مفتشية الأمن الوطني تتسلم 2447 شكاية    المبادرة تحسس بالألف يوم الأولى للطفل    الناظور تحتفي بالذكرى التاسعة عشرة لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    إعلاميون مغاربة يعتصمون بملعب القاهرة بسبب "الاعتمادات"    وزارة الحج السعودية تنبه: تأشيرة العمرة لا تصلح لأداء الحج    سبتة تفتح مسبحها البلدي الكبير بأمل تحقيق انتعاش سياحي    الأمثال العامية بتطوان... (602)    كأس الكونفدرالية الإفريقية (إياب النهائي).. نهضة بركان على بعد خطوة واحدة من تتويج قاري جديد    فرنسا-المغرب.. توقيع اتفاق حول الإنتاج المشترك والتبادل السينمائيين    هلال يدين ضغوط السفير الجزائري على الوفود الداعمة لمغربية الصحراء بكاراكاس    بنسعيد يتفق مع نظيرته الفرنسية على محاربة السطو على التراث الثقافي.. ويوقعان اتفاقا في السينما    حنون تدخل على خط الرئاسيات الجزائرية    مطالب للحكومة بضمان تمدرس الأطفال المتشردين    جهة طنجة تتطلع الى استقطاب 700 الف سائح جديد في أفق 2026    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    إحباط تهريب وترويج 62,550 قرص مخدر وضبط ثلاثة مشتبه بهم    نهائي الكاف.. الموعد والقنوات الناقلة لمباراة إياب نهضة بركان والزمالك    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    زهير الركاني: آليات الوساطة والتحكيم ركائز أساسية في عملية التطوير والتنمية التجارية لتنمية جهتنا و مدينتا    خطاب جلالة الملك محمد السادس في القمة العربية : تصور إستراتيجي جديد للعمل العربي المشترك    أخنوش يترأس الوفد المغربي المشارك في المنتدى العالمي العاشر للماء بإندونيسيا    بدء وصول المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي المؤقت    نائب رئيس الموساد سابقا: حرب غزة بلا هدف ونحن نخسرها بشكل لا لبس فيه واقتصادنا ينهار    الداخلية تمنع عقد مؤتمر ب "آسا" لقبائل "آيتوسى" كان سيٌعلن رفضها تفويت أراضيها الجماعية    فلاحون فرنسيون يهاجمون شاحنات طماطم قادمة من المغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    مداهمة مستودع بداخله قنينات خمر ولفافات كوكايين بطنجة    وفاة دركي خلال حادثة سير بطنجة    غامبيا تجدد تأكيد "دعمها الثابت" للوحدة الترابية للمملكة    التصدير يرفع أسعار الخضر بالمغرب ومهني يوضح    المعرض الدولي للكتاب يحتفي برائد السرديات العربية "العصامي" سعيد يقطين    "حفيدة آلان ديلون" تراهن على نتائج فحوصات إثبات النسب    أوكرانيا تنفذ عملية إجلاء من خاركيف    المغربي مهندس مطار غزة يبرز "لقاءات مع التاريخ" في دعم القضية الفلسطينية    البحث عن الهوية في رواية "قناع بلون السماء"    بيان صحفي: ندوة لتسليط الضوء على مختارات من الإنجازات البحثية ضمن برنامج الماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    بسبب سلوكه.. يوفنتوس يقيل مدربه أليغري بعد يومين من تتويجه بكأس إيطاليا    مدرب مانشستر يونايتد: "سعيد بتألق سفيان أمرابط قبل نهاية الموسم"    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    الساكنة تستنكر لامبالاة المسؤولين تجاه حادث انفجار أنبوب للماء الصالح للشرب وسط الناظور    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    كيف يتم تحميص القهوة؟    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدول العربية الإسلامية بين التقدم والتأخر : تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 02 - 2013

كثيرون أولوا مقولة المفكر الايطالي، انطونيو غرامشي، بطرق مختلفة ولكن التأويل الغالب لدى بعض ماركسي الغرب ،اسبانيا مثلا ، وكتاب من الشرق ،فلسطينيين على الخصوص، ينحو نحو اعتبارتشاؤم الفكريعبر عن ارتباطه الوثيق بتحليل الواقع المادي من خلال الفكر النظري باستقلال عن الإرادة، أي الفكر الموضوعي والعلمي الصارم ،ولكن الملتزمين بقضية ما ،قضية تخص تحرر الإنسان، يحاولون دائما اقتحام السماء بعبارة ماركس الشهيرة التي ووصف بها شجاعة عمال كمونة باريس
باريس اي تحويل تشاؤم الفكر إلى تفاؤل الإرادة،ولكن تفاعل القوى المادية في التاريج تظل بالمرصاد،وقد تحول تفاؤل الإرادة من جديد إلى تشاؤم الفكر ،الذي يوحي دائما، رغم ذلك ،ببصيص من تفاؤل الإرادة.
