مجلس الأمة الكويتي … المأزق بين السلطة التنفيذية والتشريعية    ثلاثة وزراء ثقافة يكرّمون أحمد المديني رائد التجريب في الأدب المغربي    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    الرجاء والمغرب الفاسي يحجزان مقعديهما في نصف نهائي كأس العرش    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    بلاغ جديد للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    انعقاد الدورة ال12 لمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 17 إلى 19 ماي    انتخاب الريفية فاطمة السعدي عضوا بالمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة    دياز يهز الشباك مرتين في لقاء غرناطة    الشعباني يأمل فوز بركان بنتيجة مريحة    العوني تتأهل إلى نهائي أنطاليا للتنس    طوابير تنتظر المسلم في معرض الكتاب    عودة للبؤات الأطلس اللواتي التهمن المنتخب الجزائري    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    صورة مذهلة.. "ناسا" ترصد أكبر عاصفة شمسية تعرض لها كوكب الأرض    حزب الأصالة والمعاصرة يعلن بدء التحضير مبكرا لانتخابات 2026 بهدف "الحصول على المرتبة الأولى"    مشروع خط سككي بين الدار البيضاء وبني ملال    الرجاء يهزم الحسنية ويبلغ نصف نهائي كأس العرش    الأصالة والمعاصرة يشيد بحصيلة الحكومة وينتقد قساوة الأحكام السطحية الشعبوية    حماس تعلن وفاة أحد الرهائن الإسرائيليين متأثرا بإصابته في غارة جوية    تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة    حضور متميز لأسود الأطلس في نهائيات المسابقات الأوروبية للأندية    انطلاق المهرجان الدولي للفروسية "ماطا" بمنطقة "بن مشيش"    الأزمي ينتقد تضارب المصالح في الصفقات العمومية الكبرى واستخدام قوانين المالية لذلك    القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تكشف تفاصيل مناورات "الأسد الإفريقي"    مبابي يعلن رسميا مغادرته باريس سان جيرمان    جماعة طنجة تساهم بنحو 13 مليون درهم لتطوير وتوسيع مطار ابن بطوطة الدولي    البحرين تحضر لانعقاد القمة العربية    مركز الاستثمار يروج لمؤهلات جهة طنجة في ملتقى اقتصادي بالامارات المتحدة    نشرة إنذارية | زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرَد بعدد من مناطق المغرب    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    القنصل العام للسنغال بالداخلة: لا وجود لمهاجرين عالقين في الصحراء المغربية    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    المعرض الدولي للكتاب والنشر.. المجلس الأعلى للتربية والتكوين يناقش الرافعات الكبرى لحكامة المنظومة التربوية الوطنية    المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة        كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور ويقول:"لن أسمح بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة"    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة: دليل المواطن و صاحب القرار لمحاربة الفساد

نظم الاتحاد الاشتراكي أول أمس السبت ورشة حول «الإصلاحات الاقتصادية والسياسية لمكافحة الفساد» بالمقر المركزي للحزب، تضمنت ورقة للأستاذ حسن السرغيني تطرقت الى «الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الفساد «، جاء فيها:
إن محاربة الفساد هو أحد المطالب الرئيسية للشعب المغربي. من الناحية الرسمية كافة القوى السياسية والنقابية والمجتمع المدني تنبذ هذه الظاهرة. حتى أولئك الفاسدون يشجبونها، ويعملون على خلق البلبلة والشكوك حول النوايا الحقيقية لمكافحة هذه الظاهرة. إنه لمن الملح والمستعجل توضيح المواقف ودفع كل الأطراف المعنية لإعلان موقفها من اتخاذ التدابير الملموسة القادرة على مكافحة فعالة ضد هذه الآفة، لا يمكن أن يكون هناك توافق حول وسائل مكافحة الفساد بين ممارسيه و محاربيه.
