الحسيمة.. تخليد الذكرى 19 لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير تستقبل أطفالا من ضحايا زلزال الحوز    التعادل السلبي يحسم ذهاب نهائي دوري أبطال إفريقيا بين الترجي والأهلي    استعدادا لموسم الصيف.. سلطات طنجة تحرر الشاطئ البلدي من الاستغلال العشوائي    مفتشية الأمن الوطني تتسلم 2447 شكاية    الناظور تحتفي بالذكرى التاسعة عشرة لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    إعلاميون مغاربة يعتصمون بملعب القاهرة بسبب "الاعتمادات"    وزارة الحج السعودية تنبه: تأشيرة العمرة لا تصلح لأداء الحج    سبتة تفتح مسبحها البلدي الكبير بأمل تحقيق انتعاش سياحي    الأمثال العامية بتطوان... (602)    هلال يدين ضغوط السفير الجزائري على الوفود الداعمة لمغربية الصحراء بكاراكاس    فرنسا-المغرب.. توقيع اتفاق حول الإنتاج المشترك والتبادل السينمائيين    كأس الكونفدرالية الإفريقية (إياب النهائي).. نهضة بركان على بعد خطوة واحدة من تتويج قاري جديد    حنون تدخل على خط الرئاسيات الجزائرية    مطالب للحكومة بضمان تمدرس الأطفال المتشردين    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    جهة طنجة تتطلع الى استقطاب 700 الف سائح جديد في أفق 2026    إحباط تهريب وترويج 62,550 قرص مخدر وضبط ثلاثة مشتبه بهم    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    نهائي الكاف.. الموعد والقنوات الناقلة لمباراة إياب نهضة بركان والزمالك    زهير الركاني: آليات الوساطة والتحكيم ركائز أساسية في عملية التطوير والتنمية التجارية لتنمية جهتنا و مدينتا    خطاب جلالة الملك محمد السادس في القمة العربية : تصور إستراتيجي جديد للعمل العربي المشترك    نائب رئيس الموساد سابقا: حرب غزة بلا هدف ونحن نخسرها بشكل لا لبس فيه واقتصادنا ينهار    الداخلية تمنع عقد مؤتمر ب "آسا" لقبائل "آيتوسى" كان سيٌعلن رفضها تفويت أراضيها الجماعية    أخنوش يترأس الوفد المغربي المشارك في المنتدى العالمي العاشر للماء بإندونيسيا    بدء وصول المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي المؤقت    فلاحون فرنسيون يهاجمون شاحنات طماطم قادمة من المغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    مداهمة مستودع بداخله قنينات خمر ولفافات كوكايين بطنجة    وفاة دركي خلال حادثة سير بطنجة    غامبيا تجدد تأكيد "دعمها الثابت" للوحدة الترابية للمملكة    التصدير يرفع أسعار الخضر بالمغرب ومهني يوضح    المعرض الدولي للكتاب يحتفي برائد السرديات العربية "العصامي" سعيد يقطين    "حفيدة آلان ديلون" تراهن على نتائج فحوصات إثبات النسب    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    المغربي مهندس مطار غزة يبرز "لقاءات مع التاريخ" في دعم القضية الفلسطينية    البحث عن الهوية في رواية "قناع بلون السماء"    بيان صحفي: ندوة لتسليط الضوء على مختارات من الإنجازات البحثية ضمن برنامج الماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي    أوكرانيا تنفذ عملية إجلاء من خاركيف    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    بسبب سلوكه.. يوفنتوس يقيل مدربه أليغري بعد يومين من تتويجه بكأس إيطاليا    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    كيف يتم تحميص القهوة؟    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين المغرب وإيران .; تدافع مصالح قوي من الخليج حتى دول الساحل
