رئيس منظمة الشرطة الجنائية الدولية يشيد بالدور الريادي للمغرب على مستوى التعاون الأمني الدولي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    الميناء العائم في غزة يستقبل أول حمولة من المساعدات    هل يقبل المغرب دعوة أمريكا للمشاركة في قوات حفظ سلام بغزة؟    بعد وصوله إلى الجزائر.. مدرب المنتخب المغربي النسوي يحذر "اللبؤات"    رئيس الإنتربول: جهود المغرب وإنجازاتها الأمنية علامة فارقة في العالم    الإعلان عن شغور مقعد مبديع بمجلس النواب    البرازيل تستضيف مونديال 2027 للسيدات    وسط اهتمام آرسنال.. ريال بيتيس يتشبث بشادي رياض    لقجع يصفع خصوم الوحدة الترابية.. "الفيفا" ترفض التعامل مع أي كيان ليس عضوا بالأمم المتحدة    ملاعب المغرب تستقبل 9 مباريات ضمن تصفيات المونديال    إسبانيا تعلن منع رسو السفن التي تحمل أسلحة إلى إسرائيل في موانئها    مباحثات مغربية صينية من أجل تعزيز التعاون في مجال إدارة السجون    اللقاء التواصلي المنعقد لفائدة المؤسسات التعليمية الحرة في موضوع تنزيل مقتضيات عقد تأطير العلاقة بين الأسرة و المؤسسات    المرابط يستقبل وفدا من الجالية المغربية المقيمة بالخارج    بسبب محمد رمضان وسعد لمجرد.. بطمة تعرب عن غضبها    رد قوية وساحق لعمر هلال على ممثل الجزائر في الأمم المتحدة    عصيد: الإعلام الأمازيغي يصطدم بتحديات كبرى .. وتفعيل الدستور "معلق"    مشورة قانونية لفيفا بشأن طلب فلسطين تجميد عضوية اسرائيل    طقس الجمعة | ارتفاع درجات الحرارة في جنوب شرق وأقصى جنوب المملكة    المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    الجيش الإسرائيلي يواصل توسيع عملياته العسكرية في رفح المكتظة بالنازحين    عصابة "رجل المُنتصف".. السلطات الإسبانية توقف 30 مغربيا    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    اختفاء غامض لشاب من تمسمان على متن باخرة متجهة إلى إسبانيا من الناظور    في ظل توتر العلاقات مع إسرائيل.. ما هي أوراق الضغط التي تملكها مصر لوقف حرب غزة؟    القمة العربية: لقطات تاريخية في الذاكرة.. حكام رحلوا وآخرون أسقطتهم شعوبهم    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    موعد مباراة نهضة بركان ضد الزمالك المصري في إياب نهائي كأس الكاف    بعد مقال "العمق".. إرسال كميات مهمة من أمصال "داء الكلب" لمراكز الصحة بجهة كلميم    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    احذر وضعيات النوم الأكثر ضررا على صحة الجسم    إحداث أزيد من 42 ألف مقاولة ذات شخصية معنوية بجهة طنجة    الأمثال العامية بتطوان... (600)    الملك محمد السادس: نتأسف على عدم قيام اتحاد المغرب العربي بدوره الطبيعي    ميناء طنجة : تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    كاتب كاميروني يبحث "خلود" الأدب الإفريقي ويدعو إلى تكريم الإبداع في القارة    سعر الذهب يتراجع بعد مكاسب الدولار    مقترح "إلغاء الفار" ينتظر تصويت الأندية الانجليزية    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    توحيد الجهود الدولية الهادفة إلى محاكمة الاحتلال    حرب تبحث عن مشروع سياسي    الجزائر.. داؤها في قيادتها    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تصبح القاعدة أفريقية في منطقة الساحل : أسامة بن لادن يتوجه إلى «أفرقة» تنظيم القاعدة

يبدو أن أسامة بن لادن يملك مخططات كبرى لأفريقيا. مع ذلك، تستطيع القاعدة في المغرب الإسلامي التي يديرها جزائريون مساعدة القاعدة المركزية على إدراج جيل جديد من المُجَنَّدين من منطقة الساحل. هذا التقدم الجهادي جنوب الصحراء محدود ولكن مزعج، خصوصا نظرا إلى العرض الذي قدمه، مؤخرا، زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي لتدريب الميليشيات المسلمة في نيجيريا.
