وزيرة: المغرب استقبل 5.9 مليون سائح خلال الأشهر الخمسة الاولى من 2024    برلماني يُطالب وزير النقل بفتح خط جوي بين طنجة والرشيدية    المغرب يعزز صدارة المجموعة الخامسة بسداسية في مرمى الكونغو    تصفيات مونديال 2026... الركراكي يقول إن لديه مجموعة جيدة وأن الانتصار بسداسية لن يؤدي به للغرور    تستعمل في الإجهاض.. أمن أكادير يوقف سيدة وشقيقها يروجان مواد طبية مهربة    الملك محمد السادس يحل رسميا بتطوان لقضاء العيد والعطلة الصيفية    عموتة يقود "النشامى" لتحقيق فوز تاريخي في تصفيات "المونديال"        هاتريك القناص أيوب الكعبي في شباك الكونغو اندحار للنصيري    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (16)    جمعية هيئة المحامين بتطوان تتضامن مع الشعب الفلسطيني    الأمثال العامية بتطوان... (622)    فرنسا.. اليسار يتجمع بعد تيه ورئيس حزب "الجمهوريون" يريد التحالف مع اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية    البرلمان يدخل على خط انتحار تلميذة آسفي    تشكيلة المنتخب المغربي أمام الكونغو برازافيل    من المغرب.. وزيرة خارجية سلوفينيا تدين إسرائيل وتدعو لوقف تام لإطلاق النار بغزة    المغرب وسلوفينيا عازمان على إعطاء دينامية أكبر لعلاقاتهما الثنائية    أسئلة غلاء تذاكر مغاربة العالم بحراً وجواً تحاصر وزير النقل بالغرفة الثانية    العثور على جثة فتاة داخل حفرة يستنفر السلطات الأمنية بمرتيل    18 قتيلا و2704 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    وفاة المعلم علال السوداني، أحد أبرز رموز الفن الكناوي    الأخضر يغلق تداولات بورصة البيضاء    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    صندوق الإيداع والتدبير يعلن عن صرف المعاشات بشكل مسبق ابتداء من 12 يونيو    رسميا .. أولمبيك الدشيرة يعلن إجراء مباراة "الموسم" في البطولة أمام الدفاع الحسني الجديدي بدون جمهور    عيد الأضحى: المكتب الوطني للسكك الحديدية يبرمج حوالي 240 قطارا يوميا    السجن المحلي عين السبع 1: 129 مترشحة ومترشحا من النزلاء يجتازون امتحانات البكالوريا    سفر أخنوش يؤجل الجلسة الشهرية بمجلس المستشارين    مصرع نائب رئيس ملاوي و9 أشخاص آخرين في حادث تحطم طائرة    وهبي يعلن بدء استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكم المغرب    وهبي: أدوار الوساطة تحتاج التقوية .. ومنصة رسمية تحتضن الإعلانات القضائية    المغرب يرحب بقرار مجلس الأمن الدولي    شركة إسبانية لصناعة الطائرات تستقر بالدار البيضاء    أبرزهم أيت منا.. 5 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي (صور)    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    شركة "آبل" تطلق نظاما جديدا للتشغيل في أجهزتها قائما على الذكاء الاصطناعي التوليدي    من إصدارات دار الشعر بمراكش الديوان الخامس من سلسلة "إشراقات شعرية" للشعراء المتوجين بجائزة "أحسن قصيدة"    القناة الثقافية تحاور الناقدة والروائية المصرية شيرين أبو النجا    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس اعتبارا من السبت القادم    " فخورون، معلقون وعنيدون بعض الشيء"، عن منطقة كتامة والحشيش وأشياء أخرى..