لماذا يعتبر الشراء بالجُملة "أوفر" مادياً و"أفضل" بيئياً؟    طقس حار في العديد من مناطق المملكة اليوم الأربعاء    الرجاء يتلقى ضربة موجعة قبل موقعة مولودية وجدة    الكونغرس الأميركي يقر مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية    افتتاح فعاليات الدورة ال12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    كيف ذاب جليد التطبيع بين إسرائيل والمغرب؟    23 قتيلا و2726 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    حكم يدين إدريس لشكر بسب صحافيين    السر وراء رسو ناقلات النفط الروسي قبالة سواحل المغرب    وزير خارجية إسبانيا: قنصليتنا في القدس أقدم من إسرائيل    لجنة الاستثمارات تصادق على 27 مشروعا بقيمة 7.7 مليار درهم    الكرة الذهبية 2024 .. الفائز من ريال مدريد وهؤلاء هم المرشحون    المنتخب الأولمبي يتعادل وديا مع نظيره البلجيكي    عيد الأضحى.. ترقيم 5.8 مليون رأس من الأغنام والماعز    مجلس المستشارين يصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة    عملية "مرحبا 2024" تنطلق غدا الأربعاء    ميناء طنجة المتوسط الرابع عالميا وفقا للمؤشر العالمي لأداء موانئ الحاويات    القضاء يغرم لشكر في قضية "السب والقذف" بحق صحافيين    8255 تلميذا يستعدون لاجتياز البكالوريا بالعيون.. والأكاديمية تسخر 2063 عنصرا لإنجاح المحطة    آيت منا يعلن ترشحه رسميا لرئاسة نادي الوداد الرياضي    يستكشف تأثير "الإهمال والصراع" على العلاقة الزوجية.. "واحة المياه المتجمدة" في القاعات السينمائية    "أونسا" يكشف نتائج التحقيق في أسباب نفوق أغنام ببرشيد    الصراع الحدودي والتكامل التنموي بين المغرب والجزائر الحلقة الاولى    لأسباب غامضة.. المنتخب الوطني يفقد نجمين بارزين    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    فاجعة علال التازي .. عدد ضحايا "الماحيا المسمومة" يقفز إلى 15 وفاة    صديقي يتوقع بلوغ 7,8 ملايين رأس من الماشية في عرض عيد الأضحى    قرار عاملي بمنع السباحة في الشواطئ في هذا التوقيت    برنامج التحضير لعيد الأضحى على طاولة الحكومة    مبيعات الفوسفاط ومشتقاته تقفز إلى أزيد من 25 مليار درهم خلال 4 أشهر    "دعم الزلزال" يغطي أزيد من 63 ألف أسرة والحكومة ترخص لبناء 51 ألف منزل    الجرار يستنكر حملة التشهير ضد ليلى بنعلي    الحكومة صرفت 2.3 مليار درهم لفائدة ضحايا زلزال الحوز على شكل دفعات بهدف إعادة بناء المنازل أو دعم شهري    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    بوريطة يبرز الرؤية الملكية للتعاون الإفريقي والشراكة متعددة الأطراف في مكافحة الإرهاب    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    بنطلحة يبرز ل"الأيام 24″ دور الدبلوماسية المغربية في نصرة القضية الفلسطينية    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    صفرو تحتفي بالذكرى المئوية لمهرجان حب الملوك    كأس العرش لكرة القدم داخل القاعة.. فريقا شباب علم طنجة وصقر أكادير يتأهلان إلى النهائي    محكمة إسبانية تستدعي زوجة سانشيز    الفنان نورالدين بدري يطلق أغنية «haute gamme » بطريقة شعبية    أميمة بن الزوين تطلق «ها الغدر بدا» وتحتفي بالموروث المغربي الأصيل    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    المندوبية السامية للتخطيط…نمو الطلب الداخلي بنسبة 3,3 في المئة سنة 2023    ندوة دولية بالرباط تقارب ذاكرة جزر القمر    "كاف" تعلن موعد ونظام مسابقتي دوري أبطال إفريقيا والكونفدرالية لموسم 2024/ 2025    التباس مفهوم العدالة وتحولاتها التاريخية    غواية النساء بين البارابول ومطاردة الشوارع    زوما ‬و ‬رامافوزا ‬يتسببان ‬في ‬نكسة ‬انتخابية ‬قاسية ‬لحزب ‬نيلسون ‬مانديلا‮    دراسة: القطط بوابة خلفية لانتقال أنفلونزا الطيور إلى البشر    تصريحات صادمة لفاوتشي بشأن إجراءات التباعد وقت كورونا تثير جدلا    طواف المغرب للدراجات : الفرنسي جيرار داميان يفوز بالمرحلة الرابعة ومواطنه بول كونيي يحافظ على القميص الأصفر    الأمثال العامية بتطوان... (615)    "بوحمرون" يستمر في حصد الأرواح نواحي تنغير.. والحصيلة ترتفع إلى 7 وفيات    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ستار داعش لتبرير حرب الناتو الثانية على ليبيا: مدخل لمخططات التقسيم ونشر الفوضى الخلاقة.. بقلم // عمر نجيب
نشر في العلم يوم 23 - 02 - 2016

يوم الجمعة 19 فبراير 2016 اعلنت الولايات المتحدة عن قيام طائراتها في الساعات الأولي من ذلك اليوم بتوجيه ضربة جوية على الأراضي الليبية استهدفت معقلا لتنظيم "داعش" في منطقة القصر بمدينة صبراتة 70 كم غرب العاصمة طرابلس. وقال بيتر كوك المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، إن مقاتلي تنظيم "داعش" في ليبيا الذين استهدفتهم الغارة الأمريكية شكلوا تهديدا على الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
وأضاف كوك في بيان صحافي، نقلته وكالة "رويترز" "أوضحنا أننا بحاجة إلى مواجهة داعش". ذكر أن طائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار شاركت في الهجوم، ورفض تحديد نوع الطائرات، مشيرا إلى أن منشأة التدريب كانت في منطقة ريفية وبجوارها بعض المباني، وأضاف أن الولايات المتحدة تعتقد أن هناك معسكرات تدريب مماثلة أخرى في ليبيا.
