القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي    ميراوي: امتحانات الفصل الثاني بكليات الطب والصيدلة تمت برمجتها في مطلع يونيو "ولا مجال لدورة استثنائية"    وزير التربية متمسك بالمضي في "تطبيق القانون" بحق الأساتذة الموقوفين    تصفيات مونديال 2026.. هذا موعد المباراة التي ستجمع المنتخب المغربي بنظيره الزامبي    المكتب المديري لأولمبيك آسفي يرفض استقالة الحيداوي    "إسكوبار الصحراء".. هذه تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام محكمة الاستئناف بالبيضاء    الفرنسي أوليفيي جيرو يعلن رسميا رحيله عن ميلان إلى "الدوري الأمريكي"    توسيع شبكة "مؤسسات الريادة" لتشمل 230 إعدادية خلال الموسم الدراسي المقبل    الأمثال العامية بتطوان... (597)    الملك يهنئ الرئيس الجديد لجمهورية تشاد    جماهري يكتب: هذه الحكومة لا بد لها من درس في الليبرالية...!    جائزة أحسن لاعب إفريقي في "الليغ 1" تعاكس المغاربة    تنظيم الدورة ال23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة"    "أطلنطاسند" تطلق منتوجا جديدا يستهدف المقاولات الصغرى والمهن الحرة    اليابان عازمة على مواصلة العمل من أجل تعاون "أوثق" مع المغرب    الدرهم يرتفع بنسبة 0.85 % مقابل اليورو    سائق سيارة يدهس مواطنين في أكادير    الجمعية المهنية تكشف عدد مبيعات الإسمنت خلال أبريل    الاتحاد الأوروبي يرضخ لمطالب المزارعين ويقر تعديلات على السياسة الفلاحية المشتركة    أضواء قطبية ساحرة تلون السماء لليوم الثالث بعد عاصفة شمسية تضرب الأرض    النيابة العامة التونسية تمدد التحفظ على إعلاميَين بارزَين والمحامون يضربون    أمن ميناء طنجة يحبط تهريب الآلاف من الأقراص الطبية    "التسمم القاتل".. ابتدائية مراكش تؤجل المحاكمة وترفض السراح المؤقت للمتهمين    المركز الثقافي بتطوان يستضيف عرض مسرحية "أنا مرا"    أحزاب الأغلبية ترشح التويمي لخلافة بودريقة في رئاسة "مرس السلطان"    أوكرانيا تقر بالنجاح التكتيكي لروسيا    صحيفة "ماركا" الإسبانية: إبراهيم دياز قطعة أساسية في تشيكلة ريال مدريد    المندوبية العامة لإدارة السجون تنفي وجود تجاوزات بالسجن المحلي "تولال 2" بمكناس    طقس الثلاثاء.. عودة التساقطات المطرية بعدد من الأقاليم    رشيد الطالبي العلمي في زيارة عمل برلمانية لجمهورية الصين الشعبية    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    هام لتلاميذ البكالوريا بالناظور.. هذه هي تواريخ الامتحانات والإعلان عن نتائجها    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة يحتفي بالسينما المالية    الزمالك يشهر ورقة المعاملة بالمثل في وجه بركان    إضراب وطني يفرغ المستشفيات من الأطباء والممرضين.. والنقابات تدعو لإنزال وطني    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الأساطير التي نحيا بها    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يتحدث الإسبانية.. إذن لا يعرف الكلام..؟
أزمة القيادة في المجتمعات الإسلامية الحديثة (4)
نشر في العلم يوم 10 - 12 - 2010

منذ أربعين سنة كتبت عدة مقالات بهذا العنوان في جريدة «العلم» مارس 1970 وما بعد، وبلادنا آنذاك تعيش تحت نير حالة الاستثناء وتعطيل الحياة الدستورية وتكميم الأفواه ومصادرة الصحف بل وتكسير المطابع إذا لم تنفع المصادرة كما حصل لمطبعة «الرسالة» حيث تطبع صحيفتا «العلم» و «الرأي» وليس الأمر عند غيرنا ممن يعيشون تحت النظام الشمولي والحزب الوحيد بأحسن مما عندنا.
