الحكومة تشرع في رفع ثمن قنينات غاز البوتان    التهرب الضريبي يورط منعشين عقاريين ورجال أعمال وتجار في الناظور    العثور على حطام مروحية الرئيس الإيراني    الزمالك يتوج بكأس الكونفدرالية على حساب نهضة بركان    مانشستر سيتي بطلا للدوري الإنجليزي بعد صراع الجولة الأخيرة مع أرسنال    برشلونة يستضيف فاليكانو لحسم وصافة الدوري    منافسة كبيرة للفوز بخدمات الحارس منير المحمدي    الشرطة العلمية والتقنية.. منظومة متكاملة تجمع بين الكفاءات البشرية والتقنيات الحديثة    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    منصة "طفلي مختفي" تمكن من استرجاع 124 طفلا لذويهم خلال سنة واحدة    سلطات طنجة المدينة تشن حملات لتحرير الملك العمومي والبحري (صور)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    المحصول الضعيف للحبوب يسائل الحكومة عن التدابير البديلة للنهوض بالقطاع    إيطاليا تصادر سيارات "فيات" مغربية الصنع    المعرض الدولي للنشر والكتاب.. إبراز تجليات مساهمة رئاسة النيابة العامة في تعزيز جودة العدالة    بلغ مجموع عدد الشكايات الذي توصلت بها المفتشية العامة للمديرية العامة للأمن الوطني من طرف المرتفقين 2447 شكاية خلال سنة 2023 مقابل 1329 سنة 2022    المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : احتفاء بالذكرى ال19 تحت شعار التعبئة والتوعية بالأهمية الحيوية للأيام الألف الأولى من حياة الطفل    مهنيو قطاع النقل الطرقي للبضائع يرفضون مضامين مشروع مرسوم ولوج مهن النقل ومزاولتها    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    انفجارات السمارة.. أكاديمي يحمل المسؤولية للجزائر    شبيبة الأحرار تستنكر "التشويش" على الحكومة    الجيش الكونغولي يعلن إحباط "محاولة انقلاب"    الرياض وواشنطن تقتربان من توقيع "اتفاقيات استراتيجية" تمهد للتطبيع    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تُبرز حضور الشباب المغربي في صلب أولوياتها    البطاقة البيضاء تحتفي بالإبداع السينمائي الشبابي خلال مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة    أخبار الساحة    ساكنة الناظور تستنكر إبادة الفلسطينيين في وقفة تضامنية    باحثون مغاربة وأجانب يتخوفون من تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن    مجموعة «إمديازن» تعود لجمهورها بأغنية «إلى الجحيم يا حساد»    الإطار المرجعي للامتحانات يخلق الجدل ومطالب بحذف بعض الدروس    بسبب الجفاف.. الجزائر تتجه لخطف المركز الثاني من المغرب    إحباط "محاولة انقلاب" في كينشاسا بحسب متحدث باسم الجيش الكونغولي    المالكي : السينما.. جسر تواصل ولغة عالمية تتسامى على الاختلافات    موقع أمريكي يصنف طنجة وشفشاون ضمن أرخص الوجهات السياحية في إفريقيا    "لا داعي للمالديف".. مصممون سعوديون يعرضون أزياءهم على شواطئ المملكة    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني: تسليط الضوء على تحديات وفرص استعمالات الذكاء الاصطناعي في المرافق الأمنية    بعد صفعة العزل.. بودريقة مطلوب في جامعة الكرة لهذا السبب    المغرب وفرنسا يعززان التعاون السينمائي باتفاق جديد    مهرجان "فيستي باز" ينتقد وسائل الإعلام الوطنية والقنوات الرسمية    بعد إسبانيا.. مزارعون فرنسيون يعتدون على شاحنات مغربية محملة بالطماطم    تصادم بين سيارتين يرسل 5 اشخاص الى مستعجلات طنجة    سائقون يتركون شاحنات مغربية مهجورة بإسبانيا بعد توقيعهم على عقود عمل مغرية    مستشفى بغزة يعلن مقتل 20 شخصا في قصف إسرائيلي    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    مواجهات مسلحة بين مغاربة وأفراد عصابة في إسبانيا    بعد شجاره مع المدرب.. إشبيلية يزف خبرا سارا للنصيري    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في "نزال القرن"    لماذا النسيان مفيد؟    