الناظور تحتفي بالذكرى التاسعة عشرة لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    إعلاميون مغاربة يعتصمون بملعب القاهرة بسبب "الاعتمادات"    الأمن الوطني يطلق منصة رقمية "إبلاغ" لمحاربة الجرائم الرقمية    وزارة الحج السعودية تنبه: تأشيرة العمرة لا تصلح لأداء الحج    سبتة تفتح مسبحها البلدي الكبير بأمل تحقيق انتعاش سياحي    الأمثال العامية بتطوان... (602)    كأس الكونفدرالية الإفريقية (إياب النهائي).. نهضة بركان على بعد خطوة واحدة من تتويج قاري جديد    فرنسا-المغرب.. توقيع اتفاق حول الإنتاج المشترك والتبادل السينمائيين    هلال يدين ضغوط السفير الجزائري على الوفود الداعمة لمغربية الصحراء بكاراكاس    جهة طنجة تتطلع الى استقطاب 700 الف سائح جديد في أفق 2026    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    الداخلية تكشف حصيلة 19 سنة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    مطالب للحكومة بضمان تمدرس الأطفال المتشردين    حنون تدخل على خط الرئاسيات الجزائرية    بنسعيد يتفق مع نظيرته الفرنسية على محاربة السطو على التراث الثقافي.. ويوقعان اتفاقا في السينما    إحباط تهريب وترويج 62,550 قرص مخدر وضبط ثلاثة مشتبه بهم    نهائي الكاف.. الموعد والقنوات الناقلة لمباراة إياب نهضة بركان والزمالك    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    زهير الركاني: آليات الوساطة والتحكيم ركائز أساسية في عملية التطوير والتنمية التجارية لتنمية جهتنا و مدينتا    خطاب جلالة الملك محمد السادس في القمة العربية : تصور إستراتيجي جديد للعمل العربي المشترك    الداخلية تمنع عقد مؤتمر ب "آسا" لقبائل "آيتوسى" كان سيٌعلن رفضها تفويت أراضيها الجماعية    أخنوش يترأس الوفد المغربي المشارك في المنتدى العالمي العاشر للماء بإندونيسيا    نائب رئيس الموساد سابقا: حرب غزة بلا هدف ونحن نخسرها بشكل لا لبس فيه واقتصادنا ينهار    فلاحون فرنسيون يهاجمون شاحنات طماطم قادمة من المغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    مداهمة مستودع بداخله قنينات خمر ولفافات كوكايين بطنجة    وفاة دركي خلال حادثة سير بطنجة    التصدير يرفع أسعار الخضر بالمغرب ومهني يوضح    غامبيا تجدد تأكيد "دعمها الثابت" للوحدة الترابية للمملكة    غزة.. مقتل 35386 فلسطينيا جراء الغزو الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر    المعرض الدولي للكتاب يحتفي برائد السرديات العربية "العصامي" سعيد يقطين    "حفيدة آلان ديلون" تراهن على نتائج فحوصات إثبات النسب    أوكرانيا تنفذ عملية إجلاء من خاركيف    المغربي مهندس مطار غزة يبرز "لقاءات مع التاريخ" في دعم القضية الفلسطينية    البحث عن الهوية في رواية "قناع بلون السماء"    بيان صحفي: ندوة لتسليط الضوء على مختارات من الإنجازات البحثية ضمن برنامج الماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    بسبب سلوكه.. يوفنتوس يقيل مدربه أليغري بعد يومين من تتويجه بكأس إيطاليا    مدرب مانشستر يونايتد: "سعيد بتألق سفيان أمرابط قبل نهاية الموسم"    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    الساكنة تستنكر لامبالاة المسؤولين تجاه حادث انفجار أنبوب للماء الصالح للشرب وسط الناظور    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    كيف يتم تحميص القهوة؟    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقّف في مجابهة الإرهاب

