بعثت الإدارة الأمريكية خلال الأيام الأخيرة من شهر فبراير الاميرال مايكل مولن رئيس اركان الجيوش الأمريكية المشتركة، ليقوم بجولة في دول الخليج العربي وذلك بعد أن زار الأردن يوم 13 فبراير وإسرائيل يوم 14 فبراير، وكان المسئول العسكري الأمريكي قد قام قبل أشهر بزيارات رسمية، إلى السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. وقال مولن الذي أجرت معه قناة الجزيرة الفضائية القطرية مقابلة طويلة، أنه جاء إلى المنطقة بهدف «طمأنة» الحلفاء و»فهم ما يجري» والتأكيد على أن التوترات «يجب ان تعالج بالطرق السلمية». وأثنى الأميرال الأمريكي على دور الجزيرة التي تخصص تغطية واسعة للتظاهرات في العالم العربي. في نفس الوقت تقريبا وابتداء من يوم الثلاثاء 22 فبراير قام مساعد وزيرة الخارجية للشرق الأوسط جيفري فيلتمان بجولة استمرت عشرة أيام في دول الخليج شملت قطر والكويت وعمان والإمارات والبحرين. يقول دبلوماسيون من الإدارة الأمريكية في واشنطن، أن الجولة الحالية تعكس ما سموه الإحراج الذي وجدت واشنطن نفسها فيه، كونها من جهة تعلن دعمها للإصلاح الذي تطالب به حركات الاحتجاج في العالم العربي، ومن جهة أخرى تجدد التزامها دعم حلفائها في المنطقة، خاصة المناطق التي لها فيها وجود عسكري كثيف كالبحرين حيث يتمركز حوالي 4200 عسكري أمريكي، وقطر حيث توجد قاعدتي السيلية والعديد. ويشار إلى أن مولن حرص خلال جولته الخليجية على لقاء عدد كبير من القادة العسكريين في المنطقة بهدف التأكيد مجددا على استمرار دعم واشنطن. ويضيف المحللون في واشنطن أن الأمبرال مولن ومسؤول الخارجية جيفري فيلتمان يسعيان لتبديد شكوك مسئولي الخليج التي بنيت على دعاية معادية، تتهم الولايات المتحدة بتأجيج تحركات المعارضة في كل المنطقة العربية أما بشكل مباشر أو عبر وسطاء من أجل تحويلها من حركات تطالب بالإصلاح والديمقراطية إلى قوى تزعزع الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والوحدة الترابية لبلدانها، وذلك في نطاق مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي روجت له كثيرا الإدارة الأمريكية تحت رئاسة بوش. ويشير الملاحظون إلى أن السعودية تبدو الأكثر إمتعاضا من «التدخلات الامريكية» والأكثر استعدادا للدخول في مواجهة مع إدارة أوباما لمنع تمخض الاضطرابات في منطقة الخليج العربي عن إفراز واقع سياسي وإستراتيجي جديد يسمح للبيت الأبيض بوضع رزنامة منقحة لصفقة تقاسم نفوذ مع طهران مقابل تنازلات متبادلة بين إيران والولايات المتحدة. ومنذ بداية الأحداث، قدمت الرياض دعما غير محدود للبحرين التي تواجه حركة احتجاج تقودها المعارضة الشيعية التي تتمتع بدعم طهران العلني، فيما تخشى الرياض من إمكانية امتداد الاحتجاجات إلى منطقتها الشرقية الغنية بالنفط وحيث يتواجد الشيعة بشكل قوي، وان تستفيد إيران من هذا الأمر. ويشير تقرير مؤسسة ستراتفور المتخصصة في تقديم الاستشارات إلى أن «البحرين ارض مواجهة في المعركة الجيوسياسية الأكبر بين السعودية والولايات المتحدةوإيران». الأميرال مايكل مولن بالإضافة إلى سعيه تبديد شكوك الخليجيين بشأن مخططات بلاده أعطى صك براءة كذلك لطهران، فبعد وصوله إلى العاصمة القطرية الدوحة يوم الاثنين 21 فبراير قال في حديث مع الصحفيين، استبعد أن تكون إيران مسئولة عن تظاهرات البحرين، وأضاف «ما زلت أعتقد أن إيران بلد يواصل تغذية عدم الاستقرار في المنطقة