وزير التربية متمسك بالمضي في "تطبيق القانون" بحق الأساتذة الموقوفين    ملف طلبة الطب.. ميراوي يلجأ للتصعيد والمعارضة البرلمانية ترفض لغة التهديد    تصفيات مونديال 2026.. هذا موعد المباراة التي ستجمع المنتخب المغربي بنظيره الزامبي    المكتب المديري لأولمبيك آسفي يرفض استقالة الحيداوي    "إسكوبار الصحراء".. هذه تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام محكمة الاستئناف بالبيضاء    الفرنسي أوليفيي جيرو يعلن رسميا رحيله عن ميلان إلى "الدوري الأمريكي"    توسيع شبكة "مؤسسات الريادة" لتشمل 230 إعدادية خلال الموسم الدراسي المقبل    الأمثال العامية بتطوان... (597)    الملك يهنئ الرئيس الجديد لجمهورية تشاد    جماهري يكتب: هذه الحكومة لا بد لها من درس في الليبرالية...!    جائزة أحسن لاعب إفريقي في "الليغ 1" تعاكس المغاربة    تنظيم الدورة ال23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة"    "أطلنطاسند" تطلق منتوجا جديدا يستهدف المقاولات الصغرى والمهن الحرة    اليابان عازمة على مواصلة العمل من أجل تعاون "أوثق" مع المغرب    الدرهم يرتفع بنسبة 0.85 % مقابل اليورو    سائق سيارة يدهس مواطنين في أكادير    الجمعية المهنية تكشف عدد مبيعات الإسمنت خلال أبريل    الاتحاد الأوروبي يرضخ لمطالب المزارعين ويقر تعديلات على السياسة الفلاحية المشتركة    أضواء قطبية ساحرة تلون السماء لليوم الثالث بعد عاصفة شمسية تضرب الأرض    النيابة العامة التونسية تمدد التحفظ على إعلاميَين بارزَين والمحامون يضربون    أمن ميناء طنجة يحبط تهريب الآلاف من الأقراص الطبية    "التسمم القاتل".. ابتدائية مراكش تؤجل المحاكمة وترفض السراح المؤقت للمتهمين    المركز الثقافي بتطوان يستضيف عرض مسرحية "أنا مرا"    أحزاب الأغلبية ترشح التويمي لخلافة بودريقة في رئاسة "مرس السلطان"    أوكرانيا تقر بالنجاح التكتيكي لروسيا    المندوبية العامة لإدارة السجون تنفي وجود تجاوزات بالسجن المحلي "تولال 2" بمكناس    صحيفة "ماركا" الإسبانية: إبراهيم دياز قطعة أساسية في تشيكلة ريال مدريد    المغرب يحتفي بالذكرى ال68 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    طقس الثلاثاء.. عودة التساقطات المطرية بعدد من الأقاليم    رشيد الطالبي العلمي في زيارة عمل برلمانية لجمهورية الصين الشعبية    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    هام لتلاميذ البكالوريا بالناظور.. هذه هي تواريخ الامتحانات والإعلان عن نتائجها    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة يحتفي بالسينما المالية    الزمالك يشهر ورقة المعاملة بالمثل في وجه بركان    إضراب وطني يفرغ المستشفيات من الأطباء والممرضين.. والنقابات تدعو لإنزال وطني    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الأساطير التي نحيا بها    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الجبار السحيمي أحد صُناع «العلم الثقافي»
نشر في العلم يوم 08 - 01 - 2010