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 09 - 2015

قد لا يبالغ الواحد منا، حين يجزم (دون أن نحمل معنى الجزم هنا، ما هو قطعي) أن "اتفاق فيينا" ليوم 14 يوليوز 2015، بين إيران والقوى الوازنة عالميا (مجموعة الدول الخمس الدائمي العضوية بمجلس الأمن، زائد القوة المالية الأولى بأروبا: ألمانيا)، سيؤرخ له كتدشين لانعطافة غير مسبوقة في وجود العالمين العربي والإسلامي، هو الذي سيدخل حيز التطبيق 90 يوما بعد أن صادق عليه مجلس الأمن يوم 20 يوليوز 2015. لأنه، بكل مقاييس التحليل السياسية والإستراتيجية، اتفاق سيكون له ما قبله وما بعده، في الوجودين العربي والإسلامي بالقرن 21 كله. أكثر من ذلك، يمكننا الذهاب أبعد، ونتساءل إن لم يكن "عالم عربي وإسلامي جديد" قد ولد بعد "اتفاق فيينا" وليس فقط "إيران جديدة"؟. لأن من يعتقد، أن ما تم التوقيع عليه، مجرد رسم لخرائط الذراع العسكرية النووية الإيرانية، هو مخطئ. أعمق من ذلك، إن ما تم إنهاء خطاطته في فيينا، بعد جولات عدة، في عدد من مدن أروبا، منذ 2003، بين خبراء البلدين، إنما هو ترسيم شمولي لخريطة مصالح "أوراسية" جديدة تهم قرننا الجديد بكامله، لطهران دور محوري فيه. هل تم ذلك مرة أخرى على حساب "العرب"؟. الحقيقة إن الجواب الأسلم، هو أن ذلك تم على حساب من لم يبلور قوة للدولة الحديثة، دولة المؤسسات (لا منطق العشائر والطوائف).
السؤال الأهم، الذي يعنينا هنا، بخصوص "إيران الجديدة"، هو: كيف هي علاقتنا مغربيا بطهران، وكيف يجب أن تكون؟ (وهو سؤال سابق، ولاحق، على عدم شمول جولة وزير خارجية إيران الداهية محمد جواد ظريف المغاربية للرباط). لا يمكن مرة أخرى، أن نسقط درس التاريخ، في محاولة الجواب على هذا السؤال. وأول دروسه أن تراكم منطق الدولة عندنا وعندهم قديم، ربما بسبب أننا بقينا دوما بلاد أطراف بعيدة عن مركز الحكم في دمشق وبغداد والحجاز، مما أنضج إنسية حضارية مسلمة مختلفة هنا وهناك. دون إغفال أن العنصر العربي وافد اجتماعيا وتاريخيا على الجغرافيتين معا، وأن انصهاره في بوثقة الخصوصية الفارسية شرقا والخصوصية الأمازيغية غربا، قد تم باختلافات حكمها منطق الصراعات الجيو ستراتيجية لكل مجموعة بشرية منهما. فالمجموعة الفارسية في علاقتها كوسيط بين الإسلام والهندوسية (كبوابة لطريق الحرير القديمة بين الشرق والغرب)، قد تشكلت حضاريا بشكل يوازي شكل تشكل المجموعة المغربية، التي تكونت أيضا من خلال لعبها دور الوسيط بين قارتين (إفريقيا وأروبا) وبين حضارتين (الإسلام والمسيحية)، وأن الدولة المغربية تبلورت دوما كقنطرة بين ذهب تمبوكتو والسودان القديمة جنوبا وبين موانئ جنوة ومارسيليا وأمستردام وليفربول ولشبونة وبرشلونة شمالا. بالتالي فأسباب تبلور الهوية الفارسية تتقاطع مع أسباب تبلور الهوية المغربية، لهذه الأسباب التاريخية. والمشترك بينهما، هو تبلور منطق للدولة مستقل (نفس الأمر تحقق مع المجموعة الثالثة، المسلمة غير العربية، في بلاد الأناضول بين قارتي آسيا وأروبا. أي تركيا اليوم).
