رمضان ليس كسائر الشهور نستحضر في كل حديث عن شهر رمضان المبارك مشهد جلوس العائلات المغربية إلى موائدهم وهم يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم في انتظار آذان المغرب، بشوق وحماسة. مشهد الأب وهو يحمل سجادته متوجها للمسجد لأداء صلاة التراويح وصورة الأم وهي ترتب المطبخ من جديد بعد الإفطار، كلها مشاهد لم يستطع الكثيرون أن يعيشوها على ارض الواقع و بقيت فقط ذكريات يستحضرونها في لحظة وحدة متمنين ان يعيشوا و لو بضعا منها. هم طلبة وفدوا إلى العاصمة طلبا للعلم واضطرتهم ظروف تداريبهم الصيفية إلى قضاء رمضان بعيدا عن أسرهم. محمد، خالد، خديجة، إلهام. . . تبقى نماذج معدودة لحالات كثيرة لطلبة عاشوا الوحدة في شهر صلة الرحم. وفي حديثنا معهم عن كيف يقضون رمضان بمعزل عن الجو العائلي وكيف تكون موائد إفطارهم أجمع معظمهم على أن المهم ليس المائدة الرمضانية وما تحتويه، وإنما تبقى نكهة رمضان بالأجواء الأسرية والدينية التي ترافقه، لأن رمضان ببساطة ليس كسائر الشهور. أقل من 20 درهما محمد 22 سنة طالب بكلية الطب والصيدلة، ينحدر من مدينة الصويرة، و يقضي الآن فترة تدريب بمستشفى ابن سينا بالرباط مما اضطره إلى قضاء شهر رمضان بعيدا عن أسرته. يتوجه محمد كل يوم إلى مقر تدريبه على الساعة 9 صباحا ويعود إلى مقر سكناه بالحي الجامعي على الساعة 4h30، وبعد غفوة قصيرة تبدأ الاستعدادات لتحضير مائدة إفطار متواضعة كما يصفها هو. يقول محمد «في الأسبوع الأول من رمضان كنت أفطر يوميا في إحدى المقاهي، لكن مع كثرة المصاريف قررت أن أوفر قليلا وأحضر وجبة الفطور بنفسي، بضع تمرات وأحيانا كأس من العصير وكأس شاي وفطيرة هي المكونات التي تشكل مائدة إفطاري لا غير، أما باقي الشهيوات الأخرى فأستغني عنها في كثير من الأحيان لأنها تباع جاهزة بثمن مرتفع في حين مائدة إفطاري هاته لا تكلفني أكثر من 20 درهما. ويضيف: «أنا لا أفتقد الوجبات التي تحضرها أمي في المنزل بالدرجة الأولى كل هذا يمكنني أن أستغني عنه ولكن ما لا يمكن تعويضه هي الحماسة التي اعتدت أن أقضي بها رمضان وسط أفراد أسرتي. كل يوم عندما أجلس وحيدا على مائدة إفطاري لا أتذكر سوى جلستنا أنا وأبي، أمي وأختي على مائدة واحدة وتجاذبنا أطراف الحديث سوية. هذا بالضبط ما أفتقده والأسوأ من ذلك أن عدد الطلبة الموجودين في الحي الجامعي قليل جدا وبما أنني لا أعرفهم لم أتجرأ أن اقترح عليهم فكرة إفطارنا جماعة لانني بطبعي لست اجتماعيا بسهولة. عصفوران بحجر واحد طرقنا باب طالب آخر بالحي الجامعي واكتشفنا أن السيناريو الذي حصل مع محمد لم يتكرر مع خالد الطالب بشعبة الاعلاميات الذي يقضي هو الآخر فترة تدريب في رمضان بعيدا عن بيت أسرته بمدينة فاس. ومن خلال حديثنا معه بدا من الواضح أنه ليس من النوع المنطوي أو الكتوم، بل اجتماعي في تصرفاته. ويقول خالد: «على الرغم من أن أصدقائي المقربين جدا انهوا تداريبهم والتحقوا بمنازلهم إلا أنني لم أفشل في صنع علاقات جديدة مع بعض الطلبة المتبقين في الحي الجامعي حتى وان لم تجمعني بهم الصدفة من قبل، صعب جدا أن تقضي رمضان بعيدا عن أسرتك ولكن الأصعب هو أن تظل منطويا على نفسك ولا تحاول أن تبحث عن صداقات جديدة من يدري يمكن أن تستمر حتى بعد رمضان ونكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد: صداقات جديدة وإفطار رمضاني بدون وحدة أو ملل». سألنا خالد عن طبيعة مائدة إفطاره هو وأصدقاؤه الجدد، فقال