لويس بدأت ترى النور، ومخططات التفتيت تتواصل، فحلب تقريبا منسلخة، والشمال الكردي شبه مستقل، ودمشق معزولة، والطريق الى اللاذقية غير آمن، وحمص متمردة على النظام. وفي ليبيا برقة تستعد للانفصال، وبعض اهلها يريدون التحوّل الى مشيخة خليجية او امارات اخرى، يستمتعون بنفطها بمعزل عن طرابلس وفزان، وحال العراق معروف للجميع. ألم يقل برنارد لويس ان العراق دولة مصطنعة ركبتها بريطانيا ويجب تقسيمها على اسس عرقية وطائفية قبل الحرب الاخيرة؟
لا نعرف ما اذا كانت الدول العربية الاخرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر والمغرب (نستثني السودان لأنه مفكك، واليمن في الطريق) على دراية بأن هذا المخطط سيصل اليها حتما؟ فمن كان يتصور ان النظام السوري الذي ساند الحرب على العراق تحت عنوان تحرير الكويت سيكافأ بهذه الطريقة؟
السؤال الذي نطرحه على الدول العربية التي تشارك بحماس في تحالف اصدقاء سورية، وقبلها اصدقاء ليبيا، عما اذا كانت على اطلاع على النوايا الغربية للمنطقة ومستقبلها، وكيف ستكون عليه بعد عشر سنوات او عشرين عاما على الاقل؟ هل اطلعها الغرب على كل التفاصيل؟
يتحدثون عن مرحلة ما بعد الاسد، هل لديهم خرائط سياسية وجغرافية ومشاريع اعادة بناء مثلا لهذا البلد او غيره، هل تملك السعودية بالذات رؤية واضحة لسورية بل وللمملكة نفسها؟
نريد زعيما عربيا واحدا ان يقنعنا بأن العرب شركاء حقيقيون في رسم مستقبل منطقتهم، وان يطمئننا بأننا لن نجد انفسنا نواجه خديعة اخرى، على غرار تلك التي واجهناها نحن او اجدادنا بعد الثورة العربية الكبرى، او بعد احتلال العراق وتدمير ليبيا.
اطرح هذه الاسئلة حتى ابرئ ذمتي، وحتى يجد باحث شاب في المستقبل انه كان هناك من كتب وحذر وعلق الجرس، وان كل العرب لم يكونوا مضَلّلين ويسيرون في ركاب مخططات تقسيمهم وتفتيتهم بأعين مفتوحة. إنها شهادتي للتاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.