"المراهنة على فوضى المناخ".. تقرير يفضح تورط المصارف العالمية الكبرى في تمويل شركات الوقود الأحفوري    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    توقعات أحوال الطقس ليوم الإثنين    قنصلية متنقلة تخدم المغاربة بغرناطة    الاعلان عن اختفاء قاصر من بليونش بعد محاولة هجرة إلى سبتة سباحة    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    قصة مزار فاطيما الذي يحج إليه الكاثوليك من كل أنحاء العالم    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    جهاز الإحصاء الفلسطيني: مقتل أكثر من 134 ألف فلسطيني وأكثر من مليون حالة اعتقال منذ نكبة 1948    مدرب بركان يشيد بالفوز على الزمالك    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    الانفصاليون في كاتالونيا يخسرون غالبيتهم أمام الاشتراكيين بقيادة سانشيز    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    إقليم العرائش يستعد لاحتضان الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي ماطا للفروسية    رصيف الصحافة: سمك فاسد في "جامع الفنا" يودع 3 أشخاص الحراسة النظرية    المنتخب المغربي للتنس يتوج بطلا لإفريقيا    مطلب ربط الحسيمة بشبكة السكة الحديدية على طاولة وزير النقل        النصيري في ورطة بإسبانيا وعقوبة ثقيلة تنتظره    "إيقاعات تامزغا" يرفع التحدي ويعرض بالقاعات السينمائية الأسبوع المقبل    تفاصيل محاولة فرار "هوليودية" لمغاربة بمطار روما الإيطالي    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    تجرى على مستوى بنجرير وأكادير وطانطان وأقا وتفنيت تنظيم الدورة ال 20 من تمرين «الأسد الإفريقي» ما بين 20 و31 ماي    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السماءُ تمطر صيفاً
نشر في العلم يوم 30 - 06 - 2009


الجدار
كيف أعثُرُ في هذي الغُرفةِ عنْ صَدَى صوتٍ. حملوني إليها منْ طستِ دٍَم، لا أملكُ مفتاحَها، لا بابَ لَهَا أيضًا. الجدار وحدهُ كانَ غطاءً، ربما، لصندوق الأفاعي المستأنَسْة. الجدار وحدهُ سيد في هذ المكانِ، دشنه إنسان طيب ثم رحلْ. الجدارُ أخرس يمنع أن يرتطم الموج بالصخر الأصم، يخنُقُ أنفاسه، يغتال الصَّدَى. الجدارُ هنا فارع طولُهُ، تتفاداه السحب العابرةُ ، منَ البحر إلى البحر. وأنا محمول لهذا المكانِ كان البحرُ مهتاجاً، والموجُ مهتاجاً، والسحاب يلملمُ أطرافهُ باحثاً عن بحرٍ مجهولٍ لا يعرفه أحد. قال الجدار: افتحْ عينيكَ، سوفَ تراني أحكمتُ القبضَ على كل ألوانِ الصُّوْر، على قطراتِ النَّدى، لا أحد سيزورك هذا المساءْ. هذا مكاني، موقعي، مملكتي، مرابطُ أحْصنتي، سأمدُُّ إليكَ يدي حين أرى عينيك الذاهليتينِ، لا تخفْ مني سوف آنسُ لكْ، اسمكَ رقم، والرقمُ صفيحةْ، احفظ إسمكَ: ثلاثة، واحد. اثنانِ. انْسَ بطاقة تعريفك الوطنية. أتسمعُ غرغرة القطرات تُعصَرُ من جرَّةٍ،معلَّقةٍ مشلولةْ، الجرَّةُ ليستْ من طينٍ كطينِ القلةْ، أو من جلدِ الماعِز كجراب الطوافينَ بالأسواقْ. إنهم يعرفون هنا كل شيء، لا تسأَلْهُمْ عن
حالكَ، ما دَهَاكَ، لماذا فاض الدم بكْ. الصمتُ هنا هو الحكمة: سكوت، سكوت، من الباب إلى الباب. الأنبوب موصول بمرفقِ يسراك، لا تسألهمْ، هم يعرفون مغارات العروقِِ، جسمُكَ قارة، أجسام المرضى قاراتْ. لا تتحركْ. معتقل أنت للأنابيب، للأشواكِ، للإبرِ المعْدنية، للمشارط أيضاً. هذه فرصتي أن تعرفني: الجدار، اسمي الجدار، في كل مكان أذرعي، لا تشبهني الأطباقُ الطائرةُ، الفيانقُ ذريتي، ووحيدُ القرنِ من أصبعي هو الخنصرْ. ثقْ أني محزون عليكَ.
