رئيس الحكومة يستقبل المدير العام لمنظمة العمل الدولية    الملك محمد السادس يستقبل مبعوث العاهل السعودي    بنموسى يكشف عن مصير الأساتذة الموقوفين    إسرائيل تمنع الأمم المتحدة من دخول معبر رفح    رئيس روسيا يأمر بمناورات نووية    قتلى وجرحى في هجوم بالصين    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    طلب "أخير" من الاتحاد الجزائري بخصوص أزمة قميص نهضة بركان    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية بجهة الشمال    عبد النباوي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الكويتي يتفقان على وضع إطار اتفاقي للتعاون    الشرطة الفرنسية تصادر مليون قرص مخدر    بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    إدارة إشبيلية تحتفي بالمدرب الركراكي    باريس سان جيرمان يفكر في التعاقد مع بونو    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    شبكة كتنشط فالتلاعب فامتحانات الحصول على بيرمي طاحو فيها 10 بتنسيق بين بوليس وجدة والديستي    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    المغرب يقتحم الحدود الممنوعة في صناعة السلاح الفتاك    نشرة نذارية…موجة حر مرتقبة من اليوم الثلاثاء إلى غاية الجمعة بعدد من مناطق المملكة    خمس سنوات نافذة لضابط أمن في ملف وفاة مواطن بمفوضية بن جرير    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    تداولات الافتتاح في بورصة الدار البيضاء    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    رابطة الأندية الإفريقية لكرة القدم تقرر نقل مقرها إلى المغرب    شركات نقل دولي تستغل "ثغرات قانونية" لتهريب المخدرات نحو أوروبا    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    مناسبة لتأكيد تمسك الأمة بمبدأ الوفاء للعرش العلوي المجيد.. الذكرى الواحدة والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    "حماس": 54 شهيدا خلال 24 ساعة في غزة    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    احتضان إسلامي لمبادرات ومواقف الملك    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    سان جيرمان يستهدف رقما تاريخيا ضد دورتموند في دوري أبطال أوروبا    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    صعود أسعار الذهب من جديد    "فريق نجم طرفاية: قصة نجاح وتألق في عالم كرة القدم"    إبراز فرص الاستثمار بالمغرب خلال مائدة مستديرة بالولايات المتحدة    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    زيلينسكي يستعجل استلام أسلحة غربية    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع القانون البنكي الجديد
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 12 - 02 - 2013

نشرت الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 04 شتنبر 2012 على موقعها الالكتروني مشروع القانون البنكي الجديد وهو مشروع قانون سيأخذ مساره عبر المساطر القانونية قبل المصادقة عليه ودخوله حيز التنفيذ وتأتي أهمية هذا المشروع من عوامل عدة نذكر منها :
1) ضغط الحزب الحاكم من أجل التسريع بإرساء الإطار القانوني لممارسة ما يسمى بالبنوك الإسلامية لنشاطها بالمغرب ؛
2) تحيين وملائمة القانون البنكي الجديد مع العديد من المستجدات والممارسات المالية التي فرضها التطور التكنولوجي وتطور الوساطة والمعاملات النقدية الجاري بها العمل والتي أضحت تعرف تطورا مهما وجب تأطيره ومراقبته ؛
3) ملائمة ممارسة التدبير والمراقبة البنكية مع المستجدات والممارسات العالمية في ميدان النقد والمال.
4) التنصيص قانونيا على العديد من العمليات التي دخلت حيز التنفيذ بمقتضى دوريات أو من خلال التوافق مع الأبناك، ونذكر منها مركزة عوارض أداء الشيكات أو الأوراق التجارية وكذا مصلحة مركزة الحسابات البنكية.
ورغبة في إشراك قراء الجريدة واطلاعهم على مستجدات هذا المشروع، سنقدم في هذه الورقة عرضا لأهم الإضافات والتعديلات التي أتى بها هذا المشروع.
وللتذكير، فإن المغرب عرف قبل هذا المشروع ثلاث قوانين بنكية بدأت سنة 1967 بإرساء قانون الممارسة البنكية بالمغرب الذي عرف أول تعديل مهم سنة 1993 بملائمته مع التشريعات المالية خصوصا بورصة القيم ومنظمات الاستثمار الجماعي في القيم المنقولة وكذا سوق الرساميل.