مناسبة ذكر هذه المقولة الجرامشية التفكير في ما نطلق عليه وصف الربيع العربي أي ثورات الشعوب العربية ضد حكامها المستبدين ،والتي أنعشت الآمال بتغيير جذري في هذه البلدان عله يفتح لها أبواب التاريخ الذي لفظها طيلة قرون .ولم يكتب لي أن أتفاعل مع ما حدث بالإعجاب المطلوب، وان تحمست عاطفيا كسائر المواطنين العرب إلى درجة الانفعال أحيانا .والسبب في هذا التناقض هو إنني كنت ،منذ نهاية العام الماضي ???(2010) وبداية العام الحالي (2011) تحت تأثير نوع من أنواع تشاؤم الفكر ،وحتى وان كان مجرد تساؤلات مقلقة حول سبب الجمود التاريخي المزمن الذي ظل يهيمن على هده الدول العربية الإسلامية ،والتي يعتبرها الجميع جزءا من العالم الثالث او دول الجنوب أي الدول المتأخرة
ملاحظات أولية :
1- الملاحظة الأولى يميل البعض إلى اعتبار النظام المغربي نظاما «تبعيا ومتخلفا ...» حسب تعبيرهم ولكنهم في نفس الوقت يعددون الكثير من التشخيصات بما فيها «شبه رأسمالي شبه إقطاعي» المقتبسة عن الصيغة الصينية «نصف إقطاعي نصف كولونيالي» مع تعديل في نصف العبارة اما تحليل العلاقة بين المركز والأطراف فقد سبق التعليق عليها في النقطة الاولى حول التداخل في مفهوم الإصلاح ومفهوم الثورة ولكن هؤلاء لايستقرون على تصنيف غالب في طبيعة النظام الاقتصادي / الاجتماعي. ويزجون بنا في متاهات افتراضية متعددة.
2- الملاحظة الثانية تتعلق بما تثيره عبارة مجتمع تبعي من تحفظات، فقد سبق للكاتب العراقي عصام خفاجي أن حلل بعض الأخطاء التي يقع فيها دعاة و منظرو التبعية في موضوع بعنوان «دراسة في تجربة شرق آسيا»، تقول إحدى فقراتها مل يلي : « تكمن نقطة الضعف الأساس في تحليلات مدرسة التبعية في أنها ترهن كل التحولات في البنى الاجتماعية الاقتصادية لبلدان «العالم الثالث» بحركة وحاجات «المركز» ولا ترى إمكانية لحدوث تطور اقتصادي اجتماعي في هذه البلدان إلا في الدخول في قطيعة مع أ و الانفكاك من النظام الرأسمالي العالمي. ولكن ثمة مفهومان غائبان هنا، أولهما معنى القطيعة وحدودها وثانيهما غياب البرهنة على أن القطيعة تعني بالضرورة تكوين نظام اجتماعي اقتصادي غير رأسمالي ...».*
فلا يبقى في النهاية إلا مفهوم التخلف أساسا لأن التأخر أو المتأخر رغم معناه السائد، فانه يعني في اللغة العربية، وتلك إشكالية أخرى، المتقدم من حيث الزمن، والمتقدم تعني القديم من حيث الزمان.
