يعيش مستشفى الحسني بالدارالبيضاء، ومنذ سنوات، على إيقاع المد والجزر، وفصول متعاقبة من الأخذ والردّ، بين عدد من مهنيي الصحة بهذه المؤسسة الاستشفائية ممن يوصفون ب «فاعلين نقابيين»، الذين تحول دفاع بعضهم عن حقوق الشغيلة، كما هو متعارف عليه، والذي يعتبر جوهر العمل النقابي، إلى حجر عثرة في طريق تقديم الخدمات الصحية للمواطنين وتجويدها، إذ تغيّر مفهوم «الصراع» من التنافس على البذل والعطاء والرفع من منسوب الخدمة الصحية، إلى مواجهة مفتوحة على استعمال كل الوسائل، بين هذه المصلحة وتلك، نظرا لكون بعض الأقسام أضحت ذات هوية نقابية صرفة، قسم ينافس الآخر، من حيث تسجيل «الأهداف» النقابية، لا من حيث تطوير المردودية! وضع يتواصل التعامل معه بالصمت، وتتم تزكيته من طرف القائمين على الشأن الصحي في كل المستويات، انطلاقا من المحلّي وصولا إلى أعلى الهرم بالمصالح المركزية، الذين رفعوا الراية البيضاء، وقرروا شرعنة منطق «القوة» وتزكيته، والرضوخ أمام واقعه النقابي، الذي قد يستمد مزيدا منها من خلال البعد التشريعي وربما غيره، والحال أن صحة المواطنين هي التي توجد في المحكّ، علما بأن هذه الصراعات لم تبق محصورة داخل جدران مستشفى الحسني، بل تم التعاطي معها إعلاميا وشكّلت مواضيع مراسلات وشكايات، ووقفات احتجاجية لمواطنين وفعاليات جمعوية، ومضامين لتقارير رسمية، ومع ذلك يظل الوضع كما هو عليه إن لم يكن يزداد سوءا ويتدهور يوما عن يوم؟ إن أوجه الاختلالات التي ترخي بظلالها على يوميات مستشفى الحسني هي متعددة، ويكفي أن نستحضر من بينها على سبيل المثال لا الحصر، المركب الجراحي الذي تمت إعادة تأهيله من طرف مؤسسة الشيخ خليفة، وأضحى جاهزا لاحتضان العمليات الجراحية المبرمجة، منذ حوالي ثلاثة أشهر، ومع ذلك لم ينطلق في عمله رغم توفر الأطباء، ومن بينهم 4 جراحين، وتواجد 2 اختصاصيين في أمراض النساء والولادة، 4 في الجهاز الهضمي وغيرهم، إذ أن «عصيانا» من نوع خاص يجعل هذا المركب يصاب بالشلل عنوة، والحال أن هناك من المواطنين من ينتظر منذ أزيد من سنة لإزالة «المرارة» وغيرها من الحالات، التي تعجز عن الاستشفاء والاستفادة من خدمات المستشفى الذي يعتبر استثناء ولاتطبّق فيه اللوائح المنظمة وبنود النظام الداخلي التي تسري على مستشفيات مماثلة له التي يقلّ عدد أسرّتها عن 120 سريرا، فلا يتم دمج الأقسام والمصالح، ولا يتم تدبير الموارد البشرية بشكل عقلاني وفقا للحاجة، وتصبح مذكرات المصلحة غير ذات قيمة، وهو ما جعل من بعض الممرضات متعددات الاختصاصات تكتفين بقدرة «قادر» بمستشفى الحسني ب «تخصّص» في أشياء دون أخرى، في وقت عجزت فيه طبيبة العيون، نموذجا، عن أن تضمن حضور ممرضة إلى جانبها تعمل على تكوينها للتعامل مع العتاد الخاص والتعاطي مع الحالات التي ترد، لأن منطق اللامسؤولية بات سائدا وأضحى التعاطي مع صحة المواطنين أمرا ثانويا داخل هذه المؤسسة الصحية العمومية، التي أصبحت عنوانا للاستثناء السلبي في القفز على الواجب المهني بالانتماء النقابي؟