« المثقّف فاعل عضويّ أو لا يكون» قد تسقط عنه الصفة تماما إذا ما استكان واستسلم للطوفان القادم ، فيصير بذلك مثقفا تقليديا يتأثر و لا يؤثّر، من هذا المنطلق و في ظلّ ما تعيشه أقطارنا العربيّة من رجّات و زلزلة قد لا تخفينا أو تربكنا، ولكن غيّاب المثقف وغياب فعله المجابه لها قد يقضّ مضاجعنا، ويربكنا «فلا تسقط ...لا تسقط...لا تسقط» كما يقول عبد الرحمان منيف ، لان سقوطك صديقي المثقّف يسقط عنك الصفّة، هيا «نحّرك المياه الراكدة علّها تصير موجة جارفة ، تقاوم و تجابه الطوفان الداعشي القادم، عبر هذا الملف الباحث عن «دور المثقّف في مجابهة الإرهاب» باعتبارك مثقف/ة ..كيف تقرأ هذه الظاهرة ؛وهل من مخارج وحلول تقترحها؟
جمال المساوي (شاعر مغربي): الشعوب التي لا تعرف كيف تتعايش (أو لا تريد) تنتهي إلى إفراز الطوائف والجماعات الإرهابية
نعيش في منطقة متخلفة. لا تهم الأسبابُ، لكنها متخلفة. من نتائج ذلك أن الشعوب، بالرغم من كثرة الكلام، تسير بدون بوصلة، أو ببوصلة مختلة. وهي الحالة ذاتها التي أنتجت الإرهاب وما نشهده من اقتتال وتنكيل.
هناك بالتأكيد هواجس المؤامرة الخارجية، كما جرت العادة، ولكن ما لا ينبغي تجاوزه هو أن ما يقع هو وليد واقع متخلف استعصى على التطور. التطور الذي يحتاج إلى تفكير، والتفكير الذي يحتاج إلى استيعاب العالم وما وصلت إليه البشرية من تقدم. لكن هذا لن يحدث ما دمنا نقرأ بضع صفحات في السنة.
لقد حمل «الربيع العربي» آمالا مؤكدة في المرور إلى مرحلة أخرى من التاريخ. كان الأمر بداية لحركة في الاتجاه السليم ربما نحو مستقبل آخر غير الذي ظل دائما مظلما. لكن الشعوب في المنطقة لا تعرف حتى الآن كيف تمسك فعلا برأس الخيط وتتبعه إلى نهايته. وما حدث هو أن غنائم «الربيع العربي» تفرقت بين القبائل، كلٌّ يريد نصيبه حالا وحتى من دون أن تستتب الأمور. باختصار الشعوب التي لا تعرف كيف تتعايش (أو لا تريد) تنتهي إلى إفراز الطوائف والجماعات الإرهابية التي تركب حصان الدين أو العرق أو القبلية وتستعمل ذلك منتهزة الفرص للنهب والغنيمة.
في هذه الحالة، وبعيدا عن الأسباب الذاتية المتعلقة أساسا بأمراض وأوهام المثقفين، من الصعب فعلا على المثقف أن يكون مؤثرا لأسباب موضوعية قاهرة ضاغطة. من بين تلك الأسباب، ودون مراعاة ترتيب ما، نذكر أن السلطة في الكثير من بلدان المنطقة كانت من الذكاء بأن تبنت نفس الخطاب الحداثي الذي كان في الماضي مدعاة لالتفاف الناس حول المثقفين، الآن يبدو كما لو أن المثقف يتماهي مع خطاب السلطة التي في الغالب ما ينفر منها الناس بسبب الأفكار المسبقة المترسبة في الأذهان بسبب عوامل تاريخية تتعلق أساسا بالقهر الذي مورس على الشعوب بعد حصول دول المنطقة على الاستقلال.
السبب الآخر المرتبط إلى حد ما بالأول، هو أن الاستعمار والقهر الذي تلا خروجه، عمقا واقع التخلف الذي أثر في الكثير من مناحي الحياة، وبشكل خاص في وضعية التعليم الذي يعيش مآزق عدة في عدد من الدول تؤثر على منتوجه من العقول. التعليم هو الرافعة الأساسية والآلية الكفيلة بإنتاج النخب المفكرة والقادرة على مقاومة كل أشكال الانغلاق. لكن الواقع غير ذلك، وبالتالي لا يمكن للمثقف أن يكون مؤثرا في مجتمع غير متعلم ولا يقرأ.