بيد أن الانقسام الإثني والعرقي في صفوف القاعدة أبقى المُجَنَّدين الأفارقة خارج أدوار الزعامة. فلاتستطيع القاعدة في المغرب العربي أن تثبت التزامها بجهاد «مؤفرَقٍ » بدون أفرَقة بعض قياداتها. كذلك، تشاركت القاعدة في المغرب الإسلامي مع مجرمين في أنحاء منطقة الساحل، ولم تتشارك مع الحركات السلفية المحلية، ماحَدَّ من جاذبيّتها، وحال دون تحوّلها إلى مُعتَرِض ثائر. لكن ذلك لايعني أن ردع القاعدة في المغرب الإسلامي سيكون مهمة سهلة، إذ أن موريتانيا ومالي والنيجر هي من بين البلدان الأفقر في العالم، وستحتاج إلى دعم دولي لتقليص زخم القاعدة في المغرب الإسلامي. والجزائر محقة في الضغط نحو قيام تعاون إقليمي لمواجهة التهديد، والمساعدات الغربية المتكتمة ضرورية لمساعدة دول منطقة الساحل على استعادة سيطرتها على أراضيها من عناصر القاعدة، ومنع الجماعة الإرهابية من بسط سلطتها في أفريقيا.
يُثير النشاط الإرهابي، الذي نشب في الآونة الأخيرة عبر منطقة الساحل، التساؤل عما إذا أصبحت تلك المنطقة مسرحا جديدا لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وأرض الفرص بالنسبة إلى تنظيم القاعدة المركزي. فهل ستتجاوز هذه الجماعات الإرهابية حدود العالم العربي، كما فعلت في أفغانستان، وتؤثّر في المسلمين الأفارقة. الواقع أن حدود منطقة الصحراء ذات الكثافة السكان الضئيلة والحراسة الفضفاضة تُعتبر أرضا خصبة لنمو الحركات الجهادية غير المضبوطة؛ ويُخشى بالتالي من أن يصبح الساحل ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة، والأخطر من ذلك، أن يصبح نقطة انطلاق لشن هجمات في جميع أنحاء أفريقيا، وموطنا لأعداد متساوية تقريبا من المسيحيين والمسلمين. لكن، مهما يكن المشهد مقلقا في منطقة الساحل الآن، تبدو تلك التوقعات بعيدة المدى لا أساس لها حتى الآن. فالشبكات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة تعمل في موريتانيا ومالي والنيجر، ولكن جذورها ضحلة، حيث أضعفت الصراعات الداخلية العميقة القاعدة في المغرب الإسلامي نفسها.
ومن غير المحتمل إلى حد كبير أن يعكس مستقبل القاعدة في منطقة الساحل ماضيها في أفغانستان، وذلك لاستمرار الانقسام العرقي القوي داخل الشبكات الجهادية. إن تاريخ القاعدة في المغرب الإسلامي هام لفهم التحديات التي تواجهها في منطقة الساحل. فقد انطلق التنظيم في يناير 2007 بوصفه النسخة العالمية المطورة من الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي تُعَدّ الحركة الجهادية الأكثر تكيّفاً في الجزائر. وقد كان للجماعة السلفية فرع نشط في الصحراء، يركّز بشكل رئيسعلى موريتانيا، لكن القاعدة في المغرب الإسلامي طوّرت شبكات جديدة من خلال التعاون بشكل مبدع مع عصابات التهريب في الصحراء. واليوم، يشكل مقاتلو الكوماندوس المتحرّكون التابعون للقاعدة في المغرب الإسلامي تهديدا خطيرا للأمن في شمال مالي وشمال النيجر، حيث شنوا في السنوات الأخيرة عمليات اختطاف دراماتيكية للرعايا الغربيين، واشتبكوا مع القوات الحكومية في كثير من الأحيان. عدد الناشطين يبدو قليلا، لكن أفعالهم تشعل القلق الدولي من أن تنظيم القاعدة يحقق اختراقا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وأي تقييم لاحتمالات هذا التهديد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار السجل الأفريقي لأسامة بن لادن ورفاقه.