اعلَمْ لماذا أنا محزون عليكَ، أولا أخبروني: شاعر جاؤوا به عجلاً. أدخلوهُ من البابِ الخلفيّ لمستعجلات فوق جرَّاِر «ألومنيوم».
ثانياً : أنا أعجَب للشعراء أن يمرضوا، ثالثا : أعرف أن كثيراً من الشعراءِ خارج هذا المكان مرضى. دون أن يأتوا لهذا المكان مرضى. إنفلونزا الخنازير عقاب للشعراءِ المرضى. تقْرِضُ الشعرَ قلْ لي؟ تغنِّيه أخبرني، بأي مقام تغنيه؟ افسحْ لي شبراً جنبك. أمام الشعراءِ أنًا أنْحني، أمام الشعراء يتقلَّصُ حجمي. أصغَي إليهم، أسألهم عن ميلاد الشعر. لم تجبني، أنت تنزفْ. إن كنت الشاعر قل لي: هل شاهدت نهرا، يغادرُ مجراهُ، يرتمي في عمقِ المحيطِ، ما قبل المحيطات؟ هل ولَعْت بتدريب الأرانب، وعلَّمتها كيف في خاصرتي تحفر ثقبا، تنفذ منها ، تركضُ، تقفز، تحفر أوكارا تتخفَّى بها. هل تحب الأطفال؟ إنهم شعراء الكونِ، هوميروسْ كان طفلا ، كان حتى أعمَى. ومازال يغني للآن. الأطفال يخافون الجدار، وأنا لا أكرههم. الفراشاتُ تلوِّنها شيطنةَ الأطفال، الشمس تشرق للأطفال. ها أنت تنصت لي. هذه فرصتي أن أعْقلكْ، ليلة أو ليلتينِ، خوفاً عليك من الحرية. تؤذي جسدك تلك الحرية، أحميك هُنا من مساميرِ الحرية، ومن خراطيم عقاربها. ستشفى غداً بإذن الله. ستعود غداً للزمان الفظِّ، مزدحم هذا الزمان بالأكاذيب الفظة. قلمكَ؟ هل أتيتَ به للمقصلة؟.
انزع فتيلهُ من سترتكْ. سأُشرعُ حين ينام المرضى، ويهجع هذا الذي جاؤوا به من حقولِ الزيتونِ، شَّقاً في شكل بطنِ الدَّلفين وعُنْقِ الزرافة. عودُ « أبوبوِ» سآتيك به. لا تجربْ أوتارهُ حتى أبولو يأذنُ لكْ...، سيعلمُ قبل العزفِ إنْ كنتَ زارعَ شعر بأرض آبدةٍ. أم سَكَنَتْكَ الروحُ التي حسبوها آبدةً. سيعزف لكْ، سيسوِّي أوتارَ الأهْداب التي شهدتْ ميلاد الكونِ، والأنغام التي شردت في أنهارِ الكونِ، والإشارات التي، من أجلها نبتتْ أشجارُ الأرز، لتحفظها للأطفال.
انصتْ إلَى وجعكْ. تعلَّمْ من وجَعكْ. بعد قليلٍ سيأتي الطبيبُ. سيجُسُّ بأصبعه الوتَرَ النابض في عنقكْ. دع أجراس القلب تحدثه، وحدثني
النحلة، ربَّما هي الملكة
انتهى صوتُ، حديث الجدار. الجدار الأعلى وراء الجدران الوطيئة...، اختفى.