يلج (العلم الثقافي) هذا الأسبوع من السنة الجديدة (2010)، عامه( 41)، و قد غدا بكل ما للأقيسة التاريخية من امتداد في الذاكرة، دوحا لا تني كثافات ارثه الثقافي العميم، تتسع بالظلال الوارفة للمعرفة و الابداع؛ و لايمكن أن ينضاف غصن السنة الجديدة الى هذه الشجرة الباسقة ل ( العلم الثقافي)، دون أن نستحضر اسم الأديب و الاعلامي عبد الجبار السحيمي الذي تعهد هذه الشجرة بعظيم العناية و غزير الري الدافق من شرايين القلب،حتى غدت مستدغلة بجمهرات الأعلام المغربية نثرا وشعرا؛ وحين أستحضر الآن عبد الجبار السحيمي أمد الله في عمره،أراه ينبري بين أوراق مكتبي أنا الذي تجمعني به منذ 1994 الآلة السيارة لمهنة الصحافة بأبيات من أعذب الشعر العربي قيَّدها في ورقة مدسوسة في جيب السترة جهة القلب، ليقول لي بحزم؛ اقرأ، هل ثمة أجمل من هذا الشعر اليوم؛ أجل عبد الجبار السحيمي، هو اللغة التي لا ينحتها إلا بعد ترويض طويل لنمرة الصمت الشرسة؛ وبالتحديد لما كان يستشرف الخطر بالتحليق من نافذته الإعلامية الشهيرة (بخط اليد) في زمن أوفقيري كانت فيه الكتابة التي تعلن الحقيقة عارية من مساحيق الايديولوجيا، موصولة الأعصاب بالجمر؛ بل إنها زجت بعبد الجبار السحيمي في براثن المحاكمة ، ذلك أن أوفقير كان قد أوصى بتقديمه للمحاكمة صحبة مدير جريدة (العلم) زمنئذ الأستاذ عبد الكريم غلاب، بعد أن كتب عبد الجبار تحقيقا صحفيا عن أحداث أولاد خليفة في منطقة الغرب؛ ومنذئد أفرع قلم القصة القصيرة في اليد الخلاقة لمبدع (الممكن من المستحيل)، لتغدو قصة طويلة تستجلي دقائق ما تدور به عقارب ساعات المغرب البطيئة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا أيضا؛ أليس هو من يقول للصحفي حين كان رئيسا للتحرير في (العلم)، ما معناه؛ انظر من النافذة، لعلك تجد خبرا يمشي على رجليه؛ هكذا هو عبد الجبار السحيمي، من فرط استدغاله بالقلق الإبداعي، لايني يبث عين القصاص إن لم نقل حواسه المنكبة على غزْل تفاصيل اليومي، في كل ما يستدعي التعرية بعد اكتمال أسباب نزول مفرداته التي ينتقيها كما لو يبري السكين في عمود صحفي يجهر بالحقيقة في زمن كان محروساً بكاتمات الصوت؛ ولا فرق هنا بين القصة القصيرة التي كتبها عبد الجبار السحيمي في أضمومتيه (الممكن من المستحيل) و(سيدة المرايا)، والقصة التي تنكتب في الواقع؛ يقول الأستاذ والكاتب الفرنسي فرانسيس غوان Francis Gouin في فلذة من مقدمة الترجمة الفرنسية التي أنجزها ل (الممكن من المستحيل) ؛ إن قراءة وإعادة قراءة (الممكن من المستحيل) تعمل على إعادة انبجاس ذكريات الأعوام الخالية، أعوام الستينيات. التنورة القصيرة، الطالبة المثقفة البنيوية؟ الماركسية؟ زوربا اليوناني -آه، سيرتاكي - كل هذا يتبدى بعيداً جداً لكن، هل تقادمت للغاية التيمات الأساسية للمجموعة؟ ثمة ثلاث تيمات بارزة بالخصوص؛
- الفقير، حيث الناس البسطاء والبؤس.والرجل الذي يجر عربته الخاصة من أجل الرزق، العاطل برياله الوحيد في الجيب أو الذي يبيع دمه مقابل شيء قليل
- المدينة، هذه الهِدرة ( وهي أفعوان خرافي ذو تسع رؤوس) المنبثقة من الأرض لأجل خنق شيئا فشيئاً، وسحق بشراسة، الفرد الغارق في هذا البحر الإسمنتي والزحام المجهول.
- السجن، إطار القصة القصيرة الأكثر كثافة ؛ كيف لايمكن التفكير في (سنوات الرصاص)؟ منذ 69 ولكنه أحاط به ليكتسح كل الفضاء. إن نهاية هذا السجن تبقى ملاحقة، تتخلل نصوصاً أخرى.