واستغلال كل فرصة، لكنني أعتقد أن هذا لم يكن المحرك الرئيسي لأحداث مصر أو البحرين أو الدول الأخرى». «أن الاضطرابات «بإجمالها ناجمة عن مشاكل داخلية لا مخططات وضعتها قوة خارجية». وركز الأميرال الأمريكي مرة ثانية على هذه النقطة في الدوحة بعد اجتماعه مع ولي العهد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس أركان القوات القطرية اللواء حمد بن علي العطية. تقرير أغسطس 2010 الرسالة الأمريكية إلى دول الخليج كانت كذلك أن إدارة اوباما فوجئت بما حدث وأن حتى أجهزة مخابراتها لم تتوقع مثل هذه الأحداث، وبالتالي فلا يمكن اتهامها بالسعي لركوب الانتفاضات وتوجيهها لتنفيذ مشاريعها التي تقوم على سياسة «الفوضى الخلاقة». صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بقصد أو بدون قصد نسفت هذا الإدعاء حيث نشرت يوم 17 فبراير تقريرا سريا طلبه أوباما خلال شهر أغسطس 2010 عن «الثورات في العالم العربي» يحدد 4 دول هي المرشحة أولا للتغيير. وقد أصدر الرئيس الأمريكي توجيهاته على أساس ذلك، وحدد الأمر الذي أصدره أوباما، والذي يعرف باسم «توجيهات الدراسة الرئاسية» المناطق الساخنة المحتملة، وأبرزها مصر، وحث على تلقي مقترحات عن كيفية دفع الإدارة الأمريكية للتغيير السياسي في الدول المعنية. وحسب صحيفة «نيويورك تايمز» حدد التقرير السري الملخص في 18 صفحة، الخطوات المرحلية لتحرك البيت الأبيض. ولم يذكر مسئولو الإدارة الأمريكية كيف ارتبط التقرير بالتحليل الاستخباراتي للشرق الأوسط، والذي ادعى فيه مدير وكالة الاستخبارات المركزية ليون إي بانيتا، في شهادة أدلى بها أمام الكونغرس، بأنه كان يحتاج إلى مزيد من الوقت لتحديد «العوامل المثيرة» للثورات في دول مثل مصر بشكل أفضل. وصرح مسئول بارز ساعد في صياغة التقرير وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة نتائجه قائلا: «لا شك في أن مصر كانت تشغل حيزا كبيرا جدا من تفكير الرئيس أوباما. وقد واجه المرء كل الأمور المجهولة التي قد تخلفها صورة تطور الأمور في مصر وهي الدولة المركزية في المنطقة». وذكر مسئولون أمريكيون أن أوباما وطاقمه كانوا مهتمين كثيرا بدور محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي عاد إلى مصر لقيادة حركة معارضة وليدة، خاصة بعد أن قدروا أن حركات معارضة مثل كفاية وحزب الغد الذي يرأسه أيمن نور قد استهلكت نفسها ولم تعد قطب جذب للمواطنين. الإدارة الأمريكية رأت كذلك أن حركة الإخوان المسلمين في مصر وبعد الانقسامات التي عرفتها سنة 2010 أصبحت أقل قدرة على التأثير على الأحداث. تسريع الأحداث المناقشات والأبحاث التي دارت في مختلف أروقة واشنطن بحثت كيفية الحصول على نتائج مرجوة من تقنيات الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك» و»تويتر» وإن كانت هذه الأمور تنذر فعلا بحدوث مشكلة» حسبما حذر خبراء. اليك روس مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قال في ما يتعلق بالتقنيات الجديدة، ان الشبكات الاجتماعية لعبت «دورا مهما» في أحداث تونس ومصر لكنه قال أن «هذه الحركات لم تنبثق من التكنولوجيا». وأضاف «لم نشهد ثورات فيسبوك أو ثورات تويتر». غير أنه أقر أن «التكنولوجيا سرعت مجرى الأحداث، بحيث أن حركة كانت ستستغرق في ظل الأوضاع الطبيعية أشهرا أو سنوات، جرت في فترة اقصر بكثير». وختم «إن تشي غيفارا القرن الواحد والعشرين هو الشبكة العالمية. لم