أبحثُ عن صدى صوتٍ آخرَ.
نحلة خلف زجاج النافذةْ
احتمى سربها من لاحسةِ السكرْ.
وجيش النمل الأسود ، خلف الجدارِ ينتظرْ
الزمهريرُ الآتي بعد يوم، بعد يومين. النمل يعرفُ موعده.
من هنا يحتلبُ النَّملُ الأسودُ.
من هنا يحتصد القُوتَ
النحلة... ، ربما هي الملكة؟
حماةُ الملكة، تركوها خائفةً، من أجلهم خائفة.
تبكي الملكة...
الأمطارُ انحسرتْ، الأشجار ألبستْ أغصانها حللاً بانتظار نزول قزحْ، حباتِ التِّينِ، اللَّوِز الطري، العنبْ، قبباً قبباً بأطباق الفرح. دائرة الرقص اكتملتْ، داوود أتى، شهرزاد أتت لتحكي قصتها ما بعد الأخيرة، اجْمَعُوا اقطفوا أدمُعَ الملكة، ليعود السربُ يطلب غفرانها، عاد الفرحْ، والحزنُ نَزَحْ.
الممرضة نَقرتْ، ابتسمتْ، همستْ بي: شخصان من رجالِ الأمن يريدانك «السيكورتي يعني» بلا إذن أطلاَّ :
- مساءُ الخير، من رجال الأمن نحنُ. خطوتان باتجاهي:
- صحفي أنت، أين تكتبْ، في أي صحيفةٍ، أو جريدة.؟
نَطق الثاني :
- أنت يساري، يميني وسطي. مستقل!
الممرضة انسحبت، طوت بسمتها وانسحبتْ.
قلتُ للمخبرَيْنِ المتسمعينِ، سنُُّهما عمرُ إبني:
- أكتبُ في كل صباح، وأنا الآن أكتبُ، في كل وقت أكتبُ. في مناديل المقهى أكتبُ. في الحيطان وراء الأبواب لمَّا كنتُ طفلا أكتبُ، أكتب، بشَقْفةِ فحٍٍْم، بأصبع الطَّبشوِر..
كنت أكتب:
أنا مغربي،
عاش الوطن
لا تسألوني عن مهنتي. الكتابة لا تُمتهن، الحبُّ الجميل لا يمتهن. الأمن الذي أرجو أن تفهموه لا يمتهن، مهنتكم، أعلمُ أن تكتبوا: قال فلان لنا، علِمنا أنه، اكتشفنا نواياهُ، هوَ صعب، لكنَّا هتكنا سرَّهُ. آسف أنني لا مهنة لي، لا سرَّ، لا نوايا. آسف أنكم لن تجدوا ما تكتبوه. لكن قولوا، إن صدقتمْ قولوا : هذا المريض رجل مختلف، لهُ لغة أخرى. غامض ربما. حرارته كانتْ مرتفعة، ربما صرِّحوا: أحسَسْنَا أنه مثل والدنا، كان مبسماً، قال لنا قبل الوداع: الأمن أمان، الأمن محبة، واسألوا أنفسكم، قال لنا، هل نحفظ حقا أمن الأمن، أمن المحبة.؟
تصبحون على أمْنِ المحبة، قلت لهم وانسحبا، تركا في غرفتي أسئلة لا لونَ لها أرجو أن يكتبوا في دفتر مهمتهم ما يلي: هل عاش الوطن في قاموس مهمتنا خيانة؟ دفتر تقرير الخدمة !
إذا شجرُ اللوز زَهَرْ
عيناه كانتا نصفَ مغمضتينِ.
