السكوري من جنيف: المغرب رائد دولي في إرساء تصور جديد للدولة الاجتماعية    بايتاس: ملتزمون بتعهداتنا مع طلبة الطب والصيدلة    أسعار النفط ترتفع بدعم من توقعات انخفاض المخزونات العالمية    المغرب يجني ثمار تحسين علاقته مع إسبانيا    تقرير: 77 ألف أسرة مغربية ما تزال تخرج أطفالها الى التشغيل    الحكومة تعيد تنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين    الحكومة تحل العصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب والشرايين    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    إحباط محاولة للهجرة السرية بضواحي الجديدة    السعودية تطلق تجربة التاكسي الجوي لأول مرة في موسم الحج    للمرة الثالثة على التوالي.. عصبة الهواة تؤجل الجولة الأخيرة من المباريات بسبب شكوك في وجود تلاعبات    تزايد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية يقبر مخططات الجزائر    الملك محمد السادس يهنئ بوتين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    غلاء أسعار الأضاحي.. بايتاس: الحكومة قامت بمجهود كبير واتخذت إجراءات    بايتاس: القطيع الوطني في حالة صحية جيدة وسيتم الإعلان عن امتحانات طلبة الطب قريبا    النيابة العامة تمنح "مومو" خبرة الهواتف    الأرصاد الجوية تفسر أسباب تقلبات الطقس مع بداية فصل الصيف بالمغرب    عشرات القتلى في حريق مهول بمنطقة سكنية بالكويت    مهرجان أكورا للسينما والفلسفة: فيلم بلجيكي يحصد جائزة ابن رشد للفيلم الطويل    الحكومة تُعلّق على فاجعة تلميذة آسفي    بشرى للسائقين.. إسبانيا تعترف بالبيرمي المغربي    فاش.. رئيس مقاطعة يضع اسم والده على شارع مكان "يوسف بن تاشفين"    أول تعليق لعموتة بعد قيادته الأردن للفوز على السعودية في عقر دارها    دياز: المغرب يختم الموسم بفوز كبير    "تقرير أممي يكشف عن كمٍ غير مسبوق من الانتهاكات ضد الأطفال في غزة والضفة الغربية وإسرائيل" – الغارديان    تزايد الإقبال على اقتناء الملابس التقليدية بمناسبة عيد الأضحى    الإيسيسكو تجدد التأكيد على التزامها بالمساهمة في القضاء على تشغيل الأطفال    كيف انطلقت بطولة كأس الأمم الأوروبية؟    إعادة انتخاب المغرب عن جدارة في اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة    توقيع اتفاقية تعاون بين جهة الشرق وجهة اترارزة الموريتانية    حقيقة الانسولين الروسي الذي سيدخل السوق المغربية لعلاج مرض السكري؟    أول تعليق لمدرب الكونغو بعد الهزيمة الثقيلة أمام "أسود الأطلس"    رغم المرض .. المغنية العالمية "سيلين ديون" تعد الجمهور بالعودة    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    قدوم أكثر من 1.5 مليون حاج من خارج السعودية عبر المنافذ الدولية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حكيمي يكشف السر وراء الفوز الساحق على الكونغو    تحقيق للأمم المتحدة: النطاق "الهائل" للقتل في غزة يصل إلى جريمة ضد الإنسانية    تقرير: المغاربة أكثر من رفضت إسبانيا طلبات تأشيراتهم في 2023    إذاعة فرنسا العامة تطرد كوميديا بسبب نكتة عن نتنياهو    الخلاف الحدودي السعودي-الإماراتي على الياسات: نزاع حدودي أم صراع نفوذ؟    لوحات فريدة عمرو تكريم للهوية والتراث وفلسطين والقيم الكونية    اليونسكو.. تسليط الضوء على "كنوز الفنون التقليدية المغربية"    أقصى مدة الحمل بين جدل الواقع وسر سكوت النص    اليد الربعة: تجربة جديدة في الكتابة المشتركة    إطلاق مشروع "إينوف فير" لتعزيز انخراط الشباب والنساء في الاقتصاد الأخضر    تطورات مهمة في طريق المغرب نحو اكتشاف جديد للغاز    "الأسود" يزأرون بقوة ويهزون شباك الكونغو برازافيل بسداسية نظيفة    القناة الرياضية … تبدع وتتألق …في أمسية فوز الأسود اسود    أفاية: الوضع النفسي للمجتمع المغربي يمنع تجذّر النقد.. و"الهدر" يلازم التقارير    غباء الذكاء الاصطناعي أمام جرائم الصهيونية    ندوة أطباء التخدير والإنعاش تستعرض معطيات مقلقة حول مرضى السكري    الأمثال العامية بتطوان... (622)    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرقة : مدينة متمردة تحترق
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 10 - 2013

أي يوميات لمدينة سورية يسيطر عليها الإسلاميون و يحاصرها النظام؟ فهي بين هاجسين: تحليق طائرات الميغ النظامية ليلا، و رقابة الرجال ذوي الأقنعة السوداء
مراسلة صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، التي لم تذكر اسمها، زارت المدينة و قدمت هذا الروبورتاج المفزع.