واليوم ونحن نراقب ما يجري في ديار العروبة والإسلام من فوضى وقلاقل وقمع للحريات وفرض الأحكام العرفية والاستئثار بالأمر و بالتوجيه في أغلب البلاد الإسلامية رغم وجود الدساتير والقوانين وحتى البلاد التي بدأت بوادر تعافيها من التدخل في الانتخابات وفي الاختيار الحر للأمة تلوح الآن في الأفق ارهاصات ان أمر النزاهة ربما كان برقا خلبا أو سرابا حسبه عشاق الديمقراطية والشورى بارقة تغيير في أفق تحقيق الديمقراطية، ولكن ما جرى وما يجري في بلاد الإسلام شرقا وغربا ينبئ أن هناك نية مبينة لدى البعض للسعي للرجوع عن بعض المكاسب التي تحققت، هنا وهناك وربما كان كشف القناع عن تصرفات الدول الكبرى التي كانت ولا تزال تلوح بورقة الديمقراطية وحقوق الإنسان وقتل الأبرياء بمآت الألوف واعتقال الآخرين وقتلهم صبرا وبدون محاكمات لعل كل ذلك قد انعكس على ما يجري من لدن بعض الحكومات والمسؤولين في ديار العروبة والإسلام، ونعيد اليوم نشر تلك المقالات للذكرى والتذكير وليس لتبرئة الذمة من واجب مواصلة العمل مع العاملين من أجل مجتمعات مسلمة شورية ديمقراطية متقدمة ومزدهرة.
ونواصل اليوم إعادة نشر تلك المقالات مع التحيين الضروري نظرا لتطور الأحوال والظروف، وإن كان روح تلك المقالات يبقى هو هو مع الحفاظ على النص الأصلي في الغالب.
ونحن بصدد مراجعة هذه المقالات وتحيينها طفى على السطح ما سمي بفضيحة (ويكلكس) التي نال منها القيادات الإسلامية أوفى نصيب..
قيادة بلباس أهلي..؟
نواصل اليوم الحديث في موضوع أزمة القيادة في المجتمعات الإسلامية، وقد تحدثنا في الحلقة الأخيرة عن العلاقات بين المجتمعات الإسلامية والغرب وذلك لبيان التأثير السيئ الذي لعبه الاستعمار في صنع هذه القيادات وتوجيهها توجيها غير منسجم مع الشعوب التي تحس بالانفصال بينها وبين هذه القيادة، وعندما نتحدث عن القيادة فلا نعني فقط من يتولون مسؤولية إدارة دفة شؤون المجتمعات وإنما نعني النخب ونعني المثقفين والمتعلمين ذلك ان هذه النخب وما هي عليه هي التي يخرج من بين صفوفها من يسيرون أمور هذه المجتمعات، ولذلك فإن الهدف الأساس الذي كان لدى المستعمر هو أن الإنسان المستعمَر يجب ان يكون عندما يتحمل المسؤولية هو نفس المستعمِر بالكسر، باسم «أهلي» وربما حتى بلباس «أهلي» هذه هي الغاية التي كان الاستعمار يسعى لها وقد وضع لذلك منهجا يفضي إلى نفس النتيجة والغاية مهما كانت الظروف ومهما تغيرت الأحوال..
سارتر وأكاذيب حية
ومما تحدثنا عنه في مقال سابق أساليب الاستعمار في القهر والإذلال للمحافظة على هيبته وانتهيتا مع الاستدلال بقول ماركس الذي أكد فيه أن الاستعمار الغربي يسعى إلى تشكيل المستعمَر على صورته.
وهذه المقولة هي التي صاغها أديب ومفكر آخر غربي »جان بول سارتر« في تقديمه لكتاب (معذبو الأرض لفرانز فانون) وذلك عندما يقول:
»... وكان على السكان الأصليين في البلاد المستعمرة ان يحبوا هذه العواصم، كما يحبون أمهاتهم إن صح التعبير. وشرعت الصفوة الأوروبية تصنع صفوة من السكان الأصليين. أخذت تصطفي فتيانا مراهقين وترسم على جباههم بالحديد الأحمر مبادئ الثقافة الأوروبية، وتحشو أفواههم بأشياء رنانة، بكلمات كبيرة لزجة تلتصق بالأسنان، ثم تردهم إلى ديارهم بعد إقامة قصيرة في العاصمة وقد تزيفوا. ان هؤلاء الأفراد الذين هم أكاذيب حية تسعى، قد أصبحوا لا يملكون ما يقولونه لأخوتهم، لأنهم لا يزيدون على ان يرجعوا ما يسمعون؛ فمن باريز ولندن وأمستردام كنا نحن نهتف قائلين: »بارتينون، اخوّة « فإذا بشفاه تنفرج في مكان من الأمكنة بأفريقيا أو آسيا، لتقول: »بتينون!... خوّة !...« وكان ذلك هو العهد الذهبي«.