السبب الثالث، وقد يكون له ارتباط بالأسباب الذاتية التي تجعل المثقف غير قادر على التأثير، هو أن هذا الأخير يعيش في مجتمعات ميالة لتسفيه كل شيء، ولا تعترف بكفاءاتها من المفكرين والأدباء وعموم المثقفين ولا تقيم لهم وزنا. ولنا أن نتأمل حضورهم مثلا في وسائل الإعلام الجماهيرية خاصة التلفزيون بالرغم من تعدد قنواته، مقارنة بالكثير من الرداءة والسطحية والكثير من البرامج والقنوات الدينية التي تساير الهوى العام.
أكيد أن تغير ما تطبع الناس عليه يحتاج إلى وقت ربما يطول. وأكيد أن الإرهاب أضحى ظاهرة يومية ولم يعد كما كان في السابق يضرب ويختفي مما يجعل مقاومته صعبة. هذا الوضع يقتضي عملا كثيرا وجهدا كبيرا، وكما بدأنا سابقا بالسلطة، فعلى هذه السلطة إن كانت فعلا تريد نبني الخطاب الحداثي للمثقف أن تفسح له المجال ليعبر، لا أن تخنقه وتسرق خطابه.عليها أن توفر له الفضاء الحر ليتنفس وليصل بالتالي في يسر إلى الناس. ولعل توفير تعليم راق ومتطور جزء أساسي من هذا العمل.
من جهة أخرى على المثقف أن يشتغل على ذاته، على أوهامه وأمراضه ليعالجها. ذلك سيمكنه من المصالحة مع الناس، وسيعالج لديهم، في حدود معينة ظاهرة التسفيه والتتفيه التي تستولي عليهم في النظر إلى الأشياء بسبب نوع من الثقافة السائدة التي دمرت الذوق وبلدت الحس النقدي لديهم.
من جهة ثالثة، لا يخفى ما للإرهاب من آثر على مناخ الأعمال والاقتصاد عموما. معنى ذلك أن رأس المال معنيّ هو الآخر بالمقاومة. ولأن الإرهاب وحده الذي يلجأ للرصاص، فعلى رجال الأعمال أن يلجأوا للفكر، وهو ما يقتضي منهم الاستثمار في انتاج الفكر والمعرفة وفتح المجال أمام المثقف في وسائل الإعلام الجماهيرية التي يملكونها.
الروائي فوزي الديماسي (تونس): ارسم وجه ربّك بدماء مغدورة ... وسنرسمه جميلا أنيقا برحيق الأخوّة والبناء ...
المثقف كلمة حبلى في الوجود ، وصيحة في وجه السكون والسقوط والموت ، وهو الفعل ، والكدح ، والعمل الدؤوب من أجل أن ينهض بأمّته ويسير بها على درب الشمس / الحياة ، دوره كبير في نشر قيم التسامح ، والاختلاف ، والتعدّد ، وهو بوصلة الناس زمن التيه والضياع ... أمّا في علاقة المثقف بالإرهاب فنبعث لدعاة الظلام بهذه الرسالة : ازرع حقدك... سنزرع الصباح ... وارسم وجه ربّك بدم الأبرياء.... سنرسمه مشرقا بمداد الوطن ... سننثر البسمة على ثغر البلد ... سنكتب اسم الله بكبير الحروف على جبين الوجود ... بقلوب بيضاء ... ارفع غدرك في وجه البلد ... واقتلع الأزهار من أرضنا ... والنخل ... والزيتون ... والحياة ... ستجدنا ريحا عاتية في وجهك / الظلام ... سنبذر الحياة في الأرحام أسودا عصيّة / حماة البلد ... أتسمع زغاريد أمهاتنا ؟؟؟ ... نحن لا «نولول « ... لا نشقّ الجيب ... نلد الأسود ... نرضع الشرف / الوطن لأبنائنا ... ليكون الوطن وشما على القلب محفورا بمداد الوفاء .... هل ترى ؟ نعشنا في الأفق يراقص الشرف هذا الصباح ... ويحبّر بأنامل المجد سيرة وطن .... وجثّتك كذئب متآكل الملامح حلّقت حوله الغربان ... والكلاب السائبة تنهش روايتك العفنة ... ارسم وجه ربّك بدماء مغدورة ... وسنرسمه جميلا أنيقا بوحدتنا / وحدة الوطن ... ارسم وجه ربّك بدماء مغدورة .. وسنرسمه جميلا أنيقا برحيق الأخوّة والبناء ...