الهدف من الورشة التي نظمها المكتب السياسي واللجنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنبثقة عن المجلس الوطني للحزب، هو بلورة مجمل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والمؤسساتية التي تسمح للمغرب بمحاربة هذه الآفة بفعالية. والفساد هو الآفة التي تقوض المغرب، فلقد غزت الحقل الاقتصادي والإداري لتنتقل منذ عدة سنوات إلى المجال السياسي. إن ترتيب المغرب في تدهور مستمر، وهكذا انتقل من المرتبة 72 سنة 2007، إلى 80 في سنة 2008 و 85 في عام 2010. وهذه المشكلة لها تداعيات على جميع جوانب حياة المواطنين ومؤسسات البلد. إن الأبعاد التي اتخذتها هذه الظاهرة تشكل تهديدا خطيرا للنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي لبلادنا. إن اختراق هذه الظاهرة للمجال السياسي ليس مجرد مشكلة تدبير التحول الديمقراطي الذي يجتازه بلدنا، ولكنه يشكل بالخصوص تهديدا لجميع المؤسسات بما فيها التي تستخدمها.
إن تداعيات هذه الظاهرة هي أيضا كارثية على الاقتصاد الوطني، وقدرته على حل المشاكل الاجتماعية وضمان طموحات المغرب في الديمقراطية والتنمية والتحديث. فالبنك الدولي يرى أن «البلاد لن تتمكن من دون تغيير حقيقي من وقف الاتجاهالتنازلي للترتيب الدولي، مخافة أن تدرج يوما ما في القائمة السوداء للدول التي تدفع الاستثمار الأجنبي للرحيل إلى أماكن أكثر أمنا. إن ثقة المواطن في النظام السياسي رهينة في المدى المتوسط بمدى نجاح المغرب في القضاء على هذه الظاهرة كممارسة سياسية واجتماعية، وجعلها ظاهرة هامشية كالسرقة البسيطة، لا تترتب عليها آثار سياسية أو اجتماعية كما هو الحال في البلدان المتقدمة.
كيف نصل إلى ذلك؟
منذ بداية السبعينات حاول المغرب زجر هذه الظاهرة. كانت هناك ملاحقة بعض الوزراء وكبار المسؤولين ثم إنشاء محكمة العدل الخاصة وتجرى عمليات مراقبة متعددة قبل وبعد التزامات الإنفاق العام (CED، والخزينة العامة، وعمليات مفتشيات الوزارات، والمفتشية العامة للمالية، ومجلس الحسابات، واللجان البرلمانية...). ومع ذلك فكل هذه الترسانة من التدابير لم تتمكن من منع انتشار الفساد.
في الواقع أصبحت الظاهرة ممارسة شبه عادية كجزء من بنية النظام السياسي إلى حد أن وزير الداخلية السابق تجرأ على أن يعلن أمام البرلمان بأن بحوزته لائحة منتخبين متهمين بالاختلاس. ولم يتخذ أية إجراءات قانونية ضد هؤلاء المسؤولين. فكان ذلك بمثابة إعلان شبه رسمي على الحصانة التي يتمتع بها بعض الأشخاص من ذوي النفوذ الذين كانوا يشكلون على الأرجح جزءا من شبكة إدارية واقتصادية وسياسية (الحزب السري الشهير)، واستخدام بعض المحاكمات كوسيلة لابتزاز سياسي ضد أولئك الذين يوجدون خارج الشبكة. فالمحاكمة الشهيرة في منتصف التسعينات هي عمليات تصفية حسابات وابتزاز أكثر منها عمليات تصحيح. وكانت هذه إشارة قوية ليس فقط للمنتخبين الفاسدين، بل لجميع المغامرين الذين تغريهم أنشطة غير مشروعة. لن يزعجهم أحد إذا كانوا يحترمون قواعد اللعبة، وقد ظهرت نتائج ذلك على الفور بانتشار خطير للفساد والرشوة.