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهدات من قلب ميدان التحرير (6) : ليالي القاهرة.. حين أخفى أبو الهول رأسه خجلا لفشله في صيانة محروسته أرض الكنانة

من محافظة الجيزة لشارع الهرم، بنايات وكوبريهات وأنفاق، وصوت الراديو في السيارة يستقبل آراء المستمعين في الدعوة التي أعلنت عليها حركة 6 أبريل الشبابية بالإنخراط في العصيان المدني ليوم السبت 11فبراير.. من مع ومن ضد؟ الآراء تختلف وتتنوع، وتتخللها أغاني وطنية لعلي الحجار، شيرين والأسكندراني (بلدي، الله حاميها،العيون باصة عليها، يا رب تحميها).. شارع الهرم بدأ يطل من بعيد مضيئا ومشتعل حيوية، وذلك بخلاف منطقة الجيزة، حيث تركنا الأهرام وكأنها انحنت وتقزمت، وحارسها أبو الهول وكأنه يبحث عن إخفاء رأسه خجلا لفشله في صيانة محروسته أرض الكنانة.
هي حياة أخرى في شارع الهرم، لا مكان هنا للثوار، ولا مجال للعراك السياسي ولا ميدان للاحتجاج .. تغيب الأعلام والرايات المصرية، كما في كل الشوارع والحواري الأخرى، يغيب صوت الوطنية وحب البلد.. الإنارة والإضاءة في كل ركن من شارع الهرم.. الألوان البهية والملصقات الفنية، وأجساد شبه عارية لراقصات تحملهن تلك الملصقات.. في كل مداخل شارع الهرم، عن طريق الجيزة أو شارع جامعة الدول العربية أو وسط البلد حيث ميدان التحرير يعج بالمظاهرات وبالإعتصام، يستقبلك شباب يعرض عليك الانضمام لسهرة راقصة في هذا الكباريه أو ذاك: الجنيه بالربع يا بيه.. اتفضل حتنبسط معانا..
الجنيه بالربع؟ يشرح مرافقي مبتسما: تشاهد أستاذ في أفلامنا كيف يتم تشتيت الأموال فوق رأس وعلى جسد الراقصة.. في الكباريه، تشتري مثلا مائة جنيه بعشرين بشرط أن تشتت المائة على الراقصة.. بعد الثورة تأزمت الأوضاع، وتضررت سوق الشغل هنا بشارع الهرم، فلجلب الزبائن المتعودين على منح النوطة، أي الإكرامية على الراقصات، يمنح لهم الجنيه بالربع لتشجيعهم على منح الإكرامية.. تفضل نخش للكباريه لترى ما يحصل، بس إوعى تتكلم مغربي، لن تفارقك البنات هنا ولا الراقصات..
شيشة وكحول..موسيقى شعبية ومغنيات ومغنون يؤدون في قليل من الانسجام مع الفرقة الموسيقية أغنية (باحب الناس الرايقة).. وراقصة شبه عارية تتمايل بجسدها بابتسامة لا تفارق وجهها.. على الطاولة في ركن غير بعيد من خشبة العرض، اختار مرافقي الجلوس، حيث كان يجلس أحد معارفه.. كان منتشيا، يعيش في عالمه الخاص، شيشة وقنينة من النوع الأوروبي وأكل كثير.. رحب بنا بإشارة من يده، وكأنه كان يرغب في عدم تضييع تتبع أية حركة من رقصة الفتاة التي كان يحلو له أن يصفها بالحمامة الرشيقة.. تشربو حاجة؟ شاي .. أطلق ضحكة مدوية، والتفت لمرافقي : صاحبك من الإخوان؟ فأجبت متسائلا: الإخوان المسلمين؟ لتتغير نبرته وتعلو ملامحه، شيء من الجدية والحزم، استقام في جلسته، وفتح عينيه مركزا نظراته على عيني: اسمع يا صاحب صاحبي، دماغي متكيفة أوي، ونفوخي مكلفني أوي أوي.. فأرجوك، متبوزليش الأعدة دي بكلام عن الإخوان وعن الميدان.. أنا ميهمنيش غير دماغي وبس.. اللي عايز السياسة يروح للميدان.. ثم انتفض واقفا وهو يردد بصوت عال:رقصني يا جدع..