تجارب القاعدة
الأفريقية
أسست نواة متجانسة من الجهاديين العرب تنظيم القاعدة سرا في باكستان في غشت 1988 في البداية، لم تلتفت الجماعة إلى أفريقيا إلا قليلا، مركزة على أفغانستان وشبه الجزيرة العربية. بيد أن أسامة بن لادن، مؤسس الجماعة، استشاط غضبا في غشت 1990، عندما طلب السعوديون من الولايات المتحدة نشر قوات عسكرية ضخمة لردع التهديد العراقي في الكويت. وتفاقم غضبه عندما بقيت القوات الأميركية في بلاده، بعدما تم تحرير الكويت.
قرار العائلة السعودية الحاكمة هذا تسبب في خلاف لايمكن تسويته بينها وبين بن لادن. فهو طُرد في ربيع عام 1991 إلى باكستان، قبل أن ينتقل إلى السودان تلبية لدعوة من الدكتاتورية الإسلامية هناك. ثم استقر بن لادن في الخرطوم في ديسمبر 1991، حيث ظل تركيزه الرئيس على شبه الجزيرة العربية، كما حاول الاتصال بالناشطين العرب في الجزائر ومصر واليمن، لافي الصومال.
تغير ذلك الوضع في الأسابيع الأخيرة من العام 1992، عندما شنت الولايات المتحدة «عملية استعادة الأمل». وقد صور بن لادن هذه المهمة، وهي كناية عن جهد أجازته الأمم المتحدة لحماية العاملين الدوليين في مجال الإغاثة من المجاعة في الصومال، باعتبارها المُعادِل الأميركي للغزو السوفييتي لأفغانستان. ومع ذلك، استهدف هجوم القاعدة الأول ضد المصالح الأمريكية في المنطقة فندقا فخما في عدن، في اليمن، حيث كان جنود أميركيون يقيمون في طريقهم إلى الصومال. بيد أن هذه العملية الافتتاحية كانت كارثة عملانية، إذ لم يُقتَل أي جندي أمريكي، والضحايا الوحيدون كانوا سائحا أترساليا، وموظفا محليا، والإرهابيين أنفسهم. وقد أظهر هذا الهجوم أن القاعدة ليست مهتمة بالصومال نفسها، بل كانت تبحث عن ذريعة مناسبة لضرب «الكفّار» على الأرض العربية، وهي في هذه الحالة اليمن. وحين انتقل القائد العسكري لتنظيم القاعدة محمد عاطف إلى الصومال عام 1993 لاختبار مرافق التدريب، واجه مشاكل لوجستية كبيرة فاقمتها كراهية المقاتلين المحليين للأجانب. بالغت الآلة الدعائية للقاعدة كثيرا في تصوير دورها في إذلال القوات الأمريكية في مقديشو، الذي تجسد بحادثة «بلاك هوك»، حيث لقي 18 جنديا أمريكيا مصرعهم بعد أن أسقطت ميليشيا تابعة لأحد أمراء الحرب مروحيتهم في أكتوبر 1993. والحال أن مساعدي بن لادن لم يكونوا أبدا موضع ترحيب في الصومال. وقد نجح هؤلاء أكثر في إنشاء شبكات سرية للدعم والاستخبارات في الدول المجاورة، ولاسيما كينيا، حيث تمت ترقية مواطنين أفارقة أولا، مثل «فضل» القادم من جزر القمر، كزعماء حلقات. ومع ذلك، حين طرد السودان بن لادن في ماي 1996 نتيجة للضغوط الأمريكية والمصرية، لم يقع اختياره على مكان آخر في أفريقيا. بل عاد إلى أفغانستان، حيث ضعف أكثر اهتمامه الضئيل بالقضايا الأفريقية. وقد تطرق «إعلان الجهاد ضد أمريكا»، الذي أطلقه بن لادن، والذي اكتسب شهرة الآن، وأذيع في غشت 1996 إلى أربع عشرة جبهة للمعارك في جميع أنحاء العالم، لكن ثلاثة منها فقط كانت في أفريقيا: الصومال، وإقليم أوغادين (المقاطعة الشرقية في إثيوبيا ذات العرقية ال صومالية والمتمردة بشكل دائم)، وإريتريا، منذ أن أقام تنظيم القاعدة علاقة دائمة مع حركة الجهاد الإسلامي الإريترية خلال فترة وجود بن لادن في المنفى في الخرطوم. لم يتم التطرق إلى كينيا وتنزانيا، على الرغم من أنهما شهدتا هجمات كبيرةً على سفارتي الولايات المتحدة في غشت 1998. كما لم تكن التفجيرات في نيروبي ودار السلام جزءا من قرار اترساتيجي لنقل القاعدة إلى أفريقيا، بل لأن كينيا وتنزانيا كانتا موطنا لشبكات إرهابية متينة تم بناؤها على مدى سنوات عدة.
