المغرب والولايات المتحدة يعززان تعاونهما العسكري    وزارة الانتقال الطاقي تنسق مع "شركة أخنوش" بشأن الزيادة في سعر "البوطا"    نفاذ تذاكر حفل أم كلثوم قبل شهر من انطلاق مهرجان "موازين"    الأمثال العامية بتطوان... (604)    سويسرا تصفع البوليساريو وتنفي وجود تمثيلية رسمية للجبهة بمكتب الأمم المتحدة    الشامي: الفقيه بنحمزة ساند بالتصويت توصية المجلس لتجريم تزويج القاصرات    التقدم والاشتراكية يستعجل تجاوز اختلالات "دعم الفقراء" ويقترح "تقنين" تمويل الحماية الاجتماعية    المغرب ورومانيا تحتفلان بعلاقاتهما الدبلوماسية بإصدار خاص لطابعين بريديين    مدّعي عام المحكمة الجنائية الدولية الذي يريد إلقاء القبض على نتانياهو: "تلقيت تهديدات أثناء التحقيق ضد مسؤولين إسرائيليين.."    الأميرة للا حسناء تعلن تدشين حديقة الحبول    محتجزون لدى عصابات بميانمار.. فقدان الاتصال ب4 مغاربة والعائلات تناشد بوريطة    "She Industriel".. برنامج جديد لدعم ريادة الأعمال النسائية في قطاع الصناعة    من تبريز.. بدء مراسيم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه وسط حشود ضخمة    فضيحة الإخراج التلفزي لمباراة الزمالك وبركان تدفع ال"كاف" للاعتماد على مخرج إسباني في نهائي الأهلي والترجي    يامال يتفوق على الخنوس بخصوص جائزة أفضل لاعب شاب في الدوريات الأوروبية    ارتفاع المداخيل الضريبية ب12,3 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2024    الذهب يقترب من ذروة قياسية وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي    21 قتيلا و2808 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    رئيس مجلس المستشارين يجري مباحثات مع رئيس المجلس الوطني السويسري    انعقاد مجلس للحكومة بعد غد الخميس    محاكمة أمير ألماني وعسكريين سابقين بتهمة التخطيط لانقلاب    وزارة الإقتصاد والمالية… فائض في الميزانية بقيمة 6,1 مليار درهم    عملية مرحبا 2024 : اجتماع بطنجة للجنة المغربية – الإسبانية المشتركة    إدانة نائب رئيس جماعة تطوان بالحبس النافذ        ارتفاع ب 18 بالمائة في أبريل الماضي بمطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء    "مايكروسوفت" تستعين بالذكاء الاصطناعي في أجهزة الكومبيوتر الشخصية    الرباط: افتتاح الموقع الأثري لشالة أمام الزوار    والدة كليان مبابي تخرج عن صمتها بخصوص مستقبل إبنها    نجم ريال مدريد يعلن اعتزاله اللعب نهائيا بعد كأس أوروبا 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    الاتحاك الإفريقي يدين الأحداث التي أعقبت لقاء نهضة بركان والزمالك    الحكومة تتوقع استيراد 600 ألف رأس من الأغنام الموجهة لعيد الأضحى    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير تحطم الرقم القياسي في عدد الزوار قبل اختتامها    إميل حبيبي    مسرحية "أدجون" تختتم ملتقى أمزيان للمسرح الأمازيغي بالناظور    تصفيات المونديال: المنتخب المغربي النسوي يواجه زامبيا في الدور الأخير المؤهل للنهائيات    في مسيرة احتجاجية.. مناهضو التطبيع يستنكرون إدانة الناشط مصطفى دكار ويطالبون بسراحه    مساء اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: أكنسوس المؤرخ والعالم الموسوعي    صدور كتاب "ندوات أسرى يكتبون"    هاشم بسطاوي: مرضت نفسيا بسبب غيابي عن البوز!!    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بلاغ صحافي: احتفاء الإيسيسكو برواية "طيف سبيبة" للأديبة المغربية لطيفة لبصير    رئاسة النظام السوري تعلن إصابة زوجة بشار الأسد بمرض خطير    نقاد وباحثون وإعلاميون يناقشون حصيلة النشر والكتاب بالمغرب    49 هزة أرضية تضرب جنوب إيطاليا    صلاح يلمّح إلى بقائه مع ليفربول "سنقاتل بكل قوّتنا"    رغم خسارة لقب الكونفدرالية.. نهضة بركان يحصل على مكافأة مالية    تفاصيل التصريحات السرية بين عبدالمجيد تبون وعمدة مرسيليا    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    الأمثال العامية بتطوان... (603)    تحقيق يتهم سلطات بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوث أودت بنحو 3000 شخص    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    لماذا النسيان مفيد؟    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعمة الهداية
نشر في العلم يوم 28 - 11 - 2008

حزن المسلمون حزنا بالغا لما نزل قول الله تعالى: (قل إن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء...). فلما نزل قوله تعالى في نهاية سورة البقرة : (لايكلف الله نفسا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) استبشروا وفرحوا فرحا كبيرا. وهذا من بركات خواتيم البقرة. فالله تعالى لا يحمّْل الإنسان ما لايطيقه من التكاليف.
