مع انتهاء شهر رمضان وحلول فصل الصيف، تبدأ الأسر المغربية بالتفكير في قضاء العطلة الصيفية في السفر والتجوال، للترويح عن النفس وتغيير الجو، بعيدا عن روتين العمل ومتاعبه، فتتعدد الاختيارات وتختلف من أسرة لأخرى حسب الدخل المادي وكذا الوجهات المفضلة. فمنهم من يقتصر على مدن المغرب والاستمتاع بطبيعته المتنوعة، ومنهم من يختار السفر خارجه من خلال الاستعانة بوكالات الأسفار التي تقدم عروضا مغرية بتنظيمها لأسفار منظمة أو بالحجز المسبق، بينما يفضل آخرون البقاء في البيت والاكتفاء بزيارة العائلة والأحباب. للوقوف على ذلك التقت "العلم" مجموعة من الأسر المغربية للتقرب أكثر من اختياراتهم وماذا يفضلون. مدن المغرب تغنينا عن الخارج يقول السيد عمر موظف ثلاثيني، إن أفراد أسرته يفضلون قضاء عطلة الصيف في المغرب، ففي كل سنة يتوجهون إلى شماله حيث تمثل جهاته المختلفة وجهة سياحية بامتياز "صراحة أولادي يفضلون مدن الشمال، وأقوم باكتراء شقة في عمارة تطل على البحر حتى يتمكنوا من الذهاب إليه كل صباح، فمدن الشمال جميلة جدا لأنها توفر للزائر ما يريده سواء من حيث شواطؤها المتعددة، أو مركباتها السياحية". وعلى عكس كثير من الناس الذين يفضلون قضاء عطلتهم في المدن الساحلية، تجد عائلة العماري القاطنة بمدينة الرباط متعتها، في التوجه إلى المدن الجبلية، حيث يرى رب الأسرة أن مدن الأطلس تتميز بالهدوء وبرودة الجو، "وجهتي المفضلة هي الأطلس حيث تنحدر أسرتي من هناك، وطبيعة عملي دفعتني إلى العيش هنا بالرباط، وأنتظر العطلة الصيفية بلهفة كبيرة حيث أذهب رفقة زوجتي وابني إلى مدينة إفران لأتمتع بهدوء المدينة وجوها البارد، بعيدا عن صخب المدينة، فأقيم بإحدى فنادقها المطلة على جبال الأرز وأقوم خلال هذه الفترة بممارسة هواياتي المفضلة وهي تسلق الجبال وكذا القنص، "وأضاف ضاحكا "للي بغا يتبرد ما عليه غي يسافر لإفران" وكالات الأسفار تقدم عروضا مغرية ونحن نمر من قرب إحدى وكالات الأسفار المتواجدة بحي أكدال، التقينا السيدة سارة وهي مهندسة وأم لطفلة، تقوم كل سنة بزيارة دولة معينة، فالعام الماضي اختار زوجها أن يسافرا إلى اسبانيا، بينما هذه السنة وقع اختيارها على تركيا "لقد سمعنا عنها الكثير عبر المسلسلات التركية التي كانت تعكس لنا جانبا من الحياة هناك، ونظرا لما تحتويه من طبيعة جغرافية متنوعة، بالإضافة إلى أبنيتها التاريخية التي تعكس تاريخ العثمانيين اخترت السفر إلى هناك حتى أغير الجو وحتى أتعرف على حضارة جديدة ". نفس المنحى مضت فيه هاجر وهي ممرضة التقيناها في نفس المكان، اختارت رفقة مجموعة من صديقاتها أن تسافر عن طريق وكالات الأسفار التي تقدم عروضا للأسفار المنظمة، حيث حدثتنا متبسمة "هذه السنة فضلت أن أسافر رفقة صديقاتي عن طريق الخدمة التي تقدمها وكالات الأسفار، لأنها أكثر أمانا بالنسبة لنا كفتيات، فيكفي أن تدفع مقدارا من المال وتتكلف الوكالة بالحجز، بدءا من مصاريف الطائرة وصولا إلى الإقامة، وأنا سعيدة جدا بهذا الاختيار، رغم ثقل مصاريفه ". وإذا كان البعض قد اختار أن يقضي عطلته الصيفية في السفر والاستجمام، فإن البعض الأخر يضطر للبقاء في البيت، والاقتصار على الزيارات العائلية، نظرا لعدم توفر الامكانيات المادية التي تخول لهم السفر أو لكون العمل طيلة السنة لا يسمح لهم بذلك، يقول حسن متنهدا " أشتغل بأحد المصانع كحارس أمن خاص طوال السنة حتى في فصل الصيف ما عدا عطلة نهاية الأسبوع، وهذا الأخير لا يكفي للسفر لذلك أفضل أن أقضيه في البيت رفقة عائلتي