عبدالحميد شوقي (شاعر وروائي مغربي): مهمة المثقف اليوم أن يقطع مع حبل السرة الذي يربطنا دائما إلى «أمس أزلي»
المثقف بالتعريف هو الناطق الرسمي والوجداني والعقلي باسم الحرية. إنها شرط وجوده، ولهذا نجد أن كل الديكتاتوريات والمنظمات الإرهابية تضعه كأول عدو يجب تصفيته. منذ استقال العقل العربي، تقلص دور المثقف من فكر نقدي لا يهادن السلطة مهما كان لباسها، ليصبح موظفا رسميا لديها، يبرر إيديولوجيتها وينشر أوهامها، ولا يداهن تمثلات المجتمع. وفي أحسن الأحوال يصبح متفرجا على الأحداث عوض أن يكون في صميمها. فمنذ تخلى المثقف العربي عن حرية أفقه الفكري في أن ينطلق من الواقع كما هو معطى لفكره وحواسه، وأصبح بدلا من ذلك يصادر على أولية النص الموروث في ممارسة التفسير والفهم، أصبحت مساحة مناوراته العقلية محكومة بنفس السقف الإيديولوجي الذي يعيد إنتاج نفسه بشكل دائم لا يتوقف عن استنساخ النموذج الذي لا يريد أن يتخلى عن سلطته. لا نستغرب ظاهرة داعش وسيادة الفكر الإرهابي اليوم. إن الإرهاب كما يعرفه هيجل، بمناسبة تحليله لفترة الإرهاب في الثورة الفرنسية، هو اصطدام العقل المجرد بالواقع الحي. ربما لا تمثل داعش غير الوجه البشع الواضح في بشاعته لفكرنا جميعا الذي تخلى عن إبداعه العقلي في إنتاج مفاهيم جديدة مستنبطة من ملازمة واقعنا كما نحياه الآن، واستكان إلى اجترار ترسانة من المقولات الشرعية والأفكار الفقهية التي تساعد الذات على الاستقواء في مواجهة غرب طاغ في تقدمه العلمي والصناعي والمعرفي والعسكري. هذه العاطفة التي تجعل الذات تستكين إلى دفء العظمة التي مثلها الماضي المجيد، هي ما يجعل فكرنا محكوما بالاجترار ما دام أن كل ابتداع لن يكون غير ضلالة تتموقع خارج البنية الشرعية المكرسة تاريخيا واجتماعيا وسلوكيا. وعندما يجد هذا الفكر المجرد العاجز عن فهم الواقع الحي كل الوسائل المادية الجارفة التي تتيح له أن يهيمن بأي شكل، فلن يعلو سوى فكر السلاح المتخفي وراء كلمات التوحيد وشعارات الخلاص الإسلامي الأوحد. منذ القرن التاسع عشر والمفكر العربي يغالط نفسه وهو يعتقد أن كل تحديث يمكن تبريره من داخل الشرع، حيث تصبح الديموقراطية فريضة إسلامية كما قال العقاد، ويمكن التقريب بين الغرب المادي والشرق الروحي كما رأى محمد عبده، ولم ير هذا المثقف أبدا أنه إنما ينجز بذلك نفس المشروع السلفي القديم وهو أسلمة الحداثة عوض تحديث الإسلام. ربما كانت هناك التماعات في النهضة العربية مثلها لطفي السيد وطه حسين وفرح أنطون، لكن هذه الالتماعات كانت محكومة بنفس القدر السلفي الذي يجعل مفكرا ديكارتيا مثل طه حسين يكتب «على هامش السيرة»، ويبرر في مقدمتها لجوءه إلى ما يتجاوز العقل. وظلت مشاريع عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وأدونيس مجرد صيحات نادرا ما تم الاستماع إليها بجدية.
