نواب وفاعلون يلتئمون في لقاء جهوي تفاعلي بتطوان حول المشاركة المواطنة    أسعار النفط تتراجع لليوم الرابع على التوالي    الحسين أزاز ل"رسالة24″: سيتم تدارس إنعكاسات الزيادة في أسعار قنينات الغاز على مهنيي قطاع المخابز    البنوك المغربية رائدة النمو المالي والاقتصادي في إفريقيا.. موجودة في أكثر من 30 بلدا أفريقيا    سفارة المغرب بموسكو تنفي صحة بلاغ حول الجالية الطلابية بمدينة ساراتوف    محكمة العدل الدولية…تصدر قرارها بشأن طلب وقف إطلاق النار في غزة    نادي وست هام يتعاقد مع المدرب الإسباني لوبيتيغي    لأول مرة منذ اعتقالهما.. الناصيري وبعيوي يظهران أمام المحكمة وهذا ما تقرر في أولى جلسات محاكمتهما        الشاعر والإعلامي المغربي محمد بشكار يطلق ديوانه السادس "امرأة بتوقيت الأبد"    جلالة الملك يدعو الحجاج المغاربة إلى تمثيل المملكة أكمل تمثيل والتحلي بقيم الإسلام المثلى    رفع ستار الكعبة المشرفة استعدادا لموسم الحج    بركة يؤكد من بالي أن المغرب مصمم على تعزيز قدرته على التكيف مع التغيرات المناخية    بسبب إخفائه شعار دعم المثليين.. لاعب موناكو يمثل أمام لجنة الانضباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    بنعليلو يبرز بنيويورك الأدوار الدستورية لوسيط المملكة في الدفاع عن الحقوق وترسيخ سيادة القانون    المهرجان الدولي للفيلم "الرباط- كوميدي" في نسخته الخامسة    مندوبية الإتحاد الأوروبي ومجموعة الصور العربية للسينما تطلقان النسخة الثالثة من مهرجان السينما الأوروبية بالمملكة العربية السعودية    تدشين مخيم توبقال ويركان البيئي للصمود    الكوكب المراكشي يتعاقد مع المدرب فؤاد الصحابي خلفا لعادل الراضي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    سفيان المسرار مرشح لجائزة أفضل لاعب لكرة القدم داخل القاعة في العالم    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولات الخميس بأداء إيجابي    بني ملال.. موظفو جماعة فم أودي يواصلون اعتصامهم رفضا للاقتطاع من الأجور    الطالبي العلمي يشارك في اجتماع مكتب الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط بإسبانيا    وزارة الحج والعمرة… إيقاف تصاريح العمرة ومنع دخول مكة لحاملي تأشيرات الزيارة    أمِّ النَّكَبَات الفلسطينيّة فى ذِّكرَاها السادسة والسّبعون    درس في الصحافة    من باع طوق الياسمين !؟    ايت طالب: إصلاح الحماية الاجتماعية بالمغرب يتطلب تحولات عميقة في التدبير والحكامة    نجوم دوليون يخطفون الأنظار بدعمهم لفلسطين في مهرجان كان السينمائي    الوزير الأسبق محمد بنعيسى ضمن أعضاء مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية الذين استقبلهم السيسي    السلطات الإسبانية تصادر العديد من المواد الغذائية المغربية    مطار الرشيدية يسجل إرتفاعا ب 42 % في أعداد المسافرين    ابتداء من اليوم.. السعودية تمنع دخول مكة المكرمة أو البقاء فيها    المغرب يخرج خاوي الوفاض من المسابقات الإفريقية.. أين الخلل؟    