أكد ادريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في حوارأجراه معه الزميل حاتم البطيوي لجريدة «الشرق الأوسط» (عدد يوم أمس الأربعاء)، أنه يجب أن نكون «حريصين على قيادة الاتحاد الاشتراكي مجمعا لا متنافرا، اتحاد موحدا لا مشرذما، لأن الوضع لا يحتمل أن نتغافل عن أي طرف من الذات الاتحادية. فأي جزء من هذه الذات نحن اليوم في حاجة إليها حتى لو كان هناك سجال واختلاف. وأنا سأحرص على كل الاتحاديات والاتحاديين لكي ينخرطوا في العملية الديمقراطية، وليس للقيام بعمليات في الدهاليز والكواليس، ويتحول الأمر إلى صفقات وأطراف وفصائل». مطمئنا الجميع أنه سيكون حريصا على أن يجعل مقولة «أرض الله واسعة» ضيقة بشكل كبير «لأضمن بقاء الجميع، بل وإرجاع من يمكن إرجاعه». وفي سياق، رده عن سؤال من «قالوا بأن الاتحاد الاشتراكي هو في حاجة إلى قيادة لمرحلة انتقالية»، اعتبر الكاتب الأول، أنه لا يشاطر هذا الرأي لسبب وحيد هو «أن الاتحاد الاشتراكي لم يعد يتحمل أية مرحلة انتقالية. كما أنه لم يعد هناك مجال للتردد. فإما أن يكون الاتحاد الاشتراكي ابتداء من الغد أو لا يكون. كما أن البلاد لن تظل في قاعة الانتظار إلى أن يمر حزبنا من هذه المرحلة الانتقالية. فالوضع اليوم يتميز بكون التوازن في بلادنا اختل لصالح قوى محافظة، وهو وضع لم تعشه من قبل بقدر ما عاشته بعد الانتخابات الأخيرة. فواهم من يعتقد أن ميزان القوى هذا سيصحح في ظرف وجيز. فلا بد من نفس طويل والعمل في العمق، أي وسط المجتمع، ومع الحركة الجماهيرية، لإعادة هذا التوازن، الذي اختل، إلى طبيعته. ولذلك فهذا العمل ليس بإمكانه انتظار مرحلة انتقالية أو غيرها، إذ ينبغي البدء فيه مباشرة بعد إتمام تشكيل أجهزة الحزب». وعن قرار عودة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لموقع المعارضة، أكد ادريس لشكر، هو اختيار توافق عليه كل الاتحاديين، وبالتالي يجب «أن نفعل هذا القرار تفعيلا حقيقيا. فالبلاد عرفت إصلاحا دستوريا مهما يعطي الشرعية لكل المطالب السياسية التي يجب أن نخوض من أجلها معركة تفعيل الإصلاحات الدستورية الواردة في الدستور الجديد، ناهيك عن أن البلد اليوم فيها حكومة ستضرب في العمق المكتسبات والإصلاحات الكبرى التي وصل إليها الشعب المغربي، ولذلك يجب على الاتحاد الاشتراكي أن يلعب دوره كاملا في قيادة المعارضة، وأن لا يؤسس دوره على أساس الرتبة الثالثة التي حصل عليها في صف المعارضة انطلاقا من الانتخابات الأخيرة». أما فيما يتعلق «بالموقف من «العدالة والتنمية»، واعتباري اليوم أشرس عليه من الأمس»، ردّ الكاتب الاول ادريس لشكر عن سؤال الزميل البطيوي، أنه دائما كان يعتبر «الحزبين ينتميان لمرجعيتين مختلفتين متناقضتين. هم من مرجعية محافظة رجعية ماضوية، ونحن من مرجعية كونية تقدمية حداثية. وهم واعون بذلك حتى عندما كان بيننا تنسيق بشأن البلديات. وربما العنف والقوة التي كنا نواجه بها بعضنا البعض في السابق كانت بدرجة أكثر شدة مما هي عليه اليوم. أما اليوم فنحن حريصون على أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن نترك لهم الفرصة لأن البلاد محتاجة إلى نجاحهم في المهمة التي يقومون بها من منطلق الموقع الذي يوجدون فيه». وعن سؤال «هل تعتقد أن الحكومة الحالية ستكتمل ولايتها» ، وكيف ينظر إلى هذا الأمر، أجاب أنه «لا أعتقد ذلك، لأن هذه الحكومة لها أغلبية مريحة. والمعارضة لا تهدد اليوم العمل الحكومي، لأن هناك اختلالا في التوازن .. اليوم تكلم رئيس الحكومة في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أكثر مما تكلمت الحكومات السابقة في ولايات متعددة. فمن يحتل اليوم كل الفضاء الإعلامي هو هذا التوجه، أما