استبشرت الجالية الإسلامية بفرنسا بحلول شهر رمضان حيث الأجواء الرمضانية بباريس هي الأقرب إلى أجواء الشهر المبارك السائدة في البلدان العربية مقارنة بأي عاصمة أوربية أو غربية أخرى. ومرد هذا التميز الكثافة السكانية المغاربية والإفريقية في بعض الضواحي والأحياء، والتي مكنت الجالية الإسلامية من فرض مظاهر حياتها، اجتماعيا وثقافيا ودينيا، على نمط الحياة العامة السائدة في البلد المضيف. والمتجول في أحياء غاريبالدي وباربيص وكريمي وسان دوني وغيرها من الأحياء والضواحي الباريسية ذات الكثافة الإسلامية لا يشعر، مع حلول رمضان، بأنه في بلد أوربي يأوي بعض المهاجرين المسلمين، بل يحسب أنه في قلب الدارالبيضاء أو وهران أو غيرهما من المدن العربية.. فغالبية المحلات التجارية تعود ملكيتها إلى مهاجرين من أصول مغاربية، وقد ازدان الكثير منها بمظاهر استقبال شهر رمضان الكريم، بعد أن أضفت لمسة رمضانية على واجهاتها التجارية من خلال أنواع الحلويات المعروضة كالغريبة والبقلاوة والمقاروط والفقاص والكعبة والمخارق، وكذا والعجائن والفطائر بمختلف أنواعها، والثمور والمواد الغذائية من الألبان والأجبان إلى الخضر والفواكه والتوابل. وإدراكا منها بأن رمضان هو شهر التبذير بامتياز بالنسبة المسلمين الذين يشكلون أكبر جالية في باريس وضواحيها (حوالي مليوني مسلم)، شرعت المحلات التجارية الكبرى وأسواق السوبر ماركت في تقديم وجبات مسائية خاصة، كما وضعت لافتات باللغة العربية والفرنسية تقول للزبناء «رمضان كريم». ومنذ العشرية الأخيرة، تحولت الأسواق الرمضانية مع تزايد الحاجيات الاستهلاكية للجيلين الثاني والثالث من المسلمين الذين ولدوا في فرنسا ويفخرون بجذورهم وهويتهم الدينية، إلى تجارة جد مربحة يقدر حجمها بحوالي أربعة ملايير أورو، وهي تنمو بنسبة 15 بالمئة سنويا. كما أوحى شهر رمضان لسلسلة مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية /ماكدونالدز/ التي تدرك جيدا أن رمضان هو شهر التبذير بامتياز بالنسبة المسلمين الذين يشكلون أكبر جالية في باريس وضواحيها (حوالي مليوني مسلم)، بتقديم وجبات مسائية خاصة. ولجأت المحلات التجارية الكبرى وأسواق السوبر ماركت هي الأخرى إلى تخزين عشرات الأنواع من المواد الغذائية، من منتوجات الحليب إلى اللحوم والدواجن الحلال التي تحترم ضوابط الشريعة الإسلامية. ويتميز رمضان الباريسي بتكاثر الزيارات العائلية بين أبناء الجالية المغربية وتزايد ارتيادهم للمساجد للتزود بجرعة إيمانية إضافية تساعدهم على تأصيل هويتهم الإسلامية في بلاد الغربة. وتشرع الأسر بدءا من منتصف شعبان في تحضير المستلزمات الرمضانية اعتمادا على السلع الاستهلاكية المخصصة لشهر رمضان والمستوردة في معظمها من البلدان الأصلية. ويقول محسن( 43 سنة) صانع حلويات ل»العلم»: «إن رمضان هو شهر الرواج بامتياز وشهر الحلويات أيضا، وخاصة الغريبة والكعبة والبقلاوة التونسية، وهي الأنواع التي تلقى إقبالا أكثر لما تتميز به من نكهة خاصة وفوائد غذائية بفضل موادها المتنوعة وأبرزها اللوز». وإلى جانبه تبدو الحاجة زهور، مغربية من منطقة تادلة منهمكة في دعك العجائن لتحولها إلى فطائر مختلفة كالملوي والبطبوط والرزيزة والمحاجب بمختلف أشكالها. وتقول عن تجربتها :»إنه عمل شاق ومتعب خاصة في جانبه المتعلق بإعداد المورقات والبسطيلات وما تتطلبه من حشوات مختلفة». وعن الرواج الذي يشهده محله التجاري في شهر رمضان، يكشف خالد المكي أن طاقمه المتكون من 15 من صناع وصانعات الحلوى والعجائن، لم يعد كافيا لتلبية حاجيات الزبائن المسلمين بعد أن انضاف إليهم هذه السنة، بشكل ملفت، الزبائن الفرنسيون الذين تجتذبهم الفطائر المغربية على الخصوص وبعض الحلويات وعلى رأسها البقلاوة التونسية، ويستهويهم أيضا احتساء الشاي بالنعناع والتهام المسمّن والحرشة وغير ذلك من الفطائر المغربية. ويتجلى الإقبال الكبير على الأسواق والمحلات التجارية في ما تقدمه موائد الإفطار من وجبات عامرة بما لذ وطاب من ففطائر ولحوم وخضر وحليوات من كل صنف. ويبدي كثير من الفرنسيين إعجابهم بصيام المسلمين في شهر رمضان، حيث يرى فريق منهم أنه يمثل «قدرة عجيبة على الامتناع عن تناول الطعام طيلة اليوم»، فيما يرى فريق آخر أنه يمثل «فرصة ذهبية للنحافة». ومن المؤكد أن الفريق الثاني على غير علم تماما بثقافة البطن السائدة في رمضان. وفي سياق متصل، أولت الصحف الفرنسية اهتماما خاصا لشهر رمضان وللطقوس السائدة في هذا الشهر الذي قالت إنه يحظى بقيمة خاصة بين جميع شرائح المسلمين حتى الذين لا يبدون اكتراثا بممارسة الفروض الدينية الأخرى، إذ بمجرد أن يحل رمضان يحرصون على صيامه. وعزت ذلك إلى أن رمضان له تأثير نفسي كبير في الوسط العائلي المسلم وخاصة أمام مشكلة الهوية التي يعاني منها الجيل الثاني والثالث من المهاجرين. ولأنه شهر عبادة وتخشع ورحمة قبل كل شيء، يشهد رمضان تدفق حشود كثيرة من المؤمنين على المساجد البالغ عددها حوالي ألفين ما بين مساجد وقاعات للصلاة التي يتواجد العديد منها في أقبية العمارات ولا تتوفر فيها الشروط الضرورية والصحية لدور العبادة. ويترقب المسلمون وعود المسئولين الفرنسيين ببناء المزيد من المساجد لتوفير شروط العبادة اللازمة وإخراجهم مما أسماه ب»المستودعات» غير اللائقة بثاني ديانة في فرنسا. ورمضان هو أيضا ما توفره لياليه من فسحة ترفيهية من خلال الأمسيات الفنية والثقافية المقامة بمختلف أرجاء باريس وكذا المطاعم التي أصبح لكل واحد منها مطربه وجمهوره الخاص.