دوري أبطال أوروبا: بودابست تستضيف نهائي 2026    حريق بسوق الخميس في مراكش يخلف خسائر مادية جسيمة    المغرب عازم على تحويل قطاع النقل لجعله أكثر مرونة واستدامة    قمع الطلبة الداعمين لغزة يتسبب في إقالة رئيس شرطة جامعة كاليفورنيا    بلاغ مزور يثير الهلع حول مذكرات اعتقال بحق طلاب مغاربة في روسيا    المملكة المتحدة تتوجه لانتخابات عامة مبكرة في يوليو المقبل.. فماذا نعرف عنها؟    أمام 33 دولة.. السكوري يستعرض السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة واللجوء    انقلاب سيارة إسعاف في منعرجات تيشكا يخلف إصابتين    زاكورة.. متابعة عون سلطة في ملف "تعنيف طفل قاصر"    تنسيقيات التعليم تتمسك بتمكين الأساتذة الموقوفين من إلغاء عقوبات التأديب    هل استقر حمدالله على وجهته المقبلة بعيدا عن السعودية؟    مستجدات انتقال المغربي عطية الله إلى الأهلي المصري    كيف أحدثت الصحراء المغربية انقساما داخل الحكومة البريطانية؟    حكاية طبيب "الدراوش" بتطوان في الزمن الجميل (الحلقة الثالثة)    في اليوم العالمي للشاي.. المغاربة يشربون 4 كؤوس يوميًا لكل فرد    المدير العام للإيسيسكو: المنظمة تسعى إلى النهوض بمعجم اللغة العربية    تقنيات الإنجاب لزيادة المواليد تثير جدلا سياسيا في فرنسا وأمريكا    دراسة: المبالغة في تناول الملح تزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة بنسبة 41%    انتشار متحور "بيرولا" يقلق سكان مليلية    الأمثال العامية بتطوان... (604)    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم "أوغاد بلا مجد"، مرحلة سينمائية جديدة في خدمة الصهيونية
نشر في طنجة الأدبية يوم 18 - 11 - 2011

تحتفظ ذاكرتنا السينمائية بالكثير من الصور والمشاهد التي تعود لمراحل مختلفة من علاقتنا بالفن السابع، ومن ضمن ما تحتفظ به -بدون شك- صورة لجندي أمريكي وهو يقدم المعلبات لبعض السود، أو صورة لجندي يحمي طفلا أسيويا، أو يتلقى رصاصة وهو يدافع عن رجل فتنامي مسن ...، فكانت هذه الصور، سببا مباشرا في حكمنا الايجابي على هذا الجندي، وهو حكم ضمني بنفس القيمة، على البلد الذي ينتمي إليه، وهذا البلد هو أمريكا طبعا.
نبادر بالتأكيد على أن هذه الصور هي المغزى الأساس لهذه الطينة من الأفلام، وهي التي تحكم توجهها؛ إذ أن هذه المشاهد تضمر مآرب وغايات سياسية، فالرواية الأمريكية للحروب لم تخلو أبدا من مزاعم وأكاذيب؛ ولذلك كانت المراهنة على سينما الحرب كبيرة، فصارت صنفا قائم الذات ينازع غيره الإعجاب، ويتفوق في شبابيك التذاكر، ولا يجب أن ننسى الدور الأساس وهو تحقيق مرامي السياسة الأمريكية. لا ينبغي أن نفهم من هذا الكلام أن كل فيلم يعالج موضوع الحرب، هو مسخر لهذه الغايات فقط، فتاريخ السينما يسجل تحفا فنية كانت تعالج موضوع الحرب من زوايا إنسانية كالدعوة إلى السلام وفضح مآسي الحروب.