يعد هناك حاجة إلى شخصية كاريزماتية فريدة لتعبئة الحشود وتنظيمها». اليك روس لم يتطرق في حديثه عن أن الخارجية الأمريكية ومؤسسات أمريكية أخرى تبث أكثر من 100 مليون رسالة يوميا على شبكات التواصل لتحريض معارضين لأنظمة تعتبر مناوئة لأمريكا. من أجل تنسيق التعامل مع كل هذه المعطيات عقد البيت الأبيض اجتماعات أسبوعية منذ يناير 2011 مع خبراء من وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية وبعض الوكالات الأخرى. وترأس هذه العملية دينيس روس، المستشار البارز للرئيس في منطقة الشرق الأوسط وسامانتا باور، وهي مديرة في مجلس الأمن القومي الأمريكي والتي تتعامل مع قضايا حقوق الإنسان، وغايل سميث، وهو مدير بارز مسئول عن التنمية العالمية. أسلوب تحايل باستثناء مناقشة ما جرى في مصر، رفض المسئولون الحديث لصحيفة «نيويورك تايمز» عن الأوضاع في دول أخرى بالتفصيل. واكتفوا بالقول أن التقرير حدد أربع دول يراقبها عن كثب، وذكر أحد المسئولين أن الأوضاع في هذه الدول تتم تغطيتها ومراقبتها على نطاق واسع، والمقصود بالإضافة إلى مصر كل من الأردن واليمن والبحرين وليبيا. وأوضح إيليا زروان، وهو محلل لدى مجموعة الأزمات الدولية، أن جماعة الإخوان والحزب الوطني الديمقراطي كانا الفريقين الوحيدين القادرين في الماضي على اجتذاب الناخبين. وأضاف في هذا السياق «إن كانت هناك انتخابات حرة ونزيهة، فيمكننا توقع إقبال كبير من جانب الناخبين». إلا أن البرادعي حذر من أنه إذا جرت الانتخابات خلال أشهر قليلة فسينتصر أنصار النظام السابق. وتضيف «نيويورك تايمز» أنه عبر إصداره لأمر رئاسي، كان أوباما يسحب مناقشة موضوع التغيير السياسي من الاجتماعات المنتظمة عن العلاقات الدبلوماسية والتجارية أو العسكرية مع الدول العربية. وفي هذه الاجتماعات، قال أحد المسئولين، إن المصالح الإستراتيجية كانت تلوح بشكل كبير جدا لدرجة يبدو معها من المستحيل تقريبا مناقشة جهود التغيير. وقد ساعدت الدراسة في صياغة رسائل أخرى، مثل الخطاب الذي ألقته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في قطر خلال شهر يناير 2011، والذي انتقدت فيه الزعماء العرب. وقال المسئول: «لقد أثرنا فعلا مسألة من يتولى قيادة عملية الإصلاح، وهل سيؤدي دفع عملية الإصلاح إلى الإضرار بالعلاقات مع الجيش المصري؟ وهل يمتلك الجيش أي اهتمام بالإصلاح؟». وقد ضغط أوباما أيضا على مستشاريه من أجل دراسة الثورات في مناطق أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وجنوب شرقي آسيا من أجل تحديد ما هي الثورات التي نجحت والثورات التي لم تنجح. وأمر بتجنب الوقوع في الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في السابق فلم تتمكن من جني ثمار التغيير في عدد من الدول. ويمتلك أوباما ميلا خاصا تجاه إندونيسيا، التي قضى فيها عدة سنوات عندما كان طفلا، والتي أطاحت برئيسها سوهارتو بمساندة كبيرة من الحكومة الأمريكية، وهو ما ساعد لاحقا على فصل إقليم تيمور الشرقية، وتشجيع بعض الجماعات في أقاليم مثل آتشه وأمبون وكلمنتان وأريان جايا على المطالبة بالانفصال. الوقاحة الإسرائيلية إذا كانت واشنطن تحاول أن تنأى بنفسها عن تهمة ركوب الحركات المطالبة بالإصلاح في المنطقة العربية، فإن تل أبيب تسبب بتصريحات مسئوليها حرجا لحاميها فيما وراء المحيط. يوم الاثنين 21 فبراير 2011 اعتبر الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية العامة أن الانتفاضات التي اندلعت في الشرق الأوسط تدل على نهاية «الأنظمة الديكتاتورية». وقال بيريز «الواضح الآن هو انه لم يعد بإمكان أي ديكتاتور أن يكون مطمئنا في الشرق الأوسط. هم راحلون وفيسبوك باق». وأضاف الرئيس الإسرائيلي «يتعين على الطغاة من الآن فصاعدا أن يجيبوا على ما يراه العالم على الشاشات من الفقر والقمع والفساد. لقد بات كل شيء اليوم شفافا إلى حد انه لم يعد أمام الطغاة أي مكان يختبئون فيه». صحفيون في الكيان الصهيوني ذكروا أن السفير الأمريكي في تل أبيب عبر عن امتعاضه تجاه تلك التصريحات، مشيرا إلى أن الكثيرين في البلدان العربية سيرون فيها عكس ما أراده بيريز. غير أن محللين في إسرائيل ردوا قائلين أن غالبية جيل الشباب في البلدان العربية ولدوا بعد حرب أكتوبر 1973 ولم يتأثروا كثيرا بحرب لبنان سنة 2006 ولا حرب غزة سنة 2008، ولهذا فهم لا يحملون نفس كره وحقد الأجيال التي سبقتهم نحو الكيان الصهيوني. ويزيد هؤلاء بالقول أن جزء من الشباب يتوق لحياة على الطراز الغربي. ويذكرون بما قالته يوم الخميس 17 فبراير وزيرة الأمن البريطاني بولين نيفيل جونز عن أن الثورات التي يقوم بها شباب عربي يسعى للحرية تمثل «فرصة كبيرة» لجهود الغرب في مكافحة الإرهاب. وأضافت جونز في مقابلة أجرتها معها وكالة رويترز «لدينا إذا صح القول أداة كبيرة للترويج للقيم الغربية، هؤلاء الشبان..يطلبون المزيد من الحريات. إنهم يطلبون تطبيق نمط القيم الغربية في مجتمعاتهم ذلك النمط الذي يستطيعون رؤيته من خلال الانترنت. «في رأيي يجب النظر إلى ذلك على أنه فرصة كبيرة». رغم التأنيب الأمريكي لبيريز خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يوم الثلاثاء 22 فبراير بتصريح مشابه وقال انه يتمنى «ازدهار الحرية والديمقراطية في العالم العربي»، وأضاف «بقدر ما تكون أسس الديمقراطية صلبة، بقدر ما تكون أسس السلام صلبة أيضا. نريد أن نرى ازدهار الحرية والديمقراطية في العالم العربي». وأضاف «لا نريد أن نرى ديكتاتوريات تدوس حقوق الإنسان وتكبح الإصلاحات الديمقراطية وتشكل تهديدا للسلام». العلاقة بين المشاهدة والجريمة استغلال أطراف خارجية لشبكات التواصل لإفراز نتائج معينة من حركات احتجاج يمتد ليوصل إلى تأثير قنوات التلفزة خاصة التي تخدم أجندات محددة على توجيه بعض المظاهرات إلى العنف. أثبتت الدراسات العلمية المكثفة التي أجريت خلال أكثر من أربعة عقود في الولايات المتحدة، أن هناك تأثيرا مباشرا وملحوظا للتلفزيون على سلوك وتفكير مشاهديه، فمثلا صرح الدكتور «براندون سنتروال» المتخصص بدراسة مصادر الأمراض النفسية: أنه لو لم يخترع جهاز التلفزيون لسجل في أمريكا في هذا العصر انخفاض في الإجرام بحجم عشرة آلاف جريمة قتل سنويا، وسبعين الف جريمة اغتصاب، وسبعمائة ألف جريمة عنف، ولقد توصل الدكتور براندون إلى هذه النتائج اثر دراسة دامت قريبا من ثلاثين سنة. ولاحظ الدكتور براندون، أن جهاز التلفزيون قد دخل في أمريكا سنة 1945، وفي الفترة مابين 1945 و1974 ارتفعت نسبة القتل بنسبة 93 بالمائة، وهذه دراسة واحدة فقط من ضمن عدد كبير جدا من الدراسات المشابهة التي تثبت تأثر البشر بما يشاهدونه، والتأثير السلبي أو الايجابي لتلك الوسائل على سلوكهم. هذه الدراسات كانت من ضمن ما وضعه الخبراء الأمريكيون خلال العقد الأخير من القرن العشرين وهم يحاولون إيجاد إجابة حول السبل