(1- تساؤلات تشاؤم الفكر
فوضع الدول العربية الإسلامية ضمن العالم الثالث يثير السؤال الكلاسيكي ،وان بمعادلة مختلفة ، لمادا تقدمت كثير من دول العالم الثالث وبقيت الدول العربية الإسلامية متأخرة ؟ وكان «القدر» قد حكم على هذه الدول أن تظل غارقة في بحر من التخلف، رغم أن بعضها ينام فوق بحر من البترول َ! فما هي الأسباب التي جعلتها عاجزة عن اللحاق بركب الدول التي تقدمت في العالم الثالث، والتي نجحت في الخروج من عنق الزجاجة بعد ملئها بالكامل، وشقت الطريق بثبات نحو التقدم ؟!
ففي أسيا تقدمت كثير من الدول سواء كدول اشتراكية (شيوعية) آو كدول رأسمالية (متقدمة اقتصاديا وديمقراطية سياسيا)، ففي الدول الأولى تقدمت الصين والفيتنام و نسبيا كوريا الشمالية (عسكريا على الأقل) و كوبا في الطب والتعليم والسكن رغم الحصار الأمريكي الذي دام أكثر من خمسين سنة، تقدمت هذه الدول بواسطة الايديولوجية الماركسية (المسماة بالشيوعية)، ولكن مستقبل هذه الدول هو ما وقع في روسيا التي تترجم مكر التاريخ العنيد، فالثورة على الرأسمالية و الاستعمار بهدف تحقيق الاشتراكية تتحول إلى رأسمالية، ورأسمالية متقدمة على كل حال ، كما سبقت الشارة إلى ذالك من قبل .
كما انتقلت دول أخرى إلى الرأسمالية المتقدمة القادرة على اقتحام السوق العالمية ببضائع صناعية منافسة مثل ماليزيا وسنغافورة، وخصوصا كوريا الجنوبية التي أصبحت قطبا صناعيا في العالم، صحيح أنها استفادت من تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية ولكنها اتبعت سياسة تنموية صارمة تحت حكم العسكر من قبل .
كما تحققت انظمة ذات ملامح وطموحات اشتراكية اقرب الى العدالة الاجتماعية في كثير من دول امريكا اللاتينية بواسطة الاقتراع العام و التداول على السلطة، فكت الحصار عن كوبا، بل اكثر من ذلك فقبل حوالي اربعة عقود، حمل الاقتراع العام قائدا ماركسيا الى سدة الحكم في الشيلي.
فلنطرح المسالة من زاوية اخرى، ففي جميع الدول المتقدمة في الغرب [ما عدا الولايات المتحدة الامريكية التي لم تعرف النظام الاقطاعي] او التي تقدمت في انحاء اخرى من العالم الثالث ساد حكام وصفوا بالديكتاتوريين : كرومويل في انجلترا الذي قطع رأس الملك شارل الاول وأقام الجمهورية في بداية النصف الثاني من القرن السابع عشر وفي عهده تطور الاسطول البحري الانجليزي و ان لم تدم مدة حكمه أكثر من خمس سنوات . ثم بونابرت الاول الخال وابن اخته لويس بونابرت في فرنسا في القرن الثامن-التاسع عشر وبسمارك في المانيا الذي انهى حكم لويس نابوليون في فرنسا بعد القضاء على كمونة باريس سنة 1871 .
وهناك مستوى اخر ممن وصفهم الخصوم و حتى بعض الموالين فيما بعد ايضا بالديكتاتوريين الذين كانوا ينطلقون اساسا من تفكير نظري لتطبيق الاشتراكية مثل ستالين وماو تسي تونغ ...الخ. الذين نقلا بلديهما من بلد متاخر الى بلد صناعي متقدم. ونفس الوصف يصدق على فرانكو و عسكر كوريا الجنوبية... الخ، هؤلاء كلهم، وبدون استثناء طوروا البنية الاقتصادية والتعليمية وعودوا الناس، قسرا، على احترام القانون ومهدوا الشروط الضرورية للانتقال الى مجتمع عصري حديث وديمقراطية سياسية.
اما في البلدان العربية الاسلامية ساد حكام ديكتاتوريون لفترة طويلة نسبيا، واحيانا اطول من مدة الديكتاتوريين الاوائل الرواد، اذا سمح بهذا التعبير. ولكن دون ان يسير الديكتاتوريون في الدول العربية الاسلامية على خطى الاوائل.