وأنا أتأمل المكان، أتجول بنظراتي لأكتشف شخوصا وكأني أعرفها وتبدو وجوهها مألوفة، هي السينما المصرية وما سطرته في ذاكرتنا ومخيلتنا، نفس الديكور، نفس المشاهد، رقص، وفلوس، خمر وشيشة، وبنات في كل مكان، وفي كل ركن وطاولة، ضحك وفرفشة.. ولا حديث عن مصر اليوم، وكأن المكان لا ينتمي مطلقا لمدينة تلبس أسود الحداد حزنا على شهداء وضحايا.. ولا حديث عن ثورة ولا عن غليان هناك على بعد مسافة ليست بالطويلة في ميدان الإعتصام و الاحتجاج.. ممنوع أي حديث هنا غير حديث الأنس والضحك والهوى والانبساط.. حتى لما صعد أحد الفكاهيين يقدم سكيتشا ويحكي نكتا، ما أن بدأ جملته، وهو يحكي نكتة عن صعيدي جاء للقاهرة يبحث عن شغل، وتوجه للميدان... حتى انتفض أحد الجالسين من الزبناء، وصاح فيه منفعلا وغاضبا: انزل يا وله، عاوز تفسد ليلتنا ليه؟ علق نادلنا، وهو يضع كأس الشاي ومعه الشيشة: دا حمار، يا ما ننصحه يتفادى أي حاجة عن الميدان، بس هو ميفهمش.. الناس عاوزة تنسى وتخسر فلوسها علشان تعيش لحظة كويسة.. لو زعلوا احنا حنروح فين؟
لا أعرف، وأنا أتابع مشاهد الكباريه الحقيقية وغير السينمائية، وجدت نفسي أتذكر الشاب عبدو سائق الطاكسي الذي هجر أهله وبلدته وغادر أسوان، ليتيه في القاهرة يجول في كل شوارعها وحواريها ليل نهار من أجل خمسمئة جنيه ( 750 درهما) في الشهر، يؤدي منها 100 جنيه واجب كراء السكن، يبعث 200 جنيه لأهله بالبلد، والباقي يعتمده لتغطية مصاريفه طيلة أيام الشهر..تذكرت كذلك الأستاذ شريف الذي يشتغل ثلاث وظائف من أجل التغلب على تكاليف الحياة، محام صباحا، منظم حفلات زوالا، وموظف استقبال فندقي مساء.. تذكرت الشاب كريم المعتصم في ميدان التحرير، الذي يحلم بمصر جديدة، بحريات وحقوق، لا يهمه الجوع في المخيم، ولا برودة الطقس، ولا سخونة عصى العساكر، ولا اضطراره الاقتراض من أجل مواصلة الاعتصام في الميدان.. تذكرت نادل مقهى (الأمل) بخان الخليلي الشيخ الذي لا يغير بذلته البيضاء المكتوب على ظهرها: أنا القائد، أنا ثورة 25يناير 2011 .. والذي يحلو له أن يحدثني كلما رآني: عبد الناصر كان رجلا شهما، السادات كان شجاعا، ومبارك حسني لم يختلف عنهما، بس للعشر سنوات الأولى من حكمه وبس.. بعد ذلك، تجبر وطغى.. غدا، سيتحدث الإعلام، في دار أخبار اليوم، ومع زملاء صحافيين، سنكتشف صاحبة الجلالة .. في قفص الاتهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.