لائحة المستفيدين من رخص النقل بالحافلات كشفت عن أسهم الدولة في البورصة المشبوهة للسنوات الرهيبة. لأنها كشفت أسماء مشتبه في كونها تورطت في اغتيال الشهيد المهدي بن بركة، وهي لأشخاص من المخابرات السيئة الذكر، «الكاب 1». أسماء مازال ذكرها يثير القشعريرة في أجساد مناضلين عديدين من القوى اليسارية والتقدمية والصف الديموقراطي. وعوض أن ننتظر من المسؤولين في الثمانينيات الكشف عن الحقيقة، متعوهم بالريع. إنه منطق، «اقتل معي وخذ گريما». وبذلك لا يكون الريع لفائدة غير محسوبة، بل دائما يتحول إلى سياسة لاستغلال بشاعة السياسة نفسها. وتحويل كل ذلك إلى ريع. ريع سياسي غير أخلاقي ينتج ريعا اقتصاديا. أي دولة تقتل القتيل وتمنح القاتل رخصة للاستغلال الطويل الأمد، هي دولة فاسدة. ومن المثير فعلا، أن الرخص سلمت في الثمانينيات، عندما كنا نعتقد بأن سنوات أوفقير والدليمي انتهت إلى ما انتهت إليه. إنهم لا يسرقون الشهداء فقط، ولا يسرقون الثروة الوطنية فقط، ولا يسرقون الحياة فقط.. إنهم يسرقون حتى الحق في الغفران وفي العفو. المصيبة أن الفساد يعرف أوجه عندما يتزوج الجريمة، ويعقد قرانه على الاغتيال السياسي.. لقد ظل المسؤولون في بلادنا يعتبرون أن القتل وسيلة سياسية في ترجيح كفة التاريخ، وفي اغتصاب الحرية، وكانوا يدفعون من بعد، قيما يشبه الجزء الثاني من الصفقة إلى من يساعدهم على اغتيال الخصوم. إن الأساسي اليوم، هو أنه قد سمح لنا بأن نعرف كيف جازت الدولة، في مرحلة سابقة أياديها الملطخة بالدماء، ميلود التونزي، العشعاشي وصاكا عبد القادر ، ليست أسماء للنقل.. بل كان من الأولى تسليمهم رخص النقل .. الموتى، إلى مقابر غير معروفة، إلى مقابر جماعية، وإلى مقابر سرية، وإلى مقابر على حافة المجهول. ولم يكن تلقائيا ولا صدفة أن «يستحق» قاتل آخر، هو عبد الباري الزمزمي «گريما». فهو، أيضا، سبق له أن هاجم الشهيد المهدي، ونفى عنه الشهادة، بل ذهبت به الريعية إلى أن اعتبر أنه يجب قتله ثلاث مرات!! ولست أدري لماذا أعطوه «گريمتين» فقط!! أمام ورثة المسؤولين المعنيين أن يرفعوا ذواتهم عن هذا الريع الملطخ بالدماء، هذه الرخص التي تنقلهم من مصاف المواطنين العاديين إلى مشتركين بعديين في جريمة سابقة عنهم. أخلاقيا لابد من أن يتحللوا، لإقامة بعض من التقدير في حق الذي استشهد في المخافر، ولكي يبقى بعض من الثقة بين المغاربة. إن الدولة لا يمكن أن تسلم بهذه الفضيحة، لابد لها من أن تعيد النظر في ذلك، كي لا تعتبر أنها تضمن استمرارية الجريمة من خلال استمرارية الريع. كثيرون بدوا عاجزين عن قول أي كلام، وآخرون استعانوا بأموات، وخاصة من الشعراء، وبمقاطع منتقاه، علها تفي بالغرض، ولكن بدا أن حتى هذا الاختيار فشل في القبض أو ملامسة محمد سكري، فالرجل كان هو دائما، ولم يكن آخر. تحول الممثل إلى مغني، والشاعر إلى قاص، والراوئي إلى شاعر.. تبادل أبناء الحياة امتهان الحرف الفنية والثقافية. كل حاول استجداء محمد سكري حتى يمنحهم تلك الابتسامة المنتصبة على وجهه، كلهم كان يطلب أن يسامحه سكري، كلهم يود أن يقول«معذرة»، لأن الكل كان يتحدث، وفي نفسه مرارة، لأنه لم يقم بشيء ما كان واجبا تجاه سكري، ما هو هذا الشيء، أكيد وحده سكري الذي جمع أحباءه مساء الأربعاء الماضي. يعرف هذا الأمر جيدا، يعرف أن سكري لم يترك سكري لأي أحد، بلا ترك نطفة قابلة للحياة في ضمير كل عشاق الحرية أولا وأخيرا، سواء كانت سينما أو مسرح أو صحافة وحتى بذخ العيش والحياة.