زاوية أسبوعية تسلّط من خلالها الدكتورة خديجة موسيار، اختصاصية الطب الباطني وأمراض الشيخوخة الضوء على مجموعة من الأمراض بتعدد أنواعها وأشكالها مرض حمى البحر الأبيض المتوسط، أو الحمى المتوسطية العائلية، المسمى كذلك بالمرض الدوري، هو مرض وراثي يحدث جراء خلل جيني مع طفرة على مستوى جينة تتحكم في درجة الالتهاب، يسبب التهابا ذاتيا يتكون بدون أي مصدر، تنتج عنه حمى لا يكون ورائها تعفن والتهاب في أغشية بعض الأعضاء. ويمكن أن يؤثر المرض على أي شخص، لكن من خصائصه أنه يصيب بالأساس الأشخاص المنحدرين من حوض البحر الأبيض المتوسط و بالأخص الأرمن والأتراك واليهود الشرقيين والعرب، علما أن نسبة حدوثه بين هذه الشعوب هي واحد بالألف، أما نسبة انتشار الجين الحامل للمرض فتصل لواحد من عشرين، أي من بين كل عشرين شخصا تجد إنسانا واحدا حاملا له، وليس مصابا بهذا المرض الذي يرجح أنه ظهر مند آلاف السنين في بلاد ما بين النهرين بعد تغيير في المعلومات الوراثية لبعض سكانها. يظهر المرض عبارة عن نوبات التهابية تدوم يوما أو بضع ساعات إلى ثلاث أيام، وتتكرر على فترات مختلفة، تتميز باندلاع الحمى مع ارتفاع عال لدرجة الحرارة يصل إلى 39 أو 40 درجة لا تستجيب للمضادات الحيوية، مصاحبة بآلام مبرحة خصوصا على صعيد البطن، التي تعدّ الأكثر شيوعا بين المصابين بهذا المرض، وتشبه حدتها وقسوتها في كثير من الأحيان الحالات الجراحية، لدرجة أن هناك بعض المرضى الذين لم يشخصوا بعد، يتم خضوعهم لعمليات جراحية لاشتباه أعراضهم مع التهاب الزائدة الدودية، أو غيرها من الأعضاء في البطن، كما يمكن أن تخص هذه الآلام الصدر والعضلات أو المفاصل، وبالأخص الركبة و الكاحل، وذلك نتيجة التهاب الأغشية المحيطة بها، فضلا عن الطفح الجلدي وخاصة على الساقين أسفل الركبة، وعند الذكور، يسبب المرض التهابا وتورما وآلاما في الصفن والخصيتين. تختلف مدة النوبة ومعدل تكرارها، فقد تعود بعد شهر أو شهرين أو أقل أو أكثر، وتكون عادة بنفس الأعراض، تمتد النوبات ليومين أو ثلاث وبعد ذلك تعود الأمور إلى نصابها كأن شيئا لم يكن، مما يشكك في المرض من طرف الأقارب وفي بعض الأحيان من طرف كذلك مقدمي الرعاية الصحية. عندما تزول النوبة يعود المريض إلى وضعه الطبيعي وتختفي كل الأعراض. وتظهر علامات المرض عادة في المراحل الأولى من الطفولة حوالي السنة الثانية أو الثالثة من العمر ويزداد ترددها في مرحلة المراهقة مع استمرارها بعد ذلك إلى مرحلة البلوغ، وعادة ما تندلع النوبات من جراء الإجهاد، التعب، التعرض للبرد، وجبة عالية الدهون، تعفن أو أخد بعض الأدوية أو فترة الحيض. لا يوجد علاج جذري للمرض لكن هناك دواء فعالا وناجعا في أكثر من 90% من الحالات يحسّن نوعية حياة الشخص وهو عقار «الكولشيسين» المشتق من زهرة اللحلاح، الذي يعدّ من الأدوية القديمة المستخدمة ابتداء من القرن الثالث قبل الميلاد عند البابليين وذلك في تهدئة الالتهابات، كما انه يستخدم في علاج نوبات النقرس منذ سنة 1950 في التكفل بمرض بهجت. ومن الضروري تناول العلاج يوميا بانتظام وليس فقط عند حدوث النوبة، الذي يعطى عادة في البدء بجرعة صغيرة، ثم تعدل الكمية وفقا لتجاوب المريض مع العلاج. ويجب الإكثار من السوائل لأن الجفاف يزيد من سميّة «الكولشيسين» وهناك تداخل بينه وبين بعض الأطعمة والأدوية، فمثلا ينصح المريض بعدم شرب عصير الكريفوت لأنه يزيد من مستوى الدواء في الدم، كما أن بعض المضادات الحيوية من نوع «ماكرولايد» تزيد من سمية الدواء، وهذا ينطبق أيضا على أدوية الدهنيات ومضادات الفطريات، ولذلك من الضروري إخبار الطبيب بأخذ الكولشيسين حتى يصف العلاج الملائم الذي لا يتداخل معه.