المعارضة اليوم فلم تصل إلى ممارسة حتى الحقوق التي نصت عليها الدساتير السابقة، فما بالك بالحقوق التي نص عليها الدستور الجديد، ولذلك هناك اختلال في التوازن. ومن هنا نطمئن هؤلاء بأن المعارضة ليست هي التي ستكون غدا سببا في ما قد يعترض الحكومة من صعاب. إن الداء يكمن داخل من يقود الحكومة، وداخل حزب العدالة والتنمية بالأساس». وأضاف ادريس لشكر « نحن كمعارضة غير معنيين نهائيا بهذا الأمر. ما نريده منها هو ألا تعتدي على حقوقنا في المعارضة، التي ضمنها الفصل العاشر من الدستور. إننا اليوم نعيش في برلمان تحاور فيه الأغلبية نفسها، ولم تتح للمعارضة إمكانية القيام بدور الرقابة، ذلك أن الأغلبية تراقب حكومتها ولا تسمح للمعارضة القيام بذلك، ولذلك أنا أعتبر التخوف الذي ذكرته غير موجود. فهؤلاء يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم ويبتعدوا عن الأوهام. وإذا كانت الصالونات تلوك أحاديث عن هذه الحكومة فذلك راجع إلى أن خطاب رئيسها عوض أن يتوجه إلى معالجة المشاكل الحقيقية للمجتمع، فإنه يحرص دائما على تقديم نفسه كضحية، وإن هناك تماسيح وعفاريت تستهدف حكومته. هذا الوهم يجب أن ينتهي، والحكومة اليوم مطالبة بأن تقف بشكل واضح أمام مشاكل البلاد لمعالجتها لأنه طبقا للدستور الجديد لا أحد مسؤول عن معالجة هذه المشاكل سوى هذه الحكومة ورئيسها». وعن سؤال حول الاحساس الذي ينتابه حين إلباسه «لبوس الشعبوية» ، يجيب الكاتب الأول، «القول بالشعبوية من عدمها يدفعني إلى البحث عن الجانب القدحي فيها. فما هو نقيضها؟ والذين يطرحون هذا الأمر هل يشكلون نقيض الشعبوية؟ بماذا يتميزون؟ هل طرحوا برنامجا واضح المعالم. أن تلصق هذه التهمة بمن هم في موقع القرار لها ما يبررها لأنه جرى الحديث عن الشعبوية لما تولى بنكيران رئاسة الحكومة. فالمطلوب الآن هو معالجة المشاكل وحلها، أما أن يتقمص المرء خطابا ويتفوه بكلمات من أجل تجاوز المشاكل الحقيقية التي تتطلب معالجة، هنا يمكن أن تعني صفة الشعبوية شيئا. أما أن تلصق بمن يوجد في المعارضة فذلك شيء غير ذي موضوع. لقد طرحت خلال المؤتمر التاسع أرضية تمنيت أن يقال لي في أي محور تكمن هذه الشعبوية، هل في معالجتي للقضايا الاجتماعية والاقتصادية أم في طرحي لتطوير المنظومة السياسية عندما طالبت بملكية عصرية. فأنا منذ طالبت بملكية برلمانية قالوا إنني شعبوي. وإذا كانت الشعبوية لدى هؤلاء هي الشعبية، والوصول إلى أعماق المغاربة وعقولهم وأحاسيسهم فمرحبا بها». وعن الدعوة «إلى وحدة اليسار في المغرب. فهل تشمل حزب التقدم والاشتراكية»، اعتبر لشكر، أن «حزب التقدم والاشتراكية يوجد اليوم في موقع آخر. والدعوة موجهة لكل الطيف اليساري الموجود خارج الموقع الذي يوجد فيه «التقدم والاشتراكية». ذلك أن التجربة علمتنا أن الاشتغال مع القوى المحافظة ذات المرجعية الدينية أو التي تستغل هذه المرجعية، أثبتت أنها تكون على حساب القوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية (...) وأعتقد أن وجود حكومة محافظة يمكن أن يسهم في توحيد اليسار، ليس وحدة الصالونات والخطب، بل وحدة النضال لأن المحافظين سيحاولون ضرب كل المكاسب الحداثية، فهم يضربون قيم المساواة والحريات العامة وحقوق الإنسان والحريات الشخصية. وكل هذه المعطيات تستدعي من اليسار أن يتوحد في برامجه النضالية باعتبارها تشكل أساس الوحدة الحقيقية، لأنني لا أعتقد أن التشرذم الموجود في أوساط اليسار هو بحجم القضايا الخلافية التي يمكن أن توجد بين مكوناته، ولذلك سأعمل مع إخواني في اليسار على تجاوز هذا الوضع خاصة أن ميزان القوى اختل لصالح القوى المحافظة. ولا سبيل لإعادة التوازن إلا بوحدتنا بوصفنا يساريين».