الاستعمار والاستقلال الصوري
هذا ما يقوله سارتر الوجودي الذي لا علاقة له بالإسلام لا الإسلام السياسي ولا الطرقي وما قاله قبله ماركتر المادي الجدلي والتاريخي وسنواصل الاستيعاد لما يقوله مثل هولاي وذلك حتى لا نكون متشددين بذوي العواطف الإسلامية.
والواقع أن الغاية عند الاستعمار كما أشرت كانت هي المحافظة على وجوده مهما كانت الظروف، ومهما تضطره ملابسات السياسية المحلية أو الدولية لإعطاء هذه الشعوب استقلالا زائفا.
وإذا كانت الشعوب الإسلامية من بين الشعوب التي أسقطها سوء الطالع تحت نير الاستعمار وذلك شعبا بعد شعب طيلة القرن التاسع عشر واغلب عقود القرن العشرين وحتى في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إذ كما هو معروف غزا الاستعمار الفرنسي مصر في بداية القرن التاسع عشر والجزائر 1830 والهند استسلمت وانتهى الحكم الإسلامي فيها عام 1857 واستعمرت تونس ومصر في بداية العقد الثامن في نفس القرن والمغرب في بداية العقد الثاني من القرن العشرين وتم إنهاء الدولة العثمانية في البلقان وأوروبا الشرقية واقتسمت أقطار الشرق العربي بين نفوذ انجلترا ونفوذ فرنسا واغتصبت فلسطين كما تم احتلال قبل ذلك الدول الإسلامية في الشرق الأقصى والشعوب الإسلامية في مختلف الأقطار الإفريقية لم يكن وضعها أفضل من غيرها.
مراحل الغضب
وهذا في الواقع إنما هو تصفية حسابات مع الإسلام ومع الدولة الإسلامية فهذا كله من ثمرات الغزوات الصليبية ونتيجتها لمراحل الغضب وفي هذا المعنى يقول المرحوم محمود محمد شاكر في كتاب (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ص:46-47) محددا المراحل التي أغضبت الغرب كما يلي:
المرحلة الأولى:
صراع الغضب للهزيمة المسيحية في ارض الشام ودخول أهلها في الإسلام، فبالغضب أمَّلت اختراقَ دار الإسلام لتسترد ما ضاع، تدفعها بغضاء حية متسامحة، لم تمنع ملكا ولا أميرا ولا راهبا أن ُيمدَّ المسلمين بما يطلبونه من كتب » علوم الأوائل«، (الإغريق، التي كانت تحت يد المسيحية يعلوها التراب. وظل الصراع قائما لم يفتُر، أكثر من أربعة قرون.
المرحلة الثانية:
صراع الغضب المتفجر المتدفق من قلب أوربة، مشحونا ببغضاء جاهلة عاتية عنيفة مكتسحة مدمرة سفَّاحة للدماء، سفحت أول ما سفحت دماءَ أهل دينها من رعايا البيزنطية، جاءت تريد هي الأخرى، اختراق دار الإسلام، وذلك عهد الحروب الصليبية الذي بقي في الشام قرنين، ثم ارتد خائبا إلى مواطنه في قلب أوربة.
المرحلة الثالثة:
صراع الغضب المكظوم الذي أورثه اندحار الكتائب الصليبية، من تحته بغضاء متوهجة عنيفة، ولكنها مترددة يكبحها اليأس من اختراق دار الإسلام مرة ثالثة بالسلاح وبالحرب، فارتدعَتْ لكي تبدأ في إصلاح خلل الحياة المسيحية، بالاتكاء الشديد الكامل على علوم دار الإسلام، ولكي تستعد لإخراج المسيحية من مأزِقٍ ضنْكٍ مُؤْنِسٍ، وظلت على ذلك قرنا ونصف قرن.