وذكر كوك: "عندما نرى فرصا أو حاجة للقيام بمثل هذا العمل سنكون على استعداد لذلك"، وتابع كوك: "شكلوا تهديدا مباشرا على الولايات المتحدة وشجعوا على هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائنا وسوف نواصل مواجهتهم لحماية أمننا القومي".
وذكر كوك أن الهجوم تم بموجب تفويض باستخدام القوة العسكرية يعود لعام 2001. وسعى الرئيس باراك أوباما إلى تفويض جديد يشمل تحديدا قتال تنظيم "داعش".
وقال كوك إن الولايات المتحدة لديها السلطة القانونية لتنفيذ الضربات لكن تفويضا جديدا سيكون "مفيدا" ومؤشرا على تقديم الدعم للقوات الأمريكية. وشكر كوك بريطانيا على تقديم قواعدها الجوية في قبرص لشن الهجوم لكنه رفض تحديد نوعية القوات التي استخدمتها الولايات المتحدة كما لم يتحدث عن استخدام واشنطن لقواعدها في إيطاليا، وذكر كوك إن نحو 60 مقاتلا جرى تدريبهم في المنشأة وأضاف أن "عددا كبيرا" من المقاتلين كان بالموقع وقت الهجوم ومن بينهم القيادي التونسي نور الدين شوشان.
وأفاد كوك ان القائد الميداني المستهدف مع غيره من الجهاديين كان يخطط لهجمات ضد الولايات المتحدة ومصالح غربية اخرى. واوضح "قمنا بهذه الخطوة ضد نور الدين شوشان ومعسكر التدريب بعد تحديد انه مع مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في هذه المنشآت كانوا يخططون لهجمات خارجية ضد الولايات المتحدة ومصالح غربية اخرى في المنطقة".
واعتبر ان "تدمير المعسكر والقضاء على شوشان يعني التخلص من شخص لديه خبرة في التنسيق ويتوقع ان يكون لذلك تاثير على قدرات داعش على تنسيق انشطته في ليبيا بما في ذلك تجنيد عناصر وبناء قواعد في ليبيا والتخطيط المحتمل لهجمات خارجية على المصالح الامريكية في المنطقة.
وارتبطت المنشأة "المنزل الذي قصف" بنور الدين شوشان وهو تونسي تعتبره بلاده مسؤولا عن هجومين وقعا عام 2015 على متحف بالعاصمة تونس ومنتجع ساحلي في سوسة قتل فيهما عشرات السياح.
وكانت وزارة الداخلية التونسية قد نشرت في شهر مايو 2015 معلومات عن شوشان وصورة له، واشارت الى انه مولود في السابع من يناير 1980 في منطقة أولاد حفوز في ولاية سيدي بوزيد "وسط تونس".
المجلس البلدي في صبراتة أصدر بيانا أعلن فيه أن القصف استهدف منزلا وسط حي سكني في منطقة قصر العلالقة على بعد 8 كلم عن وسط غرب صبراتة، وتسبب في عشرات القتلى والجرحى، استنادا إلى مصدر أمني، أكد أن المنزل مستأجر من قبل أشخاص من جنسيات غير ليبية ضمنهم تونسيين يعتقد أنهم ينتمون لتنظيم "داعش".
كما أوضح المصدر أن المنزل كان يحوي أسلحة متوسطة كالرشاشات وقواذف من نوع "أر بي جي" وأسلحة أخرى وجدت تحت ركام المنزل، في حين اوضح عميد بلدية صبراتة حسين الدوادي ومصدر طبي من مستشفى صبراتة التعليمي لفرانس برس ان "حصيلة الغارة بلغت 49 قتيلا. هناك 43 جثة كاملة، وست جثث غير مكتملة"، وأشارا الى ان بين القتلى امراتين على الاقل، وان هناك ايضا خمسة جرحى حالة بعضهم خطيرة. وذكر الداودي ان غالبية القتلى "تونسيون وقد دخلوا الى ليبيا اتين من تونس "منذ شهر او حتى اقل من ذلك"، مشيرا الى ان بينهم شخصا اردنيا ايضا.