إن مهمة المثقف اليوم، وهو يواجه المد الوهابي الإرهابي الداعشي، لا يمكن إلا أن تكون مهمة نقدية تقطع مع حبل السرة الذي يربطنا دائما إلى «أمس أزلي» ربما يرخي حبل تحكمه في فكرنا، ولكنه لن يتركنا نمارس حريتنا كمعطى وجودي يجعلنا نفكر وننتقد ونحلل ونتساءل دون أن نضع رقيبا أو قناعا على تفكيرنا لنتقي سطوة الفضاء العام، أو ملاحقة سطوة الدولة التي تجسد الشرع. هذه هي مهمة المثقف التي يجب أن يجهر بها في استقلال تام عن بنية الماضي وإغراء السلطة، وإلا فإننا لن نكون سوى أشباه متعلمين فقط.
لونا عامر (شاعرة سورية): ما نعيشه الآن فوق الاحتمال وفوق التصوّر وآن الأوان لاجتثاث هذه الطفيليات
مايمر به الشرق الأوسط وبلادنا العربية من ظاهرة مرعبة تتخفى باطار الدين وهي في الحقيقة تنفر الناس من ماهية الدين وهذه الظاهرة كما أطلق عليها مسمى « داعش « هي مجموعات إرهابية تدربت وفق احدث الأساليب القتالية وفق منهجية حديثة وحرب إعلامية مرافقة ومتزامنة مع كل ممارساتها الوحشية واللاإنسانية ... ذهول وصدمات أصابت الناس في هذه المنطقة المنكوبة من العالم ... لكن مع استيعاب ما يحدث فمن الضروري التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة وما تتركه من آثار سلبية على المدى البعيد ولأجيال قادمة وهنا يبرز دور المثقف الذي يحمل على عاتقه رسالة مهمة ومسؤولية ضخمة تجاه ما يحدث على الساحة العربية والإسلامية لابد من نشر التوعية المضادة لما تبثه جماعات الإرهاب في اذهان الناشئة والجهلة وضعاف النفوس .. وإبراز الآثار السلبية
للممارسات الوحشية تحت غطاء الدين الاسلامي والإسلام منه براء .. اذ من أوكل لهم منصب الجلاد لقطع رؤوس الابرياء ولإلصاق تهم جاهزة من قبلهم وارتكاب المجازر الجماعية أو الاحكام الفردية بحق مواطنين جريمتهم تواجدهم في منطقة يسيطر عليها هؤلاء القتلة .... لابد من توحيد الجهود لكشف مبادئ هذه المنظمات الارهابية والتركيز على فضح نواياهم الغير مشروعة بحق الانسانية اذ ما نعيشه الآن فوق الاحتمال وفوق التصوّر وآن الأوان لاجتثاث هذه الطفيليات التي نبتت في مجتمعات آمنة ومسالمة ونشر الوعي الكافي لأبنائنا وبناتنا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي وفي المدارس وفي المراكز الثقافية وأي منبر حريص على تعرية قوى الظلام وبث الأمل في مستقبل واعد بالحداثة والتفتح واحترام حقوق الفرد ومحاربة الأمية والجهل وتعميم وترسيخ ثقافة التعليم وإنصاف المرأة قانونيا وتغيير نظرة المجتمع لها ... وهذا يتأتى عن طريق مظافرة الجهود والسعي بجدية لتدارك ما يحدث على أرض الواقع لتأمين مستقبل أفضل للآتين من بعدنا....
