منذ نعومة أظافرها،تحب أن تكون مميزة،أمَا كانت تعصِب جيدها وجبهتها بإكليل من القرقاص وشقائق النعمان مثل الهنود الحمر،وتختال وتتبختر مثل الأميرات؟ ولمّا دانت لها الدنيا،حتى أصبح الناس يخطبون ودها،أمعنت في الكبرياء والخُيلاء،بقفاطنها وتكشيطاتها المرقطة والمزركشة وشرابيلها وعِصابها وحزامها(مضمتها) الذهبية ودمالجها الفضية وأقراطها و قلادة ذهبية وعقيق بجيدها وخواتمها الذهبية الخمسة الثمينة ، وتسريحة شعرها المتشح بالاسود الناصع ووشمة(سيالة) بذقنها، وجسمها الثخين ومقلتيها السوداوين وابتسامتها العريضة ولكنتها البدوية،فخرا بمغربيتها، واعتزازا بكونها المرأة التي ناضلت من أجل المرأة،لدحض الدونية عنها،ولتأكيد حريتها واستقلاليتها وقدرتها على البذل والعطاء. ما أحوجنا،مرة مرة، أن نعرض لأناس من عيار الشعيبية، نتحدث عن تفتق قرائحهم وملكاتهم ونبوغهم ، فالشعيبية، فلتة من فلتات الزمان التي يعز تكرارها،وذكرى وصنيع سكّ الاعتبار للمرأة وشهدَ على نضال شرس رسخت خلاله وجودها في عالم الفن،وبزت رجالاته من مثقفي الستينيات بوجه خاص،وأفحمت كثيرا من فناني الغرب ورفعت راية المغرب عاليا أمام الناس وأمام التاريخ. يحز في نفس الشعيبية ،حتى وإن عانقت المجد والثريا، أنها لم تاخذ نصيبها من العلم والمعرفة. لذلك، كان يضيرها أن تسمع تعليقا عن أنها فنانة أمية،فهي لم تلج أي مدرسة او مسيد /احضار،إذ كان التعليم زمن الحماية، مخصصا فحسب لأبناء الأعيان وأذناب الاستعمار، أما الشعب، أما الأولاد، فممنوع عليهم أن يطهّروا رؤوسهم من أدران التخلف والأمية. أما البنات، فلا يجرؤن أن يطالبن بشيئ البتة، بالأحرى التعليم،لأن العقلية التقليدية، ترى في تعلم المرأة خروجا عن وعلى التقاليد والعادات. المرأة من هذا المنظور - إذن- منذورة للبقاء بالبيت لا تبرحه إلا إلى القبر. تدرك الشعيبية مالكلمة "أمية" من حمولة قدحية،وأثر سيئ ومؤلم على نفسيتها.ولذلك كان أول ما فتح الله عليها، فتحت قلبها وجيبها لأهليها لسد خصاصهم وتأدية واجبات الدراسة لأبنائهم. كان الظرف الجديد الذي أصبحت تعيشه الشعيبية يحتم عليها أن تتعلم الفرنسية، لتخاطب زوارها من الطبقة الراقية في الداخل والخارج على السواء، لأنها لغة الحضارة والسيطرة، لغة الاستعمار وقتذاك، ولا مكان للنطق بالعربية في محافل ونوادي الفن والأبهة. وبالفعل،عقدت مع أستاذ شاب يتقد حماسا وعزيمة وإصرارا على تعلم الفرنسية. حضر الأستاذ وبذل جهدين، وتصبب عرقه وهو يفسر ويشرح أكثر من مرة،واستخدم ألف بيداغوجية وبيداغوجية.. وآخر المطاف لم يجد بدا من رفع راية بيضاء في وجه الشعيبية، وولى الأدبار غير متأسف على شيئ، فقد وجد المسكين نفسه هو الذي تلقّن اللكنة البدوية التي تصرّ الشعيبية على عدم الفكاك والتحرر منها. الحلم حقيقة أم مختلقا؟ صدقت الشعيبية "الكارطة" التي لاتفارق جيبها في الغدو والرواح.فقد كان يروقها ان تظهر بمظهر العرافة التي تطلع الناس على المجهول،وكثير من الفنانات التشكيليات يعرفن هذا الأمر. كانت الشعيبية تغبط مشغليها على النعمة التي منّ الله بها عليهم من بذخ وترف،وتتمنى أن يبدّل حالها من خادمة إلى سيدة من سيدات المجتمع، وببيت خير من بيتها، تجمّل جدرانَه لوحاتٌ من وحيها وإلهامه،يقف الناظرون أمامها طويلا منبهرين وقد شدهم إليها ألوانها وموضوعاتها وإطاراتها. أشاعت الشعيبية أنها حلمت "تحت زرقة السماء بأشرعة تدور،وبغرباء يقتربون منها يقدمون لها أوراقا وأقلاما." وفي رواية أخرى، حلمت "أنها بداخل غرفة نومها،حيث باب الغرفة مفتوح.اكتشفت صفا من الشموع المضيئة يمتد حتى الحديقة. كانت كل ألوان قوس قزح تتلألأ في سماء زرقاء تماما،بعد ذلك، دخل رجال شديدو بياض الثياب الغرفة،فمنحوا الشعيبية قماشات وفرشاة، موضحين لها "هذا هو مكسب قوتك".وأضافت رواية ثالثة للحلم تقول إنها رأت ملاكا يقف عليها في الحلم ويقول"الشعيبية،هيا قومي ولوني القصر". عندما نقلب صفحات التاريخ، نعلم أن كثيرا من النوابغ على اختلاف توجهاتهم، كان "الحلم" قطرة لسيل من تفتقِ أفكارهم النيرة وإبداعاتهم الجليلة، والشعيبية لاتقل عن هؤلاء.هذاالحلم،أو بالأحرى الرؤيا،لأن الحلم،هو مايراه المرء من أمر مكروه، أما الرؤيا فهي ما يراه النائم من أمر محبوب،قد توصلتُ بخصوصه،برسالة تاريخية موثوق بها من الفنان التشكيلي الدكالي أندري الباز،أضعها بين يدي القارئ. حاولت الشعيبية أن تضفي عليها بقصة الحلم بوجوهها المتعددة، هالة من الالعجائبي لبعث الدهشة والحيرة . كان لابد للحلم أن يتحقق. ففي اليوم الموالي، قامت الشعيبية تقتني الدهان الأزرق الذي يستخدم في دهن حواشي الأبواب وشرعت ترسم بقعات وبصمات خِفْية، لكن ضبطها ابنها وقد لطّخت ملابسها بالصباغة، فسألها عن ذلك، فقالت في حشمة وتبسّم وصوت خافت،أنا أيضا أرسم مثلك.وأمست بعد خمسة عشر يوما ترسم على مرأى منه، مستخدمة كرطونه وألوانا مائية". وما القصر المذكور في الحلم سوى بيتها الجديد، الواقع بالبيضاء بشارع رابولي وبه محترف جميل زارته فلوتين فوغير المتخصصة في الفن،كما زاره الشاعر اللبناني والناقد الجمالي طلال حيدر،الذي روى"وجدت بيت الشعيبية أكثر من محترف.إنه مشغل ورشة قائمة، الجدران، المطبخ، فسحة الدار، الخيمة الصيفية والشتائية،الشجر، باب القبة، جميع الأبواب، مامن مساحة صالحة لتستقبل اللون، إلا وملأتها الشعيبية رسما. وأردف أن بمدخل منزلها تقف سيارة جكوار حمراء،وأثناء حواره معها استرسلت الشعيبية في الحديث عن الطاجين والكسكس والبسطيلة."