مراسل وكالة فرانس برس في المكان ذكر أنه شهد ركاما وبطانيات وفرش نوم وثلاث سيارات محترقة، ولافتة معدنية متوسطة الحجم كتب عليها "تنظيم الدولة الاسلامية" وعبارة "كتاب يهدي وسيف ينتصر".
الملاحظون أشاروا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها غارة أمريكية مدينة صبراتة الخاضعة لسيطرة تحالف "فجر ليبيا" الذي تهيمن عليه حركة الإخوان والذي يعلن أنه يقاتل تنظيم الدولة الاسلامية ويقاتل ايضا قوات السلطات المعترف بها دوليا والموجودة في شرق البلاد.
وكانت الطائرات الامريكية قد استهدفت مسؤولا في تنظيم "داعش" في ليبيا يدعى ابو نبيل العراقي في نوفمبر 2015 ما تسبب بقتله، والقيادي الجهادي الجزائري مختار بلمختار المرتبط بتنظيم القاعدة في يونيو 2015 والذي نفت جماعته مقتله.
ويقدر البنتاغون بخمسة الاف عدد مقاتلي تنظيم "داعش" في هذا البلد الذي تعمه الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 نتيجة التدخل العسكري لحلف الناتو تحت غطاء حماية المدنيين.
احتجاج الحكومة الليبية
بعد ساعات من الغارة الأمريكية ويوم السبت 20 فبراير أدانت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا الغارة الامريكية، مشيرة إلى أنها لم تتم بالتنسيق معها، ولهذا فهي تشكل "انتهاكا صارخا" لسيادة ليبيا. وأكدت الحكومة التي تتخذ من مدينة البيضاء في شرق ليبيا مقرا لها ان الخطوة الامريكية جاءت "دون اي تنسيق او مشورة" معها، معتبرة ان "اي تدخلات على غرار ما حدث يعتبر انتهاكا صريحا وصارخا لسيادة الدولة الليبية والمواثيق الدولية". يشار إلى أن ناطقين أمريكيين أشاروا أنه تم إبلاغ طرف ليبي بالغارة دون أن يحدده ولكن مراقبين رأوا أن الطرف كان حكومة طرابلس.
ويقول مراقبون أنه كان يفترض إن واشنطن على الأقل انتظار إقرار البرلمان الشرعي لحكومة الوفاق لتقرر لاحقا شكل المواجهة مع التنظيمات الجهادية المنتشرة في ليبيا وما إذا كان ذلك يستدعي فعلا حربا دولية على الإرهاب أم دعما للجيش الليبي ليتصدى لهذه المهمة وهو الذي لا ينقصه غير السماح له بتسليح نفسه لإثبات انه قادر على معالجة معضلة الإرهاب الذي يستفيد من الفوضى وغياب سلطة الدولة في اكثر من جهة ليبية.
وفي ليبيا سلطتان تتنازعان على الحكم منذ اكثر من عام ونصف، واحدة شرعية منبثقة عن آخر إنتخابات تستقر في طبرق والأخرى انقلابية وترفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وتسيطر على الغرب وخاصة العاصمة طرابلس.
وتسيطر القوات الموالية للحكومة الشرقية على غالبية المدن الواقعة في شرق ليبيا، في حين تخضع المدن الواقعة في غرب البلاد، وبينها صبراتة والعاصمة طرابلس، لسيطرة تحالف جماعات مسلحة انقلابية تحت مسمى "فجر ليبيا" منذ اكثر من عام ونصف عام.
سياسيون في ليبيا وتونس حذروا من قيام الولايات المتحدة بإتباع نفس المناورات التي نفذتها في العراق وسوريا لخلق أوضاع تساعدها على تطبيق مخططاتها. وأشار هؤلاء إلى أن أبعد من ذلك وأكثر خطورة ما جاء على لسان مراسل شؤون الأمن القومي الأمريكي سبنسر آكرمان، الذي أكد أن وزارة الدفاع الأمريكية "تدرس حاليا جدوى وتبعات عملية عسكرية في ليبيا وأن واشنطن تقوم بالبحث عن حلفاء بين الفصائل الليبية المسلحة لتعمل معها"، تنفيذا لما وصفه مسؤول بارز في البنتاغون ب"العمل الحاسم في ليبيا"، ضمن "الخيارات المتاحة".
الواقع أن ذريعة التدخل جاهزة منذ فترة، والذريعة هي المخاوف من أن يكون بعبعهم الذي نما وشب وتنفذ عقب تدخلاتهم وإفشالهم الممنهج للدول، أضحى يسيطر على الشريط الساحلي الطويل حول مدينة سرت، بالكامل و"يعد" كما يروي النائب السابق لرئيس وكالة المخابرات الأمريكية مايكل موريل، لنقل زعيمه أبو بكر البغدادي وجمع من قياداته من سوريا إلى شمال أفريقيا على مرأى ومسمع من جيوش أجهزة استخبارات أكثر من دولة تملك أفضل أجهزة الرصد والتنصت تطورا، وأسطول طائرات الاستطلاع، التي تسمع دبيب النمل، مما يعزز مقاربة توظيف هذه الجماعات في حروب الوكالة والمناولة إلى حين تحقيق الأهداف الكبرى، حتى لا نتحدث عن تخطيط مدبر وتنسيق وتواطؤ.
