عندما تنزعج دولة بكل مؤسساتها وأجهزتها وإعلامها من كاميرا وميكروفون يحملهما صحفي يغطي رحلة فريق لكرة القدم فهذا أكبر دليل على أن هذا البلد لم يخرج بعد من عصر الحرب الباردة. هذا حال النظام الجزائري الذي لم يعد يفوّت فرصة استقبال فريق مغربي على أراضيه دون أن يحاول بصم هذه الزيارة بالمزيد من السلوكات التي تساهم في توتير العلاقات بين البلدين، وتكرّس الهوة بين سياسة اليد الممدودة التي ينهجها المغرب وسياسة القطيعة والعداء التي يسلكها الكابرانات. هل كان من الضروري أن يصادر أمن مطار الجزائر الدولي معدات التصوير التي كان يحملها الطاقم الإعلامي للوداد البيضاوي المتنقل لمواجهة فريق شبيبة القبائل في إطار منافسات دوري أبطال إفريقيا؟ نعم كان لا بدّ أن يلجأ الأمن الجزائري إلى ارتكاب حماقة جديدة ضد فريق الوداد البيضاوي لأن هذا الإمعان في استفزاز المغرب وكل من يمثّله في مختلف اللقاءات والمنافسات التي تحتضنها الجزائر أضحى استراتيجية معلنة لهذا النظام. حدث الأمر نفسه في منافسة بطولة كأس إفريقيا للاعبين المحليين عندما رفضت السلطات الجزائرية الترخيص للطائرة المغربية بنقل الوفد المغربي مباشرة إلى بجاية. ويعبئ الإعلام الجزائري منذ فترة ضد المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة الذي سيشارك في كأس إفريقيا المرتقب تنظيمها في أبريل القادم بالجزائر من أجل إجبار طائرته مجددا على قطع المسار الذي يشتهر اليوم بأكبر "مدار" في إفريقيا. ولن تتوقف الاستفزازات عند هذا الحدث بل سنرى منها الكثير والمزيد في المستقبل. لكن ما الذي يخيف نظام الكابرانات من كاميرا كانت ستخصص لمتابعة الفريق وتصوير مختلف أنشطته خلال مقامه بالجزائر؟ عندما يصرّ نظام سياسي على منطق المصادرة فهذا دليل على أن لديه ما يخفيه. لدى الكابرانات الكثير من العورات التي لا يريدون للكاميرات أن ترصدها علما أن الطاقم الإعلامي للفريق البيضاوي لم يكن غرضه من عمله أن يتتبع هذه العورات بقدر ما كان هدفه كباقي أطقم الإعلام الرياضي تصوير تحركات الفريق في التداريب والاستعدادات ثم أثناء المباراة. معدات التصوير التي تمت مصادرتها كان الهدف منها هو نقل كل ما يتعلق بمباراة الوداد أمام شبيبة القبائل إلى الجمهور الذي ينتظر عادة الكثير من التفاصيل المحيطة بالمباريات. هل كان الكابرانات متخوفين مما ستلتقطه الكاميرات من شعارات استقلالية يرفعها جمهور شبيبة القبائل؟ ربّما كان هذا هو السبب الحقيقي وراء هذا القرار، فمن المعروف أن هذا الفريق الجزائري يمثّل جهة تعاني الاضطهاد ويطالب سكانها منذ قرون بالإنصاف والعدالة وتمتيعهم بحريتهم واستقلالهم في تدبير شؤونهم الداخلية بدلا من أن يظلوا رهينة لحكم وهيمنة العسكر. لكن إلى متى سيظل الكابرانات جاثمين على صدور القبايليين وهم يحاولون كتم صوت الحقيقة وإخفاء ما يجري هناك؟ إذا كانت مصادرة معدات التصوير الخاصة بفريق الوداد البيضاوي قرارا سهلا ومتاحا للأجهزة الأمنية الجزائرية فهل من السهل التكتّم على وجود حركة استقلالية قبائلية ناشطة في الداخل والخارج وتطالب رسميا بتمتيع الشعب القبائلي بحقه في تقرير مصيره. فالحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل التي يرأسها المناضل الأمازيغي فرحات مهني ليست في حاجة إلى مباراة في كرة القدم من أجل تسليط الضوء على نضالاتها وكفاحها من أجل حقوق هذا الشعب الذي يعتبر من أقدم وأعرق شعوب المنطقة. لقد سافر وفد الوداد البيضاوي بكل النوايا الحسنة التي يمكن تصورّها من أجل المشاركة في مباراة كرة قدم لا أقل ولا أكثر، لكن الهوَس الكابراني بالإساءة للمغرب والمغاربة ومحاولة استفزاز كل من يمثّله هو الذي سيلوث مرة أخرى الأجواء المحيطة بمباراة في كرة القدم يُفترض أن يقدم فيها الفريقان أفضل ما لديهما ويتحلّوا خلالها بالروح الرياضية الهادفة أصلا إلى تعزيز أواصر الود والتعاون والتفاهم بين البلدان الإفريقية. ومن المؤكد أن السلطات المغربية لن تُعامل أبدا، مثلما عوّدتنا، طاقم فريق شبيبة القبائل بالمثل عندما سيحلّ بمدينة الدارالبيضاء في إطار مباراة الإياب، لأن المغرب بلد منفتح اعتاد على استقبال السياح والزوار من مختلف أنحاء الدنيا، وليس لديه بتاتا ما يخفيه أو يخبئه عن كل كاميرات العالم. لذلك نطمئن وفد شبيبة القبائل وندعوهم إلى أخذ معدات التصوير الخاصة بهم في زيارتهم للدار البيضاء حتى يروا الفرق بين بلد يرحب بضيوفه ويمدّ يد الود والضيافة وبلد يمعن في الانغلاق والدعاية والكذب على شعبه. "أزول" لكل القبايليين الأحرار.