والشرائع التي أنزلها على رسله وخاصة الشريعة الخاتمة ملائمة تمام الملاءمة للفطرة الإنسانية، دالة على طريق سعادة الأفراد والجماعات، مطبوعة باليسر، متسمة بالرفق، شعارها الرحمة والتراحم، وعنوانها تحصيل مصالح الإنسان ودرء المفاسد عنه.
بل إن هذه القاعدة غير محصورة في الوجود الإنساني، وإنما تشمل الكون والبيئة والمخلوقات كلها. إنها شريعة من أجل الحياة والصلاح، والبناء والإسعاد العام الشامل.
وفي بحبوحة هذه السعة يكون حساب الإنسان على أعماله، فإن كسب خيرا نال الثواب، وإن اكتسب إثما نال العقاب، ويتوب الله على من تاب.
تم التفات الأسلوب القرآني مرة أخرى من الغيبة الى الخطاب، إذ يفسح من جديد لهؤلاء المؤمنين المجال للدعاء وللتعبير عن الرجاء، وذلك قوله سبحانه: (ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولاتحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولاتحملنا ما لاطاقة لنا به. واعف عنا واغفر لنا وارحمنا.
أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) [سورة البقرة الآية 285].
هكذا كان دعاء الرعيل الأول من المؤمنين الصادقين: دعاء فيه اعتراف بالخطأ، والنسيان، والعجز، والضعف البشري، وفيه طلب للرحمة الإلهية والتيسير والرفق والرأفة؛ وفيه إلحاح صادق، والله يحب العبد الملحاح تأمل تكرار كلمة «ربنا» بكل أدب وافتقار.
ومن الواضح أن أكثر هذا الدعاء طلبٌ للمغفرة والعفو والرحمة (ومن يغفر الذنوب إلا الله؟!).
أجل! فالله هو العفو الغفور، وهو الرحمان الرحيم.
بمثل هذا الافتقار والانكسار والصدق ينبغي أن يكون دعاء المؤمن. وبمثل هذا الاضطرار لله والتعظيم لجنابه الأقدس، يجب أن تنطلق الألسنة بالسؤال.
اضطرار من العبد، ورحمة من الرب سبحانه.
افتقار من المخلوق الفقير، وتفضل من الخالق الغني عز وجل.
انكسار من الإنسان الضعيف المحتاج، وجبر ورأفة من الرحمان الرّؤوف الرحيم. إنه تعلق العبودية بالربوبية، وصلة المخلوقية بالخالقية، وهو سر الدعاء ومجلى العطاء.
قال المرحوم الشيخ متولي الشعراوي: «ولأن أحدا لن يتم كل الطاعة، ولنا هفوات جاء قوله الحق: «غفرانك ربنا وإليك المصير». فالغاية والنهاية كلها عائدة إليك، وأنت الإله الحق، لذلك فنحن العباد نطلب منك المغفرة حتى نلقاك، ونحن آمنون على أن رحمتك سبقت غضبك» [تفسير الشعراوي ص 1255]
وقال الله تعالى في سورة آل عمران: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات. فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب. ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة. إنك أنت الوهاب. ربنا إنك جامع الناس ليوم لاريب فيه. إن الله لايخلف الميعاد) [سورة آل عمران الآيتان 7 9].
أخبر الله نبيه في مستهل الآية الأولى بإنزال الكتاب عليه (أي القرآن الكريم)، وبأن هذا الكتاب الحكيم يتألف من نوعين من الآيات:
النوع الأول: الآيات المحكمة التي لا اختلاف في فهمها.
النوع الثاني: الآيات المتشابهة التي يجب فهمها في ضوء الآيات المحكمة.
وأخبره كذلك بأن الناس ينقسمون الى قسمين من حيث طبيعة تلقي القرآن الكريم والتعامل معه. إذ يتبع مرضى القلوب (أي الذين مرضت قلوبهم بمرض الشك والارتياب والنفاق والفسوق) آياته المتشابهة، ويتركون الآيات المحكمة. وقصدهم من ذلك إثارة الفتن والتشويش على عقائد المسلمين، والتلبيس عليهم، بحمل هذه الآيات على مقتضى شهواتهم وأهوائهم وبدعهم.