وقد عرف هذا المجال زخما تشريعيا آخر ابتداء من سنة 1998 هم مجموعة من القطاعات ذات الارتباط الوثيق بمجال المال والأعمال وانخرط في سيرورة تحديثية كان نتاجها انسحاب السلطات الحكومية من المراقبة والضبط والتدبير وتفويضها لمؤسسات مستقلة كما هو معمول به في كل الديمقراطيات المتقدمة.
ومن هذه المؤسسات بنك المغرب والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات ومجلس أخلاقيات القيم المنقولة إلى غير ذلك من المؤسسات.
إلا أن استقلال بنك المغرب سيكون الحدث الأهم من بين جميع مؤسسات الضبط المستقلة نظرا لتأثيرها المباشر على تدبير الشأن العام واستقلال سلطة القرار المالي عن سلطة تدبير الشأن العام وانعدام قرارات التحكم واستغلال السلطة المالية لتدبير الشأن العام.
وسيتقوى هذا الاستقلال ببسط سيطرة المراقبة والتشريع على جميع المؤسسات المالية والانسحاب الكلي للسلطة الحكومية من الميدان المالي. وللتذكير، فإن القانون البنكي الجاري به العمل حاليا «قانون 178-05-1» المؤرخ بتاريخ 14 فبراير 2006، أدرج تحت سيطرة بنك المغرب جميع المؤسسات المالية بما فيها المؤسسات المالية المختصة كالقرض العقاري والسياحي والقرض الفلاحي وصندوق الإيداع والتدبير.
كما أدرج مجموعة من التنظيمات تهم المراقبة المحاسباتية والداخلية وحتى بعض المواصفات التي يجب أن يتميز بها المتصرفون والمديرون خصوصا منها صفاء الذمة وانعدام التورط في جرائم وجنح تتعلق بالثقة والأمانة.
ويمكن تلخيص المستجدات التي أتى بها المشروع الجديد في أربع خانات هي :
1) مجال تطبيق القانون البنكي الجديد حيث سيتوسع مجال تطبيقه إلى العديد من المجالات التي لم تكن تعرف أهمية كبيرة في السابق أو لم تكن تعرف نظام مراقبة متطور أو أملتها التطورات التكنولوجية التي دخلت مجال المال والنقد من بابه الواسع.
2) ما سمي «البنوك التشاركية» أو ما يطلق عليه مجازا البنوك الإسلامية.
3) مراجعة الإطار المؤسساتي الذي أصبح يضم زيادة على مؤسسات الائتمان والقرض مؤسسات القروض الصغرى ومؤسسات الأداء وكذا البنوك الحرة.
4) تقوية النظام الاحترازي وإعطاء صلاحيات أوسع لبنك المغرب سواء فيما يخص بعض العمليات البنكية أو فيما يخص حكامة المؤسسات البنكية أو العمليات البنكية المشبوهة.
5) إقرار نظام المراقبة الشمولية والرقابة الاحترازية الكلية استخلاصا لدروس الأزمات البنكية الحالية التي تعرفها الدول الغربية.
6) إقرار التنسيق مع هيآت أخرى وخصوصا مجلس المنافسة والأخذ بعين الاعتبار التشريعات التي تهم البيانات الشخصية.
وتجنبا للخوض في العديد من المقتضيات ذات الطابع التقني الصرف، سنتطرق في هذه الورقة إلى ثلاث نقط نعتبرها أساسية في المشروع وهي البنوك التشاركية والنظم الاحترازية الجديدة ونظام الرقابة الاحترازية الكلية وتقوية التنظيم الاحترازي.
I -في البنوك التشاركية :
يخصص المشروع الجديد لهذا المجال 3 أبواب هي مجال التطبيق وهيآت المطابقة وأحكام متفرقة.
ويعرف مشروع قانون البنوك التشاركية الأشخاص المعنويين المؤهلين لمزاولة أنشطة تلقي الأموال من العموم وممارسة عمليات الائتمان، وكذا وضع وسائل الأداء رهن تصرف العملاء أو القيام بإدارتها بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة باستثناء كل عملية أخذ أو عطاء تخضع للفائدة.
كما يعرف الودائع الاستثمارية وهي أموال تودع لدى البنك ليستثمرها في مشاريع يجني المستثمر منها حصيلة محددة سلفا حيث أن الزبون يضع أموالا لدى البنك لممارسة عملية استثمارية تكون نتيجتها إما الربح أو الخسارة.