ولقد بذلت حكومة التناوب جهودا كبيرة في مكافحة الفساد. على وجه الخصوص، وتم تحسين شفافية أنماط الصفقات العمومية، وعرض مجموعة من الملفات لها صلة بالفساد والترامي على الممتلكات العامة والشطط في استعمال السلطة على مختلف المحاكم. وقد أظهرت هذه المحاكمات أن الفساد واختلاس الأموال العمومية ليس من الممارسات الشائعة فحسب، بل إنها كانت تمارس على مرأى ومسمع من الجميع: الإفلات من العقاب أصبح رسميا تقريبا. تم خلق الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. كل هذه التدابير تعكس بدون شك وعي المسؤولين على كافة المستويات بما تمثله هذه الظاهرة من مخاطر، ليس فقط على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب بل على الاستقرار السياسي. إنها تشكل خطوات هامة في الاتجاه الصحيح. فهل تكفي للقضاء أو الحد من هذه الظاهرة؟
ثروات ضخمة تشكلت لا تتناسب والأنشطة القانونية لأصحابها (الفساد؛ استغلال النفوذ؛ الاتجار بالمخدرات؛ المضاربات العقارية والتملص الضريبي) إن ظل هذا الاغتناء السريع الباعث على الشك لبعض الأشخاص معروف لدى الجميع، ويستخدم جزء من هذه الثروات غير المشروعة في إفراغ الديمقراطية من معناها (شراء الأصوات، بعض الصحف وتمويل الميليشيات من أجل التأثير على القرارات الداخلية لبعض الأحزاب). إحدى نقاط الضعف في مكافحة الفساد هي تأثير بعض الدوائر المشتبه فيها من طرف الرأي العام أنها مازالت تمارس سلطات سياسية واقتصادية.
ينبغي على المغرب أن يسائل نفسه عن المقاربة المتبعة وأسباب فشل جهود التصدي لهذه الظاهرة، وقد تركزت حتى الآن عملية مكافحة الفساد إلى حد كبير على مظاهر الفساد بدلا من أسبابه. فلقد تركزت بالفعل على فعالية أكبر للمراقبة الإدارية، والزجر القضائي وعلى الجوانب القانونية.
إن تحليل أسباب الفساد هو ضروري من أجل مكافحته بنجاعة. إن الأمر لا يتعلق فقط باستمرار التنديد بهذه الظاهرة في الوقت الذي تستمر في الانتشار بل بوضع استراتيجية حقيقية لمحاربتها حتى تصفيتها. هذه الاستراتيجية يجب ألا تتجه إلى التجليات وإنما إلى أسباب الظاهرة.
من بين قرارات المؤتمر الثامن للاتحاد الاشتراكي، تحتل مكافحة الفساد مكانا بارزا. هكذا طالب المؤتمر بتنفيذ سياسة واضحة وشاملة ضد الفساد والاختلاس في المجالات الاقتصادية والسياسية. وفي هذا الصدد ركز على:
مكافحة اقتصاد الريع والامتيازات
تقليص مساحة الاقتصاد غير المهيكل
تنفيذ سياسة شفافة وموضوعية تعتمد على الجدارة والكفاءة للتعيين في مناصب المسؤولية.
العلاقة بين التعيين والتصريح عن الممتلكات.
ومن المسلم به أيضا من لدن الجميع، أن اقتصاد الريع ليس فقط عاملا أساسيا في انتشار الفساد بمعناه الواسع، بل أيضا مصدرا هاما للهدر الاقتصادي بالنسبة للنمو، والقدرة التنافسية وخلق مناصب الشغل والظلم الاجتماعي.
تشكل مصادر اقتصاد الريع أساسا لما يمكن أن نسميه بالاقتصاد الإداري، يعني اقتصادا حيث القرارات الإدارية والسياسية تعتبر عاملا في تحديد النشاط الاقتصادي للشركات. ويتجلى ذلك في جملة أمور منها :
منح أنواع مختلفة من التراخيص والتصاريح للبعض دون غيرهم؛
وضع ممتلكات عامة رهن إشارة بعض الفاعلين الاقتصاديين لاستغلالها (أراضي الدولة، غابوية، ممتلكات بحرية ،...)؛
تأسيس واحتكارات وشبه احتكارات (البنوك، الاتصالات، والسكر والزيت...)
الحد من المنافسة بين الشركات من خلال الضرائب حقيقية وانتقائية والإجراءات الحمائية الانتقائية على الحدود،
نظام التدبير السيء في مجال التعمير والسكنى (المضاربات العقارية)؛
تطبيق الضرائب بشكل غير منصف على الأفراد والشركات ؛
التوجيه غير الموضوعي للأدوات الاقتصادية (الحالة الخاصة للأبناك).