لو انطلقنا، من جملة قفل في كتاب علمي دقيق، مثل كتاب المؤرخ والباحث الأنثربولوجي الإيراني يرفند إبراهيميان، الأستاذ الباحث بجامعة برينستون الأمريكية "تاريخ إيران الحديثة"، فإنه قد "دخلت إيران إلى القرن 20 بالثور والمحراث الخشبي، وخرجت منه بمعامل للصلب وبواحد من أعلى معدلات حوادث السير في العالم، وببرنامج نووي يثير رعب الكثيرين". ويحق لنا هنا التساؤل: إيران تلك، التي دخلت القرن 21 باتفاق فيينا ليوم 14 يوليوز 2015، مع العالم (لأنه اتفاق تم مع القوى التي تصنع قدر المصالح الحاسمة دوليا)، كيف ستخرج منه؟. هذا سؤال مرعب للكثيرين في دنيا العرب مشرقيا. خاصة أن طهران، حين يخطب الكثيرون في الشرق الأوسط، تصمت هي، تستغل التناقضات وتربح على الأرض. يكفي هنا تأمل تراجعها التاكتيكي في اليمن، من خلال تغيير شكل تعاملها مع الملف اليمني عبر الذراع الحوثية، لإدراك ذلك. وأيضا شكل تعاملها الجديد مع الملف السوري عبر ذراع حزب لله اللبناني للتيقن من ذلك أكثر. مما يقدم الخلاصة المركزية، أن بلاد فارس بنظامها السياسي الخميني، إنما تتحرك بمنطق القوة الإقليمية، التي حددت خريطة دورها مع قوى العالم، الذي تبلور من خلال مسلسل طويل من التفاوض، تم تتويجه باتفاق فيينا هذا الصيف. فكيف، يمكن أن تكون علاقة المغرب معها إذن؟.
طهران، تدرك أكثر من غيرها، عاليا، أن الرباط مختلفة ضمن كل خريطة المسلمين والعرب. مختلفة بقصة علاقاتها القديمة مع بلاد فارس، وأيضا بقصة تركيبة مجموعتها البشرية سوسيولوجيا (مما كان قد قاله لي مرة الراحل الفقيه البصري، أنه حين التقى المرشد العام خامنئي قد قال له "نحن لا يمكن أبدا أن نغضب من المغرب والمغاربة، ولا من النظام المغربي، لأنهم من أحفاد آل البيت. ثم إن المغاربة بالنسبة لنا يعزون آل البيت وأنهم مغلفون بقشرة رقيقة من السنية" ). وهي مختلفة أيضا بدورها الوازن ميدانيا بمنطقة الخليج، وأن دورها في قيادة مدرسة الفقه بكل الغرب الإسلامي حاسم.
علينا، هنا مثلا، أن لا ننسى، أن الرباط ظلت لعقود، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، إلى حدود سنة 1979، تاريخ سقوط نظام آل بهلوي وتأسيس الجمهورية الإسلامية الخمينية، تلعب دور "الوسيط الإيجابي" ضمن احتدام صراع المصالح بين دول الخليج وطهران (خاصة الإمارات والسعودية)، مثلما ظلت تلعب دورا حتى في اتجاه باكستان (زمن الجنرال ضياء الحق). ويعود أساس ذلك الدور المغربي، إلى طبيعة تطور تدافع المصالح هناك بالخليج العربي من الكويت حتى ممر هرمز، منذ أواسط الستينات من القرن 20. لأن الدول المستقلة الجديدة هناك، خاصة البحرين وقطر والإمارات، قد وجدت نفسها طيلة نهاية الستينات وكل السبعينات، محط تنازع نفوذ بين قوتين استراتيجيتين كبريين بالخليج العربي، هما الرياض وطهران؟؟ الأولى، كونها تؤمن أنها اللاعب الأول والأوحد، في كل شبه الجزيرة العربية، الذي يرى أن له الحق في فرض شروطه السياسية والاقتصادية والأمنية والجيو ستراتيجية؟ وأن كل دول الجوار (الصغيرة جغرافيا، والضعيفة سكانياً)، عليها أن تنتظم ضمن الحساب القومي السعودي. وبعض من المخاض الذي عاشه مجلس التعاون الخليجي في بدايات تأسيسه واحد من العناوين الكبرى التي عكست هذا التنازع وهذا الطموح الإقليمي للرياض. فيما الثانية، ظلت تؤمن أنها القوة الإقليمية الأولى في كامل خليج العرب (تعتبره طهران خليج فارس)، وأنها التجمع البشري، المؤهل، بحكم قوة التراكم التاريخي للحضارة الفارسية، وبحكم قوتها الاقتصادية (البترول) وقوتها العسكرية (الحليف رقم 1 للغرب وأساسا واشنطن حتى 1979)، لفرض نفوذها السياسي على كل دول الجوار. وأول دول الجوار، عربيا، بالنسبة لها هي: العراق، الإمارات (بجزرها الاستراتيجية الثلاث وميناء دبي الهام جداً) والبحرين وسلطنة عمان. ولقد خصصت لكل واحدة منها أسلوب تعامل خاص، يفرضه ميزان القوى المرتبط بمناعة دفاع كل واحدة منها??
