كنت كثير الإنشغال بنفسي ، حيث عزمت على التوغل داخل المغرب حتى يمكنني الإستفادة من خبرتي الطبية في خدمة الدولة هناك. كان أكثر الحديث أثناء ذلك الوقت ، في إسبانيا أو في الجزائر يدور حول إعادة تنظيم الجيش المغربي ، بمعنى، أعرب السلطان بعد معاهدة الهدنة مع إسبانيا، عن القيام بإجراءات إصلاحية. و لهذا قامت الصحف بنشر نداء ، الى كل أوروبي يمكن الإستفادة من علمه و كفاءته هناك ، بالتوجه إلى المغرب. لقد استأثر كل هذا باهتمامي ، فبدأت بوضع أفضل الخطط للمضي في غايتي . ونتيجة لتأقلمي عبر سنوات طويلة من الإقامة في الجزائر ، كنت أعتقد ، انه يجب علي أولا، حتى يمكنني التقدم بسرعة داخل المغرب ، الاحتكاك بسلوكات الأهالي والتعرف على عادات و أسلوب حياة هذا الشعب ، أكثر من محاولتي الإقتراب من السكان العرب في الجزائر. صرفنا سي الطيب بلطافة وأضاف عند الوداع ، علي الإنتقال في يوم لاحق للإقامة في إحدى مساكنه، حتى يمكنني أن أعالجه من مرضه. لكن كان لابد للأمر أن يأتي مغايرا، مباشرة في اليوم التالي جاء باكرا من دارالسلطان (قصر السلطان)» المخازنية « بتعليمات ، الذهاب إلى هناك على الفور. بالكاد ترك لي الوقت ، حتى ألبس البلغة و أرتدي البرنس . بمجرد الوصول إلى هناك ، شرح لي أحد موظفي السلطان ، أن بن الطالب باشا فاس القديم ، كتب إلى السلطان ، يطلب منه بأن يأذن لي بالعودة لمعالجته. وافق السلطان على هذا الطلب و بذلك كان علي أن أرحل للتو . الإحتجاج ، بأنه لا بد لي من العودة إلى البيت ، من أجل الإتيان بحاجياتي ، قصد حمل الأدوية معي وايضا من أجل توديع المعارف ، كل هذا لم يفدني شيئا. كان الجواب دائما هو: «السلطان قال، يجب أن تسافر حالا ، إذن يجب عليك أن ترحل فورا. « وقف بغل مسرج جاهز وكان مرافقي مخزني على فرس ، و هكذا كان علي الذهاب ، مثل طرد دون إرادة ذاتية . و حيث أن السلطان أمر، بالوصول إلى فاس في نفس المساء ، أسرعنا الركوب بجد و قبل غروب الشمس وصلنا العاصمة و بعد ذلك مباشرة كنت ثانية عند حاكم المدينة القديمة. أثناء ذلك كنت قد قمت بتغيير جيد ، فقد عمل بن الطالب على ، إحضار مترجم ، طالب من مواليد الجزائر، إسمه سي عبد الله ، الذي كان فهمه للفرنسية متوسط . منحت سكنا جيدا ، حصانا و بغلا و خادما رهن إشارتي . الطعام و الشاي الذي هو من لواحقه يُأتي به من عند الباشا. من جهتي لم أكن بالمقابل ملزما بالقيام بأية مهمة أكثر من الحديث مع الباشا لمدة ساعة أو ساعتين يوميا. لست هنا في حاجة إلى ذكر، أنني خلال هذه الإقامة لمدة شهور في فاس ، قد أتيحت لي فرصة كافية للتعرف على المدينة . العاصمة فاس عاصمة سلطان المغرب لم تتم زيارتها إلا من طرف عدد قليل فقط من الأوروبيين ، كذلك المعلومات ، التي قدمها عنها شهود عيان هي شحيحة. أكثر إسهابا و تقريبا باستفاضة كان هوعرض ليون عن فاس، تلاه وصف اعتمد على مشاهدة ذاتية للجنرال الإسباني باديا (علي باي-العباسي). أما التقارير الأخرى حول فاس فكلها ترتكز على استنتاجات وسماع أخبار فقط. إن كان قد سكن المكان، حيث توجد فاس الآن، الرومان، فمن الصعب الجزم بذلك و هذا نظرا لقلة البحوث ، لكن هذا محتمل جدا. فالموقع متميز