وتختلف الودائع الاستثمارية عن الودائع التقليدية حيث أن هذه الأخيرة تبقى من حق المودع ويمكن أن تتحمل الزيادة بفعل الفوائد إلا أنها لا تتحمل النقصان عكس الودائع الاستثمارية التي تدخل في خانة المشاركة في مشروع استثماري يتحمل الربح والخسارة كما يحدد المشروع الجديد المنتوجات التي يمكن للبنك التشاركي تسويقها، وهي نفس المنتوجات التي سبق أن سمح البنك المركزي بترويجها في وقت سابق، وهي المرابحة والإيجارة والمشاركة والمضاربة.
كما يفتح الباب أمام أي منتوج جديد لا يتعارض مع أحكام الشريعة يحدد مواصفاته التقنية وكيفية تقديمه للجمهور بواسطة منشور يصدره بنك المغرب.
هيآت المطابقة :
في هذا الباب يحيل مشروع القانون على القانون المتعلق بالمجالس العلمية والمجلس العلمي الأعلى حيث يحدث لجنة تسمى «لجنة الشريعة للمالية» بمرسوم وتعهد لها المهام التالية :
- البث في مطابقة العمليات والمنتوجات للشريعة ؛
- الرد على استشارات البنوك ؛
- إبداء رأي مسبق حول الحملات الدعائية لمؤسسات الائتمان في هذا الباب ؛
- اقتراح أي تدبير من شأنه الإسهام في تنمية أي منتوج أو خدمة مالية مطابقة للشريعة.
وينص الفصل 64 من مشروع القانون على تكليف بنك المغرب بمهمة سكرتارية لجنة الشريعة للمالية.
وترفع البنوك التشاركية للجنة الشريعة للمالية نهاية كل سنة مالية تقريرا تقييميا حول مطابقتها لأحكام الشريعة.
كما يفرض على لجنة الشريعة للمالية تقريرا سنويا يبرز الآراء التي أعطتها خلال السنة الماضية وكذا تقييمها بخصوص مطابقة البنوك التشاركية لأحكام الشريعة.
وبموازاة مع الالتزامات المفروضة على البنوك التقليدية يفرض المشروع الجديد على البنوك التشاركية إحداث لجنة افتحاص داخلية تتولى المهام التالية :
- التعرف والوقاية من مخاطر عدم مطابقة الالتزامات لأحكام الشريعة.
- ضمان تتبع تطبيق آراء لجنة الشريعة للمالية ومراقبة مدى احترام هذا التطبيق.
- وضع المساطر المتعلقة بأحكام الشريعة الواجب احترامها.
- اعتماد التدابير المطلوبة في حالة عدم احترام الشروط المفروضة عند وضع منتوج صدر بخصوصه رأي شرعي.
II - في النظم الاحترازية والمراقبة :
يتعلق هذا الباب بمراقبة مؤسسات الائتمان سواء كانت مراقبة داخلية من قبل مجلس الإدارة أو الافتحاص الداخلي أو مراقبة المخاطر أو مراقبة خارجية من طرف بنك المغرب أو مدققي الحسابات.
وفي هذا الإطار، يجبر المشروع الجديد مؤسسات الائتمان على تعيين متصرفين مستقلين ولجان افتحاص داخل مؤسساتها التقريرية.
فالفصل 33 ينص على وجوب مؤسسات الائتمان اعتماد متصرفين مستقلين داخل مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة وفق شروط يحددها بنك المغرب. وهذا القرار يروم تحسين الحكامة داخل مؤسسات الائتمان نظرا للمسؤولية المادية والجنائية التي يخضع لها المتصرفون كما ينص عليها القانون 95-97 المعدل بالقانون 05-20 المؤطر للشركات المساهمة.
أما الفصل 81 فينص على ضرورة إحداث لجنة تدقيق مكلفة بضمان الرقابة وتقييم تنفيذ أجهزة المراقبة وكذا لجنة مكلفة بتتبع عملية تحديد وتدبير المخاطر.
ويندرج هذين الفصلين في إطار إدخال مقتضيات الحكامة الجيدة كما تم التنصيص عليها في التشريعات العالمية في إطار ما اصطلح على تسميته «الأمن المالي» بعض الانهيار المدوي لشركة «انرون» في بداية الألفية الحالية.
