يعيد إصدار المجلس الأعلى للحسابات لتقريره السنوي الخاص بسنة 2011 طرح إشكالية حرص هذه المؤسسة الدستورية على عدم تعميم افتحاصاتها وحصر كل عملها واختصار كل وظيفتها في مجالات معينة وعلى مؤسسات وجماعات محددة. لنعيد طرح السؤال المتكرر والمتجدد... ما المانع الذي يحول دون أن تطال مراقبة المجلس الأعلى للحسابات إدارات ومؤسسات أخرى؟ ودعنا نزيد في التفصيل والتدقيق في هذا السؤال المحرج لنقول بالوضوح اللازم هل يعتبر تقصير المجلس الأعلى للحسابات في عمله وحرص مسؤوليه على استثناء مؤسسات معينة يحدث من قبيل الصدفة أم أن هناك معطيات لا يعلمها إلا الله ومسؤولو المجلس الأعلى للحسابات؟ رغم التقدير الذي نكنه للأستاذ ادريس جطو فإننا نقول إن توضيحه لهذه النقطة خلال مناقشة ميزانية المجلس بالبرلمان لم يكن يشفي الغليل، وإن كان الرأي العام قد سجل تصريحه الواضح الذي قال فيه، إنه لا توجد هناك أية مؤسسة مستثناة من مراقبة المجلس الأعلى، وهذا الرأي العام ينتظر منه إعمال هذا المبدأ خلال الفترة التي تحمل فيها المسؤولية والتي تبدأ من سنة 2013 طبعا. أمثلة كثيرة يمكن أن نسردها عن المؤسسات والإدارات العمومية التي تحظى بامتياز الاستثناء من مراقبة المجلس الدستوري، من قبيل العمالات والولايات التابعة لوزارة الداخلية، وأكاد أجازف بالقول إن جميع الإدارات التابعة لهذه الوزارة لا يقدر ولا يستطيع، بل ولا يجرؤ - قضاة المجلس الأعلى للحسابات وقضاة المجالس الجهوية للحسابات أن يتجرأوا ويطرقوا أبوابها، وإذا ما ذكرنا بحجم الأموال العمومية التي تتكفل الإدارات والمؤسسات التابعة لهذه الوزارة وبالصناديق الخصوصية التي تشرف عليها فإننا ندرك أهمية عمل المجلس الأعلى للحسابات، وهناك أيضا المؤسسات العمومية الاستراتيجية، ودعنا نستدل بالمكتب الشريف للفوسفاط وصندوق الإيداع والتدبير والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وإدارة الدفاع الوطني وغير هذا كثير. يؤسفنا أن نستنتج بأن المجلس الأعلى للحسابات يستأسد على الصغار ويدفن رأسه في الرمال كما يفعل الطائر الذي تصعب عليه عملية الطيران حينما يتعلق الأمر بالكبار. ونحرص على أن نذكر بأن السيولة الكبيرة من المال العام لا يمكن أن توجد في جماعة قروية لا تجد ما تسدد به أجور موظفيها رأس كل شهر، بل هي توجد بالملايير التي يصعب على كثير من المغاربة النطق بها في مؤسسات عمومية لا تطالها المراقبة ونحن هنا لا نتهم أحدا ولكن نتساءل عن دور المجلس الأعلى للمحاسبة. مجرد تساؤل... والفاهم يفهم طبعا.