بنعبد الله: حكام الجزائر يُغَذُّون العداء والكراهية ضد كل ما هو مغربي مؤسساتيا وشعبيا    مطالب للحكومة بصرف الدعم الاجتماعي قبل عيد الأضحى    أشرف حكيمي أعلى اللاعبين قيمة سوقية عربيا ونايف أكرد ثالثا    المغرب يسجل 22 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" وحالة وفاة واحدة    4 أندية أوروبية في منافسة للتعاقد من نجم البطولة المغربية    وزارة الأوقاف: عيد الأضحى يوم الإثنين 17 يونيو 2024    المنتخب المغربي ينجو من فخ زامبيا ويؤمن صدارة المجموعة    رئيس الأرجنتين يتجنب "ممثل فلسطين"    السلطات الدنماركية توقف رجلاً اعتدى على رئيسة الوزراء في كوبنهاغن    الجزائر ترد على المغرب بعد إحداث منطقتين للصناعات العسكرية    بنكيران مهاجما وهبي..لا نريد أن تصبح فنادقنا أوكارا للدعارة والفجور وإشاعة الفاحشة    مشروع مبتكر .. اطلاق أول مشروع مبتكر الالواح الشمسية العائمة بسد طنجة المتوسط    هل يرحل إبراهيم دياز عن ريال مدريد؟    لاغارد: مصاعب ترتبط بكبح التضخم    الغش في امتحانات البكالوريا يطيح ب 66 شخصا    شبهة الرشوة تطيح بشرطي في مراكش    بسبب الحشيش.. إيقاف مواطن أجنبي بمطار مراكش المنارة    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة: "متى يحل عهد أفريقيا" لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    أداء "روبوتات الدردشة" كأداة تعليمية يسائل الفرص والعقبات    زياش والنصيري يُوقّعان الركراكي في المحضور    كأس أوروبا 2024: كوبارسي ويورنتي وغارسيا خارج القائمة النهائية لمنتخب اسبانيا    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    كيوسك السبت | المغرب سيشرع رسميا في إنتاج الغاز المسال مطلع 2025    غوتيريش يدرج جيش إسرائيل على قائمة عالمية لمنتهكي حقوق الأطفال    بطولة إنجلترا: فاردي يمدد عقده مع ليستر سيتي    ارتفاع مؤشر أسعار الأصول العقارية بنسبة 0,8 في المائة برسم الفصل الأول من 2024    الأشعري في قصص "الخميس".. كاتب حاذق وماهر في صنع الألاعيب السردية    الحسيمة.. اختتام فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان إبداعات جوهرة المتوسط    وفاة شاب غرقا في وادي اللوكوس    المخابرات المغربية تفكك لغز تحركات شخص خطير في إسبانيا    حادثة سير وسط طنجة ترسل شخصين في حالة خطيرة للمستشفى    إدارة الرجاء تلعب ورقة المال للفوز بالبطولة    بن كيران يدعو إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة    كيف بدأت فكرة الطائرات العسكرية المُسيرة في عام 1849؟        مصنع السيارات المغربي الأول يفتتح صالته للعرض بالرباط    المغرب والبرازيل يقرران إرساء حوار استراتيجي يروم ترسيخ شراكتهما المتينة وطويلة الأمد    استطلاع: 87 بالمائة من المغاربة يرفضون التطبيع مع إسرائيل    الأمثال العامية بتطوان... (619)    السيد بوريطة : المملكة المغربية تدين بشدة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى التي "تقوض جهود التهدئة" في غزة    البرازيل تشيد بجهود المغرب للمضي قدما نحو تسوية الخلاف في إطار مبادرة الحكم الذاتي    تظاهرة "نتلاقاو في وزان" تعود بنسختها الثالثة لتعريف بالتراث المحلي    نورا فتحي تمزج بين الثقافتين الهندية والمغربية في عمل فني جديد    لارام تعيد تشغيل الخط الجوي المباشر بين الدار البيضاء وساو باولو    السعودية