إنهم هناك. في المدخل الشمالي لمدينة الرقة، زرعوا رايتهم السوداء فوق البوابة التي تقطع الطريق و المكتوب عليها «الدولة الإسلامية بالعراق و المشرق». أربعة ‹نينجات» (لا يُرى منهم إلا العينان من خلف قناع أسود) يحملون كالاشنيكوف في أيديهم، يوقفون الحافلة و يطلبون بطاقات التعريف، عشرة رجال من ضمنهم السائق يقدمون بطاقاتهم بينما الراكبات الأربع الباقيات لم يتحركن. فالجهاديون يتجاهلون النساء إلى درجة أنهم لا ينظرون إليهن. يكفي أن تضع منديلا محزوما بشكل جيد على الرأس، مثل ما تفعل نساء المنطقة، كي تتمتع النسوة بهذا اللاوجود.
من الأفضل ألا يتم التعرف علي كصحفية أجنبية من طرف هؤلاء الرجال المنتمين لجماعة مقربة من القاعدة، و هي الجماعة التي تابع العالم مسلسل فظاعاتها. فهي التي اختطفت الأب اليسوعي «باولو دالأوغليو» قبل ثلاثة شهور هنا في الرقة، و هنا أيضا اختفى كثير من الصحفيين الأوربيين و مئات الناشطين السوريين. و هي الجماعة نفسها التي دشن أصحابها سيطرتهم على المدينة في ماي الماضي بإعدام ثلاثة رجال في الساحة العمومية.
رجال مقنعون:
لم تدُم عملية التفتيش أكثر من ثلاث دقائق. تحركت الحافلة نحو وسط المدينة، الصاخب بالحركة في ذلك الوقت قبيل الغداء. سيارات أجرة صفراء، سيارات مغبرة، عربات ثلاثية العجلات مُحملة بصناديق البلاستيك أو الخُضر، شاحنات تنقل الآجر و أكياس الأسمنت و قضبان الحديد المجرورة على عدة أمتار خلفها، تحركات و نفير في كل الاتجاهات. رجال بجلابات أو سراويل دجين، نساء بمعاطف طويلة و مناديل تسرعن نحو المتاجر. و على طول الشوارع العريضة كان شجر النخيل هو المنظر الجذاب الوحيد في هذه المدينة ذات المنازل غير المكتملة. كانت شبيهة بغزة بدون بحر أو بعلبك بدون الأطلال الرومانية. تقول أم نبيل و هي تستقبل زوارها : «ترون جيدا أنها لا تشبه كندهار كما تروي ذلك المحطات التلفزية». أم نبيل تنتمي لعائلة كبيرة من عائلات الرقة و هي أم لثلاثة مراهقين و لا تتحمل أن ترى صورة مدينتها مشوهة من خلال الروايات «المُبالغ فيها» و سيطرة الجماعات المتطرفة. «إنهم لا يتدخلون في شؤوننا و الحياة عادية هنا، تواصل أم نبيل، و ابنتي ذات الستة عشر عاما تخرج بدون غطاء للرأس و أنا أخرج هكذا» مشيرة إلى سروالها الدجين و قميصها ذي المربعات.