وهذه المراحل الثلاث، كانت ترسفُ في أغلال » القرون الوسطى«، أغلال الجهل والضياع. ولم تصنع هذه المراحل شيئا ذا بال.
المرحلة الرابعة:
صراع الغضب المشتعل بعد فتح القسطنطينية، يزيده اشتعالا وتوهجا وَقُودٌ من لهيب البغضاء والحقد الغائر في العظام على »التُّرك«، (أي المسلمين)، وهم شبح مخيف مندفع في قلب أوربة، يُلقِْي ظله على كل شيء، ويفزِّعُ كل كائن حي أو غير حي بالليل وبالنهار. وإذا كانت المراحل الثلاث الأول لم تصنع للمسيحية شيئا ذا بال، فصراع الغضب المشتعل بلهيب البغضاء والحقد هو وحده الذي صنع لأوربة كل شيء إلى يومنا هذا.
اليقظة وتحديد الأهداف
صَنع كُلَّ شيء، لأنه هو الذي أدَّى بهم إلى يقظة شاملة قامت على الإصرار، وعلى المجاهدة المُثَابِرَةِ على تحصيل العلم وعلى إصلاح خلل الحياة المسيحية، ولكن لم يكن لها يومئذ من سبيل ولا مدد، إلا المدد الكائن في دار الإسلام، من العلم الحي عند علماء المسلمين، أو العلم المسطر في كتب أهل الإسلام. فلم يترددوا، وبالجهاد الخارق، وبالحماسة المتوقدة، وبالصبر الطويل، انفكت أغلال »القرون الوسطى« بغتة عن قلب أوربة، وانبعثت نهضة »العصور الحديثة« مستمرة إلى هذا اليوم.
من يومئذٍ، عند أول بَدْءِ اليقظة، تحددت أهدافُ المسيحية الشمالية، وتحددت وسائلها. لم يَغِبْ عن أحد منهم قطُّ أنهم في سبيل إعداد أنفسهم لحرب صليبية رابعة، لأنهم كانوا يومئذ يعيشون في ظل شبح مخيف متوغل في أرض أوربة المقدسة ببأس شديدة وقوة لا تُرْدَع، بل هو شبح متجَوِّل يطوف أنحاء القارة كُلِّها ، لا يَطْرِفُ فيها جفنُ حتى يراهُ ماثلا في عينه آناءَ الليل وأطراف النهار، » التُّرك التُّركَ« !!.
اليقظة والمسار الخطأ
وقد انتقم الغرب بالفعل من الترك بإسقاط الدولة العثمانية وفرض التوجه العلماني على تركيا وجعلها خارج المجال الإسلامي.
وعندما استيقظت هذه الشعوب بدل الاستعمار الجهود ليحول بينها وبين الاستقلال الحقيقي بفرض القيادات التي أنشأها على طريقته ورباها التربية التي يريد وان شئت قلت جعلها على صورته كما أسلفنا بل ربما كانت أجرا منه ونفذت ما عجز عن تنفيذه.
وكان المعمل الذي هيأ فيه هذه القيادات هو المدرسة لان المدرسة وحدها هي الكفيلة بانجاز مخططه وتحقيق ما يريد ولذلك فاني سأحاول إعطاء صورة مختصرة عما كان الاستعمار يريد الوصول إليه عن طريق المدرسة ومناهجها.
إن الأوروبيين منذ ما أسموه بالكشوف الجغرافية يرون كل من لا يتحدث لغة من لغات الغرب لا يعرف الكلام ومن ثم فان واجبهم ان يعلموه الكلام، يقول (كلومبوس) مكتشف أمريكا في مذكراته وهو يتحدث عن الهنود الحمر يبدو لي انه من الممكن ان نجعلهم مسيحيين بسرعة اذ أنهم لا يدينون بداية ما وسوف اتى بستة منهم ان شاء الرب حتى يتعلموا الكلام « ويعلق (كي دوبوشير) عن هذه العبارة فيقول: (أنهم لا يتحدثون الاسبانية معنى ذلك أنهم لا يعرفون الكلام إطلاقا وإذن فقد حان الوقت حتى تخلع عليهم أوربا نعمة الكلام) (تشريح جثة الاستعمار ص 146 وما بعدها).