التي على إدارتهم إتباعها لتبديل صورة الولايات المتحدة «المكروهة» بالنسبة للعديد من الشعوب وخاصة الإسلامية والعربية. وسائل خداع وتمويه قامت الولايات المتحدةالأمريكية بتأسيس إذاعة أوروبا الحرة في عام 1950، وإذاعة الحرية في عام 1951 ووجهت بثها إلى شرق أوروبا، ووجهت بثها إلى الاتحاد السوفييتي، وأنشئت هاتين الشبكتان لمناهضة الحكومات الاشتراكية ودعم معارضيها. وفي عام 1976 تم دمج تلك الشبكات الإذاعية لتكوين هيئة إذاعة جديدة. كان لهذه الهيئة إدارة للأخبار في واشنطن وكانت وكما تم الكشف عنه لاحقا تحت الإدارة الفعلية للمخابرات المركزية. غير أن تأثير هذه المحطات كان محدودا في تلك الأزمنة. قبل سنوات من حرب احتلال العراق وبعد سنوات من إخراج القوات العراقية من الكويت، قدمت معاهد أبحاث أمريكية عدة تقارير إلى الإدارة الأمريكية عن ضرورة توجيه زخم الغضب العربي الإسلامي من السياسة الأمريكية خاصة تجاه الفلسطينيين والعراق «أفغانستان لم تتقدم إلى الواجهة إلا بعد سبتمبر 2001»، إلى أطراف أخرى. الفكرة التي انتصرت ضمن مجموعة هذه الدراسات كانت تقوم على أساس منطق «العيب فينا وليس في الولايات المتحدة». وبكلمات أوضح مالت آلة الدعاية الأمريكية الضخمة سواء عبر وسائلها المباشرة أو عبر أطراف ثالثة إلى تحويل سيل الغضب من أمريكا إلى السياسة العربية والحكام. لم يكن من الصعب العثور على نقاط ضعف وأخطاء كثيرة، وهكذا تدريجيا ومع نهاية العقد الأخير من القرن العشرين وبدء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وجد المشاهد والقارئ العربي والمسلم أن اللوم والعيب والخطأ بل والخيانة يشأن مآسي فلسطين والعراق ثم أفغانستان وغيرهما كثير، يتحمله الداخل السياسي وليس الولايات المتحدة ونظامها العالمي الجديد. بإرادتها أو بدونه عملت أجهزة إعلام ضخمة على تكريس هذا النهج، وذلك بعد أن نجحت في استقطاب تعاطف وتأييد الجماهير بخطاباتها القومية والإسلامية. انطلقت قناة الجزيرة الأصلية في عام 1996 بمبلغ 150 مليون دولار منحة من أمير قطر. تزامن إنشاء الجزيرة تقريبا مع إغلاق القسم العربي لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية في أبريل 1996، فانضم للجزيرة العديد من العاملين في المحطة البريطانية. هدفت الجزيرة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول عام 2001 من خلال الإعلانات، ولكنها فشلت. فوافق الأمير القطري على الاستمرار في تقديم الدعم سنويا 30 مليون دولار في عام 2004، وفقا لارنو دي بورشغراف. كانت الجزيرة من ضمن من حول غالبية الزخم العربي المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة نحو الداخل، وأصبح من السهل بكل بساطة على أي مشاهد أن يدرك أن الخصم القديم أي الولايات المتحدة قد اختفى وحل محله خصم جديد. أدوات الدعاية المباشرة في 14 فبراير 2004 جسدت قناة الحرة، طموح إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لكسب الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي، وتحسين صورة الولايات المتحدة المهتزة. وقد اقترحت إدارة بوش في مشروع موازنة السنة المالية 2006 تخصيص 758 مليون دولار لما تصفه ببرامج الدبلوماسية العامة. إضافة إلى 652 مليون دولار لتمويل الكيانات الإعلامية الممولة أمريكيا كالحرة وإذاعة سوا وصوت أمريكا وغيرها. في بداية سنة 2005 ذكر المدافعون عن الحرة أنها تحقق خرقا مهما في