و على غرار كثير من أبناء الرقة المعارضين بتصميم لنظام بشار الأسد منذ بدء الثورة في ربيع 2011، فإن أم نبيل تتحدث بحماس عن «تحرير» المدينة. تغير مصير سكان أول عاصمة محافظة تسقط في أيدي المتمردين في نفس الوقت الذي سقط فيه التمثال الضخم لحافظ الأسد في 4 مارس. فمدينة الرقة الواقعة في شمال شرق البلاد و التي تضم حوالي 200 ألف نسمة، كان من الممكن أن تشكل تجربة و نموذجا لسوريا ما بعد الأسد. لكنها و بعد ستة شهور من ذلك التاريخ هاهي تشهد تركزا لكافة المخاطر و المفارقات التي تُراكمها الأزمة السورية. فقناصو الجيش النظامي يواصلون إطلاق قنابلهم اليومية على أحياء المدينة، بينما تتنافس مجموعات مسلحة مختلفة من أجل السيطرة على المدينة و أهلها.
عشرات القناني:
خرجت أم نبيل من مطبخها حاملة صينية من القهوة التركية و هي تشكو من انقطاع الماء و الكهرباء . لا هواء مكيف في حرارة بداية سبتمبر و لا ماء بارد مع القهوة. تقول أم نبيل و هي الموظفة السابقة التي تحولت إلى ربة بيت في الأشهر الأخيرة :»أشغل آلة التصبين في الثانية فجرا لأن ذاك هو الوقت المناسب لانسياب صبيب الماء و استمرار التيار الكهربي». و لمواجهة هذا الوضع تجمع أم نبيل عشرات القناني البلاستيكية لملئها بالماء احتياطا لفترات النقص أو النضوب. و هي تتابع تدخين سجائرها، تتحدث بأسف عن الانقلاب الذي زعزع حياتها منذ أن توقفت محكمة المدينة، التي كانت تشتغل فيها، عن العمل غداة «التحرير» . في السابق كنت أخرج في الثامنة صباحا كي أشتغل حتى الثالثة فأعود لتحضير وجبة الغداء و ترتيب البيت، و هكذا كان اليوم يمر أما الآن فلم يعد هناك أي توقيت لأي واحد منا، لا لزوجي الموظف أيضا و لا لأبنائي» .
و تبوح بألمها لمصير ابنيها العاطلين، نبيل و جميل (20 و 24 سنة) اللذين قطعا دراستهما. أحدهما بدمشق حيث اعتقل لمدة شهر لأنه من الرقة و الآخر في حلب. فهما يمضيان الوقت أمام التلفاز، حين يكون التيار ساريا، و يحلمان بمغادرة البلاد.
قمصان الساتان
بعد نزول الظلام و هبوط الحرارة، يحل وقت التجول بالنسبة للأسرة في الرقة. يذهب البعض إلى مقاهي الأنترنت، بينما يتجول البعض الآخر في الشوارع التجارية و أمام الواجهات المضيئة، التي تعرض قمصانا لامعة و أحذية ملونة لا تقل لمعانا. في أحد متاجر النسيج حيث تزدحم نساء و هن يتحدثن بلكنة حلبية، يعبر التاجر عن اعتذاره لعدم توفره على قمصان نوم من القطن لأنه لا يقدم سوى قمصان الدانتيل و الساتان. و على بعد بضعة أمتار، تقف شاحنة تحمل على ظهرها «دوشكا» و هي رشاش روسي ثقيل مشهور بالمنطقة، و إلى جانب الشاحنة يقف عدة رجال مقنعين يراقبون بينما يُخرج آخرون من أحد المتاجر صناديق كبيرة و أجهزة تدفئة، فيما يبدو. تعلق أم نبيل «برافو، إنهم ينهبون هذا الوسخ» متحدثة عن تاجر مقرب من النظام ، اغتنى في السنوات الأخيرة بسبب فساده «لقد هرب إلى اللاذقية فور سقوط الرقة».