بل حدث العكس، فقد كشف الربيع العربي عن هول التأخر الاقتصادي وخضوع، ولا اقول تبعية، للقوى الاجنبية رغم كل الضجيج المدوي حول الحفاظ على السيادة و الروح الوطنية ... الخ، كما كشف الربيع العربي عن الثروات المنهوبة من المال العام والاقتصاد الضعيف اصلا، والمحولة الى البنوك الغربية لحساب الرؤساء وعائلاتهم، فلم تحم حتى الشبهات حول استغلال النفوذ من اجل المصلحة الشخصية بالنسبة للدكتاتوريين الاوائل حتى ستالين كان «يقمع» تحت تأثير ما اعتبره تطبيقا لنظرية الاشتراكية، أما عسكر كوريا الجنوبية، إبان حكمه، فقد قرر منع تهريب الأموال إلى الخارج من قبل رجال الأعمال والبرجوازية التي كان يدعمها .
هذه المقارنة تطرح السؤال التالي : هل مازلت نظرية ابن خلدون تفعل فعلها في هدا العصر وفي هده الرقعة من العالم بالذات، رغم مرور أكثر من ستة قرون على تحليله للوضع العربي الإسلامي آنذاك ؟ وبعد احتلال (الروم) من فرنسيين وانجليز وطاليان وأسبان لهده البلدان ؟ أي أن دور العصبية القبلية التي تقود إلى الاستيلاء على السلطة، ثم تتراخى فيما بعد من جراء الانغماس في الترف والبذخ، فتضعف عصبيتها ثم تتهاوى أمام عصبية قبيلة جديدة. سوف تتعرض هي الأخرى إلى نفس المصير وهكذا دواليك دونإحراز تقدم يذكر، مع تعديل طفيف يناسب السلطة العربية الإسلامية اليوم حيث يعد الدكتاتور «التقدمي» وغير التقدمي في بداية حكمه المواطنين بتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية، ثم ينسى كل ذلك عندما يغرق في نعيم الثروة ويغدق على عائلته وأبنائه الدين يتآهبون للوراثة.
صحيح أن هناك بعض الأسباب التي تقف وراء الفرق بين تطور دول في أسيا وتأخر الدول العربية الإسلامية مثل استفادة كوريا الجنوبية من مكاسب الحرب الباردة ودعم الولايات المتحدة لها لمواجهة كوريا الشمالية، ونفس الشيء يمكن ان يقال عن هونغ كونغ وتايوان (الصين الوطنية) في مواجهة الصين الشعبية.
وعلى العكس من ذلك لم تستفد الدول العربية الاسلامية من الحرب الباردة رغم تبعية معظمها للولايات المتحدة الامريكية وعدم عدائها للتطور الرأسمالي، اما الدول الاخرى التي تتدعي «التقدمية» و «الاشتراكية» فكانت «تستفيد» من شراء الاسلحة من الاتحاد السوفياتي الذي كان يشجعها على الاستمرار في نهج طريق «التطور اللاراسمالي».
مظهر اخر، في هذه المقارنة بين دول اسيا والدول العربية الاسلامية، من مظاهر التأخر وهو الخضوع للقوى الاجنبية بشكل مشين، ففي الحرب الاولى على العراق سنة 1990-1991، بعد الخطأ الفادح الذي ارتكبه في احتلال الكويت، سهلت الدول العربية عملية الهجوم على العراق بالموقف الرسمي للجامعة العربية وشاركت بجيوشها في الهجوم، بدل ان تسعى لتصحيح خطا صدام حسين عن طريق المفاوضات للانسحاب من الكويت، بل رضخت دول الخليج للغرب ????-[الى جانب المانيا واليابان] لمطلب امريكا بتسديد نفقات الحرب. و في الحرب الثانية سنة 2003 سمحت دول الخليج للجيش الامريكي بالانطلاق من القواعد المرابطة فوق ترابها «الوطني»، في حين رفضت تركيا السماح للولايات الامريكية والغرب بذالك رغم انها عضو في الحلف الاطلسي ، ولكنها تملك القدرة على التحكم في سيادتها الوطنية.