سألت : ما اسمكَ يا حاج؟
كفاهُ غُصْنَا شجرةْ، اليمنى أثقلها عش عصفورة، تطقطق منقارها، تنتظر الأمَّ لم تأتِ بعد بطعمٍ لها. اليسرى مثقلة بالوهَنْ، سوَّى الطاقية. حكَّ جلد صلعتِهِ . هامتَُهُ، جبهتُهُ، المرفقان، سلَّمٌ انطوى تحت غطاء جاءت به ابنته منذ قليل، تهلل، قال لها : الله يرضَى عليكْ، سأنام الليل قريراً تحت غطاءٍ حاكتْهُ لي أمك في النّول الذي في بيتنا.
من صوف أغنامنا.
- ما اسمك أنت، قال لي.
- قلت: محمد
- كان لا يزال يقوِّم أطرافَه قبل أن يشخص لي ، بين سريرنا طاولة فوقها إبريق شاي، قال:
- قبل أن تنطق اسمكَ، سيدُنَا هو محمد عليه السلام.وأنت إذْ تحمل هذا الإسمَ فأنت: آسِّي محمد. دلَكَ بباطن كفيهِ صدغيه. حكَّ الذقن بجميع يديهِ. همهم: لله الشكر، لله الحمدُ. اللهم اغفر لي. إسمي: مُولاَيْ، قال، ينادوني مُولاَيْ، إسمي مثلُ إسمك، أتذكّرُ من ناداني أولا: مُولاَيْ، فقيه بلدتنا زومي. هل زرت بلدتنا يوميا؟ قلت: أعرف موقعها بين وزانَ والشاونْ، حكى لي عنها صديق لي، هو من تلك الناحيةْ، من بني مسارة تحديداً، قاطعني: ما اسمهُ هذا الرجل.؟ محمد العربي المساري قلتُ لهُ. سوَّى جلستَهُ أخيرا، أسند هامتهُ لبطنِ المِخَدَّةْ. ثم قال: المساري نائبنا في البرلمان، هل تعرفُهُ. هو من كان يكلمني بالهاتف قبل قليلٍ أخبرتُهُ، طوى طاقيتَهُ الصوفية، وأحْنى قدميهِ. بدا لي أنه جاهز للسَّهَرْ، قال ببهجةٍ: المساري كان نائبنا، رجلا كان عظيما والله، كان يعرف زومي بيتاً بيتاً. كان يسألنا عن حاجتنا. كان القائد يقيمُ له ألف حساب، لما غاب عاد الحال بزومي إلى ما كان.»مثل» هَادْ الرجال قليلون. أنت تعرفه؟ هو أخي منذ طفولتنا. إيه... إيه، سَلِّمْ لي عليه كثيراً: أهل زومي لن ينسوه. سلم لي عليه. سأفعل، أي إسم سأقول له
لكي يعرفك ، إِيهٍ، قال : مُولاَيْ قلت لك. اسمعْ، قل له: مُولاَيْ، واحكِ لهُ: كنتُ وجماعة من أهل زومي واقفين بباب المسجد، كان المساري هناك. رآنا. اقترب، قال لنا: هل تنتظرون الصلاة. سكتنا، إيهٍ عرفَ أننا غاضبون.ما الأمرُ سأل. قلت له باسم الجماعة : أنت نائبنا، اخترناك لتعاوننا. سمعنا أنهم سيبنون الثانوية الكبرى في شفشاون. وفي الزومي، سيبنون الثانوية الصغرى. الشاون لها ما يكفيها أو أكثر. ونحن لماذا يَحكرون علينا. تكلَّم عنَّا، قلْ لهم يبنون لنا الثانوية الكبرى. سيستمعون إليك لأن لكَ الكلمة. قال لنا : اذهبوا عند القائدِ قولوا له سآتيه غدا. ذهبت أنا على رأس الجماعة. قابلنا القائدَ. قلنا له ما جرى قال : إن شاء الله سيكون لكم ما تحبونْ. جاءنا المساري وبشَّرَنَا : سيبنون بزومي الثانوية الكبرى. إيه يا سيدي «هَاكْدا كيكونوا الرجالْ». لم تقل لي من أي بلاد أنت. من تطوان قلت؟ صاح لا أدري من فرحٍ أم غضبٍ من عجبٍ: اللهْ اللهْ عْلَى تطوان؟ إيهٍ عْلَى تطوان.