إنهم لا يضعون مخططا محددا يسيرون عليه، فتارة يخرجون للإفطار في إحدى المقاهي القريبة من الحي الجامعي وتارة أخرى يحضرون مائدة بسيطة مكونة من الحريرة، التمر، العصير والفطائر، وجدنا من الغريب أن يحضر طلبة ذكور «الحريرة» فاستفسرنا عن ذلك فأجاب وهو يتبسم قائلا إن سمير أحد اصدقائه الذي يدرس الفندقة يتولى أمرها ويستطيع أن يحضرها كما تحضرها الأمهات في المنازل. ويضيف خالد: « ليس المهم ما نحضره للإفطار قد تكون مائدة بسيطة ومتواضعة ولكن الأجواء التي نصنعها بأنفسنا تبقى هي الأهم حتى وإن لم تكن شبيهة بأجواء رمضان مع الأسرة و لكن في الأخير تبقى صورة تقريبية. تبضع بعد الجولة التي قمنا بها مع مائدة الإفطار الذكورية، وجهتنا الآن الحي السكني القامرة، المكان الذي تكتري فيه خديجة رفقة صديقاتها منزلا هناك بعد أن أُغلق الحي الجامعي في الفترة الصيفية في الوقت الذي لازلن يقضين فيه فترة تدريب. القاعدة المعروفة لدى الجميع هي أن الفتيات على خلاف الذكور يستطعن تدبر أمورهن المنزلية حتى وإن كن بعيدات عن منازل أسرهن وهذا ما تأكد لنا عند دخولنا منزل خديجة وصديقاتها. على الساعة الرابعة كانت لنا فرصة مرافقة خديجة إلى سوق الخضر لشراء ما تحتاجه لمائدة الإفطار ، في حين بقيت مريم وزينب لتولي الشؤون المنزلية الأخرى. وصلنا إلى سوق الخضر وبدا أن خديجة رغم صغر سنها إلا أنها تختار الخضر بعناية فائقة، ثم مررنا لشراء لوازم الحريرة: الحمص المنقوع، «الكرافس» و «المعدنوس» وبعد ذلك تشكيلة من الفواكه من أجل العصير وفي الأخير توجهنا صوب البقال لشراء الدقيق والبيض من أجل «البغرير». و الظاهر من خلال تصرفات سكان الحي الذي تقطنه خديجة و صديقاتها انهم يعتبروهن كما لو انهن بناتهم ، والمؤثر أكثر هو موقف رب أحد المقاهي المجاورة لمنزلهن عند مرورنا بجواره حيث قال: « إلى بغيتو ابنتي تفطرو عندنا مرحبا بكم راكم بحال بناتنا». وأضافت خديجة التي سبق لها هي وصديقاتها تناول الفطور لديه أنه رفض أن يتلقى أي مقابل مادي رغم إصرارهن على الدفع. معدات بالكاد تفي بالغرض وفي حين وصولنا إلى المنزل، بدأت خديجة ومريم وزينب في تحضير الحريرة و»البغرير». واشتغلن في جو حميمي يغلب عليه المرح بتحضير كل ما تحتجن إليه على مائدة الإفطار. أثاث منزلي بسيط، ومعدات المطبخ بالكاد تفي بالغرض ولكن عندما طرحت المائدة تشك إن كانت قد حضرت في هذا المنزل. تقول خديجة : «قضاء رمضان بعيدا عن أسرنا أمر صعب ولكن حاولنا التغلب عليه، فنحن صديقات منذ مدة طويلة ونقضي فترة تدريبنا في مكان واحد، نعود من التدريب على الساعة 3h30 ، أربع ساعات هي مدة كافية لكي نحضر مائدة إفطار «مضخمة» مكونة من التمر، العصير، الحريرة والفطائر أما «الشباكية والسفوف» فقد أرسلتهما لي أمي قبل أيام من رمضان. وتضيف إحدى صديقات خديجة : «نحن محظوظات لأن أصحاب المنزل الذي نكتريه يقطنون فوقنا في الطابق العلوي وزوجة صاحب المنزل تعاملنا مثل بناتها تماما، كل يوم قبل الإفطار تقدم لنا صحنا من الفطائر الساخنة وأحيانا أخرى أكوابا من العصير والتمر وكل يوم عند عودتها من صلاة التراويح تأتي لتزورنا وترى إن كنا في حاجة إلى شيء ما». مريم الصديقة الثانية لخديجة قالت بالحرف«باقي الخير فالدنيا» وأضافت: «في كثير من الأحيان عندما نخرج لشراء شيء من البقال كان يرفض مرارا وتكرارا أن يتلقى مقابلا ماديا «أنا نحلف وهو يحلف»، وكأنه يقول بطريقة غير مباشرة أن هذه مساعدة بسيطة من