وصف المشاركون في اليوم الأول من المؤتمر الدولي الذي ينظمه المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية بشراكة مع مؤسسة جيفرسون أن العالم العربي يجتاز ظروفا دقيقة تستدعي اليقظة العلمية. وركزت المداخلات التي شهدها مؤتمر «الحقوق الطبيعية في العالم العربي ما بعد الثورة: التحديات والآفاق»، الذي تحتضنه العاصمة المغربية الرباط ما بين الثامن عشر والعشرين من الشهر الجاري، على دراسة التجارب التاريخية الإنسانية في التغيير في محاولة لفهم ما يجري في ما بات يعرف بالربيع العربي وما شهدته وتشهده من انتكاسات وتراجعات في حقوق الأفراد والجماعات. وفي هذا السياق قال نوح الهرموزي مدير المركز في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر إن المرحلة الدقيقة التي يجتازها العالم العربي تقتضي مزيدا من اليقظة العلمية لتلافي وتجنب أية خسارة جمعية لصالح منافع فئوية عصبوية، قطاعية. وأكد الهرموزي، ضرورة العمل على تقديم رؤية واضحة للمرحلة القادمة، مرحلة لا يجب أن يتسم سلوكها بالتكيف الاضطراري ومهادنة المقاربات النمطية الشعبوية الجاهزة بهدف الاقتصار على احتواء الوضع الناشئ وعدم الغوص عميقا في عملية التغيير. وفي نفس الصدد شدد الهرموزي على ضرورة تدارس خيارات الإصلاح والتغيير المجتمعي المستمد من خصوصيات المجتمع العربي، مستلهما ومستأنسا بالتجارب الانتقالية الناجحة في المجتمعات البشرية عبر التاريخ كله. من جانبه اعتبر مدير البرامج العلمية في مؤسسة أطلس للدراسات أن الحقوق الطبيعية تعني أن كافة البشر خلقوا متساوين والخالق وهبهم حقوقا لا يمكن سلبها وهذه الحقوق هي الحق في الحرية والحق في الحياة والحق في السعادة. غير أنه أضاف أن هذه الحقوق وخاصة الحق في الحرية ليست حقوقا مطلقة ولا مرتبطة بالرغبات والمصالح. إلى ذلك تطرق بالمر إلى النظام التلقائي معتبرا إياه أحد المفاهيم التي تعرضت لها وثيقة إعلان الاستقلال الأميركي بما يعنيه ذلك من سيادة القانون وانطباقه على الجميع وهو ما يشكل مبادئ المجتمعات الحرة. وحول التجارب التاريخية في التحرر اعتبر المتدخل « أن الشيوعية باعتبارها نظاما شموليا ينافي الطبيعة الإنسانية قد انتهت وأنها على المستوى الاقتصادي، تعيش الإفلاس وتشجع المحسوبية والزبونية». ومن جهة أخرى أورد بالمر في معرض حديثه عن خطورة تضخم دور الدولة، النموذج الأرجنتيني حيث تضخمت الحقوق وصار حتى الحق في الجمال من ضمن الحقوق التي تتكفل الدولة بضمان تغطيتها من خلال دعم العمليات الجراحية الأمر الذي أدى إلى استفحال أزمة الأرجنتين ودخول اقتصادها بفعل عوامل مشابهة في أزمات متلاحقة. ومن جهة أخرى ميز «جون بيير شوفور»، ممثل صندوق النقد الدولي بالمغرب وشمال أفريقيا، بين الحقوق الإيجابية والحقوق السلبية. وقال المتدخل إن?الحق في التنمية من الحقوق الإيجابية والتي يتوقف تحقيقها على الغير من قبيل الحقوق الاجتماعية والصحة والتعليم والسكن وغيرها أو ما يعتبره الجيل الثاني للحقوق?، أما الحقوق السلبية فهي الحقوق المدنية والسياسية. وحول تطور هذه الحقوق قال «شوفور» إنها مرت عبر مرحلتين، الأولى ظهرت فيها الحقوق الطبيعية من قبيل الحق في الحياة والملكية والحرية والسعادة، حيث حضرت هذه الحقوق في المواثيق والإعلانات الأولى للحريات والحقوق، ولم يتردد ?شوفور? في اعتبار الحق في الملكية هو الحق الأساسي في الغرب. وقال ذات المتحدث إن هذه الحقوق تجسدت في عدد من الوثائق المؤسسة للحق في الحرية كإعلان استقلال أمريكا والإعلان عن حقوق الإنسان والمواطن. أما المرحلة الثانية فهي التي شهدت صعود الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة مع ظهور بلدان المعسكر الشرقي الاشتراكي. وقارن بين الحقوق السلبية والإيجابية مبرزا أن الحقوق الإيجابية حقوق مكلفة للدولة في حين أن الحقوق السلبية والطبيعية غير مكلفة ولا يتعين على أية جهة أن تمنحها لك. بينما الحق في الصحة والتعليم يحتاج إلى الدخل وتوفير ميزانيات من طرف الدولة. ويضيف أن الحقوق الاجتماعية في حالة إذا سلمنا بها فهناك صعوبة من حيث تحديدها ومستوى تحققها. وبخصوص التقدم والتنمية، تساءل المحاضر حول طبيعتها هل هي داخلية وناشئة من المجتمع أم أنها نتاج تدخلات خارجية من طرف المجتمع الدولي في إطار دعم البلدان الفقيرة. كما اعتبر أن فكرة التقدم تجد أصولها في فكر الأنوار والذي أعلى من شأن الفرد وقدرته على الإبداع والإنتاج. وفي إجابته عن هذا السؤال يرى?شوفور?أن التنمية يجب أن تتأسس على الفرد الذي ينبغي أن تمنح له كافة الإمكانات من أجل مساهمته الفاعلية في عملية التنمية. واعتبر أن الدولة ليست بالضرورة مسؤولة عن فقر الأفراد الذين يجب أن يتحملوا مسؤولية فعاليتهم من عدمها ومن ثمة شكك «شوفور» في اعتبار الفقر انتهاكا لحقوق الإنسان. من جهته قارب الأكاديمي التونسي محمد الحداد حرية المعتقد معتبرا الدين موضوعا مهما وخطيرا، لأنه مكبوت ويمكن أن ينفجر، مما قد يؤدي إلى إلحاق الأضرار بالمجتمع خاصة أمام استغلال الدين من طرف بعض الجماعات والحركات، وهذا الاستغلال قد أوصل المجتمعات إلى حروب أهلية، يقول الحداد. وفي ارتباط بالمسألة الدينية أشار الباحث إلى مسألة الهوية كوجه من وجوه حرية المعتقد التي تطرح إشكال التعايش بين عدة معتقدات دون أن يؤدي ذلك إلى الصراعات والحروب والعنف. وفي سياق آخر ميز الحداد بين الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الانسان بوصفه إنسانا بغض النظر عن الانتماء الاجتماعي أو الثقافة أو العرق أو اللغة أو الدين أو الوطن. ولم يتردد الحداد في انتقاد ما سماه ظاهرة تمطيط كلمة الحقوق في الدساتير العربية لتصبح مجرد وعود فقط. وانتهى إلى القول بأن الدولة لايمكنها أن تحقق كل المطالب والحقوق كما أن حرية المعتقد كحق طبيعي لم يكن من السهل قبولها وبالتالي فقد أثارت الكثير من السجال والنقاش مع أنه كما يؤكد الحداد ليست قضية كمالية نخبوية تهم المثقفين بل هي قضية لها تأثيرها على كل المسارات المجتمعية. عن «العرب اللندنية»