جدا و جذاب في كل الأحوال بالنسبة للمدينة حيث، أن لها مركزا غاية في الملاءمة و هو ما لم يفت بكل تأكيد الأقدمين . زد على هذا هناك بالقرب نقطة ، التي نعرف على أنها عمرت بكل تأكيد من طرف الرومان . فقد تعرفنا على مدينة فوليبيلس في زرهون الحالية ، مدينة ، كانت في زمن ليون تسمى غاليلي أو وليلي، و عنها يقول ، إنها لا تشتمل باستثناء قبر إدريس الأول إلا على ثلاثة أو أربعة منازل فقط . اليوم وليلي أو زرهون كما تسمى حاليا ، هي مدينة صغيرة بحوالي أربعة إلى خمسة ألاف نسمة ، و قبر « مولاي إدريس الكبير» ، كما يطلق على مؤسس مدينة فاس، لا زال دائما مزارا شهيرا . ثم إن لنا في مياه دتشيتشي نقطة توقف أكيدة قرب فاس ، إذا أمكننا بالضبط الإعتماد على إتينيراريوم أنتونيني هكذا سوف لن نتردد في ، أن نلقب فاس بمدينة فوليبيلس القديمة ، ذلك أن مسافة، ستة عشر ميلا ، تتفق تماما مع منابع الكبريت الشهيرة « عين» سيدي يوسف ، التي توجد شمالا إلى الغرب من فاس ( مولاي يعقوب م) . فمياه دتشيدتشي حسب إنتنيراريوم من المفروض أن توجد على بعد ستة عشرميلا شمال فوليبليس. فمياه ديتشيدتي القديمة هذه والمسماة الآن بعين سيدي يوسف ، لا تزال اليوم كذلك هي أشهر الحمامات الساخنة في المغرب. مدينة فاس الحالية أسسها, حسب ليون, إدريس سنة 185 هجرية، كان هذا أحد أقارب هارون الرشيد و أكثر قرابة من محمد نفسه ، لأن إدريس كان حفيد علي ، صهر محمد . إدريس الأب نفسه هو إدريس إبن عبد الله ، الذي كان قد قدم من اليمن و استقر في وليلي ، إبن هذا ولد له من أمة غوطية وذلك بعد وفاة الأب أولا. يورد رونو، أن إدريس أسس المدينة سنة 793 ميلادية ، الذي يوافق سنة 177 من التاريخ الإسلامي . مارمول يجعل بناء فاس سنة 793 ميلادية . غير أن هذه السنة تتوافق خطأ مع سنة 185 للهجرة. بينما وضع آخرون لتأسيس فاس سنة 808 ميلادية، أما دابر فيحيل تاريخ التأسيس إلى سنة 801 ميلادية. هناك تقديم و تأخير في تاريخ التأسيس، بحيث، أننا لا نستطيع تحديد السنة يقينا، بل علينا القبول ، بمعرفة، أن المدينة أسست حوالي نهاية القرن الثامن أو بداية التاسع الميلادي . أيضا معلومات غير محددة ، من أين ينحدر إسم المدينة. ليون يرجع الإسم إلى أنه عند القيام بالحفريات الأولى عثر المشيدون على الذهب و الفضة ،آخرون يذهبون إلى ، أن إسم المدينة اشتق من نهر صغير يشطر المدينة، يحمل نفس الإسم ، كذلك آخرون يرجعون إسم المدينة إلى الفأس ، ما يعني بالعربية «المعول.» فيما يتعلق بطريقة كتابة إسم المدينة، هكذا نجد أيضا قليلا من الإتفاق ، فبعضهم يكتب فاس ، أخرون فس ، غيرهم فيس ، و مع هذا تبقى فاس هي الصحيحة الوحيدة ، إذا ما نحن إعتمدنا على قواعد طريقة الكتابة و النطق العربي. ..... في فاسالجديدة هناك عادة «المحلة»، معناها معسكر الجنود. فهذا عليه أن يوجد دائما، حيث يقيم السلطان، و بما أن في فاس الجديد لا يوجد مكان كاف للقوات ، التي يحتفظ بها السلطان دائما من حوله، هكذا فإنهم يعسكرون هنا تحت الخيام . من الرؤية البعيدة ، يبدو هذا المخيم ، وسط العشب الاخضر، غني بالألوان، يخترقه واد فاس ، لكن في داخله تسود أفدح القدارة والفوضى .