خوفا من التجاوزات، و عقب سقوط المدينة بأيدي المتمردين، عمد الآلاف من رجال الأعمال و الموظفين، علويين كانوا أم لا، إلى اللجوء مع عائلاتهم في المنطقة الساحلية، معقل قوات الأسد. عملية الكوماندو التي قام بها «النينجا» في مركز المدينة أظهرت رجال «الدولة الإسلامية للعراق و المشرق» مثل الرجال العادلين في نظر بعض السكان، بينما قال أبو عبود: «ربما كانوا من رجال التاجر استأجرهم كي يأتوه بسلعه». و يقول شاب ينتمي لحركة شبابية دمقراطية :» إنهم من نفس طينة النظام، فهم يحاربون الحريات و الدمقراطية و المجتمع المدني تماما مثل نظام الأسد، و أول ما يستهدفون هم النشطاء العلمانيون».
ما أن شرع المتطرفون في محاولة تطبيق مبادئ الإمارة الإسلامية، حتى تعبأ سكان الرقة بشكل قوي. «فنحن - يقول أحد سكان الرقة - لا نريد استبدال طغيان بطغيان آخر» بل هناك من يقول أنهم يعملون لصالح النظام و دليلهم على ذلك أن الدولة الإسلامية لم تطلق رصاصة واحدة ضد قوات النظام، كما أن مواقعهم لا يهاجمها الجيش بطيرانه و لا مدفعيته، بينما مواقعهم معروفة و مكشوفة فهم يسيطرون على كل مداخل الرقة.
ينبغي شراء الخبز لدى العودة من الجولة المسائية. أمام الفرن، توجهت أم نبيل نحو الصف المخصص للنساء، بينما الصف المخصص للرجال في الرصيف المقابل كان أكثر طولا. يقف رجلان مسلحان و مقنعان بين الصفين، توضح أم نبيل : « لا هذان لا علاقة لهما برجال الدولة الإسلامية، فهما يخفيان وجهيهما لأنهما من شباب الحي و لا يريدان أن يكونا معروفين من طرف أهلهما أو جيرانهما فيحرجانهما بطلب التزود بالخبز دون الوقوف بالطابور»، فشبكة الخبز تسيطر عليها منظمة «أحرار الشام» و هي تشكيل سلفي مسلح يبدو معتدلا في السياق الحالي.
وصل هذا التشكيل من إدلب خلال الأيام الأولى التي أعقبت سقوط الرقة في مارس المنصرم، فنهب أفراده كل الأموال و الموارد التي كانت موجودة بالمدينة. هاجموا البنوك و الإدارات جامعين حوالي 17 مليار ليرة سورية (حوالي 6 ملايين أورو). و نهبوا الإدارات و المصانع حاملين جميع محتوياتها بدءا من الآلات الثقيلة حتى النوافذ، ليعيدوا بيعها و بذلك اشتروا السلاح و النفوذ و فرضوا سيطرتهم و احتكارهم على الطحين الذي يوزعونه على الأفران و يشرفون على بيعه مما أعطاهم شهادة حسن التدبير لدى السكان البسطاء، كما تولوا بعض الخدمات العمومية مثل جمع النفايات و المطافئ ، كما أن «شرطتهم الإسلامية» تشرف على السير و الجولان و كذا على الجنح و الانحرافات اليومية.
