بعد "البوطا".. الحكومة توضح بخصوص زيادة ثمن الخبز    "الكاف" يدين بشدة التصرفات غير المقبولة خلال مباراة إياب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم في القاهرة    القضاء يدين أطباء وممرضين بالحبس بسبب الإهمال الطبي    استعدادا لاستقبال الجالية.. اجتماع للجنة المغربية الإسبانية المشتركة    الأمثال العامية بتطوان... (603)    انخفاض ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي بجهة الشمال    غياب وزراء يوقف جلسة الأسئلة الشفوية    عسكريون يشيدون بحنكة الجنود المغاربة في مناورات "الأسد الإفريقي 2024"    المغرب يتألق في المنتدى العالمي للماء ويكرم بجائزة الملك الحسن الثاني    اجتماع بطنجة للجنة المغربية – الإسبانية المشتركة بخصوص علمية مرحبا 2024    وزير الفلاحة يطمئن المغاربة بخصوص أضاحي العيد    رئيس الحكومة الفرنسية يزور المغرب في يوليوز لتعزيز العلاقات الثنائية    مختلف عقليا يقتل تلميذة أمام مدرسة ضواحي تاونات    رئيس البرلمان الفنلندي: المغرب شريك مهم للغاية للاتحاد الأوروبي    المغرب يعبر عن تعازيه الصادقة للشعب الإيراني عقب حادث سقوط مروحية أودى بحياة الرئيس الإيراني    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني.. استعراض التجربة المغربية في تدبير التظاهرات الكبرى    تنغير.. سعر بيع الخبز لم يعرف أي تغيير    بايدن يصف طلب إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين بأنه شائن    اختتام فعاليات الدورة الثانية عشر من المهرجان الدولي لفروسية "ماطا"    مطالب بالكشف عن نتائج التحقيق في اختناق 60 تلميذا بالبيضاء    تحقيق يتهم سلطات بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوث أودت بنحو 3000 شخص    أكادير.. الانطلاق الرسمي للدورة العشرين من تمرين "الأسد الإفريقي"    المغرب يعزي "الشعب الإيراني" إثر مصرع رئيسه في حادث مروحية    السلطات بتنغير تنفي الزيادة في سعر الخبز    مبادرة لإعادة تأهيل دور السينما التاريخية المقفلة في بيروت    وزارة الثقافة تضع شكاية لدى اليونسكو ضد سرقة الجزائر ل"القفطان الفاسي"    المغرب يعزي الشعب الإيراني في وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي    جامعات مغربية في وضعية "شبه جمود" بسبب عدم التوصل بميزانية التسيير    حمضي يطلق مبادرة هدفها إخماد فتيل الأزمة بين الحكومة وطلبة الطب    اختتام فعاليات الدورة ال29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    إضراب جدبد يومي 21 و22 ماي لكتاب الضبط يشل المحاكم    الدوري الماسي-لقاء مراكش: البقالي يحسم سباق 3 آلاف موانع    دعم متواصل للمغرب ووحدته الترابية في لجنة ال24    جبهة التحرير الفلسطينية ترفض تماما نشر قوات عربية ودولية في قطاع غزة    نهائي كأس الكونفدرالية.. اشتباكات وجدل في التحكيم والإخراج    ظريف يحمل أميركا "مسؤولية" وفاة رئيسي    أسعار الذهب والفضة عند أعلى المستويات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    تسليم جائرة الحسن الثاني للماء لمنظمة "فاو"    صراع الصعود.. صدام مباشر بين "الكوديم" المتصدر والكوكب الوصيف    "عدم جدية" الزلزولي تجر عليه سخط بيليغريني    نجم الزمالك يعترف بعدم حيادية مخرج مباراة نهضة بركان    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    مؤتمر دولي يقارب شمولية الترافع عن مغربية الصحراء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كاس الكنفدرالية الافريقية لكرة القدم: الزمالك المصري يتوج باللقب    «ذهبنا إلى الصين .. وعدنا من المستقبل»    في لحظة استثنائية كرمت المفكر كمال عبد اللطيف: صراع التأويلات ضرورة, ومغادرة الأزمنة القديمة بوابة الحداثة    إعلان وفاة الرئيس الإيراني بشكل رسمي في حادث تحطم طائرة    مؤلف "البصمة الموريسكية" يدعو إلى استثمار الأندلس في رؤية مستقبلية    رغم خسارة اللقب.. منحة دسمة من "الكاف" لنهضة بركان    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    لماذا النسيان مفيد؟    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!
نشر في العلم يوم 10 - 05 - 2024

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 9 ماي 2024
لم يكُن أحدٌ سِواها من صَعد أدْراج مبْنى الجريدة إلى الطابق الأول، وكأنّها من فرْط ما سافرت في الذاكرة بتاريخها الشّخصي الثّقيل، صَعَدتْ عِوض الأدْراج كي تصِل إليَّ حيثُ أقْبع بين الأوراق في مكتبي، سبْعَ سماوات طِباقاً، قد يتساءل حائرٌ، مَنْ تُراها تكون هذه الزائرة التي أتحدث عن شخصيتها الثائرة على الأقل في قلمي، بصيغة (مَنْ) للعاقل وليس (ما) التي تستطيل بأذنين طويلتين على هامَة كل جاهل، إنّها لُغتنا العربية مَنْ جعلني أنتفض مُنتصباً من مقْعدي، كيف لا وأنا أنظُر لكل شموخها يقف أمام مكتبي بمقرِّ العمل، أوْمَأتْ لي بالتحية من مسافة أحرف لا تكفي للنَّبْس بجملة مُفيدة، فأوْمَأتُ بتحية أفضل منها مُوسعاً ذراعيَّ للعِنَاق، ولعنْتُ في خاطري كل البيروقراطيات التي تُمْليها النشوة الزائفة للمكتب، ثم أقعدتُ لغتنا العربية بجلال قدرها، مكاناً سَنيّاً قريباً من القلب!