مابقي من تلك الشبكات ضرب مجددا في مومباسا، كينيا، في نونبر 2002، حيث تصرفت مرة أخرى بدافع الانتهازية أكثر من رغبتها في ترسيخ تنظيم القاعدة في أفريقيا. كانت الأهداف وهي منتجع وطائرة مست أجرة إسرائيلية لكن معظم الضحايا كانوا من الكينيين. وهذه كانت القشة التي قصمت ظهر تنظيم القاعدة في كينيا، حيث إن سحب النشطاء الذين ظلوا على قيد الحياة، والقليل منهم أفارقة، إلى جنوب الصومال. وهناك أقاموا علاقة وثيقة مع «الشباب»، وهي ميليشيا سلفية جهادية محلية، ساعدت جماعة «اتحاد المحاكم الإسلامية» في حربها ضد الحكومة الانتقالية المدعومة دوليا سيطرت ميليشيات اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو في صيف العام 2006 ، ما أثار قلقا عميقا في الولايات المتحدة والأمم المتحدة. وقد أيّدت واشنطن الغزو الإثيوبي للصومال في دجنبر 2006 أملا في طرد اتحاد المحاكم الإسلامية من العاصمة والمنطقة المحيطة بها. وفي الصراع الذي أعقب ذلك، قاتل «الشباب» جنبا إلى جنب مع اتحاد المحاكم الإسلامية ضد العدوان «الكافر» سحبت إثيوبيا قواتها في يناير 2009، وأصبح زعيم اتحاد المحاكم الإسلامية، شريف شيخ أحمد، الرئيس الصومالي الجديد. ومع ذلك، انقلب «الشباب» ضد هذا «المُرتَدّ» والخائن»؛ وردّد بن لادن هذه الاتهامات، مقارنا شريف شيخ أحمد بالرئيس الأفغاني حامد كرزاي، وداعيا إلى إعلان «الجهاد» الشامل ضد نظامه. رد «الشباب» المجاملة بمثلها عبر التعهد بالولاء لأسامة بن لادن في أكتوبر 2009. وعلى الرغم من دعم بن لادن العلني ل «الشباب»، لم يتم إدماج تلك الميليشيا في تنظيم القاعدة. ولاتزال الفروع الثلاثة للتنظيم الإرهابي، تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، وفي العراق، وفي المغرب الإسلامي، عربية أساسا.
التركيز على موريتانيا
موريتانيا هي البلد العربي الوحيد الذي يُعَدّ من الناحية الرسمية جمهورية إسلامية، لكن هذا ليس هو سبب اهتمام القاعدة بها، بل كان للعديد من الشخصيات ذات النفوذ علاقات مع هذا البلد. وخلال «العصر الذهبي» للقاعدة في أفغانستان، إبان حكم طالبان بين الأعوام (2001 1996)، كان رجل الدين الموريتاني محفوظ ولد الوليد (الملقب بأبو حفص الموريتاني) هو المسؤول عن تدريس اللغة العربية الفصحى للمجنّدين الجهاديين في قندهار، وكذلك عن نشر المبادئ الإديولوجية المعتادة. وأبو يحيى الليبي، وهو ليبي يُعتَقَد أنه درس الشريعة والقانون الإسلامي في نواكشوط بموريتانيا، هو اليوم الزعيم الوحيد البارز في تنظيم القاعدة الذي يتمتّع بخلفية دينية. ومع ذلك، لم تَقُم أهمّ علاقة بين القاعدة وبين موريتانيا، بواسطة شخصيات دينية، بل عن طريق الناشط الجزائري مختار بلمختار، الذي يَُسمّى أحياناً «الأعور». بلمختار، الذي وُلِد في العام 1972، يدّعي أنه قاتل في أفغانستان بين العامين 1993-1991، بعد فترة طويلة من انتهاء الاحتلال السوفياتي، لكنه، وفي خضم الحرب الأهلية، ألّب فصائل المجاهدين المتناحرة ضد بعضها البعض.