التنصير ولغة المستعمِر
ان هذه الفقرة من كلام المكتشف الأوروبي تضع الإطار العام لغايات الاستعمار الأوروبي كله في جميع مراحل تاريخه انه يستهدف ان يجعل المستعمَرين مسيحيين وأن يجعلهم يتعلمون الكلام الذي هو لغة المستعمِر اما لغاتهم الأصلية وديانتهم الأصلية فلا يمكن اعتبارها في عرف الاستعمار ديانة او لغة فلا نستغرب إذا وجدنا جهود الاستعمار تتصرف في البلاد الإسلامية إلى نشر لغته وديانته والاستعانة بهذه على تلك، ولا يأخذنا العجب إذا وجدنا إرساليات التبشير تعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات لتبادل الخبرة والمعلومات والاستعانة بحكومات الاستعمار ورجاله لنشر المسيحية بين المواطنين المسلمين فالتبشير والاستعمار يتمم بعضها البعض وينبه احدهما الأخر إلى ما يجب فعله، وما يتحتم انجازه فلا غرابة إذن أن يتحدث مفكرو الاستعمار ومهندسو خططه عنا في المغرب بالأسلوب الذي تحدث به كلوميوس عن الهنود الحمر ومن شك في ذلك فيقرأ هذه الفقرة التي سأنقلها بنصها رغم طولها وهي من إنشاء احد المفكرين الفرنسيين يقول:
»إن البربر كان منهم مجوس ووثنيون ويهود وفي صدر النصرانية قبلوا الدين المسيحي إلا أنهم نسوه عندما تمكنوا من الاستقلال ثم دانوا بالإسلام الذي ببساطة قواعده يستميل العقل ويرسخ في جميع الأمم التي تدين به«.
ثم يقول: إن البربر اسلموا إسلاما لا يزال مشوبا بأحوال وأوضاع خاصة بهم.
الحلم بمغرب فرنسي
ثم يقول: انه شعب يظهر عليه الميل من نفسه إلى المدنية الفرنسية لذلك يجب ان يحصل البربري على الثقافة أكثر مما هو ولأجل بلوغ هذه الغاية يجب أن يحصل البربر على الثقافة الفرنساوية وان يتكلموا بالفرنساوي قبل وصول الثقافة العربية واللسان العربي إليهم وعلى هذا الشكل يتحقق بل ريب أكثر مما هو مظنون خيالنا العظيم بمغرب فرنسا ثم يقول :
»إن قسما عظيما من أهل الغرب الأقصى لا يعرفون العربية أو يتكلمون باللغتين البربرية والعربية وليس لنا أدنى مصلحة أن ننشر بينهم اللغة العربية لغة الجامعة الإسلامية بل بالعكس« (انتهى من حاضر العالم الإسلامي باختصار ص 87)
عملية التحويل
ولا شك ان الغاية من كلام الموجه الاستعماري هي تحويل المغاربة عن دينهم ولغتهم التي لا مصلحة للاستعماريين في تعليمها ونشرها وتعميمها لأن في تعميمها عرقلة لمخططاتهم في جعل المغرب مغربا فرنسيا إذا حيل بينهم وبين انجاز رغبتهم حتى الآن فأنهم لا يزالون يواصلون العمل ويبدلون الجهود وقد ينتصرون في مثل الظروف التي نعيشها لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه يوم كانوا يحكموننا حكما مباشرا، لأن الاستعمار الآن غير واضح على مسرح المعركة كما كان واضحا قبل هذا الوقت، كما ان مخططات الاستعمار السابقة أعطت ثمارها فوجد من بيننا من يدافع عن مناهجه وأساليبه وتعميم لغته، ولا شك ان تعميم اللغة يحقق هدفا مزدوجا إذ هو بجانب تحقيقه للاستعمار اللغوي يزيغ بالناشئة من عقائدها ودينها ويجعلها ان لم تنتصر معطلة متشككة لا هي بالمسلمة ولا بالمسيحية ولكنها طاقة معطلة لا تعرف إلا الهدم وتحقيق المزيد من المتع الخسيسة والسير وراء سراب المدنية الزائفة.