ولكن مَنْ تكون هذه اللغة العربية الأوسع في بحْرها اللُّجي من كل وصف، هل أبالغ إذا قلتُ إنّها تجسَّدت هذه المرّة كما يتمثّلُ الملائكة في البشر، في أحد عُشّاقها المُنافحين عن معانيها المفْقودة، إنه جامع الدُّرر الأديب والمُعْجَمائي المغربي الكبير عبد الغني أبو العزم، صاحبُ "الضريح" و"بعيدا عن الضريح" و"هكذا حدثني المنفى"... الذي أيْنع على يديْه الكريمتين مُعْجم اللغة العربية وأزْهَرْ!
لقد قيل كل شيء، ولم تعُد اللغة العربية من شدّة ما تُثخنها الجراح، تحْتمل عملية شدِّ حبْل اللسان بالثرثرة، لذلك استمر الحديث معها أقصد مع أبي العزم صمتا طويلا، ولكنّه محفوفٌ بفهْم عميق يُغْني عن سرد الأعْطاب، فنحن نعيش في زمن لا يرْطن إلا بأنْكر الأصْوات، حتى اختلط الأصلُ بالمُهجَّن، ولمْ تَسْلم اللغة العربية مما يُسوِّسها من الداخل فرونكوفونيا أو أنجلوفونيا، بدعوى مُواكبة التطوُّر التكنولوجي، والحقيقة أنها من اللُّدونة والإبداعية التي تجعلها تُطوِّرُ نفسها بنفسها مُتجاوزة كل الأعطاب، غير مُتخلِّفة عن روح العصر في كل العلوم والآداب!
ما أحْوجنا اليوم لرجال أفْذاذ كأبي العزم أمدَّ الله في عمره، يُهاجرون سرّاً أو علانية اللَّغطَ البشري، ليس على سبيل الاستعلاء المُتسنِّمِ لأبراج عاجية أو قرون نِعاجية، إنما التماساً لخلوةٍ مع اللغة العربية يُراوِدها عن نفسها أو معانيها لثلاثين سنة، يا أ الله ما جدوى كل الكلام الذي يطفو بغُثاء الزّبد مُلوِّثاً صفاء الأمواج، وقد خرج أبو العزم من خلْوته مع اللغة العربية منتصراً بمعْلمة خالدة اسمها "معجم الغني الزاهر"، ما جدوى كل الكلام وقد أصبح الصّمت أبلغ في أربعة مجلدات، أَوَ ليْس يستحق كي نظفر بلؤلؤ مُصفَّى في معجم، أن نضع أيادينا في الجمر ونزيد في الفحم!
حين باغتني باسماً في مكتبي بالجريدة، لاحظتُ أنّه أضاف على غير العادة، لخُطْوتيه خطوةً ثالثة تتجسدُ في عكاز أنيق، لم أصدِّق، أنا الذي لم أعْهده من الأصْداء الإعلامية التي تصلُني، إلا نشيطاً مرحاً غير مُتثاقل يُسابق أجْنحة الكلمة، فعزوتُ الأمْر أنّها ليست أفاعيل السنين أو تفاعيلها الراقصة بين التّعب والخَبب، ولكنها مُجلّدات المعجم قد ناء بكلْكلها عاتقُ أبي العزم، وأنّى التثاقل ممّن يعدو خفيفاً مُواكباً كلماتنا ليَشْرح صدورنا قبل معانيها، أنَّى تُدْركه السنين بفرْدةٍ أو فرْدتين، وقد تجاوزها بروحه الاستشرافية الوثّابة، عساه يقبض بمعاني جديدة على أهْبةِ التشكُّل في رحِم المفردة!
لو يعلم زمني الثقافي حجْم الخدمة الأدبية والعلمية التي قدّمها عبد الغني أبو العزم للغة العربية، هي أضخم من مُجرد شرح كلمات بمرادفات تجعل المعنى يسْتبدل كالعروس شكْله بأفخر الثياب، أكْبر من مُجرد محْو أمِّيةٍ ألفْبائيةٍ بقاموس أو مُنجد طُلّاب، بل لزمني الثقافي أن يفخر لأنّ الجيل القادم يسْتطيع أنْ يفُكَّ بمعجم أبي العزم، عُقْدة لِسانه وهو يقرأ بمفاتيح اصطلاحية جاهزة، كتاباً في العلوم الإنسانية ينتمي للمُستقبل، أو يقْرأ ربما ديواناً حظُّه غير عاثر، دون إحْساس بنقْصٍ في المشاعر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.