كان بن لادن يعيش آنذاك في السودان، ولذلك يصعب التصديق أن بلمختار كان على اتصال ذي أهمية تُذكَر مع القيادة العليا لتنظيم القاعدة في تلك الفترة. علاقاته مع تنظيم القاعدة ربما تأّسست بعد عودته إلى الجزائر كمقاتل «أفغاني» مخضرم في الحادية والعشرين من العمر، حيث انضم إلى «الجماعة الإسلامية المسلّحة» في حربها الشاملة ضد النظام الجزائري، وترقّى باطراد في صفوفها، ونجا من الغارات العسكرية وعمليات التطهير الداخلية ليصبح قائد الجماعة الإسلامية المسلحة في منطقة الصحراء الكبرى. في العام 2000 ، غير بلمختار ولاءه من الجماعة الإسلامية المسلّحة إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال الواعدة أكثر، تُحمفِظا بالقدر الأكبر من استقلاله العملياتي. وقد دعم علاقاته مع القبائل الصحراوية من خلال تحالفات الزواج، وتجنّب ابتزاز المال من السكان المحليين، خلافا لما تفعله الجماعة السلفية في معقلها في منطقة القبائل.
وللتعويض عن فقدان هذه الإيرادات، ازداد ضلوع بلمختار في أعمال التهريب، وحصل على اللقب الشعبي «السيد مارلبورو» بيد أن التبغ لم يكن تجارته الوحيدة بالتأكيد، إذ تورّط أيضا في تهريب المخدرات والأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين. وقد تنامت شبكة شراكاته الإجرامية في المنطقة الواسعة التي تشمل شرق موريتانيا، وشمال مالي، وجنوب غرب الجزائر. أّسس بلمختار، وهو أحد المحافظين الموهوبين على البقاء في عالم المقاتلين الجهاديين الملتهب، ملاذات آمنةً في مالي والجزائر وهو وجد من المناسب تركيز عنفه ضد موريتانيا، حيث كان الرئيس ولد الطايع أقام علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وأيّد الغزو الأمريكي للعراق. وفي يونيو 2005، هاجمت كتيبة بلمختار ثكنة عسكرية في الصحراء الموريتانية، وفي المقابل، أشاد بلمختار بقتل اثني عشر جنديا في ما أسماها غزوة «بدر» الخاصة به، في إشارة إلى الانتصار الأول للنبي محمد. وصفت الدعاية الجهادية التفجير الانتحاري الثلاثي الذي نفّذته القاعدة في المغرب الإسلامي في أبريل2007 ، في العاصمة الجزائر، بأنه «غزوة بدر المغرب العربي».
لقد أفاد بلمختار كثيرا بتركه الجماعة الإسلامية المسلحة للانضمام إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال. وقد أيّد عبد الملك دروكال كأمير، أو قائد للجماعة السلفية، وازداد نفوذه في الصحراء في ظلّ هذه القيادة الجديدة. كما أيّد بلمختار مبايعة دروكال لبن لادن، وهو ما ساعد في إطلاق القاعدة في المغرب الإسلامي، وأدّى إلى الدعاية التي ت ستهدف فرن سا وغيرها من «الصليبيين». وكتحية لهذه الأجندة العالمية الجديدة، قتل بعض أتباع بلمختار أربعة سياح فرن سيين قرب قرية أليغ في موريتانيا، في دجنبر2007 ، واستغلّوا معارفهم الصحراوية للهرب إلى بيساو، حيث تم إلقاء القبض عليهم. لم ينته العنف عند هذا الحد. فقد أمر بلمختار بإطلاق النار من سيارة مسرعة أمام السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، في موريتانيا، في فبراير 2008. وعندما أطاح الجنرال عبد العزيز النظام الديمقراطي في موريتانيا في عشت 2008، أعلنت القاعدة في المغرب الإسلامي الجهاد ضد الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي وصفتها ب «المرتدة». واشتبك أتباع بلمختار مع قوات الأمن الموريتانية مرات عدة في الصحراء.