النموذج المطلوب للمستعمَر
وهذا النموذج الذي تحدثنا عنه ونحن نتحدث عن التفكير الاستعماري في تكوين أجيال مغاربة بعيدين عن الإسلام وعن اللغة العربية هل له حظ في غير المغرب من بلاد الإسلام؟ إن هذا هو ما يتحدث عنه مسيو شانليه وهو يحدد السياسة الاستعمارية:
وما دمنا بصدد الحديث عن السياسة الفرنسية في مجال التعليم أيام احتلالها لجزء مهم من بلاد الإسلام فلا مانع من الاستشهاد بفقرة من كلام مسيو شاتليه يقول: وهو يحدد إطار العمال الحكومي لمساعدة إرساليات التبشير لتحقيق غاياتها.
ينبغي لفرنسا أن يكون عملها في الشرق مبنيا قبل كل شيء على قواعد التربية ليتسنى لها توسيع نطاق هذا العمل والتثبت من فائدته.
وبعد ان يشير إلى عجز العمل الخاص عن تحقيق الغرض المنشود يؤكد انه غرض لا يمكن الوصول إليه إلا بالتعليم الذي يكون تحت الجامعات الفرنساويات نظرا لما اختص به هذه التعليم من الوسائل العقلية والعلمية المبنية على قوة الإرادة.
وانا نرجو ان يخرج هذا التعليم إلى حيز الفعل ليبث في دين الإسلام التعاليم المستمدة من المدرسة الجامعة الفرنساوية (الغارة على العالم الإسلامي ص 13-14).
التعليم يحمل مع اللغة قيم معادية
ومن هنا تأتي خطورة الفرنسية ان هذه الخطورة تكمن في صنع العقلية الإسلامية طبق منهاج محدد يرمي قبل كل شيء الى بث تعاليم وأساليب خاصة تستهدف أصلا مقوماتنا الحضارية وأسس كياننا الروحي وتستهدف مع ذلك الحيلولة بين المسلمين وبين الإسلام ولغته واذا ابتعد المسلمون عن الدين فانه من الصعب ان يعودا إليه ثانية في تقديرات المستعمرين وإرساليات التبشير التي ابتدأت عملها في البلاد الإسلامية منذ أمد بعيد ولم تظفر بمن يلتمسون الهداية عندها ولكنها لم تيأس بعد من النيل من المسلمين والإسلام ويكفيها ان تمهد الطريق لما أسمته بإسلام مادي وذلك عن طريق المدرسة التي تعلم الناشئة على طرق الاستعمار ومناهجه.
صعوبة التنصير
وفي هذا المعنى يقول شاتليه: »ولا شك في أن إرساليات التبشير من بروتستانية وكاتوليكية تعجز ان تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوربية فبنشرها لها يتحكك الإسلام بصحف أوروبا وتتمهد السبل لتقدم إسلامي مادي وتقضي إرساليات التبشير ليانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي لم تحتفظ بكيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها (الغارة ص 17-18).
نخبة مصنوعة
ومن المؤسف ان تكون هذه المناهج الاستعمارية قد أعطت نتائج مهمة لأصحابها وان يتصدى لقيادة الفكر وزعامة السياسة في كثير من البلاد الإسلامية مجموعة من المتخرجين على الطريقة الاستعمارية وأصبحوا يستميتون في الدفاع عن أساليب الاستعمار وغايته ويبذلون الجهود المضنية لتأكيد أن الاستعمار بريء مما ينسبه إليه الوطنيون الذين لا يتمتعون بالأفق الرحب وإنما يتقوقعون في مفاهيم معينة ليكيلوا التهم لهؤلاء الغربيين المستعمرين« الذين يضحون بكل شيء في سبيل تحقيق التقدم والرفاهية للشعوب المتخلفة ومن بينها الشعوب الإسلامية.
وانه من الصعوبة بمكان ان تقنع هؤلاء سواء الذين يقولون ما يقولونه عن حسن نية او الذين في قلوبهم مرض ويخونون أوطانهم وشعوبهم عن عمد مسبق وإصرار كما يقول القانونيون.
