يقدم لنا الأستاذ أحمد الإبريزي، من موقعه كأحد أقارب الشهيد محمد الزرقطوني، الذي عاش معه في ذات الفضاء العائلي بالدارالبيضاء، ثم كأحد رجالات الوطنية والنضال النقابي، هنا تفاصيل قصة حياة الشهيد محمد الزرقطوني، كما خبر تفاصيلها عن قرب. أي أنه شاهد لسيرة حياة، وشاهد لمغرب يتحول منذ الأربعينات، ثم هو مدرك بوعي سياسي لمعنى التحولات الكبرى التي صنعت مسار حياة رمز المقاومة المغربية الشهيد الزرقطوني. وميزة كتابة الأستاذ الإبريزي، أنها تزاوج بين الشهادة العينية المباشرة لمسار حياة الشهيد من داخل العائلة، وأيضا بين التأويل لمعنى التطور الأحداث والوقائع، وكيف أصبح الزرقطوني هو الزرقطوني. وهي هنا في الحقيقة، شهادة مكملة لسيرة الشهيد النضالية والسياسية والوطنية التي سبق وأصدرها كل من الأستاذ لحسن العسبي ونجل الشهيد عبد الكريم الزرقطوني في طبعتين سنة 2000 و 2003، والتي ترجمت إلى الإنجليزية من قبل جامعة مونتانا الأمريكية سنة 2007. مقتطف من خطاب المغفور له الملك محمد الخامس طيب لله ثراه، فوق قبر الشهيد محمد الزرقطوني بتاريخ 18 يونيو1956 "أيها البطل الشهيد، شاء لله عز وجل أن نقف اليوم على قبرك لا لنبكي شبابك الغالي، فإن أمثالك لاتقام ذكراهم بالبكاء، ولا لنجدد التعزية لأهلك وذويك، فإن فقدانك أعظم شرف، أصبحت تعتز به أسرتك. ولكننا جئنا اليوم لنتذكر المثل العليا التي بذلت في سبيلها روحك الطاهرة، لقد أبت عليك غيرتك الوطنية وتفانيك في حب وطنك وملكك إلا أن تسترخص الموت الزؤام، فأقبلت وعلم المقاومة خفاق في يمينك، مطمئن النفس إلى المصير المحتوم تردد بين الفينة والأخرى، يانفس إلى الجنة، وهكذا لبى القدر دعاءك، فلم يمهلك عن بلوغ مثواك الخالد، ولئن كان إخوانك المواطنون من قبل، يحيون ذكراك تحت ظلام الرعب الكثيف، فإنهم اليوم هبوا وعلى رأسهم ملكهم، يتناجون بتلك الذكرى في رائعة النهار، يتناجون بذكرى بطولتك الخالدة التي رسمت صورتك في كل قلب، وحركت باسمك كل لسان، وفرضت على التاريخ أن يضيفك إلى سجل الخالدين من أبنائه..." ما هي الأجواء والسياقات التاريخية البعيدة التي أثرت في شخصية الشهيد ؟ أحداث عظام تمتد على مدى مائة سنة من الانتكاسات ومن الدسائس ومن المؤامرات التي أفضت إلى ما أفضت إليه. فقد بدأ شبح احتلال المغرب يظهر في الأفق منذ احتلال فرنسا للجزائر والسيطرة عليها بالكامل سنة 1830، وهي نية مبيتة بقيت في طي الكتمان إلى حين الإعداد لها في الوقت المناسب. وبمقتضى هذا الاحتلال، أصبحت الحدود مشتركة بيننا وبين الفرنسيين وهذا ما زاد في أطماعهم الاستعمارية. شعرت الدوائر المسؤولة في المغرب بهذه الخطورة دون أن تتخذ الاحتياطات لتفويت الفرصة على القوات الاستعمارية، إذ أقدم المولى عبد الرحمان على مد يد العون والمساعدة للمقاومة الجزائرية، التي اندلعت كرد فعل على الاحتلال الفرنسي بقيادة الثائر عبد القادر الجزائري الذي احتضنه المغرب وفتح الحدود أمامه في إطار التضامن العربي والإسلامي، وهذا ما حدا بالقوات العسكرية لتجاوز الحدود والتوغل في الأراضي المغربية ردا على هذا الموقف المعادي لها حسب زعمها لأنه في نظرها يهدد مصالحها وأمنها القومي. كان لابد من الاصطدام مع هذه القوات المهاجمة، فالتقت القوتان في معركة ضارية انتهت بهزيمة الجيش المغربي الذي لم تكن قواته رادعة، بل تعتمد فقط على سلاح تقليدي، لم يصمد أمام المدافع الحديثة للقوات الفرنسية، ونتج عن هذه الهزيمة العسكرية في موقعة إيسلي سنة 1844م عدة سلبيات ترتب عنها احتلال بعض الأراضي المغربية والاحتفاظ بها، والتوقيع على «اتفاقية مغنية» التي احتوت على بندين أساسيين : وقف الدعم المغربي للثورة الجزائرية أولا، ثم رسم الحدود بين المغرب والجزائر ثانيا. لقد استغلت الدول الاستعمارية انهيار الدولة وإثارة الفوضى في كيانها من طرف المستعمرين على اختلاف دولهم في إطار المصالح المشتركة فيما بين هذه الدول ليأخذ كل واحد نصيبه من الكعكة، وهكذا خضع المغرب للاحتلال الفرنسي الذي انفرد بالحصة الكبرى وأخذت اسبانيا نصيبها في شمال المغرب بينما أصبحت طنجة دولية. لقد تم إنهاك الدولة بما أحدثه الأوربيون من اضطرابات هنا وهناك لإرغامها على الاستسلام لعجزها عن استقرار الأمن في ربوع المغرب وضبطه بصفة كاملة.