لم يتم كبح عدوان القاعدة في المغرب الإسلامي عندما تمت استعادة سيادة القانون في أعقاب انتخابات يوليوز 2009 . فقد ظلت موريتانيا المكان الأكثر أمانا بالنسبة إلى بلمختار، في سياق محاولاته كسب أوراق اعتماد «جهادية عالمية». وخلال صيف العام 2009، قتلت القاعدة في المغرب الإسلامي مواطناًأميركياًفي نواكشوط، وقُتِل مهاجم انتحاري في هجوم فاشل على السفارة الفرنسية هناك.
حروب مناطق النفوذ
في مالي
أيّد بلمختار دروكال كأمير للجماعة السلفية، ودعم العلاقات التي أقامها هذا الأخير مع تنظيم
القاعدة، لكن العلاقات بين الرجلين توتّرت، ما أدّى إلى حرب عصابات حقيقية في مالي. فكلّ من
دروكال، المولود في العام 1970، وبلمختار محافظان موهوبان على البقاء في عالم الجريمة السرّي والوحشي للغاية للجهادية الجزائرية. وقد تم الإبلاغ خطأً عن مقتل كل منهما مرات عدة، لكن كلاً منهما عاد بقدرة متجدّدة على التحمّل. يتّخذ دروكال من منطقة القبائل النائية، إلى شرق الجزائر العاصمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، قاعدةً له؛ ويتعرّض إلى التحدّي لت أكيد زعامته على بلمختار وكتيبته. وقد اكتسب بلمختار سمعةً سيئةً وظهوراً دولياً من خلال علاقاته مع القاعدةفي المغرب الإسلامي، حيث يُسهِم بمبالغ كبيرة من أموال الفدية في ميزانية القاعدة في المغربالإسلامي عموماً. وأدّى تنامي شهرته إلى تصاعد حدة التوتّر بينه وبين دروكال.
خشي دروكال من أن بلمختار أصبح قوياً للغاية، فرقّى قائداً ميدانياً آخر في الصحراء، هو عبدالحميد )حميدو) أبو زيد، الذي جابت كتيبته الصحراء شرق منطقة نفوذ بلمختار. وقد تم وضع قائدي الكتيبة رسمياً تحت سيطرة يحيى جوادي، مُمَثِّل دروكال في جنوب الجزائر. وهذا كشف عن حلقة قيادة القاعدة في المغرب الإسلامي، بيد أن التوترات ظلّت تتمخّض بين بلمختار وبين أبو زيد.
اندلعت المواجهة في مالي، التي اعتبرها بلمختار ملاذاً آمناً لهجماته على موريتانيا. وغالباً ماأُفرِج عن رهائن القاعدة في المغرب الإسلامي في مالي بعد مفاوضات مُطوَّلة وهي العملية التي. بيد أن ذلك الروتين انتُهِك في 31 ماي 2009 ، عندما أمر أبو زيد بإعدام سائح بريطاني اعتُقِل قبل أربعة أشهر. فردّت السلطات المالية باعتقال بعض عناصر القاعدة في المغرب الإسلامي، وانتقم أبو زيد في 11 يونيو 2009 بإرسال فرقة قتل لاغتيال ضابط مخابرات مالي كبير في منزله بمدينة تمبكتو.
عملية القتل هذه شكّلت ضربةً غير مسبوقة للرئيس أمادو توماني توري، الذي انتخب للمرة الأولى في انتخابات ديمقراطية في العام 2002 ، و أعيد انتخابه في العام 2007 بما يزيد على ثلثي عدد الأصوات. وفي العام 2006 ، اترسضى الرئيس توري حركة تمرّد الطوارق من خلال عملية السلام التي رَعَتْها الجزائر، وهو يُواجِه الآن تهديداً جديداً يتمثّل بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. ردّ توري بقوة، وأرسل جيشه لتعقّب المقاتلين الجهاديين في شمال مالي. وأدّت اشتباكات عنيفة جرت في يوليوز 2009 إلى مقتل عشرات المقاتلين.