العالمين العربي والإسلامي عبر إضافاتها إلى تعددية المشاهد المقدمة. وقال نورمان باتيز، رئيس مجلس محافظي لجنة الشرق الأوسط التي تشرف على الحرة ليونايتد برس انترناشونال : لقد نجحنا بكل المقاييس. إننا في موقع أكثر تقدما من الذي توقعنا أن نكون فيه في هذا الوقت. وأضاف: من غير المرجح أن نحتل الصدارة في الخيار التلفزيوني سريعا، ولكننا في موقع جيد. وذكر العربي شويخة، المحاضر في معهد الصحافة والدراسات الإعلامية في تونس، أن تلفزيون الحرة يساهم في تعزيز التعددية الإعلامية ويساهم في تعددية الرأي. كما زعمت دراسة أمريكية أن الحرة حققت خرقا في مصر والأردن والكويت ولبنان والمغرب والسعودية والإمارات العربية المتحدة. وأفاد 71 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع أن تغطية الحرة الإخبارية هي إما موثوق بها جدا أو موثوق بها نسبيا. وأفادت الدراسة أيضا أن مشاهدي الحرة من الذين تتجاوز أعمارهم 15 سنة في الدول المذكورة هم 29 في المائة في الأردن، 33 في المائة في الكويت، 12 في المائة في مصر، 20 في المائة في لبنان، 22 في المائة في المغرب و24 في المائة في السعودية. في الربع الأخير من سنة 2005 ذهب بعض أنصار الحرة وسوا أبعد من التقرير السابق الذكر حيث أكدوا أنه وبناء على تقديرات في صفوف خبراء الإعلام الأمريكيين فإنه يمكن أن تصبح المحطتان خلال سنتين ومع توفير الإعتمادات الضرورية الأكثر استقطابا للمشاهدين والمستمعين عربيا، وأضافوا أن النجاح في الوصول الى هذا الهدف سيترك أثاره السياسية وسيفرض الأمر نفسه على السياسيين والإعلاميين في الوطن العربي. وقد ذهب دبلوماسي أمريكي سابق عمل في المغرب ثم العراق بعد 2003 ثم اليمن إلى القول أن المحطتين ستكتسحان الساحة وأنه يجب من الآن التفكير في صحافة مكتوبة توزع عربيا وإسلاميا تمول كالحرة وسوا من الميزانية الأمريكية. التطور الطبيعي على مدى التاريخ كانت الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل الدول والمجتمعات محكومة بحتمية الانتقال من مرحلة إلى أخرى وذلك طبقا لنظريات التطور والتحول التي تحكم الجنس البشري. كتاب التاريخ كانوا في أغلب الأحيان هم من يحكمون على نجاعة أو فشل هذه التحولات في تحقيق أهداف الذين يقودون عملية التطور والانتقال والتغيير، أو من حيث تمكنها من خلق مجتمعات أفضل أولا بالنسبة لمواطنيها ثم بعد ذلك لجوارها الإقليمي. كذلك على مدى التاريخ وخاصة منذ أن تشعبت وتعقدت تركيبات المجتمعات والدول وقامت الإمبراطوريات وتزايدت الصراعات بينها، تولدت عملية تداخل التأثير على حركة التطور من خارج محيطها. هذا التدخل الخارجي كانت له جوانبه السلبية أحيانا والإيجابية أحيانا أخرى. التأثير السلبي حسب حكم التاريخ كان أخطر خاصة عندما تعلق الأمر بتدخل القوى الأجنبية ذات الأطماع الاستعمارية والتوسعية لتوجيه عملية التطور الطبيعية في مجتمع ما أو دولة في الاتجاه الذي يخدم هذه القوى الطامعة. الولايات المتحدة وأجهزتها والراكدين خلفها استغلوا حركة التطور الطبيعية لإثارة الفتنة والإنقسام والفوضى والتحريض على العنف لخلق ردة الفعل المضادة وما يتبعها. في علم التحكم في الجماهير يعرف التحريض بأنه الحث علي القيام بعمل معين أو الحث علي الامتناع عن عمل معين وله عدة صور. والتحريض كما يراه الزعيم السوفييتي لينين هو استخدام نصف الحقيقة والشعارات لتحريك الجماهير الذين يعتقد أنهم غير قادرين