فبين السينما والحرب إذن علاقة غرام قديمة، ولكنها متجددة على الدوام؛ فمع كل موسم سينمائي نشاهد أفلاما حربية، هذا إن لم نقل أنها أصبحت وجهة مفضلة لأبرز صناع السينما مخرجين ومنتجين وممثلين. وقد كان "للهولوكوست" و"النازية" نصيب وافر من سينما الحروب، حيث كانت السينما هي الوسيلة الفضلى، لتسويق صورة شر النازية وكسب تعاطف العالم مع اليهود، وحتى الأمس القريب، كانت معظم أفلام "الهولوكوست" متساوية في دعاياتها في صورة منمطة ومكشوفة، إذا استثنينا بعض الأعمال التي حاولت نسبيا عدم السقوط في هذا المحمول، ومن ضمن الأفلام الحديثة التي تتناول هذا الموضوع نجد فيلم "أوغاد بلا مجد" للمخرج الامريكي "كونتن تارنتينو" فهذا العمل لا يحقق متعة عند مشاهدته، بقدر ما يخلف موضوعه استفزازا كبيرا ! فالقصة التي اختارها المخرج تبدأ من الواقع لكنها سرعان ما تحيد عنه، حيث يروي على طريقته الخاصة، قصة عن أحداث الحرب العالمية الثانية، إبان احتلال الألمان لفرنسا، وتنبني قصة الفيلم أساسا حول انتقام فتاة يهودية قُتل كل أفراد عائلتها، على يد الضابط النازي "هانس لاندا "صائد اليهود"، وحول فرقة " أوغاد بلا مجد" وهي وحدة خاصة من اليهود الأميركيين، تغادر إلى فرنسا المحتلة من طرف الألمان، وهدفها هو بث الرعب في صفوف النازيين من خلال في نصب الكمائن للدوريات العسكرية، ومن ثم يقومون بقتل الأسرى، مبرزين وحشيتهم في أقصى حدودها؛ بالقتل والتعذيب وتشويه الجثث، وتحطيم الرؤوس بواسطة عصى البيسبول، ودوماً تترك هذه المجموعة شهوداً ألمانيين على قيد الحياة، لكي يحكوا عن هذه الوحشية، ويثيروا بذلك الخوف والفزع لدى الأهالي من هذه الأفعال المرعبة.
في بداية الفيلم، يأتي الكولونيل النازي "هانس لاندا" "كريستوف والتز"، المعروف لكونه صياداً ذائع الصيت لليهود، وبعد 20 دقيقة من حوار متكلف وغريب بينه وبين رب عائلة فرنسي يخفي يهوداً في قبو منزله، يكتشف أخيراً أين يختبئ هؤلاء، فيأمر رجاله بقتلهم، فنراهم يرمونهم بالرصاص من خلف أرضية المنزل الخشبية، لكن العملية لم تؤدي إلا قتل الجميع، حيث ستفلت فتاة "شوشانا" من المجزرة الجماعية، لنراها تصبح بعد اختزال زمني، صاحبة سينما في احد الأحياء الباريسية، تعرض فيها مضطرة أفلاما نازية، ولم يستطع الزمن محو مشاهد قتل عائلتها، لذلك ستحتفظ برغبتها في الانتقام دائما، وتأتي الظروف –بعبثية من المخرج- لخدمة هذه الرغبة حينما سيتقرر عرض فيلم" فخر الأمة"؛ عن ضابط ألماني قتل لوحدة المئات من الجنود، بحضور أدولف هتلر وعدد كبير من القيادات العليا، فتقرر هي ومساعدها أن يستغلا هذه الفرصة للانتقام، وفي نفس الوقت يستعد أفراد من " الأوغاد" لاستغلال هذا الحدث عن طريق الاندساس بين الحضور لتنفيد عملية انتحارية، بمساعدة الممثلة الألمانية "بريدجيت فون هامرسمارك". وتسجل "سوشانا" رسالة انتقامها (فيلم قصير) وبتقنية المونتاج تجعلها على بكرة الفيلم الذي يُعرض في صالتها، و تستعمل أكثر من 250 بكرة – لحرق الحضور بعد إحكام إغلاق الأبواب. وعندما تحترق الصالة بمن فيها – هتلر ومعاونيه الكبار – نراها كشبح يخرج من الشاشة؛ وهي تصرخ اسمي "سوشانا" وهذا هو الانتقام اليهودي، وطبعا لا يخلو الفيلم من مشاهد العنف التي يشتهر بها تارنتينو، مشاهد قتل وتعذيب ودماء تبدو في معظم أفلامه كالفواصل الثابتة، لكن هذا العنف كان مبررا هذه المرة و أكثر اتساقا مع قصة الفيلم، فالحرب العالمية الثانية، هي حدث يحوي بحد ذاته كما كبيرا من العنف، بغض النظر عما عرضه تارنتينو أو غيره.
