رشيد الطالبي العلمي في زيارة عمل برلمانية لجمهورية الصين الشعبية    هذه تفاصيل العقوبات الصادرة في حق الأساتذة الموقوفين : مولاي امحمد الشهيبات: خروقات قانونية شابت المجالس التأديبية من حيث الشكل كما انعدمت فيها الضمانات التأديبية    أغلبية البيضاء تدفع بالتويمي لخلافة بودريقة    أفول الدعاية الانفصالية بغرب أوروبا :    ماركا: إبراهيم دياز قطعة أساسية في تشيكلة ريال مدريد    الدورة ال23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة" من 27 ماي إلى 2 يونيو المقبل بدار السلام بالرباط        توقيف شاب في أكادير بتهمة السكر العلني والإيذاء العمدي    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    الزمالك يشهر ورقة المعاملة بالمثل في وجه بركان    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    مبيعات الاسمنت تتجاوز 4,10 مليون طن نهاية شهر أبريل    هام لتلاميذ البكالوريا بالناظور.. هذه هي تواريخ الامتحانات والإعلان عن نتائجها    المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة يحتفي بالسينما المالية    محامو المغرب يدخلون على خطّ اعتقال محامية في تونس.. "اعتقال الدهماني عمل سلطوي وقمعي مرفوض"    ثاني أكسيد الكربون.. إقرار قواعد أوروبية أكثر صرامة بالنسبة للمركبات الثقيلة    إضراب وطني يفرغ المستشفيات من الأطباء والممرضين.. والنقابات تدعو لإنزال وطني    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    من البحر إلى المحيط.. لماذا يتحول مسار الهجرة من المغرب إلى أوروبا؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    حماقات النظام العسكري الجزائري تصل للبطولة الوطنية    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الدار البيضاء تحتفي باليوم الوطني للمسرح    تحقيق السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    تليسكوب "ليزا"...    قنصلية متنقلة لفائدة مغاربة إسبانيا    بنموسى يكشف أسباب تسقيف سن ولوج مباريات التعليم    كأس الكونفدرالية الإفريقية: نهضة بركان يفوز على الزمالك المصري في ذهاب النهائي (2-1)    شطيرة نقانق عملاقة تزين ساحة "تايمز سكوير" بنيويورك    من يجبر بخاطر المتقاعدين المغاربة؟!    الأساطير التي نحيا بها    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية "تاريخية"    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    الاعلان عن اختفاء قاصر من بليونش بعد محاولة هجرة إلى سبتة سباحة    الاشتراكيون يفوزون في انتخابات إقليم كتالونيا الإسباني    "المراهنة على فوضى المناخ".. تقرير يفضح تورط المصارف العالمية الكبرى في تمويل شركات الوقود الأحفوري    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورد يبكي
نشر في طنجة الأدبية يوم 01 - 05 - 2008

ارتفعت صيحات مفاجئة في الشارع الذي لم يرتد كامل يقظته بعد، فانفتحت كل الأبواب والشبابيك، ثم انتشر خبر هز البلدة كلها وحولها إلى خلية نحل.
طار النوم من عينيَّ، فخرجت مسرعاً وأنا أرتدي منامتي ثم لحق بي أخي، وأبي و... و... رأيت حركات غير طبيعية، ورأيت الرجال والنساء والأطفال يركضون باتجاه الغرب وقد تشعبت الدهشة في ذواتهم.
"ماذا حصل؟"
لم يكلف أحد نفسه بالرد على سؤالي، فركضت خلفهم إلى أن رأيت ما رأيت.
وأنت يا عريس، يا صديقي الوفي، كنت مرمياً بين الأشجار المزروعة في مدخل البلدة الغربي، ترتدي بذلتك السوداء، وقميصك الأبيض، وربطة عنقك الذهبية، وكانت سكين لئيمة مغروزة بغرور في أقصى صدرك، فتبدو وكأنها إسفين أسود مغروز في كومة من الثلج، أبعدت من في طريقي واقتربت منك، فرأيت خرائط الدم مرسومة على رقبتك وصدرك وتسريحة شعرك، وكانت البراءة ومعها كل ابتسامات الأمس، ليلة عرسك واضحة على شفتيك وعينيك المفتوحتين.