تطلق حملة دولية للتوعية بخطورة حملات الحج الوهمية    وفاة أول مصاب بشري بفيروس "اتش 5 ان 2"    دراسة: السكتة القلبية المفاجئة قد تكون مرتبطة بمشروبات الطاقة    افتتاح فعاليات الدورة المائوية لمهرجان حب الملوك    أفلام مغربية داخل وخارج المسابقة بمهرجان «فيدادوك» بأكادير    فيتامين لا    بداية تداولات بورصة البيضاء بارتفاع    الدكتورة العباسي حنان اخصائية المعدة والجهاز الهضمي تفتتح بالجديدة عيادة قرب مدارة طريق مراكش    تنسيق أمني بين المغرب وإسبانيا يطيح بموال ل"داعش"    نادي الفنانين يكرم مبدعين في الرباط    السعودية تعلن الجمعة غرة شهر دي الحجة والأحد أول أيام عيد الأضحى    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    إصدار جديد بعنوان: "أبحاث ودراسات في الرسم والتجويد والقراءات"    الصحة العالمية: تسجيل أول وفاة بفيروس إنفلونزا الطيور من نوع A(H5N2) في المكسيك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بأصوات متعددة:
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 10 - 2012

كنت قد كتبت عمودا سابقا، عنونته ب»لعنة الفيس بوك»، قصدتُ منه أن أبين أن موقع التواصل العالمي، يحرم الكثيرين من فعل الحياة السوية، ويجعلهم يعوضونها بأفعال من قبيل وضع تأشيرة إعجاب هنا، أو رسم لشفتين في وضع قبلة هناك.. حتى لتصير الحياة بالنسبة لهم -هم الذين يقضون أكثر ساعات يقظتهم عليه-، خالية من نور الشمس وتعرق الجبهة وعبة الأوكسجين وخمرة القبل، ويحرمهم من فعل الحياة، ويعوضونه بأفعال خالية من العرق والتحسس والرائحة.. فتعوض تأشيرات الإعجاب أو وجه مجذوع أصفر القهقهة الصاخبة والعين الصادقة..
لكن ذلك العمود في اللعنة، لا يلغي مكتوبا آخر في المديح، فمعظم الذين يلعنونه هم فيه أصلا، وكثيرا ما تجد أحدهم يقول عبره أنه الموقع أخذ الكثير من وقته، وأنه يجعله عاجزا عن ضبط أجندة لوقته، أو يلهيه عن دراسته وأسرته، ويعلن صاحبنا آسفا أنه سيغلق حسابه على الموقع، ولن يعود له، لكنه ما يلبث أن يعود، غالبا في نفس اليوم، ما يفرض تأمل الجهة الأخرى بدل اللعن، والبحث عن الأسباب التي تجعل صاحبنا يعود بعيدا (قليلا أو كثيرا) عن رغبته.
وإذا كنا قد بدأنا بفكرة لفيلسوف الحياة نيتشه، ساعة كنا نلعن، فلا بأس من أن نعود له لمدح هذا الرابط المجمع، الذي ما ظهر إلا بعد أكثر من مئة سنة من وفاة فيلسوفنا، فيمكننا أن نأخذ من مكتوبه أيضا وأفكاره، لنمدح الفيس البوك، وليس فقط مرد ذلك أن فيلسوف القوة كتب أهم الأفكار عن الحياة والفرح والقوة والجسد... بل أيضا لأن الموقع العالمي الذي كان خاصا بطلبة هارفرد، وفتح للعوام من غيرهم في سبتمبر 2006، وأعلن في أكتوبر السابق أنه وصل لمليار مشترك ناشط، ما يعني أنه أكبر تجمع في العالم بدون منازع، ولعله أكبر تجمع فيه، إذا ما اعتبرنا التغيرات التي يرغم مشتركيه على تبنيها في وعيهم ولا وعيهم، والأوقات الطويلة التي يقضون عليه.
الفيس بوك فضاء للسرعة، وسرعة التنقل بين المعلومات مرده وفرتها، و يفترض ذلك من سكانه الاختصار، والاختصار ينتج طرق للكتابة هيال شذرات، وتكون قصيرة مركزة وذكية، تعيش لما يتناقلها الآخرون على جدرانهم، أو يعلقون عليها، أو فقط يضعون عليها تأشيرة الإعجاب، «الشذرة» تبقى في الأعلى، ويراها أصدقاء الأصدقاء، ويستفيد صاحبها من الانتشار، وتعميق نقاش فكرته، وإلا فلا ينتبه لها أحد.