فيلم بالمسابقة الرسمية لفيدادوك    مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تنظم ورشة لتلقين مبادئ النقد السينمائي وتجويده، لفائدة الصحفيين    سوق الأغنام بالرباط.. المعادلة المتداخلة لاختيار أضحية العيد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    المغرب يلتزم بإدماج التقنيات النووية السليمة في مختلف القطاعات    الحكومة تكشف خطتها لتسريع الإقلاع الاقتصادي وخلق فرص شغل قارة للمغاربة    أطباء: مليون ونصف مصاب بالسكري لا تصلهم علاجات وزارة الصحة والتغطية الصحية لا تزال ضعيفة    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    "نقاش نووي" يجمع المغرب وأمريكا    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    اجتماع يُنهي أزمة فريق المغرب التطواني    كيوسك الثلاثاء | ثلث الشباب المغاربة يفكرون في الهجرة    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    الحج ب "التهريب": "اضطررنا إلى التحايل لأداء الفريضة"    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد شهيد إنسانا وفنانا
نشر في طنجة الأدبية يوم 06 - 08 - 2010


● تلك الطفولةفي سلاويت
هذا القادم من دبدو مودعا سلاويت قريته القصية حيث قضى طفولته، التي لازال يمتح من مجرتها. سلاويت الساحرة بأوديتها وتلالها ورباها، حيث كرمته الوارفة التي اجتذبه النقش على جذوعها. سلاويت أين الهدوء الرهيب، جانب الربوة المطلة على بركة آسنة... جلال السكينة في تلك القرية لا يقطعه سوى صهيل خيل أو هسيس كائنات الليل. جمالية الصمت في ذاك الفضاء غير المنفصل عن كيانه؛ علمته حكمة الإنصات للطبيعة، لذاته، وللآخرين. هناك مسه عفريت التشكيل، وهو يلهو ناحتا تماثيله بلا كلل: قلاع، حصون، شاحنات محملة بالحطب، وجوه بشرية، حيوانات، وطيور... تماثيل من تراب الربوة المبلل بماء بركة مظللة بكرمة، كرمة سلاويت. لهو طفولي ونحت على التراب، إذ لا مدرسة هناك. فأقرب واحدة كانت تتطلب منه الاستيقاظ فجرا والرجوع ليلا. مهما يكن فللمدرسة دائما أثر ما، ففيها كان له التمرين الأول على تخطيط صور كتب السي أحمد بوكماخ. من وقتها ابتلاه الله بالفن ابتلاء عظيما.
● شهيد الساكن في الفن
شهيد فنان تشكيلي موهوب عصامي التكوين، شحذ تجربته الفنية بمجهوداته الذاتية المستمرة في الزمان والمكان. أبدع ولازال يبدع. ما إن ترى لوحاته من بعيد في معرض؛ حتى تقول : هذا شهيد.
لوحات محمد شهيد ذات انطباعية خاصة عن مراتع الطفولة في الطبيعة: الربى والأودية والمروج والبساتين والخضرة. لوحاته مشعة بالضوء والظل، ولمعان رقرقة الماء وزرقة السماء.
للمدن رمزية هامة في أعماله، فهو يصور بعشق المدن العتيقة الغنية معماريا بهندسة حصونها وقلاعها الأثرية، وبكل تراثها الدال على مرور الأسلاف. تشكيل هاته المدن كما لو أنه يقول لرائي لوحاته : قف. هذا عمران أصيل... لنحافظ على جماليته... من الحرام تحويله إلى خرائب...
الوجوه والشخوص بمختلف حالاتها لها أيضا حضور لافت في لوحات الفنان شهيد. إنها وجوه مسربلة بألوان من الأسى، لكنها غزيرة التعابير. وهي بذلك تحيل إلى أن جوهر التعبير الفني عند هذا الفنان هو الإنسان، والحياة الإنسانية بآمالها وآلامها، بتحققاتها وانكساراتها. والمتأمل للوحاته وألبوم صوره لن يخطئ في استجلاء أهم ما تهجس به هاته الوجوه. لعل أهمها تعبيرية وجوه عديدة لرجل اسمه إدريس كما خطتها يد الأخ بالصباغة حزنا وكمدا، قلقا وانتظارا، بؤسا وفرحا طفوليا، تبسما وتجهما في آن، عنفا ووداعة معا. رحم الله إدريس. عاش شريدا، وما شكا ولا بكى إلى أن مات واقفا في شموخ.
لشهيد رونق آخر في لوحاته لما يعطيها أحيانا تشكيلا حروفيا، كسعفة مزركشة حروفا، تسعفه ليضيف عبارة ما حزينة ، أو مقطع شعر عن له، أو أي انفعال آخر لتصير اللوحة قصيدة عفوية...
عفوية شهيد هاته هي التي مزجت بين تشخيصيته التشكيلية التي ينجزها رسما ثم صباغة، وبين رمزيته الفنية؛ التي اعتمد فيها (في أعمال سابقة) على الرسم بالقلم الرصاص، بالحبر، بالقلم الجاف، و بالفحم. ربما كان على الدوام يصاحبه خوف شديد وهو يدنو من القماشة الفارغة، كمن يبحث بحذر عن جمال كامن، لا يستثيره سوى الاشتغال الفني الدؤوب.
