احتضنت باريس في نهاية الأسبوع الماضي، اجتماعا للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وصف باجتماع «العائلة» وجرى في جو متميز خاص وتاريخي تمحور حول ما جرى ويجري في العالم العربي، على مدى ثلاثة أيام اجتمع ممثلو روابط حقوق الإنسان من ليبيا واليمن ومصر والجزائر وتونس والمغرب ومن باقي الدول العربية لمناقشة الرياح الجديدة التي لم يكن أحد يتوقعها، والتي تجمع كل التحاليل والتوقعات أنها ستغير ملامح الضفة الجنوبية للمتوسط التي كان الكثيرون يعتقدون أنها محكومة بأن تبقى تحت سلطة القمع والجمود. تقول السيدة سهير بلحسن التي ترأس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان منذ 2007، أن هذه المنظمة هي أصغر منظمة لحقوق الإنسان في فرنسا من حيث الإمكانيات والوسائل، لكنها ربما بفضل علاقاتها المتميزة مع المجتمعات المدنية، تجد نفسها في قلب الثورات الجارية، والسبب أن هذه المؤسسة، التي تحتفل هذه السنة بذكراها 90، هي قبل كل شيء شبكة تضم 164 منظمة ورابطة وطنية لحقوق الإنسان في العالم , وعندما بدأت الشعوب العربية تتحرك لهز أركان الدكتاتوريات، وجد أعضاء الفيدرالية أنفسهم في الصفوف الأولى للمعركة. بماذا كان يطالب المتظاهرون في شارع بورقيبة في تونس أو ساحة التحرير بالقاهرة؟ بماذا يطالب المتظاهرون الذين يواصلون الضغط في المنامة أو صنعاء أو عمان..؟ يؤكد باتريك بودوان المحامي والرئيس الشرفي للفيدرالية» في كل هذه الساحات المشاكل والتطلعات تتشابه إلى جانب البطالة ومشاكل السكن، يطالب المتظاهرون قبل كل شيء باحترام حقوق الإنسان، بالمزيد من الحرية، بالمزيد من الديمقراطية، بنهاية الظلم والتسلط. وهذا دليل آخر، يضيف بودوان، على أن هذه القيم التي كان يعتقد أنها حكر على الغرب هي قيم كونية. وتضيف سهير بلحسن الصحفية التونسية السابقة، في نفس السياق، كنا لفترة طويلة نعتبر من الطوباويين الحالمين، كنا نواجه دائما ببراغماتية الواقعية السياسية، لم تنس سهير «الزفرات القدرية» لمحاوريها في وزارة الخارجية الفرنسية أو حتى وسائل الإعلام عندما كانت تحاول التحسيس بممارسات التعذيب أو الاعتقالات التعسفية التي كان يتعرض لها المناضلون في تونس، كان بن علي يبدو قويا إلى حد أنها لاتزال مشدوهة بالحلم المستفيض الذي تعيشه والذي تعتبره تتويجا لحياة بأكملها. في مقر الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بباريس لم ينتظر المناضلون, ستيفان هيسل لكي يعتبروا أن التنديد ميزة ضرورية، ولكن حقوق الإنسان عادت إلى الواجهة، وكانت ثلاثة أشهر من الأحداث المثيرة لكي يحول أنصار الواقعية السياسية مواقفهم ويساندون التدخل العسكري في ليبيا الذي مازال مآله مجهولا. الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان تساند بدون تردد هذه العمليات العسكرية، وتؤكد سهير بلحسن» من البديهي أنه كان يتعين منع قتل المدنيين في ليبيا، ومنذ البداية طلب ممثلو الرابطة الليبية لحقوق الإنسان الدفاع من أجل فرض منطقة حظر جوي. كان الأمر يتعلق إما بالتدخل أو حمام الدم، لا يجب أن ننسى ذلك والطلب جاء من السكان أنفسهم»، ولكنها مع ذلك ليست ساذجة، «هناك أناس آخرون يتم سحقهم، ولكنهم لا يمثلون أدنى أهمية استراتيجية كما في الكوت ديفوار مثلا، أو على العكس يوجدون في قلب مصالح متناقضة ضخمة كما هو الشأن في البحرين، حيث لا الولاياتالمتحدة، التي تتوفر هناك على قاعدة عسكرية ضخمة، ولا العربية السعودية التي تتخوف من العدوى، ترغبان في بروز ثورة هناك.» راشد نجيل، نائب الكاتب العام للفيدرالية، لم يحضر اجتماع باريس، هذا المناضل الحقوقي البحريني تعرض مؤخرا للتهديد بالقتل، واعتقل وأفرج عنه الأسبوع الماضي، يخشى مغادرة المنامة. هناك مخاطر كبيرة تتهدد أقرباءه. بالمقابل كان ممثلو الرابطة الليبية حاضرين: كلهم من المعارضين المنفيين منذ سنوات، ولكنهم يحتفظون بروابط قوية ومتميزة في ليبيا، وبفضلهم ظلت