وعلى العكس من ذلك ترفض الصين وكذلك كوريا الجنوبية وحتى اليابان اي اشارة جدية من الولايات المتحدة الامريكية لشن حرب ضد كوريا الشمالية التي سعت فعلا الى امتلاك القنبلة النووية، وتتشبث تلك الدول بضرورة التركيز على المفاوضات لايجاد حل للنزاع في المنطقة.
2
ومن زاوية مختلفة، تعتمد على المؤشرات الاحصائية دون ان تحدد هذه الاحصائيات مصدر ونوعية الانتاج، ففي مؤشرات احصائية حول الانتاج القومي الاجمالي سنة 2003، شملت خمسين دولة، صنفت ضمنها دولتان عربيتان اسلاميتان هما السعودية في الرتبة 27 متقدمة على بلدان مثل فلندا وفنزويلا والبرتغال واسرائيل وسنغافورة ...الخ، و الجزائر في الرتبة 48 متقدمة على سنغافورة ونيوزيلندا الاخيرتين في الترتيب.
ولكن هدا الترتيب لا يعكس مدى قوة الانتاج الصناعي المعد للتصدير خارج الانتاج النفطي، فادا قارنا بين السعودية التي صنفت في الرتبة 27 وسنغافورة التي صنفت في الرتبة 49 سنجد ان الصادرات غير النفطية للسعودية لا تتجاوز 15654 مليون دولار في حين ان الصادرات (ليس في سنغافورة صادرات نفطية) تبلغ قيمتها 124794 مليون دولار وهي دولة صغيرة، اي لا مجال للمقارنة بينها و بين السعودية في الانتاج الصناعي والديمقراطية السياسية. ونفس المقارنة تصدق على الجزائر التي لا تتجاوز قيمة الصادرات غير النفطية اكثر من 2420 مليون دولار .
وفي الدراسة التي قام بها الاقتصادي المصري الدكتور محمود عبد الفضيل عن التجربة الاسيوية المتقدمة والتجربة العربية يستهل فصل المقارنة المعنون ب «الفشل التنموي العربي ...» كالتالي :
«لا اعتقد ان هناك خلافا حول ان هناك فشلا تنمويا ملحوظا في المنطقة العربية خلال الثلاثة عقود الماضية (السبعينيات، التمانينيات والتسعينيات). ادا ما قورن بحجم الانتاج التنموي الهائل الدي حققته بلدان اسيا الناهضة، خلال الفترة نفسها ويلاحظ بهذا الصدد، ان الفشل التنموي العربي، مقارنا بالتجربة التنموية في جنوب اسيا، لا يعود الى «قصور المدخرات» ... . بل الى تبديدها. وليس الى قلة الاستثمارات بل الى سوء توزيعها ... وليس الى ضعف راس المال البشري ... بل الى نزيف العقول وتهجير السواعد» .
ولنذكر هنا، وبشكل عابر، ان المعروف عن السعودية ودول الخليج عموما انها لا تفرض ضريبة على المواطنين في «مقابل» تحكمها في موارد البترول وغيره، ومن المعروف ايضا ان الدول الحديثة تقوم موارد الدولة فيها على الضرائب اساسا وبعض المؤسسات العمومية، وهو ما يعطي للمواطنين الحق في محاسبة الدولة (الحكومة) ومراقبتها في كيفية تدبير الموارد العمومية.