وبعد هذا وذاك فمحمد شهيد لا يقيم لا في سلاويت- دبدو، ولا في القدس بتازة، بل يقيم في لوحاته وفنه، فهو لا يملك في هاته الدنيا غير لوحاته. كل من رآه شاردا، يدرك أنه فنان مقيم وساكن في فنه على الدوام.
● شهيد حالة مبدع
يتوحد في إبداعه التشكيل بالشعر. لوحته كقصيدتة، وقصيدته كلوحته تقرأ بصريا. محمد شهيد مبدع أصيل ظل دوما يتوارى بعيدا عن الأضواء التي تغري الآخرين، وما أكثرهم في هذا المضمار حين تعدهم. وعلى ذلك فهو لم يتخل قط عن متابعة ما يجري ثقافيا، يحضر ليتابع بدقة أنشطة كل الملتقيات بالمدينة. فهو شاهد على مجرياتها لأكثر من ربع قرن. هكذا عرفته. وهكذا مازال. يبدع في صمت ولا يحيط نفسه بأية هالة... حين تجافيه الكلمات يعود لألوانه، وإذا ما افتقد عدة الألوان والفراشي يعود للغته، بحثا عن وميض صورة من كلمات تعبر بصدق عما يعيشه من فرح داخلي، أو ترسم آلامه المبرحة في هذا العالم بعد أن مرسته السنون والتجارب. لقد قدم الكثير من العطاء الفني إسهاما في إثراء الثقافة البصرية، فماذا يمكن أن يكون قد جنى من كل المعارض الفردية والجماعية التي شارك فيها، وكذلك المهرجانات واللقاءات... ؟. الجواب عن هكذا سؤال محتمل جدا أن يكون كامنا في عنوان ديوانه الشعري : "سراب السنين".
● سراب السنين
هو كتاب شعر صدر للشاعر والفنان التشكيلي محمد شهيد عن مؤسسة التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع بآسفي. ( في 61 صفحة ). غلافه زين بإحدى لوحاته. من هذا الكتاب الشعري نقتطف المقاطع التالية:
- أجبني يا هذا الفراغ المخيف... لأني كللت... وتعبت حتى وهنت...
- نفتح أفقا آخر... كتابة جديدة... تنعش ما أحرقته فينا أحزان السنين...
- أجمل هدية للمزارعين... خبز معجون بعرق الجبين...وزغردات النساء... بين السنابل في موسم الحصاد...
- أيها الشاعر... ما أسكت القهر يوما... جسارة أحلامك... ولا أخرس اليأس لسانك...
- أيها الطفل الوديع... كقطرة المطر... أيها القادم إلينا من جراح غزة ورام الله...من أحزان مدن كسيحة... تقاوم الرصاص بالحجر...
- رباه... كم اشتقت إلى مئذنة... يجهل الطريق إليها المدنسون...
- سقوط بغداد : ذات حرب نظيفة... قال زعيم رعاة البقر... امنحوا لكل طفل قذيفة... ولكل معبد صاروخا...
- قلق وجنون.. تيه وظلال ..ألا يتسع العالم لكل الخلائق. وكأن الأرض سديم.. لا يمنح النور.. إلا بالدم والألم.
- فيا جنون افتتاني وانخطافي.. طوحني للريح للأحلام.. كي أنسى دهشة الأشياء... وأغفو قليلا ... لأحلق فوق جلال وجهها السوسني.
- نداء الجرح السري : إلى الدهشة الأبدية ... بلدتي التي لم أعد إليها بعد أن هاجرتها مكرها قبل ثلاثين عاما : بحزن رجيم... أحن إلى صباحاتك... الهادرة بالعصافير... بدفء الشمس بالهديل... وهمس الظلال...أنا الآن في مدن بلا شمس بلا زهور بلا رياض... لا أملك غير دفق... من كلمات الأسى... ودم أهدرته على دفاتر من بياض... آه يا جنائني الموعودة... لو أعود مني إليك... فتنهضي منك إلي... لو تكوني لضلالي.. الشهقة الحاسمة... لو يشاء ربي ... فتصير الخاتمة... هي البدء... والبدء هو الخاتمة.
٭ نص الشهادة التي كتبها القاص محمد الفشتالي للمساهمة في حفل تكريم الفنان محمد شهيد في إطار فعاليات ملتقى تازة الدولي للتنمية المنظم من 19 إلى 23 يوليوز 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.