وكما قال المعلق نبيل نايلي الباحث في الفكر الإستراتيجي بجامعة باريس: حتى"عنقاء هذه الحكومة الوطنية" التي يمنون بها الليبيين، برعاية أمم هي ذاتها متضاربة الأجندات، لا يهمهم أن تكون هذه الحكومة قادرة على ممارسة مهامها التنفيذية على الأرض، بقدر أن تكون الأداة السياسية التي ستسوغ وتشرعن عودة الغزاة وتدخلهم في ليبيا، من أجل وضع اليد على مقدرات هذا البلد و نهب ثرواته وتوزيع غنائمه بين الدول الغازية، تماما كما حدث بعد هزيمة ايطاليا ودول المحور عام 1945، وراء دخان تعمية "التدخل الإنساني" وفرية مكافحة الإرهاب الكثيف تصاحبه صرخات الفزع من سيطرة مقاتلي التنظيم، على الهلال النفطي الليبي، ونتائج ال 18 شهرا من "حملة التحالف الستيني" على تنظيم داعش الذي يتمدد، تغني عن كل تعليق.
إذا كان تدخل الغزاة "الإنساني جدا"، لسنة 2011، الذي بشر حينها عرابوها ومسوغوه ومتوسلوه ب"ليبيا جديدة" وب"سويسرا المغرب العربي"، تماما كما صدعوا آذاننا بالأمس بأكذوبة "العراق الجديد" فإذا هو "عراق الخراب" على حد وصف الغارديان البريطانية، ليطلقوا من جديد اسطوانة الوعود الزائفة المشروخة، عن "سوريا جديدة" و"العربي الجديد" في استبطان لما فعله المستوطنون البيض بسكان "العالم الجديد" الأصليين بذلك الذي سموه "هنديا جديدا" ثم أبادوا أممه عن بكرة أبيهم ليطلقوا أسماءها على أكثر أسلحتهم فتكا.
إذا كان التدخل الأول قد دمر ليبيا ومؤسساتها بالكامل وشظى نسيجها الإجتماعي، وحولها الى الدولة الفاشلة بامتياز، حيث بات يسود أمراء الحرب وتعم الفوضى وحيث يراق يوميا دم إخوتنا الليبيين جزافا وتبدد ثرواتهم ومقدراتهم، فما الذي سيخلفه هذا التدخل الذي "تقرع طبوله ولا يسمعها إلا من به صمم".
كيف سيكون وضع ليبيا بعد تدخل الغزاة الجديد، أليس ذلك استعدادا لنقل أدوات حروب الوكالة إلى ساحات جديدة هي الآن في عين العاصفة، ليستكمل بعبع الإرهاب المعولم والمخلق عند أجهزة استخباراتهم، الناقة المأمورة والدبابة التي عبدت لهم طريق عودة المستعمرين في ثوب رجال إطفاء، متبعا بيانات ورسوم أطلس الموارد والثروات، من أفغانستان حتى ليبيا بانتظار "الجائزة الكبرى".
ويضيف الباحث في الفكر الإستراتيجي بجامعة باريس في بحثه:
أما آن للإخوة الأعداء في ليبيا، وهم يقفون في منعطف تاريخي، يكاد يعصف بما تبقى من كيان "الدولة" أن يوقفوا حرب الدمار الذاتي التي انخرطوا فيها، وأن يلملموا جراح ليبيا وأن يعيدوا ترتيب بيتهم الداخلي بأنفسهم، دون وصاية أجنبية. الآن وقد اكتووا من لهيب الاستجارة بمن اكتفى بتأمين حماية ما جاء من أجله من ثروات، وإدارة الصراع لا حله، ليتركهم ينزفون ويلعقون جراحهم؟. ألم يأخذوا حصتهم من دمهم وحولوا ليبيا إلى حمام دم تحت رايات التوحيد؟ ألا انتهيتم قبل أن يجرفكم الطوفان؟.
وجيران ليبيا، الذين سيكتوون كما إخوتنا الليبيين بلهيب التدخل العسكري المرتقب، أما آن لهم أن يستشعروا خطورة ما يعد لليبيا تمهيدا لما يطبخ لهم لاحقا؟. أم سيكون بعضهم بفعل قيود هذه الأحلاف العسكرية واتفاقيات القسمة الضيزى الأمنية والاستخباراتية، التي يوقعونها كرها وابتزازا جزءا من الطبخة التي تعد؟ هل سيزج بجيوش "الربيع" في حروب الوكالة وحروب الإمبراطورية المستدامة، مع ما سيعنيه ذلك من مضاعفات مستقبلية غير مضمونة حين تعطى الأوامر لأدوات الحرب وحطبها بتغيير ساحاتها؟.
