تحتل السينما كباقي الفنون، مقاما عاليا عند الشعوب المتحضرة، وتأخذ مكانتها عند الحاكم المنفتح، والمحب لصورة شعبه، وتعكس مدى الانفتاح الاجتماعي والفكري للمواطن. السينما فن شامل ينهل من جميع الفنون، وفن ديمقراطي يستوعب كل سبل الفكر الديمقراطي بمعنى الكلمة، فهي الأداة التعبيرية الأكثر اعتمادا على الحرية، كما أنها تحتاج إلى التمكن من لغات البوح المتعددة والرصينة، أي كل الوسائل التعبيرية التي تخدم الرسالة المطلوب إيصالها إلى الناس، فهي في كل تجلياتها من الناس وإلى الناس. لا يخاف ويرتعب من السينما إلا الإنسان المريض، الذي يكره صورته، ويكره فضح جرائمه، لأن هذا الفن النبيل، بإمكانه أن يحارب كل الصور السيئة التي تنتعش في المجتمعات المكبوتة، وأن يزعزع عرش النفاق السائد في المجتمعات المرعوبة من البوح، لأن قوة الصورة تتعدى قوة الكبت، سواء الفكري أو الجسدي. الناس يحتاجون إلى السينما، لأنها مذكرتهم، وذاكرتهم في ما بعد، بها يرصدون تاريخهم، وبها يحتجون على كل العيوب الكامنة في حاضرهم، وبها يتفاعلون مع كل آفاق مستقبلهم، لغة السينما واحدة، وموحدة (بكسر الشدة فوق الحاء) واحدة لأنها تنساب بين الصورة إلى عقول وأحاسيس المتلقي، وموحدة لأنها توحد كل الوسائل التعبيرية الأخرى، في لغة واحدة، قد تنتج صدمة، أو صدمات لغوية مباشرة، وغير مباشرة، خصوصا عند المتلقي الذي لم يتعود السفر عبر لغات تعبيرية، غير اللغة التي تعود عليها، واعتاد التقوقع في جملها . السعادة التي تحققها الرموز التي تتفتق من اللغة السينمائية، سعادة غامرة، لا يدرك مدى وقعها في العقل والروح، إلا من يقدر على فهم حيثيات الخطاب الفيلمي، وهذا في متناول كل الشعوب التي تستطيع الانطلاق في كل العوالم، الخيالية والواقعية والمتوقعة، وهنا لا نستطيع أن نحد من الخاصية والرمزية، التي تقترحها الأفلام، داخل أنساق سينمائية، وأنماط خطابات فيلمية مفتوحة على كل الاحتمالات. من هذا المنطلق يجب أن نستبعد الخطاب الأخلاقي، والتصورات القيمية في الأحكام، التي نطلقها على كل فيلم، وأن نتفاعل مع كل مكوناته، عوض غلق باب التواصل معه، فالفيلم هو اقتراح سينمائي، وجود فني إبداعي، وعطاء من الواقع والموقع، يقدر أن يسعد الأرواح، وينشط العقول. ولعل فيلم الموشومة ينخرط في هذه الرؤية، وجب الإنصات إلى نبضها قبل نبذها، فلنكن محبين للحياة، عوض التبجح بأخلاق ليست لها مواقع في مجتمعنا البريء من كل هذا اللغط المفسد للحياة الفنية، و الفكرية.