كان حظ الإمارات، مثلا، لأهميتها ملاحيا أن تضيع منها حتى الآن جزرها الثلاث الاستراتيجية ببحر الخليج العربي، "طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبوموسى". وهي جزر تقع بين شاطئ الخليج العربي وجزيرة "قشم" الإيرانية، وعلى درجة هامة من الناحية الإستراتيجية، لأنها تقع في المنطقة الأكثر عمقا من مياه الخليج العربي، وتعتبر بر أمان لكل السفن عند مدخل الخليج العربي في حال هبوب العواصف الخطيرة والشديدة? وبسبب وقوع الدولة الفتية حينها (الإمارات) بين كماشتي القوتين الإقليميتين الكبريين بالجوار، الرياض وطهران، وبسبب صعوبة أن تلعب القاهرة وبغداد ودمشق دور التوازن في معركة الصراع على النفوذ هذه، التي ولدت فيها الدولة الجديدة، بين سنوات 1967 - 1971، لتقليم اندفاع الرياض وطهران، خليجيا، لاصطفاف تلك الدول العربية الثلاث كلها - آنذاك - في المعسكر الشرقي، زمن الحرب الباردة، كانت الرباط (على بعدها الجغرافي، وهنا المفارقة التي تثير على مستوى علم السياسة والعلاقات الدولية)، الأكثر تأهيلا للعب دور "الوسيط الإيجابي" بين تلك الطموحات الإقليمية، التي لا يمكن إسقاط، أنها كانت تستفيد من دعم القوى الدولية في المعسكر الغربي ( لندن وواشنطن أساسا)، لما تمثله من خزان طاقي وأيضاً من ورقة توازن في المنطقة الخليجية كلها، سواء اقتصاديا، ثقافياً أو أمنياً? وكانت الرباط هي الأكثر تأهيلا، حينها، على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لأمرين حاسمين:
1 أنها مصطفة بدورها في صف المعسكر الغربي سياسيا واقتصاديا وأمنيا (خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا)? وبالتالي، مرغوب منها أن تلعب دور "الوسيط الإيجابي" ذاك في ما يرتبط بالملف الخليجي - الإيراني??
2 أنها، تاريخياً ومصلحياً، ترتبط بعلاقات وازنة ومؤثرة مع طهران (الشاهنشاهية) ومع الرياض (السعودية)? وأن ذلك منحها دوماً أن تلعب دور الوسيط ذاك بين العائلتين الملكيتين الحاكمتين ببلاد فارس وببلاد الحجاز. مما جعل وسائل عمل وتحرك الرباط خليجيا قد كانت ذات أثر فعلي في الميدان. فكان أن تلاقت ثلاث انتظارات توحدها المصلحة إقليميا ودوليا، حينها، هي:
أ انتظارات المعسكر الغربي، الحريص على حماية مصالحه الحيوية بالمنطقة?
ب الطموحات المتنافسة للقوتين الاقليميتين بالخليج، طهران والرياض?
ج أمل الدول الخليجية الفتية (خاصة البحرين والإمارات)، في الحق في الأمن والاستقلال والمناعة الاقتصادية??
هنا، كان الدعم الملموس الذي قدمه المغرب لتلك الدول (خاصة للإمارات)، منذ السنوات الأولى لاستقلالها حاسما ومؤثراً، خاصة على المستويين السياسي والأمني? حيث وظفت الرباط ما تمتلكه من خبرة ولوجيستيك في هذين المستويين، بالشكل الذي ساعد في ضمان خلق أسباب الاستقرار، المفضي إلى اكتساب المناعة للدولة الوليدة، وتصبح ليس فقط "دولة شقيقة" بالمعنى الدبلوماسي للعلاقات بين الدول، بل "حليفا استراتيجيا"، ولا تزال.