إلى متى سنظل البيادق التي يضحى بها على ساحة رقعة شطرنج لعبة الأمم الكبرى، تساق إلى حتفها شاخصة صاغرة؟.
تجاهل القانون الدولي
في نفس الوقت الذي أدانت فيه حكومة ليبيا العملية الأمريكية أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا جاء فيه: "ندعو الولايات المتحدة، وغيرها من دول الناتو إلى التعامل بمسؤولية ودقة مع مسألة اختيار الأهداف، مثلما تقوم بذلك القوات الجوية الفضائية الروسية في سوريا". وأشار البيان إلى أنه "ليست المرة الأولى، تؤدي ضربات طيران الناتو إلى مقتل أشخاص أبرياء. بلا شك، على الولايات المتحدة وحلفائها، أن تسترشد بالقانون الدولي أثناء القيام بعمليات من هذا القبيل، وعدم القيام بخطوات أحادية الجانب، بل التنسيق مع جميع الأطراف المعنية من أعضاء المجتمع الدولي".
المحللون اختلفوا في تحديد أبعاد الغارة الأمريكية، البعض قدر أنها تمهيد لتدخل عسكري أمريكي غربي وخاصة فرنسي بريطاني أوسع من شأنه ترجيح كفة سلطات طرابلس، في حين قدر آخرون أن إدارة واشنطن الحالية ومع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية في نوفمبر 2016 لا ترغب في التورط في حرب برية ستشق الشارع الأمريكي، وهي تملك مخططات أخرى لا تمس ليبيا وحدها بل ربما كل الشمال الأفريقي الذي لم تمسه ما يسمى بحركة التحول في المشرق العربي.
السفير الامريكي السابق في العراق كريستوفر هيل الذي يدرس حاليا في جامعة دنفر صرح "لا أرى أي رغبة لدى الولايات المتحدة في العودة الى ليبيا بصورة دائمة" مشيرا الى ان الراي العام غير مؤيد لذلك في مطلق الاحوال، بعد حملة قصف مستمرة منذ 18 شهرا لم تنجح في طرد الجهاديين من سوريا والعراق.
وقال "سنشهد عمليات القصف الجوي هذه بين الحين والاخر حين تسنح الفرصة، لكنني لا اظن ان ذلك يؤشر الى اي تعهد بعيد الأمد في ليبيا مستقبلا".
ومن المحتمل ان تترافق عمليات القصف مع بعض المهمات الموضعية المحدودة تنفذها فرق كومندوس امريكية بالتعاون مع شركاء محليين.
وفي ديسمبر 2015 اقر البنتاغون بان مجموعة من عناصر القوات الخاصة الامريكية ارسلت الى ليبيا من اجل "تطوير العلاقات" مع القوات الوطنية الليبية، طردت فور وصولها.
وعلق رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الجمهوري ديفين نانز "نامل ان تشكل عمليات القصف الأخيرة بداية التزام جديد من ادارة اوباما بوضع ليبيا في صلب استراتيجية شاملة لهزم الحركة الجهادية الدولية".
مدير برامج الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون الترمان يرى ان شن عمليات قصف في ليبيا لا يشكل تغييرا جوهريا في الاستراتيجية العسكرية اذ يبقى المطلوب توجيه رسالة الى الجهاديين مفادها انه "لا يمكنهم الفوز" باي شكل من الاشكال.
ويعتبر الخبير ان على الولايات المتحدة ان تركز جهودها من اجل التوصل الى حل دبلوماسي للازمة العميقة التي تواجهها ليبيا والتي تشكل تربة خصبة لترسخ الجهاديين. وفي حال لم يتحقق ذلك حذر أن واشنطن "ستكون لها في نهاية المطاف استراتيجية عسكرية بدل مجهود دبلوماسي فعال لأن المجهود الدبلوماسي يبدو في غاية الصعوبة بينما المجهود العسكري اسهل نسبيا".
واوضح الترمان ان "الخطر المتزايد هو ان تشكل عمليات القصف ذريعة لعدم تطبيق السياسات القوية الضرورية".
يشار إلى أنه منذ تقدم القوات السورية على مختلف الجبهات في بلاد الشام ضد ما يسمى بالتنظيمات الجهادية بفضل الدعم الجوي الروسي الذي بدأ في 30 سبتمبر 2015 زاد عدد مقاتلي التنظيمات المسلحة الذين تركوا سوريا واستقروا في ليبيا. ويقول متابعون أن ما يسمى بالجهاديين فقدوا الأمل رغم الدعم الأمريكي التركي في تحقيق تقدم في سوريا ولهذا استبدلوا ساحة القتال بليبيا.
وهناك معلومات مختلفة عن الجهات التي ساعدت عدة آلاف من تنظيم داعش على عبور المتوسط بدون مشاكل والوصول إلى السواحل الليبية. مصادر أوروبية خاصة في برلين أشارت إلى أن مقاتلي داعش المنسحبين من سوريا عبروا إلى الأراضي التركية ومن هناك نقلوا في سفن وطائرات إلى ليبيا، وأن سفن الأسطول السادس الأمريكي والبحرية البريطانية المرابطة في قبرص وشرق المتوسط راقبت بصمت عملية الترحال هذه.