والشذرة ليست فقط طريقة كتابة، بل طريقة ومنهج تفكير، لا يروم صاحبها -كما يعلمنا نيتشه- أن يكتب نصا طويلا منمقا مرتبا، بل هي مرافقة لما يمكن أن نوصفه بالالتماعات، أفكار في الرأس تلتمع سريعا، فينقلها صاحبها إلى مذكرته، كما كان نيتشه نفسه في غابات جنوب إيطاليا، أو الغابة السوداء في ألمانيا، الآن أزيحت المذكرة والدفتر لتظهر موضعه الهواتف الذكية، يقيدها صاحبها من أن تطير منه، ثم يجيء دور الفيس بوك أولا، ثم بقية مواقع التواصل الاجتماعي، لتنقلها لأصدقائه ومعارفه، وتدخل شذرته، (المرفقة بصورة أحيانا)، في عملية منتجة لتوليد شذرات جديدة، هو يفعل ذلك من الخلاء البعيد، وهم يفعلون ذلك من خلواتهم، ويقع تضارب الأفكار، دون الإضطار -فعليا- لكسر الاختلاء، وليس مضطرا ليوقف تفاعله مع الحياة والأشجار والطير وكل شيء حوله، ليتفاعل مع الآخرين، بل الموقع يسجل كل ذلك لوقت لاحق.
وبذلك تكبر إمكانيات التراكم والإغناء والحياة، بنفس الوسائط الذي كنا قد علقنا بأنها تمنعه الحياة والتراكم والإغناء، في دليل على فكرة أخرى مفادها أن التكنولوجيا دائمة تصحيح ذاتها، والجهاز الذي كان كبيرا يضطرك للجلوس وقضاء الساعات، صار هاتفا ذكيا، حجمه أصبح بعض غرامات، تضعه في جيبك، ولا يمنعك من الانطلاق لاكتشاف العالم، بل وأيضا يعينك، فيوفر عليك خرائطا سهلة بالعالم أجمع، وشبكات بمضيفين محتملين حيثما ذهبت، وداعمين ومشجعيين في بيوتهم ومكاتب أعمالهم.
ومثال ذلك أني الآن وأنا جالس مطمئن إلى مكتبي، أتابع رحلة بدراجة لصديق افتراضي، في الجنوب الشرقي للمغرب، يتابعه معي عشرات الأصدقاء-الإفتراضيين بدورهم-، يكتب لهم من إلتماعاته، ويستشيرهم فيم عن له، ويصور لهم ما أذهله، فرحا بجسده وبلده والحياة.
ويربطك الفيس بوك أيضا بأولئك الذين تجمعهم معك نفس الاهتمامات، فيقلص الإحساس بالعزلة، ويشجع على التنوع والاختلاف، فتحركات وأفكار كانت في السابق جريمة، صارت اليوم مع الفيس بوك تطأ الساحة العمومية، وتقويها، بعد أن تتنظم في تلك الساحات المفترضة الخاصة، من مجموعات مغلقة فيه أو في البالتولك أو غيرهما.
يكفي أن تقترح فكرتك، الحاسم في ذلك ليس إمكانياتك المادية ولا دبلومات تخرجك، اطرح أفكارك، أنشأ صفحة جديدة بها، واستدعي أصدقائك.. إن كانت فكرة مبدعة، وطرحتها بطريقة منظمة وأنيقة، يتباناها معك الآلاف، وإلا تنطفئ ولا يذكرها أحد، وعليك أن تحاول طرحها بطريقة مختلفة، تعدل الذات أو الموضوع أو كلاهما، لن يلغك أحد، ولا أحد ينقط لك أو يمارس عليك الوصاية من أي شكل، فقط أبدع وقدمها بالطريقة الأنيقة.
يمكننا أن نضع في مدح الفيس بوك مئات المقالات والأعمدة، كما في لعنه، فهو يوفر لنا حياة وحياوات غنية، يزيد في غناها التقاطع بينها، أعتقد أنه ما وفر واقعا غير الواقع، بل هو افتراضي يبقى يستحق المدح ما كان داعما لا بديلا، يجمل الواقع ويكمله ويحسن شروطه وتفاعلاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.