وفي هذه المقارنات يمكن ان نسوق هنا مثال المغرب، فقد اعتبر احد الاقتصاديين المغاربة التقدميين ان المغرب في نهاية الستينات كان في مستوى الوضع الاقتصادي العام لكوريا الجنوبية، فلماذا بقي متأخرا وتقدمت كوريا صناعيا وديمقراطيا ؟ هل كانت تنقصه الموارد المالية ام الارادة السياسية ؟ ام يقف وراء ذلك سبب اخر؟ ام ان دعم الولايات المتحدة الامريكية كان حاسما هناك، ولا مبال هنا ؟ رغم العلاقة التي يسمونها «بالتبعية» في كلا البلدين :
هل يمكن ان نعتبر ارتفاع ثمن الفوسفاط في السبعينيات كانت فرصة للإقلاع الاقتصادي حيث اصبح ثمن الفوسفاط [الذي يشكل 50 % من ايرادات الدولة و 20% من الانتاج العالمي و حولي 1/3 من الصادرات الدولية]ْ ما بين 1973 الى 1976-77 يقدر ب 68 دولار سنة 76-77 منتقلا من 12 دولار الى 42 (1974) ثم 62 (سنة 75) :
قد يقال ان سوء التدبير وغياب الحكامة الجيدة بمنطق و منطوق اليوم يقف وراء ذلك، لكن علة هذا السبب و الذي تندرج ضمنه كل الدول العربية الاسلامية، يبقى غير مفهوم ؟:
وهناك مثال لعدم الدقة في تشخيص وضعية المغرب الحقيقية في السنين الاخيرة يعود نفس الاقتصادي المغربي التقدمي ليؤكد ان المغرب من الدول النامية كالهند والصين وتركيا !!، فهل هذه المقارنة تملك قدرا من المصداقية ؟ اللهم الا اذا غلبنا العاطفة الوطنية اولا والعاطفة «السياسية» ثانيا ؟ صحيح ان المغرب حقق بعض التقدم النسبي مقارنة بالوضع السابق، ولكنه لا يرقى الى مستوى تلك الدول المذكورة، ومازال متاخرا عن الخروج من عنق زجاجة التخلف.
هل نعتبر ان هذه الحركات / الثورات الشعبية «العفوية» قد دقت ابواب التقدم دون ان نفتحها، ربما لم تحقق لا هذا ولا ذلك ووقفت عند اطلاق سراح القوى الاجتماعية التي كانت مكبلة، و تحاول اقبار رواسب وميراث الحرب الباردة في المنطقة العربية، اي ولادة جديدة للعولمة السياسية، ان صح التعبير بعد سيادة العولمة الاقتصادية، وكانت الدول العربية الاسلامية على هامشها كقوة فاعلة. صحيح ان هذه الثورات الشعبية «العفوية» قد كشفت هول التاخر الذ يعاني منه المجتمع العربي الاسلامي، وبالتالي صعوبة بناء مجتمع متقدم على المدى المتوسط. فلربما تحتاج هذه المجتمعات الى فترة تاريخية طو يلة من التحولات الكبرى كي يتحول الكم الى كيف في مجتمع اتسم بالركود المزمن رغم الحركات الاحتجاجية التي تدب فيه بين الحين والاخر.
3
ونعيد طرح السؤال مرة اخرى وبتعبير عبد الله النديم « المفكر و الثائر المصري عند نهاية القرن التاسع عشر» عندما قال : «كيف تقدم الغرب وتخلف الشرق و الخلق واحد !؟» ، ويضيف الدكتور محمود عبد الفضيل :»وعلى المنوال نفسه سيكون سؤالنا المحوري فهذه الدراسة هو : كيف تقدمت بلدان اسيا وتخلفت الاقطار العربية، وكلنا في الهم شرق؟!» اي من دول العالم الثالث.
لا نرد الخوض هنا في خصوصية كل منطقة وكل بلد فيها، حقق التقدم، بل الذي يهمنا هنا بالاساس هو محاولة فهم الاسباب، حتى لو كانت غير مباشرة، التي ساهمت في هذا التخلف التاريخي المزمن الذي ظل يهيمن على اوضاع كل الدول العربية الاسلامية بدون استثناء، رغم التفاوت النسبي بين هذه الدولة وتلك.
و دينامية «الصراع الطبقي» في هذه البلدان، بين القوى اليسارية والقوى المحافظة لم تحقق اي تقدم بالمعنى الذي نتحدث عنه ولا هي قادرة على ذلك في المدى المتوسط حتى بعد هذه الثورات العفوية التي سارت وراءها القوى الحزبية، فهل هناك اسباب غير مباشرة تقف عائقا امام تقدم اي دولة من هذه الدول العربية الاسلامية .
يمكن ان نطرح بعض الاسباب في صيغة اسئلة للتفكير في الاجوبة، علها تساعد على توضيح الرؤية ولو نسبيا.