اقتصاد الريع، إلى جانب استعمال النفوذ والمخدرات المختلفة، يشكل واحدا من المصادر الرئيسية للثروة الهائلة التي راكمها بعض الناس، وارتفاع تكلفة المعيشة (وخاصة السكن) في المغرب.
القطاع غير المهيكل غير واضح. أحيانا يعتبر أن القطاع غير المهيكل يتألف من الشركات التي لا تتوفر على محاسبة. القطاع الزراعي والحرفي يعتبران بمثابة قطاع غير مهيكل لأنه لم يتم تنظيمهما. الباعة المتجولون، المهن الصغيرة لا تزال تعتبر جزءا من هذا القطاع.
اليوم ما يسمى بالاقتصاد غير المهيكل يمثل الجزء الأكبر من العمالة في المغرب. «ووفقا لبحث 2000، العمالة في القطاع غير المهيكل تحتل 39.0% من العمالة غير الزراعية، ولكن أكيد أن هذا الرقم أقل من الحقيقة، المسح لا يشمل العمل الهش في الوحدات المهيكلة. ولا شك أن هذا القطاع يعتبر رئيسيا في خلق فرص الشغل. وفي كل الأحوال فهي أكثر من فرص الشغل المفترض خلقها بواسطة الاستثمارات المقبولة والمشجعة من طرف الدولة.
إن الاقتصاد غير المهيكل يتراوح بين النشاط غير المشروع (لكنه مقبول كالتهريب) والأنشطة الاقتصادية المسماة غير المهيكلة كالصناعة التقليدية، والزراعة، والتجارة الصغيرة... هذه الأخيرة هي أنشطة تاريخية والأولى في اقتصادنا. و بين هاتين الفئتين تتواجد جميع الأنشطة التي لا تطبق القواعد القانونية في مجملها، مما يجعلها تنتمي إلى فئة خارج الزمن وخارج آليات التشغيل الحديث لاقتصادنا، وهي تشكل بذلك الهدف المفضل لكل أنواع الابتزاز في حين يجب أن تدمج تدريجيا في ما يسمى بالأنشطة المهيكلة.
كيف وصلنا إلى هذه الوضعية؟ إنها النتيجة الحتمية لمجموعة القرارات والقوانين والتدابير غير الناجعة التي اتخذت في السابق.
إن أكبر مشكلة مع الاقتصاد غير المهيكل هو الحيلولة دون تطوير الشركات المتوسطة والصغيرة لتكون في مستوى المنافسة الدولية، وتندمج في الاقتصاد الحديث. إنها تشوه قواعد المنافسة الصحية داخل نسيجنا الاقتصادي. إن مستقبل تنمية قطاعات هامة مثل بعض الخدمات (التجارة، الإنتاج الفني، الرياضة، والحرف، الصيانة والبناء، وجميع المهن الصغيرة...) رهين ولحد كبير باندماجها في الاقتصاد المهيكل، حيث تمثل هذه القطاعات إمكانات هائلة لخلق فرص العمل والثروة.
الأسباب التي أدت إلى التوسع في النشاط الاقتصادي غير المهيكل متعددة. فتقرير ال 50 سنة من التنمية البشرية يتطرق إلى بعضها: ارتفاع في معدل النمو السكاني إلى جانب التوسع العمراني السريع ، الذي رفع بشكل ملموس عرض الشغل وعدم قدرة القطاع المهيكل على استيعاب هذا النمو. وهذا النقص في «القطاع الحديث» للاقتصاد لا يقدم له تفسير واضح. إذ يتم تضمينه وإغراقه ضمن تقييم يشمل البلدان النامية. ضمنيا تعني الدعوة لفتح الباب على مصراعيه لترك الأمور على حالها. فالتفسير العام لا يمكن أن يكون إلا جزئيا، إنه في الغالب تفسير يخص بالأساس المغرب. مسؤوليتنا هي تقديم تحليل موضوعي وتحديد الإجراءات للحد من هذه الظاهرة.