هنا يكمن عمق قوة العلاقات المغربية الخليجية (خاصة مع أبوظبي والرياض والمنامة)، بالشكل الذي ظل يمنح للرباط أن تكون ورقة وازنة في سياسة دول الخليج الإقليمية. وطهران البارحة واليوم تدرك ذلك جيدا، وتدرك أن شكل العلاقات مع الرباط، جد معقد ومتشابك ودقيق، وأنه يتطلب بالتالي كياسة كبيرة، لا تتحقق لغير الديبلوماسية المحترفة، المتأسسة على تراكم لتجربة منطق الدولة. وأنها تدرك أهمية الحرص على العلاقات السياسية والإقتصادية معه، بالشكل الذي يجعله يواصل ذات دوره القديم في أن يكون "وسيطا إيجابيا" بينها وبين دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات والبحرين. لكن، هل هذا وحده الملف الحاسم في تحديد شكل علاقات المغرب مع إيران.
الحقيقة، أن تمة ملفا آخر على ذات القدر من الأهمية الإستراتيجية، هو إفريقيا الغربية. هنا تريد إيران، أن لا تكون فقط، قوة إقليمية بجوارها الجغرافي الخليجي والعربي والآسيوي (تجاه باكستان وأفغانستان وتركيا وبحر قزوين)، بل إن طموحها أن تصبح قوة دولية عبر بوابة أن تكون قوة إسلامية. هنا الطموح السياسي والإستراتيجي أكبر.
ليس اعتباطا، أنها دخلت في مسلسل طويل من محاولات رسم شكل علاقات خاصة مع السودان، القوية بتوفرها على ميناء "بورت سودان" الإستراتيجي على البحر الأحمر، كورقة ضغط ضمن استراتيجيتها لخلق الأسباب لشكل معين للعلاقات الجديدة مع مصر. مثلما أنها تحاول بقوة (وفي صمت وبدون ضجيج إعلامي)، أن تخترق شبكة الزوايا الدينية بدول الساحل، التي هي تقليديا تابعة روحيا للمدرسة الفقهية المغربية المالكية الأشعرية على طريقة الجنيد. وأن خريطة هذا الإختراق، لا تتم عبر المشرق العربي، أي عبر مصر والسودان، بل إنها تتم عبر أروبا، من خلال خط مثير، هو خط "بروكسيل ? المغرب - موريتانيا". علينا الإنتباه، أنه خلال 15 سنة الأخيرة، قد نجحت طهران، بهدوء وفي صمت، في خلق شبكة ذراع دينية قوية لها في أروبا الغربية، مركزها بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، وامتدادها يصل إلى غرب إفريقيا عبر مدن طنجة والدارالبيضاء المغربية ونواكشوط الموريتانية.
والكثير من الحملات الإعلامية التي تشنها من حين لآخر وكالة "فارس للأنباء" شبه الرسمية، كونها تابعة للحرس الثوري الإيراني، ضد المغرب، إنما يكمن سببها في الدور المغربي الوازن والمؤثر دينيا بدول غرب إفريقيا. وهي الحملة التي تصل أحيانا حد اتهام المغرب بالعمالة لإسرائيل، مثلما تحاول فتح الباب لخطاب الإنفصاليين الصحراويين بتيندوف، كما سجل مؤخرا في إحدى القنوات الإيرانية الخاصة، التابعة بدورها للحرس الثوري. وسبب كل هذا القلق الإيراني، من قبل الجناح المتشدد للسلطة هناك، المستند على البنية الإيديولوجية التي تمثلها حوزة "قم"، إنما راجع إلى إدراكها لقوة النفوذ المغربي دينيا، ولإمارة المؤمنين للعاهل المغربي، بتلك الدول الإفريقية المسلمة. ذلك أن المخطط الإيراني للتغلغل في الغرب الإفريقي ودول الساحل، الذي شرع فيه منذ سنة 2001، خاصة بعد أحداث 11 شتنبر بالولايات المتحدة الأمريكية، ونضوب التمويل الخليجي لعدد من دور العبادة السلفية هناك. أن ذلك المخطط، يتم بهدوء وإصرار عبر الجالية اللبنانية الشيعية القوية بعدد من كبريات مدن تلك البلدان، والتي لها مشاريع اقتصادية وازنة (خاصة في تجارة القهوة والكاكاو والعاج بدولة ساحل العاج، ثم تجارة الماس بدولة سيراليون).
