أدى الغزو الروسي لأوكرانيا، وكيفية تعامل دول الإتحاد الأوروبي وكذا الولاياتالمتحدةالأمريكية، معه إلى استغراب العديد من المتتبعين للشأن السياسي والاقتصادي والعسكري، نظرا "لكون ردة الفعل الغربية اتجاه هذا الغزو لم تكن بالمستوى المطلوب وحتى المتوقع على الأقل". ويرى متتبعون للشأن الدولي، ان غزو روسيا لأوكرنيا يأتي لتأكيد قوتها في القارة الأوروبية وكذا لمنع تمدد حلف شمال الأطلسي في القارة ليصل إلى حدودها، الأمر الذي يطرح معه التساؤل حول أثر هذه العملية العسكرية على المتحول والثابت في العلاقات الدولية في منطقة شمال افريقيا خصوصا والبعد الإفريقي عموما. في هذا السياق، قال الشرقاوي الروداني، المحلل والخبير الاستراتيجي، إن الصراع الروسي الأوكراني ستكون له عدة تداعيات على القارة الإفريقية وخاصة دول شمال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء، وذلك على عدة مستويات. بحيث أنه على المستوى الاقتصادي، فإن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من الاتحاد الأوروبي الولاياتالمتحدةالأمريكية ستصل صدمة الموجة الى مجموعة من اقتصاديات الدول الافريقية لكون دول عديدة تعتبر المورد الرئيسي للقمح الأوكراني والروسي في الآن ذاته، زيادة على أن روسيا و أوكرانيا دول تصدر مجموعة من المنتوجات الى السوق الافريقية، يضيف الاستاذ الجامعي. وأضاف الروداني في تصريح لموقع "الأيام 24″، أن العلاقات مع المحيط العلاقاتي ما بين موسكو ومجموعة من الدول الافريقية عرف مؤخرا تغيرا مهما وأصبحت روسيا تتموقع بشكل كبير في مجموعة من مناطق التأثر الاستراتيجي، "وبالتالي من المنتظر أن تحاول روسيا خلق احتكاك بين الدول الغربية في هذه المناطق على اعتبار أنها ستحاول خلق ما يسمى "التوازن الاستراتيجي " خارج منطقة أورويا الشرقية". في نفس السياق، اعتبر الروداني أن دخان هذه الحرب لن يستثني أي منطقة في العالم، لأن التداعيات السياسية ستكون كبيرة خاصة وأن مجموعة من الكيانات الانفصالية داخل القارة ستحاول استغلال موازين القوى التي انتجتها هذه الحرب من أجل فرض أمر واقع، خاصة وأن اعتراف روسيا بمنطقتين انفصاليتين من شأنه أن يرفع أسهم بورصة الانفصال التي تعرفها القارة الأفريقية على اعتبار وجود أزيد من 27 حركة انفصالية. وبالتالي يضف المتحدث ذاته، فإن الدول الافريقية خاصة منطقة الساحل والصحراء، خاصة مع انسحاب فرنسا من مالي وكذا محاولة موسكو التموقع في هذه الدول بالإضافة إلى منطقة القرن الافريقي، "سوف تؤثر على تغير موازين القوى وخصوصا صراع روسيا مع حلف شمال الأطلسي من جهة، ومن جهة أخرى صراع أمريكاروسيا سيكون له تأثير عميق، حيث ستعول روسيا بشكل كبير على التخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية بالإسراع بتطوير شبكة علاقات بينية مع مجموعة من الدول الافريقية، نظرا لكون روسيا تدخل في ضمن المجموعة الاقتصادية "البريكس" وهي البرازيلوروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا". في نفس الوقت ، يضيف الشرقاوي، أنه من غير المستبعد أن تكون روسيا في إطار تشكيل نواة سياسية داخل مؤسسة الاتحاد الافريقي. معتبرا أن المظلة الروسية موجودة على "إنشاء مجموعة الأربعة الافريقية و هي الجزائر، جنوب أفريقيا، إثيوبيا و نيجيريا، هذه الدول طورت مؤخرا علاقاتها بموسكو و وقعت على عدة اتفاقيات في المجال العسكري و الأمني". وأشار المحلل والخبير الإستراتيجي، إلى من بين تمثلات التأثير الإستراتيجي لهذا الصراع هو أهمية القارة الأفريقية بالنسبة الى المجال الجيوسياسي المحيط الهادئ والهندي والتي تعتبر القنطرة الجيواستراتيجية في العقيدة العسكرية الروسية، الصينية والامريكية، مشيرا إلى أن هذا المجال الجيوسياسي الذي يضم ما يسمى "المحيط الهندي الهادئ الموسع" والذي يشمل القارة الافريقية هو في قلب الصراعات الكبرى والتي تعتبر أوكرانيا بداية احد فصولها. وفيما يتعلق بتأثيره المباشر على دول شمال افريقيا، أبرز الروداني، أنه "من الواضح أن العصر الذي بدأ برفع الستار الحديدي انتهى الآن، وهنا "يمكن أن نتحدث عن