الصغيرة، فأعمل على تعويضهم بالخروج كل ليلة هنا بشوارع الرباط لكي لا يحسوا بالفرق". سعادة أبنائي أولا... أول من ينتظر حلول العطلة الصيفية هم الأطفال، حيث تغمرهم سعادة كبيرة، هذا ما يراه محمد رجل في الأربعينيات من عمره "رغم المصاريف الكثيرة التي يحتاجها السفر بدءا من وسائل النقل وصولا إلى ثمن الكراء الذي يشهد في هذه الفترة ارتفاعا كبيرا، لكن الحمد لله أستطيع أن أدبر أموري، فسعادة أبنائي لا تقدر بثمن". زيارة عائلتي لي هي الأهم ترى فاطمة الزهراء سيدة خمسينية، أن الشيء الأهم بالنسبة لها هو قيام عائلتها بزيارتها، التي تغنيها عن السفر "شنو غايدي بنادم من هاد الدنيا من غير صلة الرحم، أما السفر فوقما سافرتي راك غتعاود تولي لدارك اللهم تبقا فيها ويجيو لعندك العائلة وتجمع معاهم وتخلي ديك الرحمة تنزل، ومن هاد شي كامل السفر فيه غي ضياع الفلوس". لا أعرف معنى للعطلة الصيفية... وبحزن بادي على محياه قابلنا أحمد عامل نظافة، الذي صرح لنا بأنه لا يعرف معنى للعطلة الصيفية، "لأن دخلي المادي لا يسمح لي بالسفر، أضطر للجلوس بالبيت فالسفر يتطلب الكثير من المصاريف، ولأنني أعيل أسرتي التي تتكون من زوجتي وأولادي الأربعة بالإضافة إلى والدي، وعوض أن أضيع المال في السفر، أحاول أن أوفره نظرا لمصاريف العيش الكثيرة التي تثقل الكاهل، ورغم أن ذلك صعب على أبنائي لكن ليس بيد حيلة". أثر السفر على الفرد وتعليقا على الموضوع أكد الأستاذ الباحث في علم النفس الاجتماعي المصطفى السعليتي، أن السفر اليوم يمكن ربطه بمجموعة من التحولات التي عرفها المجتمع، سواء على المستوى النفسي أو الثقافي أو الاجتماعي، بالإضافة إلى تغير العقليات ونمط عيش المغاربة. معتبرا في تصريح ل"العلم" أن السفر "يرتبط بالتوتر الناتج عن الضغوطات التي يمكن ان يعاني منها الفرد في المجتمع طوال السنة، وهذا ما يدفعه إلى التفكير في ذلك من أجل التخلص منها." وبالتالي فللسفر وظائف متعددة من بينها "الوظيفة السيكولوجية التي تتمثل في تمكين الانسان من التخلص من التعب والقلق والجو الروتيني، والشعور بالسعادة والوظيفة العاطفية، حيث يمكن للفرد أن يعيش جوا عاطفيا إيجابيا مع زوجته وأولاده، ثم الوظيفة الثقافية التي تتجلى في تغيير المحيط والاستعداد لتجديد العلاقة مع الحياة وتفريغ جميع المكبوتات التي عانى منها الفرد طيلة السنة". وحول نفسية الأفراد الذين لا يسافرون في هذه الفترة، نظرا لعدم توفر الامكانيات المادية اللازمة أو لاعتبارات أخرى، أكد نفس الباحث، أن ذلك يخلق الشعور بالحرمان والإحباط والاكتئاب خاصة لدى الأطفال، حيث يقارنون أنفسهم مع الآخرين مما يؤثر على سيكولوجيتهم. كما يخلق احساسا بالذنب لدى الآباء لأنهم لم يستطيعوا أن يسعدوا أبناءهم فتتفاقم المشاكل الأسرية والسلوكات العدوانية، وفي بعض الأحيان تصل إلى العنف العائلي لأن الاسرة لا تستطيع أن تتكيف مع الوضع الذي فرضته الظروف المادية أو غياب ثقافة السفر عند العائلة. ليختم في الأخير أن اليوم أصبحت سعادة الأسرة مشروطة بالسفر وكذلك مشروطة بانفتاح الاباء على ذلك بتلبية رغبات الأسرة ككل. حسب السعليتي دائما. مهما تباينت وجهات المغاربة، فالغالبية العظمى منهم تحاول جاهدة السفر خلال فترة الصيف للترويح عن النفس وشحنها بطاقة جديدة بعد سنة كاملة من العمل والجهد، رغم بعض المعيقات التي تتمثل بالأساس في المشاكل المادية التي تعاني منها بعض الأسر، لكن في المقابل، يبقى السفر متنفسا لابد منه لما له من آثار ايجابية على الأفراد والجماعات داخل أي مجتمع.