انطلقت امس المفاوضات المباشرة بين الفلسطينين والاسرائيليين بواشنطن، وتوجد على طاولة هذه المفاوضات ملفات عديدة جلها ترفض اسرائيل تسويتها من بينها حق العودة ، والقدس، والمستوطنات... وقد عمدت حكومة بنيامين نتانياهو عشية انطلاق المفاوضات الى وضع شروط يرى فيها الطرف الفلسطيني بانها تهدف الى نسف هذه المحطة تماما كما فعلت تل ابيب من قبل في محطات سابقة. اول امس نشر صحافيان، فلسطيني واسرائيلي رسالتين تتعلقان بهذه المفاوضات، الاولى وجهها محمد دراغمة الى نتانياهو، والثانية من «غيل يارون» الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ننشرهما تعميما للفائدة من محمد دراغمة الى نتانياهو على إسرائيل أن تختار السيد رئيس الوزراء، أنا صحافي فلسطيني، عملت خلال العشرين عاما الأخيرة مراسلا صحافيا في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. غطيت خلالها أحداثا جساما كالانتفاضتين الأولى والثانية، وحركة الاستيطان. شاهدت عشرات الضحايا يسقطون، وكتبت عن عائلات انكسرت بعد مقتل الآباء أو الأبناء. وفي كل يوم أرى في تنقلاتي أحياء استيطانية جديدة تبنى على مساحات جديدة من أراضي الضفة الغربية والقدس، حتى بات المشهد الاستيطاني هو الطاغي، فيما أبناء شعبي يحصرون داخل تجمعات سكنية ضيقة لم تعد تتسع لهم. فأخذ كثيرون منهم يقامرون بإقامة بيوت خارج هذه التجمعات، ويعيشون تحت رحمة الجرافات الإسرائيلية التي سرعان ما تدهمهم لتزيلها عن وجه الأرض، وتزيل معها أحلامهم البسيطة ببيت آمن. وفي الجانب الإسرائيلي قرأت قصصا عن ضحايا سقطوا في هجمات انتحارية، قرأت عن نادلة في مطعم فقدت ساقيها في إحدى هذه الانفجارات، وعن أم فقدت رضيعها الذي اصطحبته معها إلى المقهى وعادت بدونه. لقد سمعت أخيرا تصريحا لك يقول إنك ستفاجئ الجميع في المفاوضات القادمة. وأثار هذا التصريح ومضة أمل في مخيلتي بعد أن أفقدتني وقائع الاستيطان والاحتلال على الأرض أي أمل. ومضة أمل لاحت في الأفق بعد أن فقدنا الأمل بالعيش بأمن وسلام وكرامة على هذه الأرض. سيد نتانياهو إن بقاء الاحتلال وتواصل الاستيطان الإسرائيلي يحمل في طياته احتمالات جهنمية، منها تفجر الصراع مجددا بين الشعب الفلسطيني والمستوطنين، ومعهم الجيش الإسرائيلي، في جولة عنف جديدة. هناك فرصة لتحقيق مصالحة تاريخية بين الشعبين تجنب الأجيال الجديدة ويلات الصراع والفقدان والفجيعة. فرصة تتمثل في إقامة دولة فلسطينية على الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 67، مع تبادل طفيف للأراضي يتيح لكم حل مشكلة المستوطنين عبر تجميعهم في كتل استيطانية. وبالمقابل يعيش الإسرائيليون في دولتهم بسلام وأمن، ويتفرغون لبناء اقتصادهم وحل مشكلات بدأت تطرق أبوابنا جميعا مثل نقص المياه. وربما يغري احتلال أرض الفلسطينيين بعض الإسرائيليين، لكن ثمن ذلك سيكون باهظا علينا وعليكم. فإسرائيل لا تستطيع أن تظل دولة احتلال إلى الأبد. من خلال متابعتي للموقف السياسي الفلسطيني فإنني أجزم أنّ الغالبية العظمى من الفلسطينيين مستعدون لمساومة تاريخية تقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67، يجري فيها استيعاب جزء كبير من اللاجئين. في هذا الموقف تتفق الحركة الوطنية المتمثلة في منظمة التحرير والحركة الإسلامية الممثلة في حركة «حماس». أما إذا عرضت إسرائيل حلا أقل من ذلك، فإن أي فلسطيني مهما بلغ اعتداله لن يحصل على تفويض من أية جهة للتوقيع عليه. السيد رئيس الوزراء الفلسطينيون، تماما مثلما هم الإسرائيليون، بشر عاديون يتطلعون إلى حياة آمنة وحرة وكريمة. وهذا لن يتحقق إلا عبر إنهاء الاحتلال وإزالة الاستيطان أو العيش في دولة يتساوي فيها البشر على أساس أنهم بشر تماما مثلما هي أمريكا مفتوحة لكل الأديان والأعراق لا فرق بين دين أو عرق أو لون. والآن الفلسطينيون يفكرون في خياراتهم، وهي باتت محصورة في خيارين: إما دولة فلسطينية مستقلة على 22 في المائة من أرض فلسطين التاريخية، مع تبادل طفيف للأرض يوفر حلا للمستوطنات، أو مساواة مع اليهود في المواطنة في إسرائيل. وإسرائيل لا تقف بعيدا عن هذين الخيارين، فإما إنهاء الصراع أو الضم. أما بقاء الخيار الحالي فهو ليس سوى إبقاء الجرح مفتوحا على مزيد من الآلام والاحتمالات الخطرة. محمد دراغمة من غيل يارون الى محمود عباس حان وقت التحول التاريخي عزيزي الرئيس عباس، هل تسمح لي بأن أخاطبك بمحمود فقط؟ ففي نهاية المطاف، لسنا نحن الإسرائيليين والفلسطينيين أقرباء من الناحية التاريخية فحسب، بل نسعى كي نكون جيرانا طيبين، أو على الأقل هذا ما أتمناه .... إذن حان الوقت، عزيزي محمود. فها أنت تتحدث مرة أخرى، وبشكل مباشر، مع إسرائيل. لقد استغرق ذلك زمنا طويلا. إذ طالما اعتمدت على الأمريكيين والأوروبيين كي يضغطوا على إسرائيل ويحشروها في الزاوية، وبذلك بددت وقتاً ثميناً. والتكتيك الذي اعتمدته، عبر الحَرَد والاعتكاف في رام الله حتى يوافق الجميع على شروطك، لم يفد سوى المتطرفين. لكنني أود أن أكون منصفا في حقك؛ فأنت تواجه مهمة صعبة، إذ أنك تتفاوض مع الجانب الإسرائيلي منذ سبعة عشر عاماً، والمستوطنات تنمو باضطراد. وموقفك لم يتغير، وبقي كما هو لأنه قائم على مبدأ الاستمرارية. كما أن الفريق الذي يقود المفاوضات من طرفك لم يتغير أيضا، وربما يكون هذا أحد ميزات غياب الديمقراطية. ومن المحتم أن تغيير الحكومات والاتجاهات في إسرائيل قد دفع بك إلى حافة اليأس. إذ يجب عليك، كما كانت الحال مع سيزيف في الأساطير الإغريقية، أن تعود دائما إلى نقطة البداية دون أي تقدير من الآخرين، فلك مني كل احترام! أنت لا تزال محافظاً على مبادئك الداعية إلى نبذ العنف. وقد أدنت الإرهاب، بالرغم من غضب مواطنيك عليك بسبب هذا الموقف. وبالمقابل لم تحصل على أي تنازلات إسرائيلية تذكر. كما أن هامش المناورة لديك ضيق جدا، ووضعك هذا صعب الاحتمال: فإذا ما مضيت قدماً، فستوصم بالخيانة، وإذا لزمت مكانك، فلن تسلم من ضغوط وتهديدات المجتمع الدولي. لقد أوشكت على التعاطف معك، لكنك اخترت منصبك هذا بكل حرية. ولكي تجد حلاً للنزاع، فأنت مطالب بما هو أكثر مما يطالب به الإنسان العادي: عليك أن تكون بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقك. لقد آن الأوان لملأ صفحات كاملة من كتب التاريخ بدلاً من أعمدة صغيرة في الصحف. لقد ولى زمن الانتظار! اخرج من ظلال من سبقك، وانس السياسي فيك. دعك من الخطوات الصغيرة والحبكات الذكية. ولا تنتظر أن يقوم الآخرون بالأعمال القذرة من أجلك. أنا أصدق رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما يقول بأنه يعني السلام بجدية، فهو شريكك، وهو الوحيد القادر على إعطاء شعبك ما يستحقه. لقد برهنت اتفاقيات مماثلة على أن الحل ممكن، بل ويمكن القول إنه أضحى قريب المنال. قيادتك مطلوبة الآن: أقنع شعبك أن يرى في الكأس نصفها المملوء وليس الفارغ، وأن المطلب الفلسطيني محق لدرجة أنه قادر على تحمل الاعتراف بالمطالب اليهودية، وأن هناك إسلاما سلميا وبنّاء وديمقراطيا يتوافق مع دولة القانون. أرجوك يا محمود، الظروف مهيأة لتحول تاريخي: فلا تدع الفلسطينيين يعانون المزيد من الإذلال وأنظارهم متعلقة، بكل حقد، بالماضي؛ بل دعهم يتطلعون إلى المستقبل بكل أمل وحب. لا تتكلم عن الظلم الذي كان، بل عن الحق الذي سيكون. أرهم أن ما يهم الفلسطينيين هو بناء دولتهم المستقلة، وليس تدمير إسرائيل. وهذه المهمة ستكون خطيرة بالنسبة إليك، لكنها ضرورية ومفيدة للمنطقة. برهن على شجاعتك، ولن يتبعك شعبك وحده، بل وغالبية الإسرائيليين أيضاً، وسيدفعون بحكومتهم إلى أحضانك. هذه فرصتك الأخيرة لضمان مكان في كتب التاريخ بجانب أنور السادات ومناحيم بيغين؛ إذ لا يمكن لقائد حقيقي أن يتمنى أكثر من ذلك. المخلص غيل يارون