الفيدرالية على اتصال مباشر مع المجلس الانتقالي في بنغازي، وتتوصل بمعلومات وأخبار قبل الإعلان عنها رسميا تسمح لها بالتأثير في الأوضاع». يقول انطوان برنار المدير التنفيذي للفيدرالية الذي يقضي وقتا طويلا في الهاتف لإقناع الدول المجاورة بعدم تزويد القذافي بالسلاح، ويضيف» في كل الأحوال لا أحد يساند القذافي صراحة، ولكن كلما استمرت الحرب هناك مخاطر ظهور خلافات..» ويبقى الانتصار الكبير الذي يتحقق، والذي سيغير المعادلة، ولو على المدى البعيد يوم 26 فبراير في نيويورك، قرر مجلس الأمن الدولي إحالة ملف القذافي عِلى المحكمة الجنائية الدولية. ويؤكد انطوان برنار قائلا:» لأول مرة كل شيء تم خلال 72 ساعة، في حين أنه في سنة 2005، ولكي تقرر الأممالمتحدة إحالة ملف الرئيس السوداني على المحكمة الجنائية الدولية، تطلب الأمر ستة أسابيع من المفاوضات وتصويتا توافق في النهاية بامتناع دولتين عن التصويت» مستقبل ليبيا لازال مجهولا، داخل الفيدرالية هناك اقتناع راسخ: الإفلات من العقاب يتراجع ولا شيء سيكون كما في السابق، صحيح هناك قمع دموي ضد المتظاهرين في اليمن، ولكن الانسحابات من حول الرئيس صالح تتواصل، وحتى في سوريا تحدى المتظاهرون أحد أكثر الأنظمة استبدادا وتسلطا في العالم، ولا يجب أبدا أن ننسى هذه الشجاعة الهائلة للمواطنين سواء في ليبيا أو سوريا أو اليمن الذين يواجهون آلة قمعية لا تتردد في إطلاق الرصاص الحي.... برنارد الذي عاش انهيار جدار الدكتاتوريات في أمريكا اللاتينية، يثير الانتباه حول الخصوصية التي تميز هذه الثورات في العالم العربي. هذه المرة الشعوب نفسها هي التي قررت أخذ زمام مصيرها وخلافا لما جرى في دول الشرق، ليس هناك زعماء» من 14 يناير في تونس و11 فبراير في مصر، اليومان التاريخيان اللذان شهدا سقوط بن علي ثم مبارك، يكثف مسؤولو الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان من زياراتهم للمنطقة ويلمسون هذه المتعة بالحرية المستعادة التي يعيشها الناس، وهذه الفورة من الأفكار والطاقات الهائلة التي لا تصدق. صحيح أن هناك تهديدات ما تزال قائمة, سواء في القاهرة أو تونس، ومازال رجال النظام السابق يجوبون الشوارع يتم التنديد بهم والإخبار بوجودهم، والشيء المهم الذي اختفى هو الخوف. وإذا كان الخوف قد انتقل إلى المعسكر الآخر، فإن بروكسيل كانت دائما تتخوف من الثورات، حيث يتم التعامل معها بحذر، يقول انطوان مادلان، الذي يعمل في مكتب الفيدرالية في بروكسيل. الاتحاد الأوربي رفض دائما لقاء المعارضين البحرينيين: أليسوا إسلاميين؟ نحن لا نعرفهم وخصوصا لا نريد معرفتهم, هناك عادات قديمة متجذرة.» في تونس اكتفت أوربا فقط بطرق سيارة جميلة, وإصلاح ضبابي للإدارة لإظهار تعاطف كبير جدا مع النظام التونسي، منذ سنة 2000 كانت بروكسيل تمول ما يسمى بلا هوادة مناضلي حقوق الإنسان.» داخل الاتحاد الأوربي كان النقاش مع تونس أو مع مصر حول حقوق الإنسان يقتصر على الحد الأدنى. نقاش مرة واحدة في السنة في جلسات مغلقة بين ممثل واحد عن هذه الدول وممثل عن الاتحاد الاوربي، بل إن مصر فرضت إسقاط كلمة تعذيب من هذا الحوار السري جدا.» واليوم؟ رسميا الجميع منشغل فجأة بحقوق الإنسان، لكن التطورات شاقة, فعندما قامت كارتين اشتون، رئيسة الدبلوماسية الأوربية بأول زيارة لها لتونسالجديدة قبلت لقاء ممثلي الرابطة التونسية العضو في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما شكل ثورة صغيرة، ولكنها عندما زارت القاهرة بدل ذلك رفضت لقاء مناضلي حقوق الإنسان في مصر، ويعلق انطوان بتهكم قائلا» في مصر، الجيش مازال في السلطة، إذن لا مجال للمخاطرة» انطوان كان في جنيف يوم تم انتزاع طرد ليبيا من مجلس حقوق الإنسان، وهو انتصار آخر تم انتزاعه رغم تحفظات إيطاليا، ولكن عندما طلب البولونيون في نفس السياق التصويت على قرار حول بلا روسيا، كان الجواب» يكفي ما قمنا به اليوم» فعالم حقوق الإنسان له حدوده.