لقد عملت طهران، بالتوازي مع تعزيز حضورها الديبلوماسي بإفريقيا (فتح 30 سفارة بها منذ 2003)، على الإستثمار بقوة في الشق الثقافي والديني، من خلال فتح عدد من المدارس والحوزات الشيعية بعدد من هذه البلدان بغرب إفريقيا. وتوجت ذلك بتنظيم القمة الإفريقية الإيرانية سنة 2010، وأيضا فتح الباب لمئات من الطلبة الأفارقة المسلمين من هذه الدول للدراسة بإيران والعراق، خاصة بجامعتي "جعفر الصادق" و "فاطمة الزهراء" الشيعيتين، مما وفر لها بنية تنظيمية لتحقيق اختراقها الديني بالمنطقة الشاسعة تلك، التي تعاني خصاصا وفقرا على كافة مستويات التنمية. ومن أبواب تحقيق ذلك الإختراق، المؤسسات الخيرية التي يتم تأسيسها، والتي يشرف على تمويلها الحرس الثوري الإيراني، عبر وساطات متعددة ومتشعبة، تمتد بين بيروت وبروكسيل مرورا عبر المغرب وموريتانيا غربا ومن السودان شرقا (علينا التذكير هنا ببلاغ رسمي مغربي كان قد صدر حين قطعه العلاقات مع إيران، تمت فيه الإشارة لغضب الرباط من تغلغل شيعي إيراني بالمغرب).
إن التنافس الديني، إذن، كآلية حاسمة للنفوذ الإستراتيجي، بكل منطقة الغرب الإفريقي، من النيجر ودارفور شرقا حتى خليج غانا بكل فسيفساء دوله، التي المسلمون فيها يشكلون الأغلبية، غربا. مرورا بمسلمي شمال نيجيريا، محصور عمليا منذ أكثر من 15 سنة، بين ثلاث قوى مذهبية وسياسية وازنة ومؤثرة، هي: التيار السلفي الوهابي الخليجي، والتيار الشيعي الخميني الإيراني، ثم التيار التقليدي والتاريخي الأقدم، والأقوى، المغربي المالكي. وضمن صراع النفوذ هذا، نجد أن إيران، لا تستغل أبدا أرواقا كلاسيكية في تدافعها مع الإستراتيجية المغربية بغرب إفريقيا، مثل ورقة ملف الصحراء الغربية للمغرب، بشكل علني ورسمي. ليقينها أن دور المغرب في جوارها الخليجي وازن ومؤثر، وبالإستتباع ضمن خريطة المؤتمر الإسلامي، وأيضا ضمن الملف الفلسطيني، ليس فقط في علاقة مع كل التنظيمات الفلسطينية، بل حتى مع إسرائيل (التي خمس سكانها من أصول مغربية).
هو في المحصلة، تدافع بين كبيرين. كبيرين في التاريخ كدول، وكبيرين كقوى إقليمية لها امتدادات جهوية وقارية ودولية مؤثرة وحاسمة. وأكيد أن لهما ما يكفي معا من الفطنة، لإدراك أن خريطة علاقاتهما لا يمكن إلا أن يكون مختلفا عن الكثير من خرائط العلاقات التقليدية والكلاسيكية بين أطراف العالمين العربي والإسلامي. وهنا لربما يكمن السر في عدم شمول جولة وزير الخارجية الإيراني الداهية محمد جواد ظريف لمنطقة المغرب العربي، الرباط. لأن التهييئ لها، إلزاما، مختلف وخاص. مع الإنتباه، أن ملف هذه العلاقات، ليس محصورا فقط في ما هو سياسي، بل تمة معطى اقتصادي آخر وازن ضمنها. وهو المعطى، الذي كانت بعض ملامحه الجنينية قد وضعت أسسه الزيارة التاريخية، غير المسبوقة، التي كان قد قام بها الوزير الأول المغربي عبد الرحمن اليوسفي، حين قيادته لحكومة التناوب، زمن الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. المتمثل في التعاون الإقتصادي على مستوى تصدير فوسفاط المغرب، الغني باليورانيوم إلى طهران، تماما مثلما يتحقق مع الهند وباكستان والصين.
بين المغرب وإيران، مشترك آخر، هو أنهما معا بلدان منتجان لأجود أنواع الزعفران في العالم، وأيضا لأنواع لا مثيل لها في العالم من الزرابي والسجاد. وهي بذلك، تمتلك ما يكفي من الفطنة لتهيئ طبق سياسي علائقي، بتوابل هادئة، على نار "مهيلة" (خفيفة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.