تونس في قلب العاصفة
لم تكن حكومة ليبيا وحدها التي حذرت من تبعات وأخطار التدخلات الأمريكية، فيوم الخميس 4 فبراير 2016 حذر الرئيس التونسي السبسي في كلمة له أمام سفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة بتونس بقصر قرطاج من أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا دون استشارة بلاده. وقال السبسي ان "الدول الصديقة التي تفكر في تدخل عسكري بليبيا عليها ان تراعي مصالح دول الجوار". وأضاف "تبلغنا أخبار عن أن الليبيين يتهيؤون لقصف أجنبي محتمل لمكافحة داعش، أقول بكل وضوح للدول الصديقة أن لا تفكر في مصالحها فقط ولكن أيضا في مصالح الدول المجاورة وفي مقدمتها تونس".
وأوضح السبسي "أي قرار في هذا الاتجاه يجب ان يخضع الى استشارة تونس أولا لأنه قد يفيدكم ولكن قد يسيء لنا. تونس هي الدولة الأكثر تضررا من أزمة ليبيا".
وأكد أن تونس لن تغلق حدودها مع ليبيا وستستقبل جميع الوافدين مثلما حصل في 2011 عندما دخل مليون و300 ألف شخص مع اندلاع هجوم الناتو.
وقال السبسي "تونس قبلت جميع اللاجئين وهي تفتخر بذلك في الوقت الذي نشاهد فيه موقف الدول الغربية من تدفق اللاجئين وبينهم من غرق في البحر".
وبالنسبة لتونس ومصر والجزائر فالمشاركة في الحدود مع ليبيا تشكل تحديا أمنيا خطيرا بعد أن انزلقت البلاد إلى حرب بين الفصائل المتنافسة بما سمح بصعود "داعش".
وتواجه تونس ومصر أكبر خطر من الأزمة الليبية.
وعلى طول الحدود مع ليبيا أقامت السلطات التونسية جدارا عازلا بطول 200 كيلومتر. وقال مصدر أمني تونسي "المقاتلون التونسيون الذين سافروا خارج تونس خلسة يعرفون جيدا الحدود ويعرفون جيدا المسالك الحدودية.. نحن حذرون ومستعدون للتصدي لهم إذا حاولوا التسلل عبر حدودنا في حال شنت عليهم ضربات في ليبيا" ضد تنظيم داعش.
وحثت مصر المجتمع الدولي لفترة طويلة على المساعدة في محاربة المتشددين في ليبيا. لكن القاهرة بدت أيضا حذرة حيال شن تدخل عسكري غربي شامل.
وعلى مدى الثمانية عشر شهرا المنصرمة عززت مصر من تأمين الحدود والمراقبة الجوية وشنت أيضا بنفسها ضربات جوية ضد مسلحي داعش. كما اعتمدت على البدو الذين تمكنهم علاقاتهم العائلية من القيام بدور المراقبين على الحدود.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري "هذه عملية يجب أن تكون بقيادة ليبية.. أعتقد أننا جميعا ندرك أن هذه مسألة يجب أن يتعامل معها الليبيون في المقام الأول".
وأضاف "نأمل في أن الحكومة الليبية والجيش الليبي.. سيقترحان أمرا سيؤدي لاستبعاد احتمالات التدخل".
وبتاريخها الدموي من الحرب مع المسلحين الإسلاميين في التسعينات يعتبر الغرب الجزائر شريكا أساسيا في الحملة ضد داعش والمتشددين في منطقة الساحل، لكنها حريصة أيضا على الإبقاء على سياسة عدم التدخل.
وإجراءات الأمن على الحدود الجزائرية مشددة بالفعل منذ أن عبر مسلحون من ليبيا للمساعدة في هجوم عام 2013 في حقل إن أميناس للغاز وهو الهجوم الذي قتل فيه 40 من عمال النفط.
إسماعيل جوهري وهو عقيد سابق ومحاضر في مجال الأمن في جامعة الجزائر صرح "أي حرب كبيرة في ليبيا سيكون لها انعكاسات سلبية ومزيد من اللاجئين والمخاطر الأمنية.
كل المغرب العربي
جاء يوم 20 فبراير في إفتتاحية "رأي اليوم" التي يصدرها المحلل والصحفي عبد الباري عطوان:
نقلت الولايات المتحدة الامريكية حربها ضد "الدولة الاسلامية" إلى ليبيا، امريكا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا، تدرس حاليا ارسال قوات وطائرات الى ليبيا على غرار ما فعلت في اطار غارات لحلف الناتو قبل خمس سنوات، اطاحت بنظام العقيد معمر القذافي تحت غطاء حماية الشعب الليبي من مجازر كان يخطط لارتكابها في مدينة ينغازي في الشرق، تبين لاحقا انها كانت غير مؤكدة ومفبركة.