1- هل يعود سبب تخلف هذه الدول العربية الاسلامية الى عوامل من خاصيتها «الجمود» و»الثبات» فستحيل فيها الحركة الى مجرد دورة لولبية تراوح في نفس المكان، و»تتقدم» كما يتقدم الحلزون الذي يظهر ثم يختفي داخل قوقعته «السميكة» والهشة في نفس الوقت حيث تطارده عوامل الطبيعة القاسية ؟
اي هل يعود هدا الجمود العربي الاسلامي الى عامل جغرافي حيث «لا بد ان ترتبط قوانين كل امة بشكل حكوماتها وبظروفها الفزيائية (اي المناخ والجغرافيا)» والذي اكد عليها، منذ القرن الثامن عشر، منتسكيو في كتابه المعروف «روح القوانين» فاعتبر ان الارتباط بين المناخ والعبودية البشرية» قائم «كما ان المناخ الحار، يكون الناس فيه اكثر تأثرا باللذات والالام وبالتالي اكثر احساسا واكثر حياء وخجلا، واكثر بلادة.»
قد يكون هذا الحكم مبا لغ فيه اذا طبق على العصر الحاضر، ولكن العوامل الطبيعية قد يكون لها تأثير، ولو غير مباشر، في هذا التأخر التاريخي المزمن، اي هل يعود ذالك الى مساحة الرقعة الصحراوية التي تمتد على طول وعرض المنطقة العربية، حيث يعتبر ?البعض ان 80% من مساحة هذه الدول صحراء! رغم وجود مناطق خضراء يانعة
هل يجوز الاعتقاد ان هذه التضاريس الجغرافية ما زالت تؤثر في عقلية وسلوك السكان الى حد يكيف تفاعلهم مع «التطورات» الاجتماعية التي قد نعرف أسبابها المباشرة المتعلقة بالحياة المعاشية ؟
أم أن السبب يعود إلى الجغرافية التاريخية / السوسيولوجية حيث مازالت تسود في هده المنطقة العربية الإسلامية «كيانات» قبلية لها تقاليدها وأخلاقها، وبالنتيجة سيادة العقلية القبلية فضلا عن الطوائف والزوايا والمتصوفين، وما تمارسه كل هده «الكيانات» من عادات وأخلاق وثقافات تقليدية [لنلاحظ عدد الزوايا والشرفاء العلويين والمتصوفين وغيرهم واغلبهم يتوصلون بعطايا أو منح من الملك في المغرب مثلا ] وقد كشفت الثورات العربية عن خريطة هذه الكيانات في كثير من الدول العربية. وقد وحدها مؤقتا السعي الى الإطاحة بالطاغية.
وليس صدفة أم تكون تونس مهد الثورات التي اندلعت في المنطقة اقل هذه الدول مساحة صحراوية و أقلها تأثرا بالوحدات القبلية. ألم يقل حسنين هيكل أن الثورة في اليمن مثلا هي مجرد تحول من القبيلة إلى قد توجد في دول متقدمة بعض الطوائف ( أما القبائل فقد تلاشت منذ قرون في الغرب ...) و لكن تأثيرها هامشي و عديم الأثر تقريبا.
هل يجوز لنا أن نرفع هذا السبب إلى درجة التأثير في سلوك و عقلية كل ‹› المواطنين ؟ رغم وجود مجال حضري تستقر فيه نخبة سياسية و اقتصادية و ثقافية و شرائح من السكان تتمرن باستمرار على الشعور بأهمية المواطنة ؟ بل و هناك فئة أخرى في الاتجاه المعاكس لا ترضى بالجنسية العربية ( المغربية مثلا) فقط بل تتطلع إلى جنسية غربية بدون مواطنة ..... ؟ أي أنها تتمتع بولاء ‹›وطني ‹› مزدوج مغربي و أجنبي كملاذ آمن عند الحاجة ؟
إن من إيجابيات الحركات العربية فضلا عن توحيدها للقبائل ضد الطاغية، فإنها حركت مشاعر المواطنة و التآلف عند ‹›المواطنين››
2- و هل يعود السبب إلى طبيعة الإسلام العربي الصحراوي و القبلي المتزمت ؟ لان الإسلام في حد ذاته ليس عائقا أمام التقدم و الحداثة كما تجسده اليوم كل من ماليزيا و تركيا المتقدمتين اقتصاديا و سياسيا [ الاقتراع العام هو وسيلة الوصول إلى السلطة ] و قد تؤكد تونس هذه الحقيقة ، و لو كتجربة أولية وكمدخل ، إذا ما سارت في نفس الاتجاه مستقبلا .