كما نص مشروع القانون الجديد على تطبيق قانون محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتنصيص عليها قانونيا بدل تنظيمها بدوريات لمعهد الإصدار.
2) الرقابة الاحترازية الشمولية :
أدرج مشروع القانون البنكي الجديد من بين مكوناته مهمة المراقبة الاحترازية الكلية على القطاع المالي ومهمتها دراسة وتحليل الوضعية المالية واستباق المخاطر التي تهدد النظام المالي واقتراح التدابير الناجعة لتجنب أو الحد من الآثار التي يمكن أن تنتج عن هذه المخاطر.
وفي هذا الصدد، نص المشروع على تكوين لجنة تسمى «لجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية» عهد إليها بالمهام التالية :
1) تنسيق أعمال الأعضاء فيما يتعلق بالرقابة على المؤسسات الخاضعة لمراقبتها ؛
2) تنسيق التنظيم المشترك المطبق على هذه المؤسسات
3) تحليل وضعية القطاع المالي وتقييم المخاطر الشمولية
4) اقتراح جميع التدابير للوقاية من المخاطر الشمولية
5) تنسيق التعاون وتبادل المعلومات مع الهيآت المكلفة بمهام مماثلة في الخارج.
وتتألف هذه اللجنة التي يرأسها بنك المغرب من بنك المغرب والسلطات المكلفة بمراقبة مقاولات التأمين وإعادة التأمين، وكذا تلك المكلفة بمراقبة سوق الرساميل. وتتوسع تركيبتها لممثلي الوزارة المكلفة بالمالية عند دراسة جميع النقط الواردة في مهامها باستثناء ذاك الذي يتعلق بالرقابة على هذه المؤسسات.
وفي إطار المراقبة الاحترازية الشمولية، يأتي المشروع أولا بمقتضيات تسمح له بإمكانية تدخل أكثر وأسرع في كل ما يخص معالجة صعوبات مؤسسات الائتمان، وخصوصا إدارتها المؤقتة.
وفي نفس الإطار، يعطي المشروع حلة جديدة للصندوق الجماعي لضمان الودائع ووضعه تحت تصرف شركة مساهمة تشارك فيها جميع مؤسسات الائتمان، وتعمل هذه الشركة تحت مراقبة بنك المغرب. وتعطي الهيكلة الجديدة المقترحة لهذا الصندوق، حلة أكثر انفتاحا وديمقراطية باشتراك الممولين في تدبير هذا الصندوق، وفي القرارات التي ستأخذ لاحقا لا من حيث مساعدة المؤسسات البنكية في وضعية صعبة فحسب، ولكن كذلك في تحديد طبيعة المخاطر، والشكل التضامني للإنقاذ.
III - ملاحظات وآراء
حول المشروع الجديد :
جاءت ظروف ميلاد بنك المغرب في سياق زخم من الأحداث المصاحبة للنضال من أجل استقلال الوطن، وكان إنشاؤه جزءا لا يتجزأ من استرجاع السيادة الوطنية، وتمكين المغرب من الخروج من منطقة «الفرنك»، وإصدار الدرهم كعملة وطنية تحمل صورة محمد الخامس رحمه الله كتعبير عن الاستقلال والسيادة الوطنية.
وقد حافظ بنك المغرب على هذه الصورة وعمقها، واستمر في تطويرها بكفاءة ومهنية لم يعطها المغاربة كامل حقها.
ورغم المشاكل والأزمات التي مر منها المغرب، فإن بنك المغرب ظل يعمل بتفان وهدوء وكثير من الصمت ويصاحب بمساهمة فعالة وعميقة في تجاوز هذه الأزمات. وقد كان تاريخ 10 مارس 1983 حدثا أبان فيه بنك المغرب عن حنكة وقدرة على التدبير مكنت بلدا في حالة إفلاس من الاستمرار في العيش دون أن يفتقد الخبز والبنزين وقطع الغيار.
وقد تمت هذه الخبرة وصاحبت تطور البلاد بتمكينها من مواد التمويل وما النقاشات الحالية حول السيولة البنكية إلا جزء من هذه الوضعية التي أبانت فيها هذه المؤسسة عن تملكها لمسؤوليتها كاملة بمصاحبة الاقتصاد الوطني وتمكينه من وسائل التمويل الضرورية.