الخطأ الأساسي للرؤية الثنائية هو مواجهة القطاع الحديث بالقطاع التقليدي. وجود هذين القطاعين في اقتصادنا هو أساسا من مخلفات الاستعمار. ولكن الاستقلال لم يعمل إلا على استمرارها وتعزيزها. وكانت الفكرة أن ندمج تدريجيا القطاع التقليدي في القطاع الحديث، بدلا من تطوير القطاع التقليدي ككل (الزراعة، والحرف...). فبذلت محاولات لتحديث الزراعة خلال السنوات الأولى للاستقلال (عملية الحرث، الأسمدة). بسرعة كبيرة تم التخلي عن هذه الرؤية لتحديث الاقتصاد ككل لصالح سياسة انتقائية تركز على التوسع في الاقتصاد الحديث (مثل الري على نطاق واسع). فتم تأجيل تنمية الاقتصاد التقليدي إلى وقت لاحق.
اليوم الاقتصاد غير المهيكل موجود، ويتوجب إطلاق دينامية لإدماجه في الاقتصاد المهيكل. الأسباب الديموغرافية يمكن أن تفسر البطالة والبطالة المقنعة، ولكن ليس انتشار الاقتصاد غير المهيكل. بالعكس عمل هذا الأخير بفعالية في الحد من البطالة في القطاع المهيكل. وفي الواقع، دفع تقنين الأنشطة الاقتصادية معظم الاقتصاد الوطني نحو القطاع غير المهيكل. هذه القوانين مفيدة جدا لحماية بعض الوحدات المسماة بالحديثة. فالضرائب الثقيلة على الشغل وعلى الأنشطة الاقتصادية، الحماية القوية لبعض المنتوجات بعينها ، وكثير منها تستخدم كعوامل إنتاج في الأنشطة التقليدية مثل الزراعة والحرف اليدوية، هذه مجموعة عناصر تدفع النشاط الاقتصادي نحو الاقتصاد المهيكل، بما في ذلك جزء كبير مما يسمى بالقطاع المهيكل أو الحديث.
هل الاقتصاد المهيكل، مهيكل
فعليا؟
هل يطبق جميع القوانين واللوائح المعلقة به؟ في الواقع الحدود الفاصلة بينهما متحركة وملتبسة، لأنها تسمح بتطبيق القوانين واللوائح في الفرص بطريقة انتقائية جدا، وبالتالي تنتج إمكانات هامة للفساد خصوصا على المستوى المحلي. كما أنه يساعد على ترويج السلع المهربة في ظل ظروف «التبرير الاجتماعي». إن الاقتصاد غير المهيكل يشكل مصدرا للإنتاج على نطاق واسع للفساد.
التسامح في مواجهة ما يسمى بالمؤسسات المهيكلة هو نتيجة لسببين رئيسيين :
* لا يمكن لغالبية ما يسمى بالمؤسسات المهيكلة الاستمرار في الوجود بدفعها جميع التحملات الاجتماعية والرسوم والضرائب ؛-
* الغموض حول مدى قابلية تطبيق القوانين المشددة، يفتح الباب أمام كل فرص الفساد لبعض المسؤولين الفاسدين.
وعلى الرغم من مختلف التعديلات الملائمة للضرائب المغربية، فإنها تظل غير عادلة، تعرقل النشاط الاقتصادي، وتساهم إلى حد كبير في الفساد وانتشار الاقتصاد غير المهيكل، ولكن أكثر فأكثر تدر مداخيل هامة لخزينة للدولة.
ويفترض في النظام الضريبي أن يضمن إعادة توزيع الثروات الوطنية لفائدة من هم أقل غنى، ويشجع تعبئة الموارد من أجل النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل، لكن بتوجه أكثر فأكثر نحو تحصيل الضرائب غير المباشرة. ومعظم هذه الضرائب غير عادل فهي تلزم بنفس الطريقة الأغنياء والفقراء. فضريبة الدخل، على الرغم من التعديلات المختلفة التي عرفتها منذ عشر سنوات، تظل ضريبة في غير صالح الطبقة المتوسطة وخصوصا الشريحة السفلى منها، وحاليا لا يشكل النظام الضريبي بالمغرب حافزا لخلق فرص الشغل لخريجي الجامعات. ورؤية جديدة للنظام الضريبي وطريقة اشتغال وصلاحيات مديرية الضرائب، ضرورية لمزيد من العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية ومكافحة الفساد، كما أن تنفيذ هذه الرؤية يحتاج إلى سنوات عدة لتجنب خلخلة ميزانية الدولة.