الواقع ... السياسة الاستعمارية
ان الواقع الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية يؤكد نجاح السياسة الاستعمارية في إيجاد نخبة وتأطيرها العام للسياسة الاستعمارية لقد استقلت أكثرية المجتمعات الإسلامية وأصبحت أمورها بين أبنائها »ولو صوريا« ولكنها لم تستطع بعد ان تظفر بقيادات من النوع الذي تريد. ان الاستعمار تمكن من وضع قيادات مناسبة، وخلق لها ظروفا تظهر معها وكأنها المنقذة لهذه المجتمعات ، وهي قيادات تفتقر إلى كل خصائص القيادة الإسلامية التي أوجزناها في مقالات سابقة، والاستعمار لم يكتف بتهيئة القيادات عن طريق المدرسة والجامعة فحسب بل هو يبذل كل ما يملك من جهد لإقصاء كل من يخشى منه المقاومة والإفلات من توجيهات وقد عبر الأستاذ مالك بن نبي عن هذا أصدق تعبير حيث قال:
الاستعمار يختار الصفوة
ومن أصول الفن لديه »الاستعمار« ان يقضي صفوة الناس عن أماكن القيادة لأنهم هم الذين يمثلون أسمى فضائل شعبهم ثم يستخدم لتحقيق مأربه طائفة من خلصائه اصطفاهم لذلك« وأزمة القيادة في المجتمعات الإسلامية تنطلق من هذا الاصطفاء والاختيار فليست الشعوب والمجتمعات هي التي تختار القيادة وإنما تختارها المخابرات والإعانات والمناهج التربوية التي يضعها الاستعمار وينفذها في شكل من الإشكال إذ الشكل لا يهم وإنما يهم المضمون والغاية فمتى تحققت الغاية فالوسيلة لا تهم.
ان هذا النص وغيره كثير بل هناك ما هو أبشع منه في الدلالة على الهدف الذي يسعى الاستعمار للوصول إليه ولكن لنقتصر على هذا النص ومن أراد المزيد فيمكنه الرجوع إلى أدبيات الاستعمار الفرنسي وما كتبه منظروا الاستعمار من كتب وتقارير وما حضروه من مناهج ففي كل ذلك نصوص وحقائق لمن كان يريد الغوص في الهدف الاستعماري من إقصاء الإسلام وإقصاء اللغة العربية.
ولكن السؤال ليس فيما كان الاستعمار يسعى للوصول إليه، بل في الدور الذي لعبه في التعليم والإدارة المغربية في مغرب ما بعد الاستقلال؟ هل ان مغرب ما بعد الاستقلال أنصف الإسلام وأنصف اللغة العربية؟ هل مغرب ما بعد الاستقلال مكن للغة الضاد في التعليم وفي الإدارة وفي الحياة العامة؟
لا اعتقد ان الجواب عن هذه الأسئلة يكون لصالح مغرب الاستقلال وإدارة مغرب ما بعد الاستقلال.
واقع اللغة بعد الاستعمار
لقد كان واقع اللغة العربية في مغرب محتل ومستعمر أحسن حالا من مغرب ما بعد الاستقلال، وذلك لأن الحركة الوطنية جندت الشعب المغربي لبناء المدارس الحرة التي تعلم اللغة العربية، وقاومت السياسة التعليمية للمستعمِر وكانت البيانات التي تصدرها تندد بسياسة الاستعمار في التعليم وفي فرنسة المغرب. وكان الأمل في انتصار الوطنية وانتصار اللغة العربية معها وأما بعد الاستقلال فإن المدرسة الاستعمارية السابقة أدت دورها كاملا في الإبقاء على لغة المستعمر وإقصاء اللغة العربية بل وجدنا من يجرؤ على مهاجمة اللغة العربية لصالح اللغة الفرنسية وهو أمر لم يكن ممكنا أثناء الكفاح ضد المستعمر.
وهذا بالفعل ما كان يسعى إليه الاستعمار من سياسته التعليمية واللغوية والواقع أن هذا المنهج الاستعماري مع تفاوت والنتائج تمكن في مختلف الأقطار الإسلامية لتحقيق نتائج ايجابية ومرضية.
إن هذه النتائج المخيبة للآمال هي التي جعلت الشعوب تتحرك وما أدى إلى ما يعرف بالصحوة أو الإسلام السياسي أو الأصولي وهذا موضوع سنتناوله في حديث مستقل فيما بعد.
الأداء والصحوة؟
ولا ريب أن من حاول وضع أصبعه على أداء القيادات في المجتمعات الإسلامية سيلمس ان أكثرها أنها قيادات لا تملك منهاجا للعمل وهي بعيدة بعدا كبيرا عن شعوبها. لأن الشعوب لا دخل لها في اختيارها وتنصيبها وهذا ما سأتحدث عنه في مقال قادم بحول الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.