على فهم الحقائق المعقدة. أما الدعاية السياسية فهي استخدام البراهين التاريخية والعلمية لإقناع الأقلية المثقفة. وما نراه نحن هنا في علاقة التحريض بالدعاية السياسية هو أن التحريض يكون ضمنيا داخل بوتقة الدعاية السياسية التي تقوم علي الإقناع والتأثير على الجماهير بكافة الصور. نجاح الدعاية متوقف علي مرونتها ومدي تحركها مع التطورات الحاصلة. وتعدد وسائل الاتصال عامل حاسم في نجاح الدعاية، كما أن تكرار الدعاية يكرس نجاحها. التقسيم بينما كانت الأحداث تتفاعل في مصر دعا عدد من أقباط المهجر إلى حكم ذاتي للمسيحيين في مصر ليكون نواة لدولة قبطية في غضون أعوام قلائل على غرار انفصال جنوب السودان عن شماله، وقال رموز من أقباط الولايات المتحدة أن الدولة الجديدة تشكلت من خلال هيئة تأسيسية من مائة قبطي من داخل وخارج مصر وطالب هؤلاء بالحصول على ربع المناصب السيادية في مصر وإطلاق حرية بناء الكنائس بلا حدود وتشكيل محاكم للأقباط، تمهيدا لحكم ذاتي. وقام قرابة ثلاثمائة شخص من المقيمين في الولايات المتحدة وكندا بإعلان أول دولة قبطية تكون قاعدتها المؤقتة في أمريكا على خلفية مظاهرة نددوا خلالها بما أسموه الوضع المأساوي للمسيحيين المصريين. وسائل الإعلام الغربية تحدثت كذلك عن مطالب وتطلعات بدو سيناء لإقامة دولتهم المنفصلة. في وقت متقارب تجددت الدعايات في وسائل إعلام محسوبة على أمريكا، عما سمته قضية الشيعة في شرق السعودية وكيف يتوقون للخلاص من حكم الرياض، وتم التركيز على دعوات نمر باقر النمر أحد الذين يوصفون بزعماء شرق السعودية الذي يطالب بالانفصال، وأنصاره في البحرين الذين يدعون إلى إقامة البحرين الكبرى لتشمل شرق السعودية. موازاة مع ذلك وجهت كلينتون حديثا للشباب المصري في ختام حوار أجرى على الشبكة العنكبوتية قائلة: «أنا فخورة جدا بالشباب المصري، لقد صنع نموذجا حضاريا للاحتجاج السلمي، وعدم استخدام العنف»، وشبهت ما حدث في مصر، بالنضال السلمي للأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية بزعامة «مارتن لوثر كينغ» للحصول على حقوقهم، وما فعله أيضا غاندي في الهند. وعبرت عن اعتزازها وتقديرها، لما حدث في مصر، قائلة للشباب:» بلدكم يحتاجكم.. بلدكم يحتاجكم أكثر من أي وقت مضى، وسوف نقف بجانبكم، نريد أن نكون شركائكم، لقد الهمتمونا، ونحن نثق فيكم، والولايات المتحدة مستعدة للمساعدة بأي طريقة تكون ملائمة». عاصمة حركات الإنفصال في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أشارت دراسة ألمانية إلى غالبية مراكز الحركات الإنفصالية في المنطقة العربية توجد في الولايات المتحدة وتتمتع بوضعية قانونية وتحصل على دعم مالي من مصادر متعددة منها ما يمكن تعريفة بمؤسسات شبه رسمية متخفية وراء ما يسمى المنظمات غير الحكومية. يحذر مراقبون أوروبيون من أن التورط الأمريكي في ركوب حركات التطور في المنطقة العربية وخارجها لتحقيق أهداف واشنطن ينذر بعواقب عالمية وخيمة. فيوم الخميس 24 فبراير حذر رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحفي في بروكسل مع رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروز، الغرب من أي محاولات للتدخل في ثورات العالم العربي، وأضاف «يجب أن تمنحوا الناس فرصة ليحددوا مصائرهم ومستقبلهم بأنفسهم»، «امنحوهم فرصة لتحديد مصائرهم بأنفسهم من خلال الوسائل الطبيعية ودون أي نوع من التدخل الخارجي». يعتقد محللون