مرور الميغ:
هل هو هدير طائرة؟ بالفعل فقد مرت طائرة ميغ حوالي التاسعة صباحا. استهدفت «الثكنة»، و هو حي سكني قريب من ثكنة قديمة تعود إلى عهد الانتداب الفرنسي. أدى «البرميل» و هو عبارة عن كرة من الماء الساخن و المتفجرات، الذي سقط بين عمارتين، إلى بعض الإصابات الخفيفة لا غير. تقول أم نبيل: « هذه الغارات رسالة من بشار تقول لنا أنه لم ينسانا، فمرة كل يوم لا أكثر، و في ساعات مختلفة يبعث لنا بشار طائراته للقصف. في البداية، كنا ما أن نرى طائرة في الجو حتى تسرع العائلة جميعها للاختباء في الطابق الأرضي لدى الجيران، أما الآن فقد أصبح ذلك روتينيا، فنلاحظ مرور الميغ ثم نواصل شرب قهوتنا داعين الله ألا تحدث أضرارا كثيرة»
في الرقة، لا تسقط القنابل من السماء فقط أو في النهار لا غير. ففي الليل، تقصف المدافع ثلاث أو أربع مرات و ربما أكثر. يعرف ابنا أم نبيل تحديد موقع و هدف كل واحدة منها. على بعد 5 كيلومترات شمال الرقة، لا تزال الكتيبة 17 للجيش السوري تحتل موقعا جيد التحصين لكنه مطوق بقوات المتمردين. في هذا الجيب يتحصن حوالي 200 جندي سوري حيث يأتيهم المدد و العتاد كل يوم بواسطة طائرات عمودية، ترمي مظلات صغيرة محملة يسقط بعضها في أيدي المتمردين.
دخول مدرسي:
جاء خبر اتفاق وزير الخارجية الأمريكي و نظيره الروسي حول الأسلحة الكيماوية السورية، ليُغضب جميع أفراد عائلة أم نبيل : « هذه هي مشكلتنا؟ يصيح أبو نبيل. كل المجازر الأخرى لا تُحسب؟ المائة ألف قتيل و الغارات الجوية و القذائف و المجازر... عامان و نصف من تخريب البلاد و يذهب النظام هكذا؟ « و يواصل كل واحد تعليقه « هذا نفاق الغرب» «جُبن أوباما» أو المؤامرة الروسية -الأمريكية.
تقول نُهى الأخت الصغرى لأم نبيل و التي تعمل مُدرسة : «نحن نريد العكس تماما، نريد ذهاب بشار و الحفاظ على السلاح»، لكن هذا الخبر لم يعكر المزاج الرائق للمعلمة، التي حققت انتصارا أهم هذا الصباح. فخامس عشر سبتمبر كان يوم الدخول المدرسي. جاء حوالي مائة تلميذ من الألف الذين تحتضنهم عادة مدرستها الابتدائية، لكن عشرات الأسر الأخرى تنتظر مرور هذا اليوم بهدوء كي تبعث بأطفالها إلى المدرسة، تقول نُهى باسمة : «غدا سيكونون أكثر في الالتحاق، و لتشجيعنا بعث لنا بعض التجار عُلبا مليئة بالطباشير و الدفاتر و الأقلام» فالحياة تستمر بالنسبة لهذه العزباء ذات الخمس و الثلاثين عاما - و هي عانس حسب المعايير و الأعراف المحلية - التي تهتم بأطفال مدينتها. منذ الأسبوع السابق شرعت المُدرسات في تحضير أقسامهن، المغلقة منذ مارس الماضي. فيما قام بعض المدرسين بتعليق لافتات صغيرة في جدران المدينة تحض على الذهاب للمدرسة.
بينما كانت تمر في متجر للنسخ، تسلمت نهى بلاغا بحبر باهت باسم «المدرسون الأحرار» يدعو إلى «احترام تعاليم الإسلام، بالفصل بين الذكور و الإناث، لدى الأساتذة كما لدى التلاميذ، و بارتداء الزي الإسلامي» تقول نهى معلقة :» لا أحد سينصت لهم»، و المهم بالنسبة لها أنها ستتقاضى أجر أربعة شهور المتأخرة، فقد تطوع أحد المدرسين و توجه إلى الجزء الخاضع للدولة في محافظة دير الزور، مصحوبا بتوكيلات حوالي مائة مدرس كي يتسلم كافة الأجور، هذا الأمر أيقظ اهتمام أم نبيل التي قالت أنهم قاموا بالأمر نفسه في إدارتهم مقابل نسبة يتلقاها من يقوم بالمهمة نظرا للمخاطر التي يواجهها في رحلته.