الشّاعر والمسرحي جلال حمودي (تونس): كائنات لاإنسانية قادمة من الموت إلى الموت، حاملة في رحلتها ما تيسر من الحياة
ضد الموت بتجفيف منابع الإرهاب بتجفيف الضمير الأخلاقي لتحويل المادة القاتلة إلى مادة نافعة.. ضد الموت مع تفكيك سياق الانحراف وسياق المنشود الموجود.. ضد الموت استقلالاً للذات تخلصا من إحلال الأفكار الدائمة التي تدور في فلك الحركة محل الأفكار الملفوظة.. ضد الموت ثقة في الفن بناء على استحالة التعايش مع الحقيقة.. ضد الحقيقة التي تتسالف رمزا للانحطاط والعدمية. الفن أكثر قيمة من الحقيقة بمعناها الأفلاطوني.. ما جاء في كتابات الفيلسوف التونسي العفيف الأخضر وما جاء في فلسفة نيتشه باحتساب التباعد الزمني إلا أن اشتراكهم في علو الفن على الحقيقة و دوره في تغيير ما سما من باطنها علما وأنها واقعا ملموسا متعايشا ينذر بالموت والعدم والظلام فكرا وفعلا وما تخبئه وما افرزته لا ينبئ بالأجمل و لا بالتعايش سعادة بتعبير سبينوزا.. والظلام حقيقة متمثلا في ظهور هذه الكائنات اللاإنسانية القادمة من الموت إلى الموت حاملة في رحلتها ما تيسر من الحياة.. متمثلة في تشخيصها «بالإرهاب» وما ذكر عنها سوى رؤوس أقلام.. ومع تضخم هذا الآخر لابد من تضخم الأنا الواقفة على الجمر على مبادئ الفن والحياة متشبعة بقيم التسامح والفكر الحر.. هذه الأنا المثقفة في نشر ثقافة الحياة ضد الموت تأسيسا لفن ما تحت الظلام ما بعد الخراب ما وراء الموت اقتباسا من فكرة «كانتور»، «فن ما تحت الأرض «في زمن طغى فيه الآخر بتعبير» سارتر»، جحيما لا حياة فيه.
إيناس أصفري (شاعرة سورية): نحنُ والآخر
بعد أن صرنا شتاتاً تغصُّ بنا الأصقاع والبلاد على اختلاف الاتجاهات والخرائط، يجدر بنا أن نتوقف عند أمر في غاية الأهمية، لا سيما نحن من يدَّعي الثقافة والفهم. هل سنبقى منغلقين على مفاهيمنا ومعتقداتنا يلاحقنا شبح الخوف من الانفتاح على الآخر حرصاً على أسرنا وأولادنا من التأثر بثقافة مختلفة ؟ لماذا نضع أنفسنا دوماً في موضع المتأثر لا المؤثر؟ ماذا لو أثَّرنا نحن بكثرتنا التي أمست واضحة في العديد من البلدان، ماذا لو أخبرنا تلك المجتمعات المنغلقة هي أيضاً على موروثها بما نفكر فيه ، هواجسنا، ما يؤرقنا، ألن يسمعنا الآخر، ألن يميل بإنسانيته التي ولد عليها كأي شخص على هذه الأرض نحونا ويشد على يدنا ؟ أم أن عقد النقص تظهر بقوة في المجتمعات التي نحسبها قوية وصلبة ولا تقهر بسهولة فنرى أنفسنا أقل مما يجدر بها أن تكون عليه ؟ ما يحدث في معظم الأحيان أننا بمجرد انتقالنا من مجتمعاتنا الغارقة في همومها إلى مجتمع بديل، يصبح هاجسنا هو كسب رضى الآخر، ننادي بحضارة الغرب التي هي في الأساس متعارف أخلاقي بين البشر جميعاً. ننشغل عن الهموم التي كانت تؤرقنا بهموم أخرى هي كيف سنبقى معزولين خشية أن يسري فينا ما في دمائهم، مع أننا هربنا مما في دمائنا. تناقض غريب كيف ستتمكن منه تلك الشريحة التي تتحدث باسم الوطن من الخارج بلا روح الوطن ولا روح الخارج الذي تحيا فيه أيضاً. متى نعي أن الإنسان هو هو في أي مكان، وأن لدينا الكثير مما يريد الآخر معرفته واقتباسه منا ، تماماً كما نحاول معرفته واقتباسه منه. لو بقينا معزولين كيف ستعي الشعوب التي نحيا على أرضها ما الذي جعلنا مقهورين إلى هذا الحد، ولماذا تعصى علينا السعادة والسلوى؟ أليس من الأفضل لو بقينا على ما نحن عليه ونحن مندمجين مع الآخر. أليس شرط الحضارة الأول كان في زمن ما كنا فيه أسياداً هو تمازج الثقافات أخذاً وعطاءً ؟
د ميلود عبدالله الحوثي (ليبيا): الخطاب الثقافي يمكن له اختراق منظومات التطرف الفكري، إذا توفرت له استراتيجية، وأُسست له منظومة متكاملة
تتكرر المشاهد الدامية التي يصنعها التطرف وتتمثل في تلك الاجساد المفخخة من خلال ما نراه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزة والتى تترافق مع الحور العين الى جنة الخلد بحسب ما يفتئ به منظرو الفكر المتطرف، فتضيع معه طاقات شباب الامة العربية لصالح أعداءها الذين عملوا على تفريغها بشتى الوسائل عبر حزمة المؤامرات التي أبتدئها بالتغريب والغزو الثقافي ومسخ الهوية العربية الاسلامية وأنتهت الى ما نراه اليوم عبر توطين الفكر المتطرف بما يؤدى الى توجيه طاقات الشباب الي كل ما هو غير واجب ولا ضروري ولا مستحق!