فالاقتصاد المغربي يعاني من تدهور تنافسيته على الصعيد الدولي ، في حين أن المغرب قد التزم بسلسلة من اتفاقات التبادل الحر. وأحد مظاهر هذا التدهور هو العجز التجاري المستمر في التدهور. إن تدهور التنافسية هو نتيجة لعوامل عدة من بينها انعدام وجود المنافسة في قطاعات هامة من الاقتصاد.
إن تطوير المنافسة في اقتصادنا يشكل عاملا حاسما في مكافحة الفساد والهدر الاقتصادي. فمراجعة قانون المنافسة ستمنع الاحتكار ومراقبة أي إخلال بالمنافسة في القطاعات التي تهيمن عليها بعض القطاعات(البنوك، الاتصالات والزيت والسكر...) وتجريم كل أشكال التواطؤ بين الشركات.
إن تدبير أملاك الدولة (الشركات العمومية، العقار، الغابات ، والمجال البحري ، ملك الدولة...) يقع تحت نيران الانتقادات لعدة عقود. فالمرحوم عبد الرحيم بوعبيد قد أطلق مقولته تأميم الملك العام، مشيرا إلى الخلط الذي كان سائدا بين الملك العام والخاص. فخلال السنوات الأخيرة ، شهد المغرب عدة فضائح نتيجة سوء تدبير الأملاك العمومية. إذن لا بد من مراجعة هذه التدابير في اتجاه المزيد من الشفافية والرقابة الفعلية للأمة على هذه الممتلكات.
هناك حاجة ملحة الآن من أجل إعادة انطلاق الاقتصاد المغربي، والحد من أسباب الفساد والاضطلاع بالإصلاحات الاقتصادية التالية :
الضرائب والميزانية العامة للدولة؛
المنظومة المصرفية (الأبناك)؛
الدمج التدريجي للقطاع غير المهيكل.
المنافسة: مراجعة وتنفيذ قانون المنافسة
إصلاح النظام الجمركي.
وحتى تكون ناجعة، يجب أن تكون استراتيجية مكافحة الفساد شاملة وواضحة ومستمرة. لا ينبغي أن تختزل في الجوانب الزجرية المتعلقة بتنفيذ القانون. يجب أن تتبنى الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والمؤسساتية وأن تشمل العدالة. هذه الإصلاحات يجب أن تحد وتراقب السلطات التقديرية على جميع المستويات (الاقتصادية والسياسية والإدارية والقضائية...). كل هذه الإصلاحات مترابطة، هي تشكل أيضا ركائز مهمة للتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وبالتالي ينبغي أن تكون محاربة الفساد على رأس أولويات الحكومة المقبلة.
تقترح ورشة العمل الآنفة الذكر تحليل ظاهرة الفساد في المغرب، بغية استنتاج الخطوط العريضة لاستراتيجية محاربة فعالة لهذه الظاهرة، وتحديد إجراءات دقيقة على المدى القصير والمتوسط والطويل. وينبغي أن تتركز هذه الاستراتيجية حول المحاور التالية:
الإصلاحات السياسية و المؤسساتية
إصلاح العدالة
الإصلاحات الاقتصادية : مكافحة اقتصاد الريع (البنوك والضرائب وقانون المنافسة، وميزانية الدولة، قوانين التعمير...)
الإصلاحات الإدارية وإصلاح تدبير أملاك الدولة.
مرصد حقيقي للتقييم ورصد مكافحة الفساد.
إن الإصلاحات السياسية والمؤسساتية وإصلاح العدالة، على الرغم من مركزيتها في كل استراتيجية لمكافحة الفساد، لن تتم معالجتها في هذه الورشة.
إن الحزب ينظم ورشات حول هذه المواضيع، وهذا لا يعني بأن هذه المواضيع ليست مركزية في محاربة الفساد بل بالعكس.
(*)رئيس اللجنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.