كما بين الله سبحانه أن التأويل الصحيح لهذه الآيات المتشابهة لايعلمه الا هو، وأن الراسخين في العلم الذين بلغوا درجة عالية من التمكن في العلوم الشرعية والعلوم العقلية يؤمنون بالآيات المتشابهة من القرآن كما يؤمنون بالآيات المحكمة. لأن المتشابه والمحكم معاتنزيل من الله العزيز الحكيم، فوجب التسليم لنوعي التنزيل، والإيقان بكل آي الذكر الحكيم، دون تمحل تأويلات باطلة، ولا اتباع أهواء النفس المهلكة، والبدع المنحرفة، بل إن الراسخين في العلم يتبعون ما بينه الرسول صلى الله عليك وسلم: فهم يفسرون القرآن بالقرآن أول، ثم بالحديث الصحيح ثانيا، ثم بآثار الصحابة الكرام ثالثا. وهذا هو التفسير بالمأثور. ولايخرجون عن حدود العقائد الإسلامية الثابتة القطعية، ولا عن مقاصد القرآن الواضحة، ولا يحكمون عقولهم في ما وراء طور العقل، بل يؤمنون به، ويتبعون في تفسيره الحديث الصحيح والأثر الثابت، وبذلك يتلافون ما وقع فيه أولئك المفتونون الفتانون، من تأويلات خاطئة أدت الى صراعات وفرقة تتنافى مع مقاصد الإسلام التوحيدية.
نخلص بعد هذا الى موضوع الدعاء في الآية الثانية حيث ذكر الله تعالى دعاء هؤلاء العقلاء الراسخين في العلم إذ وصفهم بأولي الألباب: (وما يذكر إلا أولو الألباب).
فذكر دعاءهم الناطق بروح الافتقار، والمعبر عن صحة التعلق بالله، وخلاصته طلب التثبيت لقلوبهم فلا يزيغها الله بعد إذ هداها، وطلب الرحمة منه لأنه هو الوهاب، ثم شهادة من هؤلاء العقلاء بأن الله يجمع الناس لامحالة ليوم القيامة الذي هو يوم الجمع، وبأن وعده لايخلف .
إن إيمان هذه الزمرة الطيبة العاقلة التي تحلت بجواهر العلم، وتزينت بأنوار اليقين، وأدركت قيمة نعمة الهداية، ومقدار جلاء عين البصيرة ورؤية الحقائق على ماهي عليه، وتمييز الحق من الباطل، هو ما جعلها تلح في الدعاء، وتحرص على انزال حاجتها وفقرها برحاب الله، ليتفضل سبحانه عليها بتثبيت قلوبها، وحفظها من الزيغ، ويهبها من رحمته ما يحفظ لها استقامتها الظاهرة والباطنة علما منها أن الوهاب هو الله وأن استجابته لدعائها كفيلة بأن تحقق لها النجاة يوم الجمع الذي لاريب فيه.
إن إدراك هذه الزمرة المؤمنة لقيمة الهداية الإلهية، واعتبارها بما آل إليه أمر أولئك الذين في قلوبهم زيغ (أي انحراف عن جادة الصواب في العقائد وغيرها) هو ما جعلها تحرص كل هذا الحرص على طلب الثبات القلبي من الله، وتلح في الدعاء سائلة المولى عز وجل الرحمة التي هي سبيل النجاة.
وفي الآية اعتراف بالنعمة الإلهية وقدرها الجليل، فنعمة الهداية لايعرف قدرها الا المهتدون. كما فيها إقرار وشهادة بالجود الإلهي، وثناء على الخالق سبحانه، بجميل صفاته، فهو الوهاب. ولذلك جاء نظم هذه الآية شاملا لهذه المعاني السامية: (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة. إنك أنت الوهاب)
وبقدر ما دلت بداية هذه الآيات على إلحاح هؤلاء العقلاء العلماء في الدعاء، فيما يخص أمورا هي بمثابة الرأس من الجسد (التثبيت القلبي والرحمة الإلهية)، عبر تمامها عن افتقارهم واضطرارهم العظيمين.
وكأن ما قالوه بعد الدعاء المباشر هو نوع من التعليل والتفسير لإلحاحهم. حيث إن يوم القيامة يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهو يوم الفاقة الكبرى، والحاجة العظمى، وهوله وشدائده يشيب لها الولدان. ولذلك فإن طلب الثبات والرحمة من الله في دار العمل هو ديدن العاقل قبل الانتقال إلى دار الجزاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.