بعد هذا المدخل الذي ارتأيناه ضروريا للإحاطة بأهمية بنك المغرب الذي عادة ما يطلق عليه «معهد الإصدار» لتغليب التعريف التقني لهذه المؤسسة، سنركز ملاحظاتنا على 3 جوانب أولها مجالات المراقبة الجديدة لبنك المغرب وثانيها على ترتيبات الأبناك الإسلامية وثالثها المخاطر الشمولية وراهنيتها.
1) المجالات الجديدة للمراقبة :
تهم هذه المجالات الإدارة التنفيذية للأبناك التي يمكن أن يتدخل فيها بنك المغرب من خلال اعتراضه على تعيين شخص في حظيرة أجهزة إدارة إحدى مؤسسات الائتمان إذا ارتآى بأن الانتدابات بمؤسسات أخرى يمكن أن تعرقل القيام بمهامه (الفصل 95)، هذا زيادة على الأحكام العامة التي كانت سارية المفعول في قانون 2006 والتي تفرض خلو الذمة أو انعدام السوابق في مخالفة التشريع الخاص بالصرف أو الإرهاب أو العديد من الممارسات التي تخل بالأمانة والاستقامة.
كما تهم هيكلة مراكز قرارها بفرض لجنة داخل مجالسها الإدارية أو مجالس رقابتها تسمى لجنة الافتحاص من مهامها السهر على حسن سير مراقبة الالتزامات والمراقبة الداخلية وتتبع المخاطر.
وإذا كانت هذه اللجن موجودة في كل الأبناك والعديد من الشركات حتى العمومية منها فإنه كان حريا بالمشروع أن يأسس لجميع اللجن ورفع درجة إلزاميتها بقوة القانون ونخص هنا بالذكر لجنة الاستراتيجية ولجنة المكافآت.
كما يأتي المشروع الجديد بميدان مراقبة جديد ويهم مساهمة الأبناك المعتمدة لديه. وهكذا أصبح زيادة على المقتضيات الاحترازية. فيما يخص الأموال الذاتية ورأس المال وما يوازيها من آثار على عامل الملائمة ومقتضيات بازل الثانية أصبحت موافقة بنك المغرب ضرورية. ويمكن للبنك المركزي أن يعترض على أية مساهمة بنك من الأبناك إذا كانت هذه المساهمة تعرقل المراقبة الاحترازية للبنك أو تعرضه لمخاطرة مفرطة أو تمس بوضعيته على مستوى السيولة أو الملاءة أو المردودية.
يبدو هذا الإجراء في قراءة الجزء الأول منه لا منطقي ويحد من حرية التصرف في الأصول إلا أن الجزء الثاني من هذا الفصل ينم عن استباق تطور نوعي يتمثل في نضج نظامه البنكي وانفتاحه على السوق المالي الدولي ومكوناته الفاعلة وخصوصا مركز الدار البيضاء المالي والتجمعات المالية التي تصب أهدافه لاستقطابها وكذا الأبناك الإسلامية التي من المرتقب أن تدخل السوق المالي المغربي نظرا لتشعب وتنوع امتدادها الجغرافية.
2) في الأبناك التشاركية :
يجب التذكير هنا أن المنتوجات البنكية المبنية على قواعد الشريعة أو المنتوجات الإسلامية سبق كما أسلفنا الذكر أن سمح البنك المركزي في المغرب بالتعامل بها تحت مسمى المنتوجات البديلة، وأصدر بشأنها بتاريخ 13 شتنبر 2007، توصية تسمح للأبناك ابتداء من تاريخ فاتح أكتوبر 2007 بتوزيع منتوجات بديلة في شكل إجازة أو مشاركة أو مرابحة.
والتوصية هي صفة تنظيمية تدخل في إطار ممارسة البنك المركزي للتدبير التنظيمي للقطاع البنكي المغربي إلا أنها لا تصل تراتبيا إلى مستوى دورية أو قرار. وهكذا أضحت الأبناك الإسلامية بإمكانها ولوج السوق المالي والنقدي المغربي من بوابة قانون يصوت عليه المجلس التشريعي ويصبح ملزما للجميع.
إلا أن هذه الممارسة كما يؤكد الفصل 55 تبقى مفيدة ب «أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة في هذا المجال لا يتعارض مع أحكام الشريعة».
