ع. أبوفيصل - تصوير حسني واشكيرات تواصلت مراحل طواف المغرب في دورته الثانية والعشرين بالمرحلة الثلثة التي ربطت مدينتي الصويرةوأكادير على مسافة 172 كلم مرورا بسميمو وتامنار وتابوغا وتامري وأمسناز، وهي المرحلة التي كانت بحق من أصعب المراحل حتى الان، نظرا لمنعرجاتها الخطيرة صعودا وهبوطا، ونظرا كذلك للرياح الجانبية القوية التي شهدها السباق منذ انطلاقه والى حدود 30 كلم عن الدخول الى مدينة أكادير ... المرحلة عرفت عدة محاولات هروب غير ناجحة كتلك التي قادها المغربي محسن لحسايني بعد 42 كلم عن الصويرة صحبة كل من والبلجيكي جيفيرسون والجزائري عبد الباسط حنشي والسلوفاكي سيبكي واليوناني جيوريوس والبولوني والبلجيكي زكرياء الدرابنة، لكن صعوبة الطريق بمنعرجاتها والرياح القوية كانت غالبا ما تفشل هذه المحاولات التي تكررت أكثر من مرة الى حين الوصول الى تاغازوت التي شهدت خروج الكازاخستاني من جلبابه بالهروب عن الكوكبة على بعد حوالي 30 كلم من خط الوصول، وظل يطوي الكيلومترات وحيدا الى أن فاز بالمرحلة بتوقيت 4 س 5د 45 ث بفارق دقيقة و14 ث عن اليوناني تاموريديس و1د و17 ثانية عن الستوني كيرسيبو، فيما دخل محمد الركراكي كأول مغربي الى مدينة أكادير في الصف 12 بفارق 12 د و11 ث عن صاحب الصف الأول. وفي أعقاب ذلك قال محمد الركراكي ان طموحه ليس هو الفوز بمرحلة من مراحل الطواف، وانما ارتداء القميص الأصفر، وهذا يعني انه لابد من أن يعمل المتسابقون المغاربة بعقلية منسجمة وبالتعاون فيما بنهم، لأن ما يظهر حتى الان أن هاجس الفوز باحدى المراحل يسيطر على الجميع، وأتمنى أن نعمل كجسد واحد على غرار ما يفعله المتسابقون الاخرون لأنهم محترفون همهم الوحيد هو العمل كفريق وليس كأفراد ، كما أتمنى أن ينظر المسؤولون عن الفرق الوطنية لجانب اعداد الفريق الوطني على هذا النحو من خلال المشاركة في الملتقيات الدولية بكثر حتى يتمكن المتسابقون المغاربة من صقل مواهبهم الفردية الى كل ما هو جماعي. للشارة فقد حل المغربيان أحمد أوالقب ومحسن لحسايني في المرتبتين 15و17 على التوالى بعدما قدما سباقا من المستوى العالى قياسا بالصعوبات التي ميزت المرحلة. جبال صغرو تنتظر اليوم قافلة طواف المغرب من جانب اخر تحل اليوم قافلة الطواف بمدينة تنغير برسم المرحلة الخامسة حيث من المنتظر أن يقطع المتسابقون مسافة 168 كلم ، وهي مرحلة مصنفة ضمن المراحل المتوسطة الصعوبة باعتبار أن هناك مرتفعات بدءا من الكيلومتر 125 بعدها سيكون على المتسابقين النزول حتى خط النهاية. . وتنغير توجد وسط أجمل واحة في الجنوب المغربي، وقد قيل الكثير عن أصل تسمية "تنغير"، غير أن أبناءها يصرون على أن الاسم منسوب إلى جبل "إيغير" الموجود في المدينة، وكلمة "إيغير" باللغة الأمازيغية تعني الكتف. المؤرخ حسن الوزان المعروف بليون الإفريقي، كتب عن هذه المدينة كما فعل الكثير من الكتاب الغربيون الذين أكدوا أن عمرها يناهز 3000 سنة، خاصة وأن الحفريات أثبتت أن أقدم منجم للفضة بإفريقيا يوجد "بإيميدر" حيث عثر على آليات عتيقة استعملت في عملية التنقيب عن هذا المعدن واستغلاله. عرفت تنغير مقاومة شرسة ضد الاستعمار في جبال "صغرو" حيث اشتهرت شخصية "زايد أحمد" المعروف بتصديه للفرنسيين ما بين سنتي 1934 و1936م، وقبله اشتهر "سيدي مسكور" و"سيدي عبد الكريم" بمقاومتهما للاستعمار البرتغالي، ومايزال أبناء المدينة يمجدون دور هذين المقاومين في مناسبة عيد المولد النبوي. تعد تنغير من أهم المواقع السياحية في المغرب، إذ أصبحت في الآونة الأخيرة قبلة للسياح الأجانب الذين يفدون إليها من كل صوب للاستمتاع بجمالها الطبيعي وإرثها الثقافي، ولعل أشهر المواقع الموجودة هناك مضايق "تودغة" وواحة "تنغير" بنخيلها الشامخ وبحيرة "السمكة المقدسة"، إلى جانب القصبات والدور التي يعود تاريخ بعضها إلى عام 1630م. على الهامش نقطة حسنة نحسبها لوزارة الشباب والرياضة هذه المرة، ذلك أننا يمكن أن نقول انها كانت وراء عدم الغاء طواف المغرب لهذه السنة، فبعدما سدت الأبواب أمام الجامعة الملكية المغربية لسباق الدراجات، بمخالفة بعض المؤسسات الاقتصادية لالتزاماتها، كان تدخل وزارة الشباب والرياضة حاسما ومنقذا للطواف من الالغاء بتخصيص ميزانية قوامها 150 مليون سنتيم لهذه التظاهرة وتجنيب الجامعة شرور تبعات ذلك ، باعتبار أن طواف المغرب يعد فرصة لنفض الغبار عن الدراجة الوطنية, واستعادة أمجادها وإشعاعها, وضمان استمرارية هذه الرياضة التي كانت تتمتع بسمعة طيبة ومكانة مرموقة, وبالتالي الخروج بها إلى فضاءات أوسع حتى تتبوأ مكانة أرقى.مما هي عليه الان لقد ظل طواف المغرب, مع توالي السنين, مصدر افتخار واعتزاز مختلف شرائح المجتمع المغربي، ولعل أبرز دليل على المكانة المرموقة التي كان يحظى بها طواف المغرب, هو تصنيفه من قبل الإتحاد الدولي لسباق الدراجات ضمن أفضل أربع طوافات في العالم من قبيل طوافات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا, وإدراجه منذ سنة1992 ضمن برنامج التظاهرات الدولية على مستوى سباقات الدراجات. وكانت انطلاقة طواف المغرب سنة1937 قبل أن يتواصل بعد الإستقلال سنة1959, أي مباشرة بعد تأسيس الجامعة الملكية المغربية لسباق الدراجات, حيث كان للدراجة المغربية حضورها المتميز في مختلف التظاهرات, خاصة العربية والقارية, إذ تألق كل من الكورش وعبد الله قدور ومصطفى بلقاضي والفاروق ومصطفى النجاري والرحايلي وبن بيلة وأفندي وغيرهم من الأسماء الكبيرة التي أعطت للدراجة المغربية مكانتها واشعاعها وسط الرياضيين المغاربة. ومن المؤكد أن الجيل الحالي من الدراجين المغاربة, الذي يشرف على تأطيره نخبة من الرواد, تحذوه رغبة أكيدة في رد الاعتبار للدراجة المغربية, وبذل قصارى جهدهم للسير على نهج الأجيال السابقين الذين أشعلوا الشرارة الأولى لهذه الرياضة التي ظلت راسخة في الذاكرة الشعبية على مر السنين والعقود، ولعل ما نشاهده الان من أسماء ومن عناصر تهوى الدراجة حتى النخاع وتدافع عن القميص الوطني، وما نعرفه من رغبة أكيدة من الأعضاء الجامعيين والرئيس بلماحي ليؤكد أن هناك نية جد حسنة تفتقدها كثير من الرياضات الوطنية وكثير من الجامعات من أجل ايصال هذه الرياضة الى ما يبتغيه ممارسوها ومحبوها، ونظن أن حركة وزارة الشباب والرياضة من خلال الميزانية التي رصدتها للطواف تسير في نفس الاتجاه.