بحثت عن عروسك بين الوجوه الكثيرة فلم أجدها.. كثيرون كانوا يحسدونك على حبها لك، وعلى جمالها الخارق ونقاء روحها. سألت عنها وأنا أتأبط الهذيان، فلم يرد عليّ أحد.
"هل هربت أم خطفت في عتمة الليل؟"
آه يا صديقي.. قبل ساعات كنا زوجتي وأنا في حفل عرسك وبعد أن رقصنا وغنينا وضحكنا وترنمنا مع المواويل في النادي المكتظ بكل أنواع الفرح، ودعناك وودعنا عروسك التي كانت تتأبط ذراعك وترش من حولها البسمات، وحين سرت معها باتجاه السيارة لتجمعكما ليلة من أجمل الليالي، لوّحت لنا، وطلبت منا أن نزورك، فوعدناك مع تلويحة أن نكون عندك في المساء.
"أين العروس؟" صاح أحدهم.
"الكل بحث عنها في البيوت والبراري وعلى ضفتي النهر، ولكن لا أثر لها وكأنها تحولت إلى نقطة ماء في بحر متلاطم الأمواج. صاح آخر وهو يبكي.
إيه.. إيه يا عريس، يا يتيم الأبوين، هل تتذكر أيام الشقاء؟ وهل تتذكر كيف جمعت من تعبك وسهرك في الليالي، وأيضا من تعب أختك، مهر العروس؟ حيث كنتما تشتغلان في الليل والنهار دون كلل أو ملل، تجمعان القرش فوق القرش، وتحرمان نفسيكما من أشياء كثيرة كنتما بأمس الحاجة إليها والآن ضاع كل شيء، وتركت أختك الوحيدة، لمن تركتها يا مسكين؟ ها هي تفترش التراب، تلعقه، تنثره على رأسها، تنتف شعرها نتفاً عجيباً تذرف الدموع المدرارة، تطبع على وجهك البارد قبلاتها الأخيرة وتتساءل بكل عذابات الأرض:
"من هم القتلة، وبأي ذنب قتلوه؟ فهو كان مثل حمامة السلام"
لا تسمع إجابة من أحد ، فتسقط مغشية عليها ، وحين تفتح عينيها مرة أخرى، تبقى صامتة للحظات، تنظر من حولها وكأنها تبحث عنك بين الوجوه، ثم تنتحب من جديد وقد جف فمها من العطش الطويل:
"والله ليس لي غيره، لا أخ ولا أخت فلماذا قتلوه؟.. يا عالم يا ناس، لأي سبب قتلوه، لماذا تركوني وحيدة؟ لماذا لم يقتلوني قبله؟"
تتوقف عن النحيب وكأنها تذكرت شيئا مهماً، وبعد لحظات تهز رأسها وتقول مع الشهقات:
"حين عدنا إلى البيت، باركت زواجهما، قبلتهما ودخلت إلى غرفتي، تمددت، وقبل أن يأخذني النوم، سمعت صوت ارتطام شيء، لكني لم أخرج من غرفتي، ليتني خرجت، ليتني لم أنم، نمت ولم أشعر بشيء حتى سمعت دقات عنيفة على الباب، وحين فتحته لم أصدق ما سمعت، هرولت إلى غرفة العروسين، فكانت مرتبة كما لو أن أحداً لم يدخلها..."
لم تستطع أن تكمل، وسقطت على الأرض مرة أخرى.
كغصن جاف تهزه الريح، كنت أسير خلف نعشك في صباح شبه ميت، أقطع دروب التيه وخطاي تتدثر بالفوضى والهذيان، ومع كل شهقة تخرج من حنجرتي، كنت أبكي بكل لوعتي وضعفي، وأزفك إلى عرسك الجديد بمرارة وحزن كبير بحجم الكرة الأرضية.
