من المتوقع أن يصوت البرلمان الجزائري بغرفتيه، الأحد، على دستور جديد مثير للجدل، على خلفية الرفض الذي يلقاه من قبل المعارضة، ولكونه لم يأخذ في الاعتبار الإرادة الشعبية. وبحسب متتبعين محليين، فإن هذا التعديل الدستوري الذي أعلن عنه منذ خمس سنوات، لا يستجيب لتطلعات المجتمع المدني الجزائري التواق لنظام سياسي ديمقراطي حقيقي. وإذا كان النظام القائم متيقن من أن نص المشروع سيمرر من دون عراقيل مادامت غرفتا البرلمان (المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة) يسيطر عليهما نواب حزبي الأغلبية أو ما يسمى الآلتان الانتخابيتان المقربتان من النظام (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، فإن ذلك لا يعني أن الطريق ستكون معبدة مائة في المائة خلال عملية التصويت عليه، ذلك أن أحزاب في المعارضة أعلنت سلفا مقاطعتها عملية التصويت التي تصفها ب «المسرحية الهزيلة». فقد أكدت جبهة القوى الاشتراكية المعروفة اختصارا ب(أفافاس) وهي الحزب المعارض الأقدم في الجزائر، مقاطعة برلمانييها التصويت على التعديل الدستوري، بحجة أنه «جاء بعد إقصاء الرأي المخالف». واعتبر الحزب أن مشروع تعديل أسمى وثيقة في البلاد «ما هو إلا استمرار لمسلسل العنف الدستوري الممارس ضد الشعب الجزائري منذ دستور عام 1963»، وأنه «لا يخدم الشعب الجزائري، ويهدد الاستقرار والانسجام الوطنيين»، مضيفا أن «الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي تعيشها البلاد، ليست وليدة نص قانوني، وانه لا يمكن لنص قانوني أن يخرج الجزائر من هذه الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم». وعلى المنوال ذاته، سار تكتل الجزائر الخضراء الذي يضم أحزاب ذات توجه إسلامي (حركة مجتمع السلم) و(الإصلاح) و(النهضة)، حيث أعلن بدوره مقاطعة التصويت. ويعيد موقف المعارضة المضاد للمشروع إلى الأذهان الفوضى التي سادت قبة البرلمان خلال عملية التصويت على قانون المالية 2016، بحيث اختلط الحابل بالنابل وبلغت حدة الصراعات بين الفرق البرلمانية حد التشابك بالأيدي، مما شكل حدثا غير مسبوق في تاريخ المؤسسة التشريعية الجزائرية، إذ صودق على هذا القانون في أجواء مكهربة، دفعت بالمعارضة إلى الاعتصام داخل مقر البرلمان مع سعيها للخروج في مسيرة إلى الشارع قوبلت بمنع من طرف قوات الأمن. ويرى ملاحظون أن مشروع التعديل الدستوري الجديد يتضمن عدة نقاط ظل وتعارضات على مستوى الشكل والمضمون، على غرار المادة 51 التي ندد بها جزائريو المهجر، معتبرينها مكرسة ل «التمييز»، لكونها تمنع على الجزائريين الحاملين لجنسية مزدوجة الترشح لأي انتخابات محلية أو تولي منصب سام في مؤسسات الدولة. وأثارت هذه المادة حنق الجزائريين بالمهجر، وطالبوا بإلغائها باعتبارها مادة « تمييزية وغير عادلة». وردا على منتقدي هذه المادة ال51، قال الوزير الأول عبد المالك سلال خلال تقديمه لمشروع التعديل الدستوري، يوم الخميس أمام نواب البرلمان ، إنها تخص فقط «المناصب السامية والحساسة» في الدولة. وفي خضم ذلك، دعت عدة جمعيات جزائرية إلى اعتصامات، اليوم السبت، أمام مقار سفارة وقنصليات الجزائر في فرنسا للتنديد بهذا الإجراء الإقصائي. وتوسعت جبهة الرفض خاصة بعد موقف منظمة العفو الدولية (أمنيستي) التي أبدت ، عبر فرعها في الجزائر ، جملة من الملاحظات والانتقادات لمشروع التعديل الدستوري. وفي تقدير المنظمة، فان المشروع لا يعطي ضمانات كافية لاحترام وتكريس الحريات وحقوق الإنسان بالجزائر، بل يضرب في الصميم مبادئ القانون الدولي المتعلقة بحقوق الإنسان. وذكرت (أمنيستي) ، في هذا الصدد ، بالإفلات من العقاب مع ترسيخ المصالحة الوطنية التي استفاد منها ، بشكل واسع الإرهابيون ، على حساب ضحايا الإرهاب الذين كان مصيرهم التهميش. من جهة أخرى، وقعت أزيد من 20 شخصية وإطار جزائريين على تصريح مشترك حذروا فيه من مخاطر توظيف قضية القبايل من طرف أجنحة النظام»، في إشارة إلى ترسيم الأمازيغية.» وتتزامن ردود الفعل هذه والتخبط في تحديد موعد اجتماع غرفتي البرلمان الجزائري للتصويت على هذه الوثيقة. فبينما استدعى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، السبت الماضي، البرلمان للاجتماع، الأربعاء، لعرض مشروع القانون المتضمن تعديل الدستور، أعلن رئيس لجنة برلمانية، أن هذا اليوم لم يكن إلا لتحديد تاريخ عرض المشروع، فيما قال الوزير الأول أن التصويت على المشروع سيكون يوم الأحد.