وفي هكذا أوقات يتطلع المجتمع إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقف في مواجهة التيار المتطرف كنوع من الإقرار بأهمية دوره في المجتمع، بالرغم من أن المثقفين العرب لا ينتمون الى تيار واحد متجانس موحد الأهداف والاهتمامات، لكن هناك ثمة مشترك يجمعهم وهو أنهم الاقدر والأكثر استعداداً للتعبير الإبداعي والإنساني، ما يضع على عاتقهم مواجهة الفكر المتطرف عبر التصدي لمهمة المبادرة إلى تأسيس وعي ثقافي، بحكم أن المثقف هو الأقدر على نقد الواقع والمساهمة في إصلاحه، لأنه قوي الإيمان بوظيفة الثقافة كمؤثر أساسي في خلق حالة الوعي، ومؤمن بدور الشباب في المجتمع وقيادتهم للتغيير.
من هذا المنطلق يتطلب الأمر من كل المشتغلين بالفكر والثقافة والإعلام والتعليم أن يسخروا منابرهم وإمكاناتهم ووسائل إعلامهم وكل الطرق الممكنة لمواجهة الفكر المتطرف وكشفه وتعريته أينما وجد، وهذا يتطلب العمل على تعزيز الجانب القيمي بالمجتمع، والاهتمام بنشر وإشاعة الفنون كقيمة خيرة ليولد التناغم بين ملكات الإنسان، وبما يشعر الفرد بإنسانيته ويعيها، إذ لا يمكن للطبائع الإنسانية أن تكتسب النبل بدون تحقق الاشباع الجمالي الفني ومن هنا تأتي أهمية إشاعة ثقافة جمالية وتدريب العقل على إدراكها والكشف عن مناهل وينابيع تبقى شفافة ورائقة لا يصيبها التطرف مع مرور الزمن شرط أن تتحول تلك الثقافة الى سلوك عملي وألا تظل في الاطار التنظيري .
أن الفنون بمجملها كالتمثيل والموسيقى والغناء خاصة الأغانى الوطنية الحماسية هى إحدى وسائل القوى الناعمة لما لها من تأثير كبير فى وجدان الشباب، وتأثيرها على التخفيف من حدة التطرف، ولا أحد يغفل أهميتها ودورها فى تحفيز الجماهير على الانتماء والعطاء من أجل الوطن.
ولكن تبقى المعضلة الرئيسية في مدى القدرة على تحويل هذه الابداعات الفنية والجمالية إلى سلوك يمارسه الإنسان في حياته وهذا يتطلب جهوداً مضنية للوصول إلى تحقيق الحالة القيمية الأخلاقية والتي من خلالها نستطيع أن نواجه أي فكر يحاول النيل من ثقافتنا العربية الاسلامية الوسطية و الصمود في وجه أي مخطط تآمري. إن الخطاب الثقافي يمكن له اختراق منظومات التطرف الفكري، إذا توفرت له استراتيجية (المشروع)، وأُسست له منظومة متكاملة تؤمن بأهمية التأثير الثقافي على الجماهير الشعبية وذلك عبر عمل مؤسسي له تأثير طويل الأمد ودور في التغيير الايجابي.
ولهذا فانه من المهم للمثقف أن يعمل من خلال مأسسة الخطاب الثقافي وأن يعمل على التأطير له ضمن برامج متنوعة تصل إلى مرحلة بنّاء حالة من الاحساس والانتماء بهذا الوطن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.