وتجمع الناس حوله لغرابة هندامه الذي كان تحفة في نظر الحشود وتراثا جديرا بالمشاهدة ،فقد كان جحا يلبس سرواله العربي وحزامه الجلدي وحذاءه السميك وكوفية الشام وحين يأس من الصراخ والعويل خاطب الحشود بلغة عربية فصيحة . لما تنظرون إليَ هكذا ؟ أولم ترو بشرا من قبل ؟ ثم تأمل جحا وقع كلامه على هؤلاء الغرباء الذين يكادون يفترسونه بنظراتهم البلهاء لكنه عاد إلى إلقاء كلامه الفصيح ،ومما شجع القوم على زيادة حملقتهم وتهامسهم بل وأصبحت الدائرة تكبر رويدا رويدا حتى أصبح جحا وسط عدد هائل من الناس وقد بدا مثل قرد رضيع أمام غوريلا ضخمة .لم يكن أمام جحا غير الإنتظار والإستسلام والسكوت إ'لى غاية حضور قاضي المدينة ومعه حراس الخليفة عسى أن يعود لبيته سليما معافى الجسد وإلا فقد تسحقه الجموع لا قدر الله ،و أخيرا نطق من وسط الحشود رجل كبير السن رث الثياب يحمل على صدره لوحة نحاسية مكتوب عليها "حارس السيارات رقم 450"، ظن جحا المسكين أن ساعة الفرج قد حانت وأن الرجل هو بلا شك شخصية مهمة من كبار القوم واللوحة النحاسية المعلقة على صدره هي نيشان المرتبة والمكانة الرفيعة ،قال الرجل بلهجة عنيفة : - هذا بلا شك شفَار ... تعجب جحا من هذه اللهجة الغريبة فيما تابعت الحشود البشرية الإنصات للحارس قبل أن تتكلم إحدى الفتيات وهي تلبس ثيابا عصرية جد متحررة - لا...لا هذا بلا شك لقا شي كنز وباغي يدًه بوحدووا تعجب جحا مرة أخرى وقال وهو يوجه كلامه إلى الفتاة - إحتشمي يرحمك الله ،فالنساء عندنا لا تتكلم في مجلس للرجال ... ثم تقدم إلى جحا شاب وسيم ، باسم الثغر وحياه قائلا: -السلام عليكم فرد عليه جحا - وعليك السلام وإن كنت أكاد أجن أجاب الشاب بأدب مصطنع - إسمح لي نقدَم ليك نفسي ،أنا وحد الإنسان كنحمق على المسرح وملًي شفتك بهذا اللبسة عرفتك ممثل مسرحي كبير ... ثم أتبع كلامه برجاء كبير - الله يرحم ولديك إلى ما تخدني معاك ... ضرب جحا على رأسه وقال: - كنحمق... شفتك ... اللبسة ...ماذا تقصد بهذا الكلام؟ هنا كشر الشاب عن أنيابه وغيَر من لهجته قائلا: - أذيك التبوحيط ديالك خليه عندك ،راه عاقوا بيك... نت شفار ... وقطب جحا جبينيه وجلس على ركبتيه وقد ظهر خنجره الفريد عن غير قصد فاهتزت الحشود وصاحت به - باغين حقنا في الكنز... باغين حقنا في الكنز ... وصاحت الفتاة - نسلمه للبوليس .... ورد الحارس والشاب ومعهما الحشود البشرية مرة واحدة - البوليس...البوليس وفي مثل هذه الحالات تأتي الشرطة عندنا بسرعة وميض البرق خاصة إذا تعلق الأمر بلصوص الكنوز، واقتيد جحا المسكين مكبلا إلى مخفر الشرطة ،وهناك سمع ما تشيب له الولدان من عبارات السب والشتم والإهانة والألفاظ النابية الفاحشة التى لم يكن يفهم معناها اللهم كلمة واحدة كان قد سمعها من شاعر الخمرة " أبي نواس"وهناك صاح به الشرطي: - فين هو الكنز...؟ ورد جحا والكلمات لا تسعف لسانه -عن أي كنز تتحدث؟ صاح به الشرطي غاضبا - أووزيدها كتبوهل ندين... وهوى عليه بصفعة أفقدته توازنه ثم أضاف : - أتكلم فين هو الكنز؟ لكن جحا ظل صامتا قبل أن يجيب - سيدي أنا من الشام رد الشرطي ساخرا - ونا من ساااط فلاًََََق ...إوا تكلم... وصمت جحا وازداد الشرطي هيجانا ووحشية ونادى مساعده أبو اليدين القويتين " محجوب" قائلا: - محجوب ...جيب الهرمكة... هنا صاح جحا مذعورا وقد فهم المقصود - هااااااااالعار الشاف ،أنا ها نتكلم....