ان سحبت كتيبة بلمختار إلى سلسلة جبال تنزروفت على التراب الجزائري، ماأدّى إلى دحره وتقوية دروكال. بيد أنه لم يكن في وسع أمير القاعدة في المغرب الإسلامي الذهاب بعيداً في إضعاف بلمختار، فبعد كل شيء، أراد دروكال إبقاء خيار ترك معقله المحاصر في منطقة القبائل والانتقال إلى الصحراء مفتوحاً، مهما كان بسيطاً. وقد ازدادت حدّة المنافسة بين بلمختار وبين أبو زيد، حيث حض كل منهما شبكته على أسر رهائن غربيين جدداً، وأثارا موجةً من عمليات الخطف خلال الشهور الأخيرة من العام 2009 . وهكذا تمّت مباغتة ثلاثة إسبان على الطريق الساحلية الموريتانية.
واعتُقِل زوجان إيطاليان في موريتانيا بالقرب من الحدود مع مالي، وخُطِف مواطن فرن سي يعمل في مجال الإغاثة الإنسانية منذ فترة طويلة في شمال مالي، في بلدة ميناكا شرق البلاد. تم إطلاق سراح الفرنسي في فبراير 2010، و أُفرِج عن الزوجين الإيطاليين بعد ذلك ب شهرين. لكن الحادث شوّه، في الوقت نفسه، سمعة مالي بكونها مستقرّةً، وأغلق عملياً منطقة تمبكتو والمواقع التاريخية أمام الزوار الدوليين. كما وجّهت ممارسات القاعدة في المغرب الإسلامي ضربةً مماثلةً إلى سياحة الرحلات الصحراوية في موريتانيا. وتعرّضت صناعة السياحة الوليدة في المنطقة إلى أزمة عميقة، وجفّ مصدر رئيس للعملة الصعبة التي تشتدّ الحاجة إليها.
النيجر أكثر بكثير من نيجيريا
حتى وقت قريب، كان مصدر الخطر الرئيس على الاستقرار في النيجر يأتي من حركات الطوارق، وليس من القاعدة. وقد تعامل الرئيس مامادو تانجا، الذي يتو منصبه منذ العام 1999 ، مع المتمرّدين الطوارق من خلال القمع العسكري أولاً، ثم من خلال حوار سياسي برعاية ليبيا. وباتت القاعدة في المغرب الإسلامي تشكّل تهديداً أمنياً كبيراً في دجنبر 2008 ، عندما اختطفت كتيبة أبو زيد، التي كانت تتوق إلى اقتطاع منطقة خاصة بها، والحدّ من مؤهّلات بلمختار «العالمية»، اثنين من الرعايا الكنديين: المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى النيجر ومساعده. لكن عمليات الخطف افتتحت حقبةً من المواجهة بين القاعدة في المغرب الإسلامي وبين قوات الأمن النيجيرية.
ازداد الوضع سوءاً في النيجر خلال شتاء 2009 - 2010 ، حيث عزم تانجا على البقاء في السلطة بعد انتهاء فترة ولايته على الرغم من الإجماع الدولي ضدّ هذه الخطوة. وقد استولت زمرة عسكرية على السلطة في فبراير 2010 ، وعيّنت محمدو داندا لقيادة حكومة انتقالية تعهّدت بإعادة العملية الديمقراطية في المستقبل القريب. وتواصل وحدات الجيش الاشتباك مع مقاتلي القاعدة في المغرب الإسلامي في شمال النيجر، حيث اختُطِف مواطن فرنسي في أبريل 2010 )احتُجِزسائقه الجزائري قبل أسبوع فقط على إطلاق سراحه( على الرغم من أن موريتانيا ومالي والنيجر ظلت حتى الآن مناطق العمليات الرئيسة، وإن المحدودة، لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في منطقة الساحل، فقد بذل دروكال محاولة واحدة بارزة لفتح مسرح عمليات إضافي في أفريقيا. وبذلك، فإنه لم يفعل شيئاً سوى أنه أضاف إلى سجلّه من الاستفزازات »العالمية «، ولم يحقق إلا القليل من النتائج العملياتية. وعلى سبيل المثال، في كانون الثاني/يناير 2009 ، خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة، كرر دروكال دعوة بن لادن إلى الانتقام من «اليهود والصليبيين » في