يمكننا أن ننطلق من نهاية الفيلم لتتبع الرسائل المبثوثة فيه، فالجملة الأخيرة " هذا هو الانتقام اليهودي" تحيل على شكل الانتقام وهو (الحرق داخل قاعة السينما) وبالرجوع إلى أحداث الفيلم سنجد أن كل شيء في هذا الانتقام متعلق بالسينما فعملية تصفية هتلر تحمل اسم "كينو"، أي "سينما"، ومكان المجزرة هو صالة السينما، العميلة التي شكلت عاملا مساعدا، هي ممثلة"بريدجيت فون هامرسمارك"، الأداة التي ستستخدم في قتلهم هي بكرات أفلام سريعة الاشتعال. فالانتقام اليهودي إذن هو "السينما" وبها سيحققون انتقامهم ليس فقط من النازيين ولكن من كل من ستسول له نفسه معاداتهم، لكن هذا يدفعنا لطرح سؤال عن سبب فضح هذه النية -التي لا ترقى إلى مرتبة السر- خصوصا إذا علمنا أن مخرج الفيلم أمريكي ومنتجه يهودي ! فمسألة التشبيه بين السينما والسلاح هي حاضرة دوما، ومن يمتلك سلاحا عليه أن يبرزه حتى يخشاه الآخر، فما نفع السلاح إذا لم يستعرضه مالكه بهدف زرع الرعب في قلب أعدائه، فقد ركز الفيلم على هذه الرسالة ليس من جانب الفضح بل لإبراز قدرة هذا السلاح على الفتك، بالإضافة إلى ذلك فلم ينزل الفلم صفات الشر والعنف والقتل...بطرف دون الآخر فالفيلم يجعل اليهود يمارسون العنف أكثر من النازيين، فاليهود ينقلبون وحوشاً بشرية تحطم جماجم الأحياء الألمان وتسلخ فروات رؤوسهم، ويعود السبب في ذلك إلى محاولة المخرج لدرء الصورة الراسخة عن اليهود تاريخيا؛ المتمثلة في التخاذل والاختباء والهرب، ونجد هذه المحاولة في الكثير من الأفلام منها فيلم "تحدٍ" " difiance ، (عن ثلاث إخوة يشكلون فريقاً من المحاربين يحتمون في الغابات ويشنون عمليات قتل ضد الجنود الألمان،) وبقدر ما يبرز الفيلم صورة مرعبة لليهودي المنتقم، بقدر ما يُعجب به الصهاينة ويثمنونه ويقدمون له دعمهم.
وعلى جانب آخر فليس كل الألمان بشعين، فهناك ضابط ألماني فخور لا يخاف الموت يرفض التعاون مع الأمريكيين مدركاً أنه بذلك يعرّض نفسه للقتل، والضابط لاندا (كريستوف وولتز) شخصية حذقة، مثقّفة ومحترفة، يسعى في النهاية لإنهاء الحرب. فيلم "تارانتينو" هو فيلم خيالي تاريخي لكن بطريقة شفافة، فيلمه "فانتازيا" راقصة على إيقاع الخيال تستوحي من الواقع أقل ما يمكن ربط الحكاية به، ولا تتحدّث عن فواجع يهودية ولا معسكرات تعذيب، وفيلمه لا يدور مطلقاً عن "الهولوكوست" كموضوع مباشر. واليهود هم عنصر رئيسي، لكن الحديث عنهم لم يكن بالنفس الطريقة النمطية التي عهدناها، لان الأمر في القضية اليهودية -سينمائيا- تجاوز مرحلة جمع التعاطف، الى مرحة التمكن والظهور بالوجه الحقيقي، ولم يكن بمقدور المخرج تحقيق هذه المعادلة من دون اختلاق قصة تجمع بين الخيال والتاريخ والكوميدية، من دون أن يتحمل تبعات ذلك لأنه لم يستند على وقائع حقيقية، بل على خياله الشخصي.
إن أي محاولة لاختزال أحداث الفيلم في رسالة واحدة هي محاولة فاشلة بدون شك، لأنه يوهمك بالارتماء في أحضان طرف معين، ثم يلوي إلى الطرف الثاني، لكن الثابت في هذا العمل أن الأمر يتعلق بمرحة جديدة من مراحل خدمة هوليود للصهيونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.