تحديد الأهداف:
جولة في نهاية المساء على ضفاف الفرات. الحرارة خانقة تحت الحجاب و نحن نعبر جسر المنصور أو الجسر القديم، تتحسر أم نبيل على الأيام الخوالي حين كانت الخضرة على امتداد البصر، و هي المساحات التي احتلتها هذه العمارات الشاهقة المطلة على النهر. أطفال يسبحون بكامل ثيابهم. تقول أم نبيل : «في الماضي كانت هنا مقاه و مطاعم تحت الأشجار على مقربة من مياه النهر، لكنها أغلقت إما لأن الناس لم تعد ترتادها أو خوفا من القصف أو لقلة المال. بعضها أقفل لأنه كان يقدم مشروبات كحولية».
في نهاية الجسر، نصب حجري يحمل إسم المنصور، و تحته بخط اليد «الدولة الإسلامية للعراق و المشرق» و قد لطخت و كُتب تحتها مباشرة إسم منافسها الأقوى «جبهة النصرة» المرتبطة بأحد فروع القاعدة. فجأة طلع علينا من النهر ثلاثة أطفال مغمورة سراويلهم بالماء و هم يتعاركون بواسطة أغصان طويلة التقطوها، و حين أردنا أخذ صور لهم اختفوا هاربين. استمر تجوالنا على طول الكورنيش، و بعد عشرين دقيقة من السير، توقفت أمامنا سيارة «بيك آب» و على متنها «دوشكا»، نزل منها خمسة رجال مسلحين و ملتحين لكن بوجوه مكشوفة، بعد أن تأملنا طويلا قال أكبرهم سنا و هو في الأربعينات أنه بُلغ بأننا نلتقط صورا لمواقعهم. باسمة أجابته أم نبيل أنها كانت تمزح مع الأطفال الذين خرجوا من النهر وقد غمرت المياه ثيابهم. اعتذر لها و طلب منها بطاقتها للتأكد من أنها فعلا من مواليد و سكان الرقة. حيانا المسلحون باحترام و انصرفوا بعد أن أبلغونا أنهم ينتمون لجبهة النصرة. شعرنا بالارتياح.
و سنفهم فيما بعد هذا الحذر الجديد من النساء اللواتي قد يعملن مُخبرات للنظام، بما في ذلك وضع علامات في مواقع معينة كي يقصفها طيارو الجيش. هذه إحدى التهم التي يتم تناقلها بالنسبة للشابة إيمان التي قتلت قبل بضعة أيام لدى خروجها من مقهى أنترنيت. أمضت الشابة الجميلة ذات التسع عشرة سنة عدة شهور في الرقة باعتبارها مناضلة كردية بالنسبة للبعض أو لاجئة فقدت كافة أسرتها في حمص. امتزجت بمجموعات الشباب المعارض كما بمختلف الكتائب المحلية للجيش السوري الحر، و لم تكن تحرم أحدا من أفراده من جسدها. و تقول الإشاعات أن عدة مواقع زارتها تم قصفها بعد زيارتها لها. قصة إيمان و مقتلها شكلت موضوع أحاديث الأسر، يقول نبيل لوالده: « كيفما كانت الجريمة التي اقترفتها، كان ينبغي محاكمتها أو على الأقل الإعلان عن التهمة الموجهة لها» أما الوالد:»لماذا الاهتمام بفتاة لا أخلاق لها بشهادة الجميع في حين يلقى الأبرياء مصرعهم كل يوم تحت القصف» و يواصل أبو نبيل حديثه: «ليس للإسلاميين أية حظوظ في الرقة، فالمجتمع برمته يرفضهم، بل إن الناس أصبحوا يذهبون للمسجد بشكل أقل منذ أن حلوا بالمدينة.لا ينبغي الخطأ في تحديد العدو. إذا سقط النظام، سيتم طردهم في بضعة أيام أو أسابيع لا غير»
«ليبراسيون» الفرنسية
عدد 28 و 29 سبتمبر 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.