أما العنصر الهام والجديد الذي أتى به المشروع فيتعلق بكل ما يمس الهيأة الشرعية التي سيكون على عاتقها الإفتاء في هذا الباب، ومن هنا نظهر أن المشروع استنبط من دستور 2011 وحقل إمارة الموضيي أهم المقتضيات الخاصة في هذا الباب حيث ربطها بهيأة الإفتاء والمجلس العلمي الأعلى الذي عليه أن يكون لجنة الشريعة للمالية وأناط بها العديد من المهام في هذا الباب. وقد حدد المشروع هذه المهام كما ذكرناها سالفا وتخص تحديد مواصفات المنتوجات المالية وتقييم الحملات الدعائية لذات المنتوجات والبث في التقارير السنوية للبنوك الإسلامية وكذا إعداد تقرير سنوي حول لجنة الشريعة المالية بالمجلس العلمي الأعلى وتحديثه.
وللتذكير، فإن المجلس العلمي الأعلى لم يستطع البث في المنتوجات التي سمح بها بنك المغرب سنة 2007 نظرا لعدم حصول إجماع أعضاء المجلس على قرار بهذا الشأن مما يبقي السؤال مطروحا.
أما المشروع الجديد فإنه سيدخل العديد من التغييرات على طرق عمل المجلس وطريقة بثه فيما يطرح عليه من قضايا برأي موحد يتطلب الأغلبية لتجنب انعدام الإجماع وتوحيد الرؤيا والسرعة في البث في إطار وحدة المذهب السني، المالكي، الأشعري، ومن بين ما يسعى إليه هذا التوجه هو تفادي تعدد واختلاف الهيآت الشرعية حول الموضوع الواحد وكذا اتخاذ آراء متناقضة لنفس الهيأة الشرعية في الزمان إزاء الموضوع الواحد وخير مثال على ما نقول ما أفتى به المدعو الشيخ الدكتور خالد ابن ابراهيم الدعيجي الذي أفتى مرة بعدم جواز تداول أسهم شركة اعمار الإماراتية التي تمارس الأعمال البنكية التجارية التقليدية حسب نظامها الأساسي، وفي فتوى أخرى يكتب « وذهب عدد من هيآت الفتوى والرقابة الشرعية إلى جواز المتاجرة بأسهم اعمار لأن النشاط المحرم للشركة يعد يسيرا مقارنة بنشاطها المباح وهو الاستثمار العقاري».
وبنظرنا فإن الصيرفة الإسلامية كما مارستها البنوك المغربية منذ سنة 2007 لم تعرف تطورا ملحوظا كما نظر له المطالبون به. ورغم التخفيض الضريبي الذي خضعت له المنتوجات الإسلامية سنة 2009، فإن جاري هذه القروض بلغ 744 مليون درهم كحد أقصى، وهو آخذ في التراجع تدريجيا وبعض الأبناك رغم قلتها، أوقفت أنشطتها في هذا الميدان.
أما التخوفات التي أبداها بعض الأكاديميين على الشروط التي وضعها المشروع قيد الدرس، فإننا نؤكد أن جميع البنوك التي أبدت اهتماما بولوج السوق المغربي تدبر وفقا للمقتضيات العالمية، وتخضع للنظم الاحترازية الدولية، ويكفي الاطلاع على تقاريرها السنوية لملاحظة تشابهها مع البنوك المغربية والعالمية التي تطبق المعايير الدولية للقوائم المالية مصادق عليها من طرف كبرى مكاتب الافتحاص الدولية، ومن هنا يظهر أن المشروع أتى ليفتح السوق البنكي المغربي أمام أعضاء جدد آتون من مراكز لا تعرف الأزمة المالية بل منها من كان ملجأ للمتضررين من الدول والشركات العظمى من هذه الأزمة.
3) في إطار المخاطر الشمولية :
كان النظام البنكي المغربي دائما متواضعا ومتحكما فيه بطبيعة العملة المغربية الغير القابلة للتبادل بشكل حر على المستوى الخارجي وكل المعاملات بالعملات الأجنبية كانت ولا تزال تمر عبر البنك المركزي رغم العديد من الإجراءات لانفتاح متحكم فيه رغم محدوديته.