- ألا تعرفها ؟ قلتُ . خفَّض من إيقاع صوته : «تطوان مزيانة وهواها سم». «آشايْ لله يا رجال البلاد». دَلَك ذقنهُ واسترسلَ: أنا سرجان في « لاَرمي» كنت سرجانا في الجيش الفرنسي، وحين المغربُ نْعامْ الله عليهِ بالحرية، قلت لرأسي: «إيوا دابا خلاصْ من الفرنسيس» جئت للجيش الملكي. بقيت سرجانا بالجيش الملكي حتى «قبضت» التقاعد. أصبح النبع نهرا والحديث أمواجا وبحراً. وعلى طرف من مجلسهِ كان مولاي يتدفق، والقطرات من أنبوبي المعلق كانت كالندى ساقطات بنظاٍم حيث لا أعرف أين تمضي، مُولاَيْ يتحدث: عندي ثمانية. أربعةُ رجالٍ وأربعُ طفلاتٍ. قلت : طفلاتٍ صغيرات؟ مُولاَيْ رفع النَّبرةَ مبتهجاً، لا متزوجات ، واحدة تزوجت بمصراوي. خطبها مني، قلتُ على بركات الله. مصر يا صاحي، الاسكندرية يا صاحي، تزوجتْ وذهب بها إلى بلده، الثانية في إيطاليا مع زوجها، الثالثة في سويسرا متزوجة من ابن عمها. الرجال كلهم هنا. إذا ذهبت إلى الزومي، أدعوك أن تأتي عندي ضيفاً في الزومي. بيتي هناك كبير كبير. هكتار وأربعمائة متر. كلها بيتك؟ سألته. لا... لا قال. عندي جْنَانْ كبير. تنهَّد وأغمض عينيه وسَرَحَ قليلا. الجنان به مئتا شجرة. مئة من
شجر الزيتونِ، أبيع بعضَهُ ، وعندي معْصَرة في بيتي أعصر الزيت بها. إيه على زيت الزيتون الذي عندي بجناني . مئة المتر الأخرى من أشجار اللوِز. تأتي عندي عندما أشجار اللوز َُزْهَر. مَوْلاَيْ سألني: كم الساعة عندك؟ نظرت الساعةَ أجبتُ : العاشرة إلا عشر دقائق، نظر ساعتهُ: ساعتُكَ مْخَيَّرَةْ، عشرون دقيقة لصلاة العشاء. واستأنف : إيه آ الحاج حينما أشجار اللوز تُزْهِرْ. عددها مئة كما قلتُ لك. مصفوفة واحدة بعد الأخرى، صفَّانِ. آه لو تراها زاهرة. كطفلاتٍ صغيراتٍ على رأسهن رداء أبيض... أبيضُ كالثلج. اللهْ اللهْ على اشجار اللوز حين تُزْهِرْ . حين تأتي ، لا بد أن تأتي، ستبقى معنا حتى تنفض أشجار اللوز عنها أزهارها، ستبرزُ حبات «الفريك»، سأجني لك منه طبقا بعد طبق. ستأتي ، قل لي، «كْلاَمْ الرجالْ». قلت لم أسمع كلامكَ. مندهشاً قال : هل تحس بالألم؟ نعم قليلاً، نعم. لم أشرح له ما الألم سرح الفكر مني و الذاكرة، كانتْ حومتنا بتطوان إسمها «سانية الرمل». كانت أشجار اللوز تغطى كلَّ الروابي حولها، كانتْ فعلاً أشجار اللوز بحومتنا طفلات على رأسهن رداآت بيضاء. لم تعد بتطوان أشجار اللوز المزهرة، بتطوان نبتت أشجار
الإسمنت!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.