و هل يجوز أيضا أن نعيد طبيعة هذا الإسلام العربي الصحراوي القبلي إلى غلبة الاتجاه الوهابي في مرحلة ما حيث تم تصديره بواسطة البترول الى العالم العربي الاسلامي على الخصوص والعالم الاسلامي عموما والذي شكل اأيديولوجية آل سعود و قد كان متقدما في القرن الثامن عشر و مساعدا على توحيد قبائل الجزيرة ،هذا الاسلام الوهابي الذي كان متأثرا بابن تيمية التي عمدت المملكة السعودية إلى نشر مؤلفاته المتشددة والداعية إلى الجهاد ضد المنافقين من المسلمين ثم الكفار من الأجانب و من المعروف أن ابن تيمية كان من أتباع المذهب الحنبلي›› ، و بعكس المذاهب و المدارس الإسلامية الأخرى التي تقبل باستخدام العقل من أجل الدفاع عن مسلمات الإيمان ، تركز المدرسة الحنبلية كل تحليلها على الحفاظ على و حدة مسلمات الإيمان و على الاحترام آلا مشروط للنص القرآني المقدس ‹› رغم أنه يخضع لعدة قراءات و تأويلات من طرف فقهاء أصول الفقه و أصول التشريع في حين أن المذهب الحنفي الذي تبنته الدولة العثمانية كان أكثر انفتاحا وتطبيقا للآية الكريمة من سورة البقرة «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» إلى درج انه حلل بعض أنواع الخمر (الطلا) .
هل وجود إسرائيل (لكيان الصهيوني) في المنطقة العربية يشكل عائقا أمام تقدم أية دولة من الدول العربية الإسلامية؟ هل تملك إسرائيل كل هذه القوة القادرة على منع أية دولة من تحقيق التقدم المطلوب في هذا العصر رغم أن هناك دول بعيدة عن الحدود مع إسرائيل، إذا اعتبرنا أن الدول المسماة بدول الطوق هي المعرضة للعدوان الإسرائيلي ؟ وحتى في هذه الدول هل إسرائيل هي التي تدير الشؤون الاقتصادية والسياسية ؟ صحيح أنها تراقب التطور العسكري في هذه البلدان، كي لا يخل بالتوازن العسكري مع إسرائيل في ظل العداء القائم بين الطرفين ولذلك لم تتردد (إسرائيل) في قصف المفاعل النووي العراقي سنة 1981، وتفكر في كيفية مواجهة إيران اليوم التي تسعى إلى امتلاك الطاقة النووية سلميا كما تقول كما خلقت ،دون أن تريد، استقطابا في المنطقة بين الشيعة بقيادة إيران وحزب الله في تحالف مع سوريا وحماس، و بين السنة في سائر الدول العربية الأخرى .
وأخيرا هل هذه النظرة السوداوية التي تدعي أنها تندرج ضمن تشاؤم الفكر تهدف دون أن تدري إلى سد الباب أمام التغيير في الدول العربية الإسلامية للوصول إلى مستوى الدول المتقدمة في العالم الثالث؟؟بل بالعكس تماما أن التفكير في الضرورة القصوى لعملية التغيير هوا لذي دفع إلى البحث عن أسباب هذا الجمود التاريخي المزمن التي أعاقت ، وتعيق، امكانية تحقيق التقدم المطلوب كما فعلت دول أخرى في العالم الثالث . وهذه الضرورة تلقي على عاتق المفكرين والسياسيين البحث في هذه الإشكالية من اجل صياغة نظرية مطابقة لصيرورة الواقع وللاستعدادات الموضوعية المتاحة من قبل المجتمع والقوى الفاعلة دون مبالغة او سقوط في الأوهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.