تدخل حلف الناتو عسكريا في ليبيا تم بمقتضى قرار من مجلس الامن الدولي جرى تمريره بسرعة، وتفسيره بطرق ملتوية للاطاحة بالنظام الليبي السابق تحت ذريعة توفير الحماية للشعب الليبي، ولكن القرار لم ينص صراحة على تغيير النظام، الامر الذي دفع القيادة الروسية للشعور بالخديعة والتضليل من قبل الامريكيين.
غارات حلف الناتو السابق دمرت ليبيا وحولتها الى دولة فاشلة تعمها الفوضى وتسيطر عليها الميليشيات المسلحة، الامر الذي شكل البيئة الحاضنة للجماعات الاسلامية المتشددة مثل تنظيمي "الدولة الاسلامية" و"القاعدة".
الغارات الامريكية الجديدة تأتي في محاولة لاصلاح هذا الخلل، حسب اقوال الادارة الامريكية ومحلليها، ولكن الهدف الحقيقي للغارات الحالية هو نفسه للغارات الاولى قبل خمس سنوات، اي السيطرة على احتياطات النفط الليبية التي تقدر بحوالي 40 مليار برميل، اي ان الشعب الليبي وحمايته ومصالحه ليس موضع اي اهتمام في الحالين.
لا نعرف حتى الآن كم مواطن ليبي قتل في الغارات الاولى، وهناك من يقدر العدد بأكثر من ثلاثين الفا، ومن غير المتوقع ان نعرف اعداد القتلى في الغارات الثانية، لان لا قيمة للانسان العربي المسلم وحياته، حسب المعايير الغربية، طالما ان القاتل هو امريكي او اوروبي الذي يوصف بأنه دائما على حق.
التدخل الأول للناتو حول ليبيا إلى دولة فاشلة تعمها فوضى السلاح والميليشيات، وخاضنة للاسلام الجهادي المتشدد، والتدخل الثاني قد يؤدي تحويل "المغرب الإسلامي" كله ودوله إلى الشيء نفسه، إن لم يكن اخطر.
استنساخ لعملية التمزيق
التدخل الغربي الواسع في ليبيا جزء من مخطط أوسع داخل مشروع الشرق الأوسط الجديد والهادف إلى تقسيم المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية وقبائلية، هذا المخطط يسعى لتطبيقه في العراق وسوريا وغيرهما.
كشف موقع ويكيليكس وتقارير وضعت خلال تولي هيلاري كلينتون منصب وزير الخارجية الأمريكية وعلى جهازها الخاص عن مخطط لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول والتنافس بين بريطانيا وفرنسا في ظل رئاسة ساركوزي على تنفيذ هذا التقسيم.
القصة ليست بجديدة فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ورغم الوعود التي قدمت لليبيين بالإستقلال، اتفقت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في 10 مارس 1949 على مشروع بيڤن سيفورزا الذي يقضي بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان. المشروع باء بالفشل لحصوله على عدد قليل من الأصوات المؤيدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولأن واشنطن كانت في ذلك الحين تريد الحلول مكان باريس ولندن في مناطق نفوذهما، وهكذا أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 289 عام 1949 الذي يقضي بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952.
الآن وفي ظل الفوضى السائدة على الساحة الليبية والتمزق الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط، أصبح مشروع التقسيم واعدا للقوى الإستعمارية التي تريد تمديد العدوى إلى باقي دول الشمال الأفريقي والساحل خاصة على ضوء تقدير بعض مخططيها وخاصة في البنتاغون الأمريكي على وجود الأرضية المناسبة.
الصحراء المصرية الليبية
كتب المحلل الإيطالي مانيلو دينوتشي:
منذ أن جزئت واشنطن أو هدمت بفضل الحرب المفتوحة أو السرية دولا عديدة، وضعت الدول التي اعتبرت عقبة في وجه مخطط الهيمنة العالمية، العراق ويوغوسلافيا وأفغانستان وليبيا وسوريا وأوكرانيا ودول أخرى، في المرمى. هذه الحروب، التي أسقطت ملايين الضحايا، فككت مجتمعات بأكملها، وخلقت كما هائلا من اليائسين، حيث أدى الإحباط والتمرد من جهة إلى مقاومة حقيقية، وجدت نفسها من جهة أخرى مستغلة من قبل المخابرات الأمريكية والمخابرات الأخرى لإغواء المقاتلين ب"جهاد" يخدم إستراتيجية الولايات المتحدة والناتو في الواقع.
هكذا تشكل جيش ظل سري، يتكون من جماعات إسلامية متنافسة في غالب الأحيان، استعملت لتفخيخ الدولة الليبية من الداخل عندما كان الناتو يهاجمها، وتستعمل في عملية مماثلة في سوريا والعراق وغيرهما. من هنا ولدت داعش، التي غمرت ب"مقاتلين أجانب"، من بينهم عملاء المخابرات، الذين تلقوا مليارات الدولارات والأسلحة المتطورة من دول عديدة حليفة للولايات المتحدة خصوصا.
السيناريو ذاته كشفه تقرير تم إعداده في أحد المراكز السياسية التابعة لوكالة المخابرات الأمريكية ال "سي آي إيه"، ويحمل التقرير عنوان "خطة الصحراء الليبية المصرية ويحتوي على عدد من الأقسام منها تقدمه عن تعريف ماهية الواحات المصرية حتى المثلث المشترك في الحدود مع لبيبا وتشاد وأغلب مساحات هذه الأراضي خاضع للسلطات المصرية.