كنت تستريح على الأكتاف، وأنا أنظر إليك ولا أمّل من النظر، وفجأة رفعت رأسك، أرسلت نظراتك إلى الوجوه المنكسرة، وحين وقعت نظراتك عليّ، قلت بلهفة وكأنك قادم بعد غياب طويل:
"أين أختي وعروسي؟"
مسحت دموعي وقلت بصوت سمعه الجميع:
"ها هي أختك خلفي، إلى جانب زوجتي، وهي محاصرة بالحزن والقهر والعذاب، ها هي حافية القدمين، مبعثرة الشعر، ممزقة الثياب، وها هو الورد الأسود ينبت تحت قدميها، ورد يبكي يبكي يبكي ومليء بالأشواك، كل من يمر من فوقه أو من جانبه، يتألم ويحزن ويمتد حزنه إلى القمر، أما عروسك يا صاحبي فهي غائبة في المجهول، وربما هي الآن تسأل عنك وتقول أريد عريسي".
عندئذ بكيت بألم فقلت لك:
"لا تبكي أرجوك"
سقطت عليّ النظرات المستغربة، فلم أبال بها، تابعت الحديث والرد على أسئلتك، فراحت الرؤوس تهتز بأسف:
"اتركوه يفعل ما يريد"
"كان من أعز أصدقائه"
"لم أر مثل وفائهما"
"سيجن المسكين"
ليتني أجن وأنسى كل هذه الآلام. استعدوا لمواراتك الثرى، فقلت وأنت تحترق بنار لا تعرف الانطفاء:
"لا تردموا الحفرة، اتركوها مفتوحة أرجوكم، فربما جاءت عروسي، وإذا جاءت ورأيتها، عندئذ اردموها بالإسمنت إن أردتم"
لكنهم لم ينتبهوا إليك، انهالت الرفوش على التراب، فهتفت وأنا أحس بأن كل سكاكين البلدة مغروزة في صدري:
"لن يكون إلا ما تريد يا صديقي"
اقتربت منهم، أبعدتهم بكل قوتي وصرخت بأعلى صوتي:
"ألا تسمعون؟ لا تردموا الحفرة، اتركوها مفتوحة كما يقول لكم"
"بماذا يبرطم هذا؟" صاح أحدهم بغضب تولد فجأة.
أبعدوني عنهم وعادوا إلى عملهم، حاولت أختك أن ترتمي فوقك، لكن رجلاً ظالماً وبلا قلب، أمسك بيدها وأبعدها رغما عنها.
غادر الجميع المقبرة وتركوني وحيداً مع الفجيعة والغياب، وحين لم يبق غير الصمت، سألتك بصوت ليس فيه إلا الوهن:
"قل لي يا صديقي، من هم القتلة؟"
"هم الذين يعشقون الموت بلا سبب"
بقينا ننظر إلى بعضنا البعض أنت تنظر وتهز رأسك حينا، وحيناً تغمض عينيك وأنا أنظر بحنان الأب والأم والأخ وأتحسر.
"والله العظيم سأزورك في كل الأوقات. قلت حين فاجأني صوتك:
"لا تتركني وحيداً، وكلما اشتقت إليّ تعال إلى هنا"
وحين بكيت وقبلتك، ربتّ على كتفي وقلت:
"يكفي البكاء.. اذهب الآن وابحث عن عروسي، وإذا وجدتها قل لها أنني أريدها لأمر هام"
ولم تخبرني عن هذا الأمر الهام على الرغم من إلحاحي الشديد، فنهضت بقلب يقطر دماً، رجعت أدراجي إلى البلدة، ولم تنقطع زياراتي إليك، كنت أجلس إلى جانبك، أسليك وتسليني في النهار أو في عتمة الليل، وفي كل مرة تسألني عن أختك فأجيب، وعن عروسك فتموت الكلمات في حنجرتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.