غربيون أن نجاح الولايات المتحدة عبر شبكاتها المتعددة في ركوب قطار التحول في المنطقة العربية قد شجعها على التمدد بتجربتها بعيدا إلى الشرق إلى القوة العالمية التي تنافسها على المركز الأول أي الصين. فمنذ أسابيع وبإعتراف رسمي من الخارجية الأمريكية يتم بث عشرات الملايين من الرسائل يوميا للصينيين للثورة على حكومتهم. النداء الجديد عبر الانترنت وضع في الأسبوع الأخير من فبراير 2011 على موقع بوكسون كوم الموجود في خارج الصين، يدعو الصينيين إلى التجمع كل يوم أحد في ثلاث عشرة مدينة لمطالبة الحكومة بمزيد من الشفافية وحرية التعبير. العدالة المزيفة يتساءل البعض لماذا وسط ثورات ومظاهرات المنطقة العربية تغفل أمريكا وأبواقها ثورات بلاد الرافدين حيث يقتل العشرات، وأين كانت واشنطن عندما قتلت إسرائيل أكثر من 1400 مدني فلسطيني في غزة خلال عملية الرصاص المصبوب سنة 2008، وأين كانت عدالة البيت الأبيض عندما دمر الجيش الإسرائيلي نصف النظم المدنية الأساسية في لبنان وقتل أكثر من 1600 مدني لبناني. وأخيرا وليس أخيرا كيف تبرر إدارة أوباما أنها قامت يوم الجمعة 18 أكتوبر بإستخدام حق النقض «الفيتو» لمجرد منع مجلس الأمن من إدانة الاستيطان الإسرائيلي. كتب محلل عراقي «أزح عن الخطاب الغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان طابعه الأيديولوجي، فلن تجد خلف الستار إلا دبابة. ومن خلف الدبابة يد تنهب، واخرى تدمر، وثالثة ترفع معدلات التصعيد ضد الإسلام بوصفه دين عنف، ورابعة تفتك بالأبرياء، وخامسة تعذب وتغتصب، وسادسة تقترح مشاريع تسلح، وسابعة تخلق توترات إقليمية. حتى لكأن ال»أم سبعة وسبعين» الغربية لا تريد أن تترك شيئا لا تأكله. ولكن، ليس من دون أن تبيع «أخلاقيات» مزدوجة أيضا، لا تكتفي بتقديم الغرب كراعي كوني للديمقراطية وحقوق الإنسان، بل تجعل من الأمر ديانة نفاق، فوق «كليانية»، يجب قبولها كرمز وشفرة لقبول ما تحتها». في وسط حقول القمح حيث تنبت عشرات الملايين من السنابل المثمرة نجد كذلك مئات الآلاف من نباتات الأعشاب الضارة بما يحيط بها، هذه الأعشاب لو نبتت منفردة في مكان آخر كان من الممكن أن تكون مفيدة لمسار حياة آخر. بشكل معاكس تتعامل الولايات المتحدة وحلفاءها في نطاق تقويضها للحقائق مع كل حركة إصلاح وتطور خاصة عندما تخرج عن مسارها المنطقي وتتحول إلى حركة تدمير وإثارة للفتنة والتفرقة والتخريب مما يسهل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير، أي تقسيم المنطقة العربية الواقعة بين مياه الخليج العربي وسواحل أفريقيا الشمالية على المحيط الأطلسي إلى 54 أو 56 كيانا متنازعا. يقول عراقي ثار على الاحتلال، الآن، لو توجه الأمريكيون إلى مكافحة الإرهاب الحقيقي وبناء الديمقراطية، فإنهم سيجدون أنفسهم مضطرين إلى كسر بيضة أطماع الهيمنة والنهب التي تبرر لهم ما يرتكبوه من الجرائم والانتهاكات. ولو واصلوا الأعمال الوحشية التي يقومون بها والتي لا يعرفون غيرها في الحقيقة، فإنهم يخلقون بأنفسهم الظروف التي ستهزم قواتهم. وستظل المقاومة تتصاعد هنا وهناك، وتتحرك من مكان إلى آخر، وتحل مناضلين جددا محل الذين تخسرهم، إلى أن تنكسر بيضة الاحتلال. وفي الواقع، فما أن تنكسر بيضة، حتى تنكسر الأخرى. لسبب بسيط: هو أن البدايات الخاطئة لا يمكنها ان توصل الى نهايات صحيحة. أما نحن فنقول: باطل كل ما بني على باطل. وهو، إن عاجلا أم آجلا، سينهار.