ويصف التقرير هذه المنطقة الجغرافية بالكنز الطبيعي لما تحويه من مصادر طبيعية منها مخزون جوفي هائل بالمياه ورمال غنية بخام معدن اليورانيوم إضافة إلى عدد كبير من مواقع التنقيب المصرية القديمة عن الذهب إضافة إلى ثقل إستراتيجي حيث يربط هذا الإقليم بين مصر والسودان ولبيبا وتشاد ما يجعله مركزا للثقل الإستراتيجي وهي " النقطة الوحيدة التي يمكن منها السيطرة على شمال ووسط أفريقيا من مركز منفرد" طبقا لمنصوص وثيقة التعريف.
من نقطة التعريف ينتقل التقرير إلى نقطة الأهمية الإستراتيجية لهذا الإقليم حيث يقدم إقليم الصحراء الغربية المصرية كموقع سيطرة ممتاز لما يسمى بالقيادة الأمريكية في أفريقيا منوها إلى ضرورة سيطرة القيادة الأمريكية على هذا الإقليم الواقع من الحدود المصرية السودانية جنوبا حتى الظهير الصحراوي لمدن محافظات أسيوط والفيوم والمنيا على طول وادي النيل ما يضمن للولايات المتحده سيطرة ممتازة على إقليم وسط وشمال أفريقيا.
في الوقت ذاته، ادعى أن الصحراء تحوي عددا من الممرات التي عادة ما يتخذها المهربون وتجار السلاح غير الشرعي للوصول من ساحل المتوسط إلى العمق الأفريقي وهي طريق، حسب ادعاءات التقرير، لمافيا تسليح الميليشيات في أفريقيا إضافة إلى كونها ممرا لتسليح حماس، وهو ما يدعو الولايات لإحكام السيطرة على هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة، والتي يمكن أن تشكل تهديدا عالميا واسعا إذا ما تمكنت التنظيمات المتطرفة من اتخاذها ملاذا آمنا يجعلها في منأى من " النظام الدولي" ويمكنها من التحرك بسهولة بين شمال ووسط القارة السمراء.
وبعيدا عن الوصف الجغرافي، ومحاولة إظهار أهمية الموقع الإستراتيجي ل"الحدود" التي تقع بين مصر وليبيا، فإن التقرير ذاته تحدث في موضع آخر عما أطلق عليه " القاعدة في الصحراء المصرية الليبية، ورغم ما يبدو من سوء نية متعمد في التقرير إلا أنه يلفت النظر إلى عدد من النقاط المهمة ففي المقدمة التاريخية ل"فصل القاعدة" يقول إن أول تواجد لتنظيم القاعدة في الصحراء المشتركة بين مصر وليبيا تم رصده في العام 1998.
حيث رصدت المخابرات الأمريكية توافد أعداد من المجاهدين السابقين في أفغانستان إلى هذه المنطقة وتوطنهم فيها وهنا يكشف التقرير مفاجأة أن دراسة قدمها الموساد الإسرائيلي عام 1993 يقترح فيها إعادة توطين المجاهدين العرب الذين استخدموا في الحرب الأمريكية ضد الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان "المعرفون باسم العائدون من أفغانستان" في منطقة الصحراء الليبية ضمن عدد آخر من الوجهات للتمكن من استخدامهم فيما بعد.
ويستمر التقرير في الحديث عن هذه المجموعات التي تم زرعها خصيصا على الحدود المصرية حيث يرصد على نحو متواتر تزايد أعداد الأفراد المقاتلين إلى عشرات الألاف عام 2012 الأمر الذي يتعامل معه التقرير بشكل أو بآخر على أنه إيجابي.
حيث تكشف الوثائق التالية في التقرير أن الاتصالات بين هذه الخلايا التي تمت زراعتها في مناطق الصحراء الغربية المصرية الليبية والمخابرات المركزية الأمريكية لم تنقطع منذ 1998 حيث تعترف الوثائق أن خمسة معسكرات تم إنشاؤها في منطقة الصحراء المصرية الليبية ضمت عناصر العائدين من أفغانستان إضافة إلى عناصر من الطوارق وبعض القبائل المحلية.
ويشير التقرير أيضا إلى أن مجموعات كبيرة من هذه المعسكرات ساهمت بفاعلية في الحرب ضد الرئيس الليبي الراحل العقيد معمر القذافي، خاصة أنها تتمتع ب"مستوى تدريب قتالى عال" وتجيد أيضا استخدام الأسلحة الثقيلة، وهو أمر أكده اعتراف الولايات المتحدة وتحديدًا تصريحات مدير وكالة المخابرات الأمريكية الأسبق جورج تينت في الكونغرس الذي أشار إلى أن بلاده مولت عناصر من مجاهدي القاعدة في ليبيا بالسلاح واصفا إياها بالخطوة الاضطرارية.
عمر نجيب
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.