ورغم أن ثلاث مؤسسات بنكية مغربية أخذت في الانتشار في العديد من بقاع المعمور مما يشكل تطورا نوعيا للقطاع إلا أنه على المستوى الداخلي يبقى متحكم فيه ومع إمكانية ولوج مؤسسات كبرى للسوق المغربية، فإن هذا الوضع يفرض مراقبة أكبر نظرا للمخاطر التي يمكن أن تمس القطاع ككل. وللتذكير، فإن إعلان إفلاس «ليمان براذرس» « LEHMAN BROTHERS « يوم 1 شتنبر 2008 سيزعزع العديد من اليقينيات والمسلمات وسيجعل من الأزمة الشمولية هاجس كل الدول الغربية التي أصبحت تصارع من أجل تفاديها مهما كلف الثمن.
ولنا في السنوات الأخيرة الماضية خير مثال على الأموال الباهضة التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية لإنقاذ النظام المصرفي الأمريكي حيث انتزع الرئيس السابق من الكونكريس مبلغ 700 مليار دولار لمساعدة الأبناك الأمريكية على تجاوز الأزمة، بينما الاتحاد الأوروبي بمعية المملكة المتحدة خصص 1.500 مليار أورو لإنقاذ الأبناك في 15 دولة أوروبية.
وإذا كان المغرب بمنئ عن الأزمة المالية كما أعلن ذلك والي بنك المغرب في هذه الفترة، فإن التدبير الاستباقي دفعه إلى التفكير بجدية في موضوع المخاطر الشمولية حيث استضاف معهد الإصدار بتاريخ 12 يوليوز من السنة الحالية الدورة السابعة للقاء الأبناك المركزية بالبحر الأبيض المتوسط والبنك المركزي الأوروبي بالحضور الفعلي لمحافظ البنك المركزي الأوروبي، وخلال هذا اللقاء، أكد والي بنك المغرب أن الأزمة في أوروبا واقع راهن والعدوى ممكنة، وأن المغرب يدرس حاليا الاحتراز من المخاطر الشمولية .
وتأتي مشروعية التخوف من هذه المخاطر من عدة عناصر لعل أهمها تطور الهندسة والصناعة الماليتين والتسابق نحو الأرباح بغض النظر عن أي قيمة أخلاقية كما ظهر ذلك للعالم أجمع سنة 2008.
كما تأتي هذه المشروعية من السوابق التاريخية في هذا الباب، حيث عاشت المملكة المتحدة سنة 1992 هجوما شرسا على عملتها أرغمها على الخروج من النظام النقدي الأوروبي وخلق لديها تخوفا كانت وراء رفضها الالتحاق بالعملة الأوروبية الموحدة. فيوم 16 أكتوبر 1992 ويعرفه البريطانيون بالأربعاء الأسود، تم إغراق السوق بعشرة مليارات من الجنيه الاسترليني، مما أفقد العملة الإنجليزية جزءا هاما من قيمتها الدولية، وذلك في عملية مضاربة مدوية كان من ورائها أحد ذئاب السوق المالية الدولية « Georges SOROS «، تلك العملية التي جنى منها 1,1 مليار دولار. وقد كرر صاحبنا هذا نفس العملية سنة 1997 في ماليزيا رغم أنها لم تكن مربحة مثل سابقتها.
من هذا المنظور تظهر أهمية الاحتراز من المخاطر الشمولية وضرورة التمكن من مواجهتها في تدبير النقد.
وختاما لما سبق يبدو أن القانون البنكي المغربي في صيغته الجديدة وبعد المصادقة عليه سيشكل تطورا نوعيا في التشريع المالي المغربي حيث سيضفي الشرعية الشعبية على العديد من المقتضيات التنظيمية، ويرفع مستواها التشريعي من جهة، ويؤسس للممارسات البنكية الجديدة بالتشريع كما يستشرف الاختلالات البنكية الممكنة، ويضع شروط وإمكانية تطويقها.
زيادة على كل هذه الملاحظات، يمكن المشروع من فهم واستيعاب الدور المحوري في الاقتصاد المغربي لإحدى هيآت الحكامة المستقلة التي يعد بنك المغرب واحدا من أهمها.
من هذا المنظور، نتصور باقتناع عميق أن يحظى هذا المشروع عند طرحه أمام ممثلي السيادة الشعبية بالإجماع كما نتمنى أن يتوسع النقاش حوله ليهم أكبر عدد من المواطنين، ويكون مناسبة لتوسيع وترسيخ الثقافة المالية في المجتمع المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.