جميع أنحاء العالم. وفي تموز/يوليو 2009 ، بعد قمع أعمال الشغب التي قام بها المسلمون في إقليم شينجيانغ، تعهّد بالانتقام من العمال الصينيين في الجزائر، حتى ولو لميُ صب أي منهم فيما بعد. وفي كانون الثاني/يناير 2010 ، وقع اختياره أخيراً على قضية أفريقية، فعرض »تدريب « المتطوّعين النيجيريين ضدّ «الحملة الصليبية» التي يشنّها مواطنوهم الم سيحيون، وتسليحهم في »جهاد « على الطريقة الصومالية. هذه الدعوة المتبجّحة ضربت على وتر حساس في وسائل الإعلام الدولية، ذلك أن عمر فاروق عبد المطلب، وهو نيجري شاب تدرّب على يد تنظيم القاعدة، كان قد حاول تفجير طائرة ركاب قرب ديترويت يوم عيد الميلاد في العام 2009 . وكان عبد المطلب قد جُنِّد في اليمن، وليس نيجيريا، والعنف الطائفي في مقاطعة جوس الوسطى في نيجيريا
أسبابه محلية، وهو ليس مستورَداً. لكن عرض دروكال غذّى التصوّر القائل بأن نيجيريا قد انتقلت إلى قمة أجندة القاعدة. وهكذا، ازداد القلق من أن القاعدة في المغرب الإسلامي يمكن أن تحقق نجاحات كبيرة في نيجيريا، وبشكل أعمّ، في جميع أنحاء خليج غينيا. وهذا هو السبب في ضرورةأن يتم تقييم التهديد الإقليمي بدقة.
بيد أن ذلك العدد القليل م ضلِّل. فهذه القوات تستفيد من وجود فراغ أمني نسبي في منطقة الساحل. وكما يشير الجدول أعلاه، لاتُشكِّل الميزانيات العسكرية في كل من مالي والنيجر وموريتانيا سوى جزء صغير من ميزانيات الجزائر وليبيا. وفي العام 2009، كانت ميزانية مالي العسكرية هي الأكبر في منطقة الساحل وبلغت 180 مليون دولار، وبلغت الميزانية العسكرية الجزائرية 5.3 مليون دولار. كما أن الدول الواقعة فيشمال الصحراء تُفِسح المجال أيضاً للقوة الناعمة، حيث ترعى ليبيا والجزائر عمليات السلام مع حركات التمرد المحلية في مالي والنيجر، على التوالي. لكن قوات الأمن في بلدان الساحل غير مهيأة، مهما كان دافعها قوياً، لمطاردة ومحاربة مقاتلي القاعدة في المغرب الإسلامي في مناطق شاسعة، وبالكاد مأهولة بالسكان. ولذا ينبغي أن تُعطى الأولوية لتمكين القوات المسلحة في موريتانيا ومالي والنيجر من ا ستعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من أراضيها المحظورة الآن بالنسبة إلى الأجانب، وذلك بسبب مخاطر عمليات الخطف والهجمات التي تقوم بها القاعدة في المغرب الإسلامي.
تُشكِّل القاعدة في المغرب الإسلامي تحدّياً للقوات المسلّحة في بلدان الساحل، لكن عزلتها تستنزف قدراتها السياسية. في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وكذلك في مالي أو النيجر، حيث أكثر من 90 في المئة من السكان هم من المسلمين، لاتتعاون القاعدة في المغرب الإسلامي مع الحركات السلفية المحلية، التي هي نفسها معزولة في بيئة إسلامية عميقة التأثر بالصوفية. ولاتعمل القاعدة في المغرب الإسلامي مع المتمرّدين المحليين، الذين انقلبوا عليها في تشاد في العام 2004 ، وفي مالي في العام 2006. في الصحراء تتعاون القاعدة في المغرب الإسلامي أساسا فقط مع شبكات التهريب التي تنتهك القانون. إذ تُعَدّ التبادلات الإجرامية )النقد مقابل الرهائن، والمخدرات مقابل الأسلحة، وتقاسم المعلومات الاستخبارية( ذات أهمية حاسمة لبقائها وعملياتها. وهذا يولّد مشكلة سمعة بالنسبة إلى تنظيم يصنّف نفسه على أنه جهادي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.