أن غُبار الحرب الباردة على منطقة شمال افريقيا قد يعود وذلك للعدة اعتبارات، منها أن الجزائر تعتبر من الحلفاء الاستراتيجيين لروسيا ومن أهم موردي أسلحتها، كما أن قطع أنبوب الغاز الذي يمر عبر المغرب نحو الديار الأوروبية أبان، على ضوء تداعيات الصراع على المستوى الطاقي"، ثم إنه "كان ضمن توجه جيواستراتيجي تكلفت الجزائر بتنفيد جزء من الخطة". أما علاقات المغربية الجزائرية، فيضيف الاستاذ الجامعي، فستعرف تحولا مهما، نظرا لأن هناك حسم في موازين القوى، لكون روسيا تريد أن يكون لها تأثير في مناطق نفوذ لها "نقط تماس استراتيجي مع غرب اوروبا"، وهو ما يجعل الدول الأوروبية وأمام ما يقع في شرق أوروبا، لن تسمح بوجود نقط تشكل احتكاكا مع روسيا تؤثر امنيا و جيوسياسيا في منطقة جنوب البحر المتوسط وخاصة منطقة شمال افريقيا، "ومن تم فان هذا الصراع قد يجعل المنطقة أمام مجموعة من السيناريوهات و قد يكون الحسم في مجموعة من الخيارات الاستراتيجية التي قد تؤمن الجهة الجنوبية من المتوسط". وفيما يخص علاقات المغرب مع دول الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية، فأوضح الخبير الجيواسترايجي، أن " اعتراف بمغربية الصحراء من أمريكا، تبين أمام هذه الصراع أنه ضرورة استراتيجية و جيواستراتيجية من أجل فرض استقرار يجنب الجنوب الأطلسي من ويلات التدافع الذي تلعب أوراقه الجزائر"، مضيفا أنه أمام السرعة التي اصبحت تطبع متغيرات النظام الدولي، فان الغرب من مصلحته الحسم استراتيجيا في ثقافة متوسطية استراتيجية مشتركة و مستدامة امام ارهاص تشكيل عالم متوسطي قد يخلل توازنات القوى على الجغرافيا المادية خاصة تلك التي تعرف وجود نقط رمادية. أما موضوع الدولة في ليبيا، "فسيكون هناك احتكاك روسي مع الدول الغربية وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، على اعتبار ملابسات و ظروف الصراع الذي تعيشه، فالموقع الجيواستراتيجي المهم لليبيا يسيل لعاب دول عديدة خاصة أنها تحوي كميات جد مهمة من الغاز والنفط، والسيطرة على هذه الثروة تبقى جد مهمة بالنسبة للأطراف المتصارعة في اوكرانيا والتي أظهرت أن الطاقة هي عصب السيادة و المنظومة الليبرالية العالمية. وأضاف الخبير الجيواسترايجي، أن حسم المعركة في رقعة الشطرنج هذه (وهي لعبة وطنية في روسيا ويمتازون في اللعب فيها بشكل كبير)، هي من بين الاوراق التي ستحاول روسا كسبها اليوم مع الدول الغربية وتتموقع في منطقة شمال إفريقيا، مما سيخلق محاولة لاستحضار ما يقع في شرق أوروبا كمعادلة وبداية لتوجه استراتيجي جديد في شمال افريقيا قادر أن يحسم المحددات التي تريد خلق تفوق جيواستراتيجي في هذه المنطقة في علاقاته بمعادلات شرق المتوسط". في الاخير ، يضيف الروداني، أنه "وأمام تركيز الإعلام الدولي على ما يقع في شرق أورويا، ستحاول الجماعات الإرهابية التمركز من جديد داخل دول غرب إفريقيا و القرن و الوسط الافريقي وقد تلجأ إلى استراتيجية ترميم صفوفها والتموقع في الفراغات الجيوسياسية داخل القارة". وبالعودة إلى الصراع الروسي الأوكراني، فقد أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، اليوم الثلاثاء، بعد أسبوع تقريبا على بدء غزو موسكولأوكرانيا، أن الهجوم الروسي سيتواصل "حتى تحقيق كل أهدافه". وقال الوزير خلال مؤتمر صحافي نقله التلفزيون "ستواصل القوات المسلحة الروسية تنفيذ العملية العسكرية الخاصة حتى تحقيق الأهداف المرسومة لها". وأضاف أن موسكو تهدف إلى "نزع السلاح واجتثاث النازية "في أوكرانيا فضلا عن حماية روسيا "من تهديد عسكري افتعلته الدول الغربية". وفي حين ترتفع حصيلة الضحايا المدنيين في أوكرانيا، نفى الوزير أن تكون القوات الروسية تستهدف منشآت مدنية أو مساكن مؤكدا في الوقت ذاته أن القوات الأوكرانية تستخدمها دروعا للاحتماء من الهجمات الروسية. وأوضح "تنصب قاذفات صاروخية متعددة ومدافع هاون من عيار ثقيل في باحات أبنية وقرب مدارس وروضات أطفال". ووجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتهامات نفسها ما يغذي المخاوف من تكثيف الهجمات على مناطق حضرية.