الفرار، في المدينة، حكاية حزينة،مطوق بالمدينة، محاصر بالنظرات، المحيط، المجتمع ، الشخصية سجينة دائماً، السجن في كل مكان، والحرية حلم » إن هذه الأيقونات الثلاث؛ الفقير، المدينة، السجن ، التي استجلاها بالاستقراء العميق، الكاتب الفرنسي - فرانسيس غوان- من بين أسطر (الممكن من المستحيل) هي البذور التي استمر عبد الجبار السحيمي يستورق قصصها الطويلة في الواقع إعلامياً؛ بل نجد صدى امتدادياً قوياً لبعض هزيمها الستيني، في أضمومته الثانية (سيدة المرايا) التي أوكل لي عبد الجبار ثقة تعهدها بالنشر، وأعترف أنه من شدة ما استبدت بي لذة الحكي في هذه القصص، ووجدتني أتنقل في فضاءاتها كالمسرنم خفيفا، حسبتني، أنتضي نعالا من ريح؛ وليس ذلك لأن القاص بلغ في رشاقة الكتابة وذكائها الجمالي، درجة تحويل القلم إلى مغزل لا يدور إلا لينسج حريرا وليس ورقا؛ بل لأني استشعرت أن العوالم التي أحاطها الكاتب بعين التوصيف، هي أقرب مني ومن كل حملة القلم العاشقين للطقوس الثقافية في صالونات الفن والأدب، مما جعل إيقاع السرد يعرف في تسنمه المونولوغي والجدلي، بين شخوص هذه العوالم الكيميائية، طبقات يختلط في ملفوظها كلام الشارع بحديث المعرفة؛ ليكون عبدالجبار السحيمي، أحد السباقين القلائل في مرحلة السبعينيات، للرقي بالنص القصصي جماليا، من ما يمكن وسمه بتطرف الإيغال في حمأة الهامشي ومحاكاة الواقع المعيش، لفظا ووصفا، دونما عناء تخييلي أو اجتراح متعدد لفضاءات تكفل للسرد التعدد الهارموني، وليس التدفق الخيطي فقط؛ وهذا ما اصطلح على سبيكته - كما في الرواية - بالقصة العالمة؛ يقول الدكتور محمد برادة في كتابته عن قصة (سيدة المرايا)، إن بناءها ينهض (على مراق تمتد أفقيا لتلملم أجزاء الصورة، وأجزاء الفضاء، ونبرة اللحظة الكاشفة، لكن السارد هنا يعلن عن نفسه، فهو سارد كاتب دعي لتدشين معرض لوحات الرسام المرحوم أحمد الشرقاوي بالدارالبيضاء، لكن المعرض ثم العشاء في بيت المرأة صاحبة القاعة، ماهو إلا لحظة انطلاق لإعادة رسم سيرورة اجتماعية ثقافة داخل المجتمع متعثر التبرجز، متداخل في تصنيفاته الاجتماعية، من ثم ذلك التراوح بين المقاطع التشخيصية والإرتدادات السردية، والحوارات، على اقتصادها، عنصر أساسي في البناء)؛ المحتوم أن أحد أهم التقنيات الجوهرية التي يستدعيها القص؛ هو ابتداع حكاية مشوقة تكون بمثابة الجاذبية التي تشد القارئ الى أرض النص، ثم قد الوعاء اللغوي والأسلوبي القمين باحتواء صبيب هذه الحكاية؛ لكن هذا الأخير، لا تتحقق جدواه الألمعية، إلا إذا امتشق لغة اللقطة السينمائية التي تقول كل شيء بسرعة البرق، تاركة في ذهن القارئ من الإيحاء ما لا يحده تخييل؛ وذلك ما وسمه محمد برادة بالاقتصاد السردي الذي يعتبر عنصرا أساسيا في البناء القصصي ل (سيدة المرايا)؛ ولا يمكن أن نسدل الجفن دون أن نلحظ في تكامل عنصري الحكاية ووعاء السرد البرقي الذي يضمرها، أن النص لا يراهن بشدة على التواصل مع القارئ عبثا، إنما ثمة يد ثالثة تشد خلف الأستار بالمغزل القصصي؛ وهي يد عبد الجبار السحيمي الإعلامي، التي لا تكتب القصة من أجل اللغة فقط، بل نحتا لمعمار المعنى ؟؛ وكأن القاص وهو ينفخ جاذبية الحكاية في أرض النص، يجزم على غرار الكاتب (ارون كيبدي فارغا)؛ (لا يستطيع الإنسان أن يعيش من دون حكايات فالحكايات تسمح لنا أن نقرب الجديد غير المعروف إلى تجربتنا الشخصية فهي تحاول تدجين ما نحن مهددون بفقدانه، إنها تخفف من قلقنا. إن التسريدية narrativité تعني الرغبة في إدماج كل ما نراه في امتداد زمني له معنى قابل للفهم) ( انظر؛ بورخيس أسطورة الأدب ص 167 ترجمة محمد آيت لعميم، مراكش)؛ لنقل إن الأستاذ عبد الجبار السحيمي، على امتداد هذا الزمن، منذ مجموعته الأولى (الممكن من المستحيل)، لم تأخذه سنة إبداع، بل كانت عينه القصصية، سهرانة في دجنة الحبر ملء أرق التخييل، فالتقطت من لياليها الألف ليلية، أجمل الحكايات التي لا ميسم يمكن أن تحمله عنوانا إلا( عبد الجبار السحيمي عاشق الحكاية)؛ فهو كأي مبدع أصيل، لا يخرج على الناس بأي شيء، يكتب بعد صمت طويل تستدعيه ضرورات التأمل وجسامة الحدث؛ ليمتزج في كلمه العمودي المتناغم مبنى ومعنى؛ الذاتي المصيخ عميقا لنبض الشارع، بالموضوعي الحكيم في إشهار الرأي مهما استوخمت نيوب عواقبه التي قد تكشرها السلطة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.