طرفه لأنه يعرف كيف تكون الأوضاع المادية للطالبات البعيدات عن أسرهن. بنات «الفشوش» قلنا في البداية إن الفتيات يستطعن تدبر أمورهن ولكن هذه النقطة بالذات تحتاج إلى مراجعة لأنه بالفعل «كاينين الحادكات وكاينين بنات الفشوش»، وهذا المعطى اكتشفناه عند دخولنا منزل فاطمة وإلهام طالبات بكلية الطب والصيدلة وتكتريان أيضا منزلا بحي القامرة غير بعيد من منزل خديجة وصديقاتها. وعند دخولنا أول مرة اكتشفنا أن حالة الفوضى تعم المنزل وكل واحدة منشغلة بالكمبيوتر الخاص بها. لم يتبق إلا 30 دقيقة على آذان المغرب في حين فاطمة وإلهام لم تحضرا شيئا بعد. وعندما سألناهما كيف يكون إفطارهما قالت إلهام ببساطة بعد قليل سوف نخرج لإحدي المقاهي التي تحضر وجبة إفطار كاملة ونفطر هناك. وعن إمكانية تحضير مائدة إفطار منزلية قالت فاطمة: «نحن لانملك الوقت الكافي لتحضيرها بالمنزل لأننا ننهي دوامنا في التدريب على الساعة 3h30 ، أضف إلى ذلك أنني لم أتعود في منزل أسرتي على مشاركة أمي في تحضير الأطباق الرمضانية حتى إذا حاولت أن ادخل المطبخ لن اعرف من أين ابدأ ولا من أين انتهي». وحول ما إن كانت فاطمة تستسيغ فكرة الإفطار خارجا كل يوم قالت: «على الأقل هذا الحل مناسب لي ولإلهام،لأننا نرجع من التدريب مرهقات بسبب العمل والصيام، وتحضير مائدة في المنزل أمر متعب جدا في هذا الوضع. حتى وان لم نكن راضيات عن الإفطار خارج المنزل نبقى مضطرات لتناوله. خاصة وأن هذه هي أول مرة أقضي فيها رمضان بعيدا عن الأسرة، وما يزيد من حزني هي مكالمات أبي وأمي شبه اليومية ليطمأنا علي وأنا أحاول دائما أن أبين لهم أني أقضي رمضان على أحسن مايرام». موائد جماعية في السنيغال ليس الطلبة المغاربة وحدهم الذين يعانون من قضاء رمضان بعيدا عن أسرهم، بل حتى الطلبة الأفارقة المسلمون الذين يدرسون بالمغرب ويقضون الفترة الصيفية التي صادفت شهر رمضان لهذا العام. أميناتا طالبة سنغالية تدرس بالمغرب ونظرا لبعد المسافة لم تستطع السفر إلى السينغال لقضاء رمضان هناك. حينما سألناها هل افتقدت شهر رمضان في السينغال بقيت ساكتة لفترة وأجابت بعد تنهيدة عميقة قائلة «أكيد افتقدته بشدة بالغة. أنا الآن أتمنى ولو يوما واحدا مع أسرتي. ولكن لا أنكر بأن المغاربة أناس في غاية الكرم والضيافة. وأصحاب المنزل الذي أكتريه خففوا علي قليلا من وطأة رمضان بعيدا عن أسرتي. في كثير من الأحيان يدعونني لكي افطر معهم ، واحيانا أخرى يقدمون لي الفطائر والحريرة والعصير. ويوميا بعد الإفطار أذهب مع زوجة صاحب المنزل وبناته لأداء صلاة التراويح في المسجد وفي الواقع أحس بهم كأسرتي الثانية». وعن المأكولات المغربية قالت أميناتا: «إن المطبخ المغربي مميز دائما والأطباق الرمضانية خصوصا لها نكهة خاصة والمرأة المغربية تتفنن في تزيين مائدتها لكي تدخل البهجة على أولادها وزوجها». وبدأت أميناتا تحكي عن أجواء رمضان بالسينغال. وقالت «عند حلول شهر رمضان يقوم السينغاليون بإقامة موائد الإفطار الجماعي، حيث تتناول الأسر المتجاورة وجبة الإفطار معا فنجمع الأواني من البيوت وتوضع في أماكن قريبة من المساجد وبعد أن تؤدى صلاة المغرب جماعة يجلس الرجال لتناول فطورهم وتجلس النساء كذلك في المكان الذي خصص لهن». وأضافت أن الأكلة التي يحرص السينغاليون على تناولها في رمضان هي «الغوتري» وهو حساء مصنوع من الذرة والقمح المطحون ويضاف إليهما السكر والحليب وتؤكل ساخنة وبعده يقدم شراب الذرة المحلى.