تكالبت عوامل الجفاف والأوبئة خلال الموسم الفلاحي الحالي على وضعية العديد من القطاعات الزراعية، مخلفة استياء عارما في أوساط الفلاحين الذين مازالوا ينتظرون من الحكومة برامج استعجالية لإنقاذ ما تبقى من الموسم الفلاحي الذي قد يكون الأسوأ خلال العشرية الأخيرة. ولم تكف قساوة المناخ وتأخر التساقطات لتأزيم المشهد الفلاحي خلال العام الجاري، بل انضافت إليه سلسلة من الأوبئة الحيوانية والنباتية التي تضرب العديد من السلاسل الزراعية، كما هو الحال بسلسة الدواجن، حيث شهدت مجموعة من ضيعات تربية الدواجن بالمغرب خلال الأيام القليلة الماضية نفوق أعداد كبيرة من الدجاج، خصوصا في منطقة آسفي، التي سجلت فيها بعض الحالات نفوق أعداد تقدر بالمئات يوميا. ولعل ما زاد من شدة مخاوف مربي الدواجن والمستهلكين على حد سواء تداول مقطع من شريط فيديو لأحد مربي الدجاج يتحدث فيه عن نفوق أعداد هائلة من الدواجن بسبب داء السالمونيلا والميكوبلازم. الفيديو الذي أثار حفيظة الفيدرالية البيمهنية لقطاع الدواجن بالمغرب، حيث نفت التصريحات الواردة في شريط الفيديو في شقها المتعلق بالأسباب التي أدت إلى نفوق تلك الأعداد الكبيرة من الدجاج، معتبرة أنها "تصريحات لامسؤولة وتحمل خطورة كبيرة لأنها لا ترتكز على أي أساس علمي مثبت". ومعلوم أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أعلن في بلاغ صادر بتاريخ 28 يناير 2016 أن حالات النفوق التي تم تسجيلها في أوساط الدواجن وتراجع نسبة التبييض مردها بالأساس إلى ظهور نوع من فيروس إنفلوانزا الطيور قليل الضراوة يصنف تحت رمز (H9N2)، وهو الفيروس الذي ينبغي عدم الخلط بينه وبين الفيروس الخطير H5N1، المعروف بفتكه بالطيور. الآفات الفلاحية خلال هذا الموسم لا تقتصر على الفروع التقليدية فحسب، بل تهدد أيضا فروعا اقتصادية جديدة وواعدة كما هو الحال بالنسبة لزيت الصبار الذي يمكن أن يلعب هذه السنة دورا أساسيا في موازنة آثار الجفاف بالنسبة لبعض المناطق، خصوصا المناطق البورية، علما بأن اللتر الواحد من زيت الصبار يسوق بنحو 3500 درهم. ففي تقرير حديث، دق مهنيون ناقوس الخطر حول انتقال آفة تعفن الصبار واستفحالها بشكل خطير في جهة الدارالبيضاء بعد أن انتشرت السنتين الماضيتين في مناطق الرحامنة ودكالة التي تعتبر من أهم مناطق إنتاج الهندية ومشتقاتهابالمغرب. وظهرت حشرة بق الصبار التي تؤدي إلى تعفن نبتة الهندية وهلاكها في شتنبر 2014 في جهة الرحامنة، حيث تقدر المساحات المغروسة بالصبار بأزيد من 50 ألف هكتار. وانتشرت في السنة الماضية في جهة دكالة، وفي غفلة من مصالح وزارة الفلاحة وعدم اتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة الآفة، أصبح بق الصبار يهدد بغزو مناطق أخرى، خاصة المناطق البورية والشبه قاحلة، حيث يشكل الصبار ملاذا طبيعيا للفلاحين الصغار باعتباره مقتصدا للماء ولا تتطلب زراعته واستغلاله كبير عناء. ففي مناطق عدة من البلاد، خاصة تزنيت وسيدي إفني والرحامنة، بذل الفلاحون مجهودات كبيرة في السنوات الأخيرة لتطوير هذه الزراعة. و ظهرت مشاريع صغيرة في إطار الفلاحة التضامنية اتخذت من الهندية مادة أولية لاستخراج العديد من المشتقات المتعددة الفوائد، خاصة مربى الصبار وزيت الصبار الذي بدأ يسير بخطى وئيدة على نهج زيت الأركان في غزو الأسواق الداخلية والخارجية كمنتوج محلي متميز ذو مزايا علاجية وتجميلية أكيدة. فماذا فعلت الحكومة لإنقاذ هذا القطاع الواعد؟ أم أنها تفضل انتظار موسم تسويق فاكهة الصبار خلال الصيف لتخرج من سباتها، كما فعلت الصيف الماضي، ببيان يؤكد أن مرض الصبار لا يمثل أية خطورة على صحة الإنسان والحيوان وأن بإمكان المغاربة استهلاكه دون خوف ولا فزع. ومن أوجه المعاناة التي انضافت خلال هذا الموسم لتزيد من أعباء الفلاحين وسكان العالم القروي، تراجع منسوب المياه الجوفية الذي انعكس بشدة على وضعية الآبار في العديد من مناطق المملكة، كما هو الحال بإقاليم أسفي – عمالة اليوسفية ، حيث نضبت مياه الآبار المستعملة للري الفلاحي ، وما عادت تكفي حتى للاستعمالات الحيوية، إذ يضطر عدد من فلاحي وسكان دواوير جماعة السبيعات مثلا، إلى شراء الماء الصالح للشرب ، كما أكد محمد بلقاضي أحد فلاحي دوار ولاد رحو قائلا «لم نعد نقوى على شراء الماء، سنموت عطشا قبل بهائمنا.. ثمن الصهريج هنا يصل إلى 200 درهم ، والسلطات تعدنا كل عام بربط الدوار بشبكة الماء الشروب، دون أن تفي بوعدها..» الفاعل الجمعوي، رشيد لبكر، عضو "التحالف المغربي للماء" أكد لنا في هذا السياق، أن الفرشاة المائية تعرف استنزافا خطيرا في كثير من الأقاليم، بعدما تكالبت عوامل الجفاف والاستعمال غير المقنن للمياه الجوفية، ما أدى إلى نزول منسوب المياه داخل الأبار، وعزا لبكر استفحال هذه الظاهرة إلى الفوضى التي يعرفها العالم القروي في مجال حفر الآبار ، حيث تم خلال السنوات الأخيرة حفر آلاف الآبار دون احترام أحكام المادة 83 من القانون رقم 10.95 والمادتين 20 و22 من هذا المرسوم، الذي يهم التراخيص أو الامتيازات المتعلقة بالملك العام المائي الذي يلزم المواطنين الراغبين في حفر بئر بضرورة الحصول على ترخيص رسمي من وكالات الأحواض المائية ، التي تمنح التراخيص بناء على خرائط المياه الجوفية المتوفرة لديها، غير أن السلطات المحلية لا تتعامل بالصرامة اللازمة مع هذا القانون ، ما أدى إلى انتشار الآبار العشوائية بكثافة ، واستنزاف الثروات المائية حتى وصلت الوضعية اليوم إلى درجة الخطر في بعض المناطق.