حديث الأربعاء: حادث تارودانت: الشجرة التي تخفي الغابة * بقلم // المحجوب ادريوش "تلاميذ يستهزئون بأستاذتهم داخل القسم تحت تصوير زميلتهم"، "مجهولون "يشرملون" تلميذا أمام باب ثانويته في مكناس"، "العنف المدرسي يتفاقم في المغرب"، "تلميذ يسقط أستاذه أرضا ويعتدي عليه"، "مسلسل الاعتداء على الأساتذة متواصل": أمثلة فقط لعناوين وغيرها كثير تصدرت صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية منذ بداية الموسم، وآخرها ما وقع قبل أسبوع بتارودانت حيث تحول الفصل إلى ساحة للملاكمة بين تلميذ وأستاذه وقيام بعض التلاميذ بتصوير الاستفزاز والاعتداء بهواتفهم ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقائع وأحداث تجعلنا نتساءل: لماذا هذا التراجع الكبير في القيم الاجتماعية والتربوية بالمؤسسة التعليمية سواء المفروض فيها أن تنميها وتنقلها أو التي تحافظ عليها كما هي وطبقا لخصوصية المجتمع؟؟ حادث تارودانت بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، خصوصا وقد سبق لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني أن كشفت في دراسة لها عن كون العنف الذي يمارسه التلميذ ضد أستاذه يحتل الصدارة في قائمة أنواع العنف داخل المدرسة بنسبة 20%، تليها حالات العنف الذي يمارسه التلميذ إزاء زميله التلميذ بنسبة 11%، وعنف التلميذ اتجاه إدارة المدرسة بنسبة 8%.. وسجلت الدراسة ذاتها بأن حالات العنف داخل المؤسسات التعليمية بلغت 52 في المائة من مجموع حالات العنف، وناهزت حالات العنف في محيط المدرسة نسبة 48%، كما أن العنف المدرسي في المدينة يفوق العنف في القرية بنسبة 75% مقابل 25%.. من المفروض أن المدرسة ساهمت وتساهم انطلاقا مما تقدمه وتنقله من جيل إلى آخر في "الخروج من حالة البداوة إلى حالة الحضارة ومن الحالة الطبيعية التي تتميز بالتلقائية واتباع الغريزة إلى الحالة المدنية "، وهو ما يقتضي امتلاك العلم والفن والتقنية والتمرس على ذلك ضمن مؤسسات تعليمية متطورة، وهذا ما جعل من الإنسانية هي موضوع التربية المفضل، ومن التعليم موجها بالأساس نحو الإنسان، قاصدا إخراجه من التوحش إلى التآنس. غير ان الملاحظ في الزمن الحاضر و أثناء القيام بهذه الوظيفة التدهور القيمي الكبير والأزمة الروحية والأخلاقية المتمظهرة في بروز العنف اللفظي والبدني في الوسط التربوي ، وفي التناقض القيمي الصارخ في بعض مضامين البرامج والمناهج، وكمثال على هذا: كيف يمكن التوفيق في برنامج دراسي واحد موجه لكل التلاميذ بين دروس تقدم لهم نظرية الخلق الإلهي للإنسان باعتبارها حقيقة أزلية مطلقة ؛ وأخرى تبسط نظرية النشوء والتطور باعتبارها حقائق علمية تستند إلى المنهج العلمي المتعارف عليه ؟ وكيف يمكن الجمع بين دروس عقدية تحمل خطابا قيميا يستند إلى قراءة للنصوص المقدسة المؤسسة لفكرة أن الإنسان مسير وأن كل شيء يحدث في الكون كتب وسجل وقرر بعناية إلهية منذ الأزل ؛ وبين أخرى تروج لقيم الحرية والمسؤولية الفردية ؟ من منا لا يتذكر الشعارات التربوية لمدرسة بداية الاستقلال: "من جد وجد ومن زرع حصد"، "العلم نور والجهل عار"… فضلا عن انعكاساتها الأخرى في لغة وثقافة المجتمع: في الأدعية: "الله يعطيك النجاح"، "الله يرحم من قراك"…، وفي تمجيد حسن السلوك والخلق "الله يعز الترابي" : أي تقدير الانضباط واستقامة السلوك. لقد كانت المدرسة مصدر إشعاع يمتد فعلها وأثرها خارج نطاق دائرة عملها الأصلي إلى المجتمع برمته، أسرة وثقافة وروابط اجتماعية ومهنية وسياسية. كل هذا صار مجرد ذكرى طيبة ، ذكرى تزكيها عملية الأسطرة اللاواعية للنموذج التقليدي، كلما أنتج النموذج البديل/ الجديد الخيبة والإحباط . المطلوب من النظام التربوي تصحيح توجهاته الخاصة بسلعنة التعليم وربطه بسوق الشغل واختزاله في عملية التكوين ، من خلال التركيز على دوره التمدني والحضاري ومحاولة إدماج التفاهم بين الأشخاص والشعوب والاثنيات في صلب العملية التربوية ، والتوفيق بين التراث والحداثة، ثم الجمع بين التقاليد العلمية في البحث، والثقافة الإنسية وشروطها التحررية ورسالتها الوجودية والايكولوجية.